الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: قاعدة الاضطراب سندا، متنا، سندا ومتنا
الفصل الأول: قاعدة الاضطراب في السند
المبحث الأول: منهج المحدثين في زيادة الثقة مع قاعدةفي الرواة المختلفين
…
الفصل الأول: قاعدة الاضطراب في السند
المبحث الأول: منهج المحدثين في زيادة الثقة مع قاعدة في الرواة المختلفين.
الاضطراب في السند له ست صور:
أ - الاضطراب بتعارض الوصل والإرسال.
ب - الاضطراب بتعارض الاتصال والانقطاع.
ج - الاضطراب بتعارض الوقف والرفع.
د - الاضطراب بزيادة رجل في أحد الإسنادين.
هـ- الاضطراب في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف.
و الاضطراب في تعيين الراوي 1.
وإنما يعل الحديث في هذه الصور بشرط اتحاد المخرج.
قال العلائي: "لايقدح أحدهما في الآخر إذا اختلف السندان" 2اه.
وقال ابن دقيق في معرض كلامه عن تعليل الحديث بالاختلاف: "وهذا بشرط أن لا يكون الطريقان مختلفين بل يكونان عن رجل واحد" 3اه.
وقال ابن عبد الهادي: "محل الخلاف إذا اتحد السندان أمّا إذا [اختلفا] فلا
1 من كلام العلائي بتصرف. نقله الحافظ في النكت (2/778) .
2 جزء القلتين (49) .
3 الاقتراح (224) وانظر النكت (2/611) للحافظ.
يقدح أحدهما في الآخر إذا كان ثقة جزماً"1اهـ.
وسبب الضعف في هذه الصور أمران:
1-
أنها دلت على عدم ضبط الراوي لذلك الحديث 2.
2-
أنها في إحدى الحالتين تكون ضعيفة3 إلا في صورة الرفع والوقف؛ فلأن الموقوف ليس حجة كالمرفوع.
وهذه الصور لها تعلق بمسألة "زيادة الثقة".
قال ابن الصلاح في معرض حديثه عن الحديث الذي اختلف في وصله وإرساله أو وقفه ورفعه: "ولهذا الفصل تعلق بفصل "زيادة الثقة" في الحديث"4اهـ.
وإنما تعلقت بزيادة الثقة؛ [لأنه آت بزيادة]5.
وتعلقت زيادة الثقة بها؛ لأن فيها - أي الزيادة - مخالفة لما رواه غيره وصورة مسألة زيادة الثقة: [أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة]6.
1 نقله السخاوي في فتح المغيث (1/207) .
2 علوم الحديث (269) لابن الصلاح.
3 كالإرسال والانقطاع.
4 علوم الحديث (229) وانظر النكت (2/605) للحافظ وفتح المغيث (1/200) و (4/72) للسخاوي.
5 سلاسل الذهب (329) للزركشي.
6 شرح العلل (2/635) لابن رجب.
ومحلها في التابعين فمن دونهم 1.
واختلف العلماء في زيادة الثقة على مذاهب:
1-
القبول مطلقاً.
2-
الرد مطلقاً.
3-
التفصيل فيه.
قال ابن عبد الهادي في معرض ردِّه على من قال الزيادة من الثقة مقبولة:
"فإن قيل الزيادة من الثقة مقبولة؟
قلنا: ليس ذلك مجمعاً عليه، بل فيه خلاف مشهور!
فمن الناس: من يقبل زيادة الثقة مطلقاً.
ومنهم: من لا يقبلها.
والصحيح التفصيل وهو أنها تقبل في موضع دون موضع فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة 2.
وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها.
1 فتح الباقي (1/211) للأنصاري.
قال الحافظ في النكت (2/691) : "الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند فلا يختلفون في قبولها" اهـ وانظر جزء رفع اليدين (189) للبخاري.
2 وهذا ليس علىإطلاقه انظر شرح العلل (2/582) لابن رجب.
ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها.
ففي موضع يجزم بصحتها.
وفي موضع يغلب على الظن صحتها.
وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة.
وفي موضع يغلب على الظن خطؤها.
وفي موضع يتوقف عن الزيادة"1 اهـ.
وهذا الذي صححه ابن عبد الهادي هوالصواب إن شاء الله؛ لأن الإسناد الذي اختلف فيه رواته لا يخلو من حالتين: -
أ- أن تحتف بالإسناد قرائن ترجح أحد الأوجه.
ب- أن لا تحتف بالإسناد قرائن 2.
فإن احتفت بالإسناد قرائن ترجح أحد الأوجه؛ فليس لأهل الحديث قاعدة مضطردة بل هم يحكمون في كل حديث بحكم خاص.
قال أبو داود للإمام أحمد: "إذا اختلف الفريابي ووكيع، أليس يقضي لوكيع؟
قال: مثل ماذا؟
قلت: مالم يروه غيره؟
1 نقله الزيلعي في نصب الراية (1/336- 337) باختصار.
