المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: أن يكون المخرج واحدا - المقترب في بيان المضطرب

[أحمد بن عمر بازمول]

فهرس الكتاب

- ‌مفتاح ومصطلحات ورموز الرسالة

- ‌مقدمة الرسالة

- ‌القسم الأول: الحديث المضطرب تعريفا ودراسة

- ‌تمهيد

- ‌الخبر باعتبار طرقه، اسباب الضغف في الحديث، أنواع المخالفة

- ‌(أهمية معرفة المضطرب)

- ‌الباب الأول: الاضطراب لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الأول: الاضطراب لغة

- ‌الفصل الثاني: المضطرب اصطلاحاً

- ‌الفصل الثالث: أنواع الاضطراب وحكم كل نوع

- ‌الفصل الرابع: التصنيف في المضطرب:

- ‌الباب الثاني: حكم الاختلاف على الراوي وأثره على الراوي والمروي ومعرفة الراوي المضطرب

- ‌الفصل الأول: مذاهب العلماء في الاختلاف على الراوي

- ‌الفصل الثاني: أثره على السند والمتن

- ‌الفصل الثالث: معرفة الراوي المضطرب:

- ‌الباب الثالث: قاعدة الاضطراب سندا، متنا، سندا ومتنا

- ‌الفصل الأول: قاعدة الاضطراب في السند

- ‌المبحث الأول: منهج المحدثين في زيادة الثقة مع قاعدةفي الرواة المختلفين

- ‌المبحث الثاني: الاضطراب بتعارض الوصل والإرسال

- ‌المبحث الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الرابع: تعارض الرفع والوقف

- ‌المبحث الخامس: الاضطراب بزيادة رجل في أحد الإسنادين

- ‌المبحث السادس: الاضطراب في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌المبحث السابع: الاضطراب في تعيين الراوي

- ‌الفصل الثاني: قاعدة الاضطراب في المتن

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: أن يكون المخرج مختلفاً

- ‌المبحث الثاني: أن يكون المخرج واحداً

- ‌الفصل الثالث: قاعدة الاضطراب سنداً ومتناً

- ‌القسم الثاني: الرواة الموصوفون الاضطراب مطلقا أو بقيد

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: الرواة الموصوفون بالاضطراب مطلقاً

- ‌الباب الثاني: الرواة الموصوفون بالاضطراب بقيد

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: أن يكون المخرج واحدا

‌المبحث الثاني: أن يكون المخرج واحداً

[إذا اتحد مخرج الحديث وتقاربت ألفاظه فالغالب حينئذ على الظن أنه حديث واحد وقع الاختلاف فيه على بعض الرواة لا سيما إذا كان ذلك في سياقة واقعة تبعد أن يتعدد مثلها في الوقوع]1.

فإن أمكن رد بعضها إلى بعض صير إليه؛ لأن الأصل في الحديث [أن يحمل على الاتفاق ما وجد السبيل إلى ذلك. ولا يحمل على التنافي والتضاد]2.

[إذ الجمع بين ألفاظ الحديث الواحد وبناء بعضها على بعض أولى من إطراح أحدها أو توهين الحديث بالاضطراب في ألفاظه]3.

قال ابن دقيق العيد: "يعرف كون الحديث واحداً باتحاد سنده ومخرجه وتقارب ألفاظه" 4 اهـ.

ولما اختلفت ألفاظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في كراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم 5 قال بعضهم: "هو مضطرب" فتعقبه القرطبي بقوله: "حديث عبد الله بن عمرو اشتهر وكثر رواته؛ فكثر اختلافه، حتى ظن من لا بصيرة عنده أنه مضطرب! وليس كذلك؛ فإنه إذا تتبع اختلافه. وضم بعضه إلى

1 من كلام العلائي في نظم الفرائد (112) .

2 من كلام الطحاوي في المعاني (4/392) وانظر طرح التثريب (2/166) للعراقي.

3 انظر اكمال المعلم (5/350) للقاضي عياض.

4 إحكام الإحكام (2/231) .

5 أخرجه البخاري في الصحيح (رقم1974- 1980) ومسلم في الصحيح (رقم1159)

ص: 167

بعض. انتظمت صورته وتناسب مساقه؛ إذ ليس فيه اختلاف تناقض ولا تهاتر، بل يرجع اختلافه إلى أن ذكر بعضهم ما سكت عنه غيره. وفصل بعض ما أجمله غيره.

