الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: أن يكون المخرج مختلفاً
إذا وقع الاختلاف في المتن مع اختلاف المخرج:
فهذا يعرف بمختلف الحديث: وهو الحديث المقبول المعارض في الظاهر بمثله.
قال يحيى بن سعيد للإمام أحمد: "لا تضرب الأحاديث بعضها ببعض يعطي كل حديث وجهه"1 اهـ.
وقال ابن خزيمة: "لا أعرف أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلمحديثان بإسنادين صحيحيىن متضادان. فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما"2 اهـ.
وقال ابن قيم الجوزية: "ليس بين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تعارض ولا تناقض ولا اختلاف. وحديثه كله يصدق بعضه بعضاً"3 اهـ.
وقال أيضاً: "لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة. فإذا وقع التعارض:
فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتاً. فالثقة يغلط.
أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يقبل النسخ.
1 مسائل صالح (2/267) . وهذه قاعدة عظيمة يغفل عنها كثير ممن ينتقد الأحاديث النبوية. وانظر الرسالة (284- 285،341- 342) للشافعي.
2 أخرجه الخطيب في الكفاية (432) .
3 زاد المعاد (3/682) . وانظر المعلم (2/168) للمازري.
أو يكون التعارض في فهم السامع لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم. فلا بد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة.
وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً للآخر. فهذا لا يوجد أصلاً. ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق. والآفة من التقصير في معرفة المنقول والتمييز بين صحيحه ومعلوله. أو من القصور في فهم مراده صلى الله عليه وسلم وحمل كلامه على غير ما عناه به. أو منهما معاً. ومن ها هنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع. وبالله التوفيق"1 اهـ.
وإذا كان التعارض في فهم السامع فلا يتسارع برده ونقده طاعناً في الحديث.
قال الإمام أحمد: "كيف يجوز له أن يرد الأحاديث، وقد رواها الثقات؟
وينبغي للإنسان إذا لم يعرف الشيء أن لا يرد الأحاديث، وهو لا يحسن يقول: لا أحسن" 2 اهـ.
وقال الذهبي: "السنن الثابتة لا ترد بالدعاوى"3 اهـ.
وقال الحافظ: "الحديث المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم.
وإن عورض [الحديث المقبول] بمثله [أي بحديث مقبول] فإن أمكن
1 زاد المعاد (4/149- 150) .
2 مسائل صالح (3/20) . وانظر تهذيب الآثار (2/713- عمر) لابن جرير والقراءة خلف الإمام (218) للبيهقي وزاد المعاد (2/204) لابن قيم الجوزية.
3 النبلاء (4/528) .
الجمع [بينهما] فهو النوع المسمى مختلف الحديث.
وإن لم يمكن الجمع فلا يخلو إما أن يعرف التاريخ أولا.
فإن عرف [التاريخ] وثبت المتأخر به أو بأصرح منه فهو الناسخ والآخر المنسوخ.
وإن لم يعرف التاريخ فلا يخلو:
إما أن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح المتعلقة بالمتن أو بالإسناد أو لا. فإن أمكن الترجيح تعين المصير إليه. وإلا فلا.
فصار ما ظاهره التعارض واقعاً على هذا الترتيب: الجمع إن أمكن.
فاعتبار الناسخ والمنسوخ.
فالترجيح إن تعين.
ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين.
والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط؛ لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه والله أعلم" 1اه.
قال القاضي عياض بعد ذكره روايات الحوض وتقديره: "هذا كله من اختلاف التقدير، ليس في حديث واحد فيحسب اختلافاً واضطراباً من الرواة وإنما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحدٍ من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة"2.
1 نزهة النظر (102- 108) باختصار. وما بين المعكوفتين مني. وانظر زاد المعاد (4/149) لابن قيم الجوزية.
2 اكمال المعلم (7/259) .
وقال ابن سيد الناس في معرض بيانه للاختلاف الواقع في المتن: "إن لم يكن المخرج واحداً. والوقعة لا يبعد تكرار مثلها، فيحمل على أنه ليس حديثاً واحداً. بل لعله أكثر من ذلك.
وهناك يحمل عام تلك الألفاظ على خاصها. ومطلقها على مقيدها. ومجملها على مفسرها. بحسب ما يقع من ذلك"1 اهـ.
وقال العلائي: "إذا اختلفت مخارج الحديث. وتباعدت ألفاظه. فالذي ينبغي أن يجعلا حديثين مستقلين. وهذا لا إشكال فيه"2 اهـ.
وقال ابن رجب: "إن ظهر أنه حديثان بإسنادين، لم يحكم بخطأ أحدهما.
وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر. أو نقص منه. أو تغير يستدل به على أنه حديث آخر.
فهذا يقول على بن المديني وغيره من أئمة الصنعة: هما حديثان بإسنادين"3 اهـ.
وقال الحافظ: "إذا اختلفت مخارج الحديث 4. وتباعدت ألفاظه. أو كان سياق الحديث 5 في حكاية واقعة يظهر تعددها. فالذي يتعين القول به أن يجعلا
1 أجوبة ابن سيد الناس (ق40/أ) .
2 نظم الفرائد (112) .
3 شرح العلل (2/843) . وانظر فتح المغيث (1/207) للسخاوي.
4 انظر احكام الإحكام (4/132) لابن دقيق وفتح الباري (3/342) لابن رجب والتلخيص الحبير (4/11) للحافظ.
5 انظر المفهم (3/174) للقرطبي وموافقة الخبر (2/124) ونتائج الأفكار (1/205) و (2/194،272) والتهذيب (6/105) للحافظ والأجوبة المرضية (1/132) للسخاوي.
حديثين مستقلين" 1اه.
ولا يعل أحدهما بالآخر. ولا يكون الاختلاف مؤثراً 2.
قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه عبثر عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كان فيما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنماً مقلدة؟
قال أبي: روى جماعة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مرة غنماً" وليس في حديثهم مقلدة.
قال أبي: اللفظان ليسا بمتفقين. وأرجو أن يكونا جميعاً صحيحيىن" 3اه.
1 النكت (2/791) وانظر المفهم (2/367) للقرطبي.
2 انظر فتح الباري (3/342) لابن رجب وطرح التثريب (7/206) . للعراقي ونتائج الأفكار (2/174) للحافظ والمقاصد الحسنة (190،281) للسخاوي.
3 العلل (1/283) وانظر تحفة الأشراف (11/355- 356) للمزي.