2 انظر النكت (2/605) للحافظ.
قال: ما أدري وكيع ربما خولف أيضاً" 1اه.
وقد نص جماعة من أهل التحقيق والدراية والتدقيق على أنه ليس لأهل الحديث حكم عام مطرد عند الاختلاف بل مرجع ذلك إلى القرائن والمرجحات.
منهم:
1-
الإمام العلامة المحقق المدقق أبو الفتح محمد بن علي القشيري الشافعي المعروف بابن دقيق العيد ت702هـ.
قال رحمه الله: "أهل الحديث قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته. كمخالفة جمع كثير له أو من هو أحفظ منه أو قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه.
ولم يجر ذلك على قانون واحد يستعمل في جميع الأحاديث. ولهذا أقول: إن من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارضت رواية مرسل ومسند أو واقف ورافع أو ناقص وزائد: أن الحكم للزائد؛ فلم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً. وبمراجعة أحكامهم الجزئية، تعرف صواب ما نقول"2اهـ.
2-
والإمام العلامة المحقق أبو الفتح محمد بن محمد المصري المعروف بابن سيد الناس ت734هـ.
قال رحمه الله: "ليس لأكثر أهل الحديث في تعارض الوصل والإرسال
1 سؤالات أبي داود (199رقم139) وانظر العلل (6/151) للدارقطني.
2 شرح الإلمام (1/60- 61) باختصار وانظر النكت (2/60) للزركشي.
عمل مطرد"1 اهـ.
3-
والإمام العلامة المحقق أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المعروف بابن عبد الهادي الحنبلي ت744 هـ.
قال رحمه الله: "ذهب الحذاق من الأئمة - وهي أقوى الطرق - أنه يصار إلى الترجيح فتارة يحكم للوقف وتارة يحكم للرفع وتارة يتوقف كل بحسب القرائن.
وهذه طريقة الشافعي وأحمد وعلي بن المديني والبخاري والنسائي وغيرهم من الأئمة" 2اهـ.
وقال أيضاً: "الأخذ بالمرفوع والمتصل في كل موضع طريقة ضعيفة لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث"3.
4-
والإمام العلامة المحقق أبو سعيد خليل العلائي الشافعي ت761هـ.
قال رحمه الله: "الذي يظهر من كلامهم - أي المحدثين - خصوصاً المتقدمين كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهما كأحمد ابن حنبل وعلي بن المديني ويحيى ابن معين وهذه الطبقة، ومن بعدهم كالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين ومسلم والترمذي والنسائي وأمثالهم والدارقطني والخليلي. كل هؤلاء مقتضى تصرفهم في الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى
1 نقله الحافظ في النكت (2/604) .
2 نقله الزركشي في النكت (1/156 - تحقيق: نور علي) وانظر تنقيح التحقيق (1/108) لابن عبد الهادي، ونصب الراية (1/336) .
3 تنقيح التحقيق (1/119) .
مايقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث. وهذا هو الحق"1 اهـ.
5-
والإمام العلامة المحقق أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد الدمشقي المعروف بابن رجب الحنبلي ت795هـ.
قال رحمه الله: "ربما يستنكر أكثر الحفاظ المتقدمين بعض تفردات الثقات الكبار. ولهم في كل حديث نقد خاص وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه"2اهـ.
6-
والإمام العلامة المحقق أبو الفضل أحمد بن علي الشافعي المعروف بابن حجر العسقلاني ت852 هـ.
قال رحمه الله: "المنقول عن أئمة الحديث المتقدمين اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها. ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة"3 اهـ.
7-
والإمام العلامة المحقق إبراهيم بن عمر البقاعي ت885 هـ.
قال رحمه الله: "لحذاق المحدثين في هذه المسألة نظر - وهو الذي لاينبغي أن يعدل عنه - وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكم مطرد وإنما يديرون في ذلك مع القرائن"4 اهـ.
8-
والإمام العلامة المحقق أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي
1 نقله الزركشي في النكت (2/175) والحافظ في النكت (2/604، 778) وانظر نظم الفرائد (209) للعلائي.
2 شرح العلل (2/582) .
3 نزهة النظر (96) . وانظر النكت (2/746) .
4 نقله الصنعاني في توضيح الأفكار (1/339- 340) .
ت902هـ قال رحمه الله: "الحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن عدم اطراد حكم كلي. بل ذلك دائر مع الترجيح: فتارة يترجح الوصل، وتارة الإرسال، وتارة يترجح عدد ذوات الصفات، وتارة العكس. ومن راجع أحكامهم الجزئية؛ تبين له ذلك"1 اهـ.
وإن لم تحتف بالإسناد قرائن فاختلف المحدثون في الترجيح:
فمنهم من يرجح الوصل والرفع.
ومنهم من يرجح الإرسال والوقف.
ومنهم من يرجح رواية الأكثر.
ومنهم من يرجح رواية الأحفظ.
قال الحافظ معلقاً على كلام العلائي السابق: "هذا العمل الذي حكاه2 عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه ترجيح.