قوله: "صم من كل عشرة يوماً" هذا في المعنى موافق للرواية التي قال فيها: "صم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فإن الحسنة بعشرة أمثالها" وكذلك قوله في الرواية الأخرى: "صم يوماً. ولك أجر ما بقي". وهذا الاختلاف وشبهه من باب النقل بالمعنى"1 اهـ.

وقال القرطبي أيضاً على حديث اختلفت ألفاظه: "حديث عائشة2 كثرت رواياته. واختلفت ألفاظه حتى يتوهم أنه مضطرب وليس كذلك؛ لأنه ليس فيه تناقض. وإنما كانت القضية مشتملة على كل ما نقل من الكلمات والأحوال المختلفة لكن نقل بعض الرواة ما سكت عنه غيرهم وعبر كل منهم بما تيسر له من العبارة عن تلك القضية.

ويجوز أن يصدر مثل ذلك الاختلاف من راوٍ واحد في أوقات مختلفة. ولا يعد تناقضاً؛ فإنه إذا اجتمعت تلك الروايات كلها. انتظمت وكملت الحكاية عن تلك القضية.

وعلى هذا النحو وقع ذكر اختلاف كلمات القصص المتحدة في القرآن فإنه تعالى يذكرها في موضع وجيزة. وفي آخر مطولة. ويأتي بالكلمات المختلفة

1 المفهم (3/224- 225) باختصار. وانظر شرح النووي على مسلم (8/57- 69) وفتح الباري (4/217- 226) للحافظ.

2 أخرجه مسلم في الصحيح (رقم2106،2107) .

ص: 168

الألفاظ مع اتفاقها على المعنى. فلا ينكر مثل هذا في الأحاديث" 1 اهـ.

وقال الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضاً" 2اه.

وقال الأثرم: "الأحاديث يفسرها بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً"3.

وقال القاضي عياض: "الحديث يفسر بعضه بعضاً ويرفع مفسره الإشكال عن مجمله ومتشابهه"4.

وقال ابن دقيق: "الحديث إذا اجتمعت طرقه فسر بعضها بعضاً" 5 اهـ.

وقال ابن حزم: "ليس اختلاف الروايات عيباً في الحديث إذا كان المعنى واحداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه إذا كان يحدث بحديث كرره ثلاث مرات. فنقل كل إنسان بحسب ما سمع. فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحداً" 6اه.

وقال جرير بن حازم: "كان الحسن يحدث بالحديث الأصل واحد والكلام مختلف"7.

1 المفهم (5/425) وانظر منه (5/108) والإعلام بسنته (1ق83/أ) لمغلطاي والنكت 3/608) للزركشي.

2 أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/212) .

3 ناسخ الحديث ومنسوخه (251) .

4 اكمال المعلم (8/380) .

5 إحكام الإحكام (1/117) .

6 الإحكام في أصول الأحكام (1/139) وانظر اختلاف الحديث (71) للشافعي.

7 أخرجه الدارمي في السنن (1/105 رقم 317) بسند صحيح.

ص: 169

وقال عبد الحق الإشبيلي: "ليس الاختلاف في اللفظ مما يقدح في الحديث إذا كان المعنى متفقاً" 1اه.

وقال ابن رجب: "اختلاف ألفاظ الرواية يدل على أنهم كانوا يروون الحديث بالمعنى ولا يراعون اللفظ إذ المعنى واحد. وإلا لكان الرواة قد رووا الحديث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة ولا يظن ذلك بهم مع علمهم وفقههم وعدالتهم وورعهم" 2 اهـ[بل هو سوء ظن بالرواة. وتطريق إلى إفساد أكثر الأحاديث]3.

وقال المعلمي: "الخلاف بالرواية مما لا يغير المعنى، كالتقديم والتأخير وإبدال كلمة بأخرى مرادفة لها وجعل الضمائر التي للمخاطب للمتكلم. وغيره فهذا من الرواية بالمعنى. وكانت شائعة بينهم فلا تضر" 4اه.

وقال ابن سيد الناس: "إذا كان المخرج واحداً، والواقعة مما يندر وجودها ويبعد تكرار مثلها. فأمكن رد بعض تلك الألفاظ المختلفة في المعنى إلى بعض، فلا إشكال. ويحمل على أنه خبر واحد روي بلفظه مرة، ربما أدى إليه معنى اللفظ غيرها"5 اهـ.

وقال العلائي: "إذا اتحد مخرج الحديث واختلفت ألفاظه فإما أن يمكن رد

1 نقله محقق نقد بيان الوهم (58) .

2 فتح الباري (6/393) بتصرف.

3 من كلام المازري في المعلم (2/145) .

4 عمارة القبور (175) بتصرف. وانظر تهذيب الآثار (1/426- عمر) للطبري.

5 أجوبة ابن سيد الناس (ق40/ب) .

ص: 170

إحدى الروايتين إلى الأخرى1. أو يتعذر ذلك. فإن أمكن ذلك تعين المصير إليه. ولهذا القسم أمثلة:

أحدها: رد إحدى الروايتين إلى الأخرى:

بأن كل من قال لفظاً عبر به عن المجموع. وهو أمر يستعمل كثيراً في كلام العرب.

مثاله:

ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام؟

قال: "أوف بنذرك"2.

ورواه نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف. فقال يا رسول الله: إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف يوماً في المسجد الحرام فكيف ترى؟

قال: "اذهب فاعتكف يوماً"3.

فمرة قال (ليلة) . ومرة قال (يوماً) .

قال النووي: "الرواية التي فيها اعتكاف يوم لا تخالف رواية اعتكاف ليلة؛

1 قال المعلمي في الأنوار الكاشفة (262) : "ما لايختلف به المعنى وهذا ليس باضطراب"اهـ

2 أخرجه البخاري في الصحيح (4/274رقم2032- فتح) ومسلم في الصحيح (11/178رقم1656- نووي) .

3 أخرجه مسلم في الصحيح (11/179رقم 1656- نووي) .

ص: 171

لأنه يحتمل أنه سأل عن اعتكاف ليلة. وسأله عن اعتكاف يوم"1 اهـ.

وتعقبه العلائي بقوله: "في هذا القول نظر لا يخفى؛ لأنه من البعيد جداً أن يستفتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في شيء واحد مرتين في أيام يسيرة لا ينسى في مثلها لأن في كل من القصتين أن ذلك كان عقب غزوة حنين أيام تفرقة السبي ثم إعتاقهم.

وإلحاق اليوم بالليلة في حكم الاعتكاف المنذور، من الأمر الجلي الذي يقطع بنفي الفارق كما في الأمة والعبد في العتق ولا يظن بعمر رضي الله عنه أنه يخفى عليه ذلك

والذي يقتضيه التحقيق رد إحدى الروايتين إلى الأخرى بأن كل من قال لفظاً عبر به عن المجموع وهو أمر يستعمل كثيراً في كلام العرب أن تطلق اليوم وتريد به بليلته. وبالعكس. فكان على عمر رضي الله عنه اعتكاف يوم وليلة، سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بالوفاء به.

عَبّر عنه بعض الرواة بيوم وأراد بليلته. والآخر بليلة وأراد بيومها"2 اهـ.

وقال ابن حبان: "ألفاظ أخبار ابن عمر أن عمر نذر اعتكاف ليلة إلا هذا الخبر فإن لفظه أن عمر نذر اعتكاف يوم. فإن صحت هذه اللفظة. يشبه أن يكون ذلك يوماً أراد به بليلته، وليلة أراد بها بيومها. حتى لا يكون بين الخبرين تضاد"3اه.

1 شرح مسلم (11/178) .

2 نظم الفرائد (113 ـ 114) وانظر فتح الباري (4/274) للحافظ.

3 الصحيح (10/226 ـ 227) .

ص: 172

الثاني: رد إحداهما إلى الأخرى بتفسير المبهم وتبين المجمل.

مثاله:

ما رواه الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً"1.

ورواه الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله! قال: "وما أهلكك؟ " قال: وقعت على امرأتي في رمضان! قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا! قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا! قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا! قال: ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: "تصدق بهذا"، قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثمّ قال: "اذهب فأطعمه أهلك"2.