وأما ما لايظهر فيه الترجيح فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة3"4 اهـ.
وقال السخاوي بعد ذكره لاختلافهم في تقديم الوصل أو الإرسال أو الأكثر أو الأحفظ: "والظاهر أن محل الأقوال 5 فيما لم يظهر فيه ترجيح كما
1 فتح المغيث (1/203) .
2 من أنهم لايحكمون بحكم كلي.
3 أي تعارض الوصل والإرسال.
4 النكت (2/605) .
5 وفي نسخة (الخلاف) ذكره المحقق.
أشار إليه شيخنا"1 اهـ.
قاعدة في الرواة المختلفين:
الرواة المختلفون في الحديث وصلاً وإرسالاً. رفعاً ووقفاً. اتصالاً وانقطاعاً، ونحوه [إما أن يكونوا متماثلين في الحفظ والإتقان أم لا.
فالمتماثلون إما أن يكون عددهم من الجانبين سواء أم لا.
فإن استوى عددهم مع استواء أوصافهم، وجب التوقف حتى يترجح أحد الطريقين بقرينة من القرائن فمتى اعتضدت إحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكم لها.
ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر. ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث. بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص. لا يخفى على الممارس الفطن الذي أكثر من جمع الطرق.
ولأجل هذا كان مجال النظر في هذا أكثر من غيره. وإن كان أحد المتماثلين أكثر عدداً فالحكم لهم على قول الأكثر. وقد ذهب قوم إلى تعليله، وإن كان من وصل أو رفع أكثر. والصحيح خلاف ذلك] 2.
وقال يحيى بن معين: "أصحاب سفيان الثوري ستة: يحيى بن سعيد
1 فتح المغيث (1/202- 203) وانظر فتح الباقي (1/178) للأنصاري والأجوبة المرضية (1/200- 201) للسخاوي.
2 من كلام العلائي نقله الحافظ في النكت (2/778) .
وقال الذهبي في الموقظة (52) : "العبرة بما اجتمع عليه الثقات فإن الواحد قد يغلط وهنا ترجح ظهور غلطه فلا تعليل والعبرة بالجماعة"اهـ.
ووكيع ابن الجراح وابن المبارك والأشجعي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو نعيم.
وليس أحد من هؤلاء يحدث عن سفيان فيخالفه بعض هؤلاء الستة فيكون القول قوله حتى يجيء إنسان يفصل بينهما فإذا اتفق من هؤلاء اثنان على شيء كان القول قولهما"1 اهـ.
[وأما غير المتماثلين فإما أن يتساووا في الثقة أو لا فإن تساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له ولا يلتفت إلىتعليل من علله بذلك.
أيضاً إن كان العكس فالحكم للمرسل والواقف] 2.
قال ابن هاني للإمام أحمد: "إن اختلف شعبة وسفيان فالقول قول من؟
قال: سفيان أقل خطأ وبقول سفيان آخذ" 3 اهـ.
[وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة ولا يلتفت إلى تعليل من علله برواية غير الثقة إذا خالف]4.
قال النسائي في معرض بيانه لاختلافٍ في حديث: "لا يحكم بالضعفاء على الثقات" 5 اهـ[إذ رواية الثقات لا تعلل برواية الضعفاء]6.
[وإذا كان رجال أحد الإسنادين أحفظ، والآخر أكثر فقد اختلف المتقدمون فيه:
1 التاريخ (3/560 ـ الدوري) .
2 من كلام العلائي نقله الحافظ في النكت (2/779) .
3 المسائل (2/213) وانظر تاريخ ابن معين (44 ـ 45 رقم 58ـ الدقاق) .
4 من كلام العلائي نقله الحافظ في النكت (2/779) .
5 السنن الكبرى (3/491) . وانظر العلل (1/16) لابن أبي حاتم.
6 انظر نصب الراية (4/97) للزيلعي، وشرح الإلمام (1/391) لابن دقيق.
فمنهم من يرى قول الأحفظ أولى؛ لإتقانه وضبطه.
ومنهم من يرى قول الأكثر أولى؛ لبعدهم عن الوهم.
ولا شك أن الاحتمال من الجهتين منقدح قوي، لكن ذاك إذا لم ينته عدد الأكثر إلى درجة قوية جداً بحيث يبعد اجتماعهم على الغلط أو يندر أو يمتنع عادة فإن نسبة الغلط إلى الواحد وإن كان أرجح من أولئك في الحفظ والإتقان أقرب من نسبته إلى الجمع الكثير] 1.
1 من كلام العلائي نقله الحافظ في النكت (2/779 ـ 780) .
(فائدة) :
قال محمد ناصر الدين: "الأخذ بالأقل هو المتيقن عند اضطراب الرواة وعدم إمكان ترجيح وجه من وجوه الاضطراب" اهـ. السلسلة الصحيحة (4/371) وانظر المعلم (2/174) للمازري والنكت (2/58) للزركشي.