فالرواية الأولى أبهمت سبب الفطر والثانية بينته قال العلائي: "هذا يقوي فيه القول بأن تجعل رواية هؤلاء مفسرةً لما أبهم في رواية أولئك من جهة المفطر. ومقيداً للكفارة بالترتيب لا بالتخيير. كما هو ظاهر هذه الرواية الثانية؛ لأن الحديث واحد اتحد مخرجه" 3اه.

الثالث: رد إحداهما إلى الأخرى بتقييد الإطلاق.

1 أخرجه مسلم في الصحيح (7/320 رقم 1111ـ نووي) .

2 أخرجه مسلم في الصحيح (7/317 رقم 1111ـ نووي) .

3 نظم الفرائد (118) .

ص: 173

مثاله:

ما رواه يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه"1.

ورواه يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه ولا يتنفس في الإناء"2.

فالحديث الأول نهى أن يمس ذكره بيمينه مطلقاً. والثاني قيده بحالة البول.

قال ابن دقيق العيد: "ينظر في الروايتين أعني رواية الإطلاق والتقييد هل هما حديثان أو حديث واحد مخرجه واحد.

فإن كانا حديثين فالحكم ما ذكرناه في حكم الإطلاق والتقييد.

وإن كان حديثاً واحداً مخرجه واحد اختلف عليه الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد لأنها تكون زيادة من عدل في حديث واحد فتقبل.

وهذا الحديث المذكور راجع إلى رواية يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه" 3اه.

وقال العلائي: "هذا يمكن أن يكونا جميعاً ملفوظاً بهما. فتحمل رواية من

1 أخرجه البخاري في الصحيح (1/253رقم153- فتح) .

2 أخرجه البخاري في الصحيح (1/254رقم154- فتح) .

3 إحكام الأحكام (1/60) .

ص: 174

تركه على رواية من ذكره. ويجعل دليلاً على تقييد النهي بحالة البول والاستنجاء منه"1اه.

قال البخاري في كتاب الوضوء: "باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال"2اه.

قال الحافظ: "أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق من مس الذكر باليمين كما في الباب قبله، محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحاً"3اه.

الرابع: رد إحداهما إلى الأخرى بتخصيص العام:

مثاله:

ما رواه نافع عن ابن عمر قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل عبد أو حر صغير أو كبير"4.

ورواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين"5.

1 نظم الفرائد (115) .

2 الصحيح (1/254- فتح) .

3 فتح الباري (1/254) .

4 أخرجه مسلم في الصحيح (7/82رقم984- نووي) .

5 أخرجه البخاري في الصحيح (3/ 369 رقم 1504- فتح) ومسلم، في الصحيح (7/81رقم984- نووي) .

ص: 175

فاللفظ الأول عام واللفظ الثاني مخصوص.

قال العلائي: "يتخصص إيجاب إخراج زكاة الفطر بكونه على كل مسلم"1 اهـ.

وإنما يرد أحد اللفظين إلى الآخر في العموم إلى الخصوص والإطلاق إلى التقييد عند التعارض والتنافي في بعض المدلولات، اللهم إلا أن يكون مفهوم التقييد يقتضي مخالفة المطلق وكذلك مفهوم الخاص يخالف حكم العام فيقيد ويخصص بالمفهوم عند من يرى ذلك.

وهذا كله إذا لم تكن الرواية المتضمنة للتقيد أو التخصيص شاذة مخالفة لبقية الروايات. بل يكون الذي جاء بها حافظاً متقناً يقبل تفرده وزيادته 2.

فأما إذا كان سيئ الحفظ قليل الضبط. وكانت الروايات الأخر من طريق أهل الضبط والإتقان وهم أكثر منه عدداً. فالحكم لروايتهم. ولا نظر إلى رواية ذاك الذي هو دونهم" 3اه.

وشرط الجمع أن لا يكون متعسفاً ولا متكلفاً 4.

فإن لم يمكن حملها على معنى واحد. واختلفت أحوال الرواة صير إلى الترجيح.

1 نظم الفرائد (116) وانظر التمهيد (14/312) لابن عبد البر وفتح الباري (3/369- 371) للحافظ.

2 أو يغلب على الظن حفظه لها.

3 نظم الفرائد (115- 118) بتصرف.

4 انظر المفهم (5/310) للقرطبي وزاد المعاد (1/110- 111) لابن قيم الجوزية.

ص: 176

قال ابن سيد الناس: "وإن لم يمكن حملها على معنى واحد فإما أن تتساوى أحوال رواة تلك الألفاظ في مراتب الجرح والتعديل أو لا.

إن لم تتساوى الرواة فيصير إلى الترجيح برواية من سلم من التجريح"1اه.

وقال العلائي: "إذا لم يتأت الجمع بين الروايات وتعذر رد إحداهما إلى الأخرى فهذا محل النظر ومجال الترجيح.

ومثال ذلك: حديث الواهبة نفسها، فإنه قصة واحدة ومداره على أبي حازم عن سهل بن سعد.

واختلفت الرواة فيه على أبي حازم.

فقال فيه مالك بن أنس وحماد بن زيد وفضيل بن سليمان وعبد العزيز الدراوردي وزائدة: "فقد زوجتكها على ما معك من القرآن"2.

وقال فيه سفيان بن عيينة عنه: " فقد أنكحتكها"3.

وقال يعقوب بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: "فقد ملكتكها"4.

وقال فيه معمر وسفيان الثوري: "أملكتكها"5.

1 أجوبة ابن سيد الناس (ق40/ب) .

2 أخرجه البخاري في الصحيح (9/74رقم5029- فتح) .

3 أخرجه البخاري في الصحيح (9/205رقم5149- فتح) .

4 أخرجه البخاري في الصحيح (9/180رقم5126- فتح) .

5 أخرجه أحمد في المسند (5/334) .

ص: 177

وقال أبو غسان "أمكناكها بما معك من القرآن"1.

وأكثر هذه الروايات في الصحيحيىن أو أحدهما. فهذا لا يتأتى أن تكون هذه الألفاظ كلها قالها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الواقعة وتلك الساعة إلا على سبيل التجويز العقلي المخالف للظن القوي جداً فلم يبق إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال لفظاً منها. وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى" 2اه.

وقال أيضاً: "من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها تلك الساعة فلم يبق إلا أن يكون قال لفظة منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى فمن قال بأن النكاح ينعقد بلفظ التمليك ثم احتج بمجيئه في هذا الحديث إذا عورض ببقية الألفاظ لم ينتهض احتجاجه. فإن جزم بأنه هو الذي تلفظ به النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال غيره ذكره بالمعنى قلبه عليه مخالفه. وادعى ضد دعواه فلم يبق إلا الترجيح بأمر خارجي. ولكن القلب إلى ترجيح رواية التزويج أميل؛ لكونها رواية الأكثرين، ولقرينة قول الرجل الخاطب "زوجنيها يا رسول الله" 3اه.

وقال ابن دقيق: "هذه لفظة واحدة في حديث واحد اختلف فيها والظاهر الغالب أن الواقع منهما أحد الألفاظ لا كلها. فالصواب في مثل هذا، النظر إلى الترجيح بأحد وجوهه. ونقل عن الدارقطني: أن الصواب رواية من روى زوجتكها وأنه قال: هم أكثر وأحفظ" 4اه.

1 أخرجه البخاري في الصحيح (9/175رقم5121- فتح) .

2 نظم الفرائد (118- 120) .

3 نقله الحافظ في الفتح (9/215) وانظر التنقيح (3/172) لابن عبد الهادي.

4 إحكام الأحكام (4/48) وانظر اكمال المعلم (4/583) للقاضي عياض وفتح الباري (9/214- 216) والنكت (2/808) للحافظ والأنوار الكاشفة (85) للمعلمي.

ص: 178

فإن لم يمكن حملها على معنى واحد. وتساوت أحوال الرواة، فهذا هو المضطرب متناً.

قال ابن سيد الناس: "إن لم تتساوى الرواة فيصار إلى الترجيح برواية من سلم من التجريح. وإن تساوت فهو المضطرب في اصطلاحهم، وفي مثل هذه الحال يضعف الخبر المروي كذلك؛ لما تشعر به هذه الحالة من عدم الضبط"1 اهـ.

والاضطراب الواقع في المتن له ثلاثة أقسام:

الأول: [ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود]2. فهذا لا يؤثر في ثبوت الحديث إلا في ذلك المعنى الذي لا يقصد. و [ذلك لا يوجب اختلافاً في المعنى المقصود] 3

قال الحافظ: "مالا تتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي. فلا يقدح ذلك في الحديث وتحمل تلك المخالفة على خلل وقع لبعض الرواة؛ إذ رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله"4 اهـ.

وأكثر الأحاديث المختلفة من هذا القسم. ولا أثر له في ثبوته قال العلائي: "أكثر الأحاديث المختلفة لا يتضمن اختلافها اختلاف حكم شرعي" 5 اهـ.

1 أجوبة ابن سيد الناس (ق40/ب) .

2 الأنوار الكاشفة لما في كتاب ((أضواء على السنة)) من الزلل والتضليل والمجازفة 262) للمعلمي.

3 الأنوار الكاشفة (262) للمعلمي، وانظر التلخيص الحبير (3/9) للحافظ.

4 النكت (2/802) وانظر تنقيح التحقيق (1/436) لابن عبد الهادي.

5 نظم الفرائد (121) .

ص: 179

مثاله: حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين في تعيين الصلاة التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

فقال بعضهم: "صلاة الظهر أو العصر"1.

وقال آخر: "أكثر ظني أنها العصر"2.

وجزم بعضهم بأنها "صلاة العصر"3.

وقال غيرهم: "صلاة الظهر"4.

قال العلائي: "الظاهر أن حديث أبي هريرة قضية واحدة. ولكن اختلف رواتها فمنهم من تردد في تعيين الصلاة هل هي الظهر أو العصر. ومنهم من جزم بإحداهما والعلم عند الله سبحانه وتعالى" 5اه.

وقال الحافظ: "الظاهر أن هذا الاختلاف فيه من الرواة" 6اه.

و [ذلك لا يوجب اختلافاً في المعنى المقصود؛ فإن حكم الصلوات في السهو واحد]7.

الثاني: [ما يختلف به معنى مقصود لكن في الحديث معنى مقصود لا

1 أخرجه البخاري في الصحيح (3/96رقم1227- فتح) .

2 أخرجه البخاري في الصحيح (3/99رقم1229- فتح) .

3 أخرجه مسلم في الصحيح (5/96رقم573- نووي) .

4 أخرجه مسلم في الصحيح (5/97رقم573- نووي) .

5 نظم الفرائد (96) باختصار.

6 فتح الباري (3/97) .

7 من كلام المعلمي في الأنوار الكاشفة (262) .

ص: 180

يختلف] 1. فهذا يترك ما اضطرب فيه راويه. ويؤخذ ما لم يضطرب.

قال ابن دقيق: "إذا صح التعارض الموجب للاطراح، فيخص بما وقع التعارض فيه فلا يسوغ إسقاط ما اتفق عليه" 2اه.

مثاله: ما رواه عبد الله بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلام شاب: "أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"3.

اضطرب خالد الحذاء في تحديد المدة التي أتاهم فيها الكتاب قبل وفاة النبيصلى الله عليه وسلم:

قال مرة: قبل وفاته بشهر 4.

وقال مرة: قبل وفاته بشهرين 5.

ومرة: قبل وفاته بشهر أو شهرين 6.

فاضطرب خالد في تحديد المدة. وقد رواه غيره بلا تحديد فنترك تحديد المدة. ولا يضر هذا في بقية الحديث.

الثالث: [ما يختلف به المعنى المقصود كله]7.

1 الأنوار الكاشفة (262) للمعلمي.

2 شرح الإلمام (2/330) بتصرف.

3 أخرجه أبو داود في السنن (4/370رقم4127) .

4 أخرجه أبو داود في السنن (4/371رقم4128) .

5 أخرجه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (153رقم156) .

6 أخرجه أحمد في المسند (4/310) .

7 الأنوار الكاشفة (262) للمعلمي.

ص: 181

فهذا يتوقف عن القول بثبوته؛ لاضطراب متنه.

مثاله: ما رواه عيسى بن يزداد اليماني عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات"1.

ورواه عيسى بن يزداد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بال نتر ذكره ثلاثاً"2.

فهنا اضطرب راويه مرة حديثاً قولياً ومرة حديثاً فعلياً.

قال مغلطاي: "هذا يدل على اضطراب وعدم ضبط" 3اه.

1 أخرجه ابن ماجه في السنن (1/206رقم326) .

2 أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (3/381) .

3 الإعلام بسنته (1ق46/أ) .

ص: 182