الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: الاضطراب في تعيين الراوي
الاضطراب في تعيين الراوي وإنما ضعف لأنه في إحدى الصورتين ضعيف؛ أو لأنه يدل على عدم ضبطه.
وشرطه: أن لا يكون عنده على الوجهين 1.
قال العلائي: "الاختلاف في السند لا يخلو:
إما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا.
فإن كانا ثقتين فلا يضر الاختلاف عند الأكثر؛ لقيام الحجة بكل منهما فكيفما دار الإسناد كان عن ثقة 2.
وربما احتمل أن يكون الراوي سمعه منهما جميعاً 3. وقد وجد ذلك في كثير من الحديث لكن ذلك يقوى حيث يكون الراوي ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق4.
وأما ما ذهب إليه كثير من أهل الحديث، من أن الاختلاف دليل على عدم ضبطه في الجملة فيضر ذلك ولو كانت رواته ثقات. إلا أن يقوم دليل على أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعاً أو بالطريقين جميعاً. فهو رأي فيه
1 انظر الاقتراح (223) .
2 انظر الانصاف (189) لابن عبد البر وشرح الإلمام (1/392) والاقتراح (223) لابن دقيق
3 انظر العلل (1/19- 20) للرازي ومحاسن الاصطلاح (273) للبلقيني.
4 قال أبو حاتم على حديث رواه قتادة عن ثلاثة من شيوخه: ((أحسب الثلاثة كلها صحاح وقتادة كان واسع الحديث)) اهـ. العلل (1/86) .
ضعف؛ لأنه كيفما دار كان على ثقة وفي الصحيحين من ذلك جملة أحاديث1.
لكن لا بد في الحكم بصحة ذلك؛ سلامته من أن يكون غلطاً أو شاذاً2.
وأما إذا كان أحد الراوييين المختلف فيهما ضعيفاً لا يحتج به فههنا مجال للنظر وتكون تلك الطريق التي سمى فيها الضعيف وجعل الحديث عنه كالوقف أو الإرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى فكل ما ذكر هناك من الترجيحات يجيىء هنا.
ويمكن أن يقال - في مثل هذا يحتمل أن يكون إذا كان مكثراً قد سمعه منهما3 - أيضاً - كما تقدم.
فإن قيل: إذا كان الحديث عنده عن الثقة فلم يرويه عن الضعيف؟
فالجواب: يحتمل أنه لم يطلع على ضعف شيخه. أو اطلع عليه ولكن ذكره اعتماداً على صحة الحديث عنده من الجهة الأخرى" 4 اهـ.
ومما يلحق بهذا النوع أن يقول الراوي عن فلان أو فلان وكلاهما ثقة.
قال أبو عبد الله البوشنجي معلقاً على أثر رواه قال فيه راويه (عن أبي الزعراء أو عن زيد بن وهب) : "وليس مما يدخل إسناده وهن ولا ضعف لقول
1 نقله الحافظ في النكت (1/381- 383) للحافظ.
2 قال أبو داود قلت لأحمد: ((اختلاف أحاديث الزهري؟ قال منها ما روى عن رجلين ومنها ما جاء عن أصحابه - يعني الوهم)) اهـ. السؤالات (219رقم192) .
3 وهذا يطرد حيث يحصل الاستواء في الضبط والاتقان. انظر النكت (1/383) للحافظ.
4 نقله الحافظ في النكت (2/782- 785) ونحوه في جزء القلتين (25- 29،43) وانظر الاقتراح (223- 224) لابن دقيق.
الراوي (عن أبي الزعراء أو عن زيد بن وهب) ؛ لما لعله توهمه شكاً فيه وليس مثل هذا الشك يوهن الخبر ولا يضعف به الأثر؛ لأنه حكاه عن أحد الرجلين. وكل منهما ثقة مأمون وبالعلم مشهور وإنما كان الشك فيه أن يقول عن أبي الزعراء أو عن غيره، كان الوهن يدخله؛ إذ لا يعلم الغير من هو. فأما إذا صرح الراوي وافصح بالنا قلين أنه عن أحدهما فليس هذا بموضع ارتياب. تفهموا رحمكم الله"1 اهـ.
وقال الخطيب: "إن كان كل واحد من الرجلين اللذين سماهما عدلاً؛ فإن الحديث ثابت والاحتجاج به جائز؛ لأنه قد عينهما وتحقيق سماع ذلك من أحدهما وكلاهما ثابت العدالة" 2 اهـ.
ومن ذلك حديث رواه ابن عيينة واضطرب فيه هل هو من مسند عبد الله ابن عمر بن الخطاب أم مسند عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال الحافظ: "ليس في التعليل بذلك كبير تأثير. والله أعلم" 3 اهـ.
[ولو كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً فهذا أشد وهناً مما لو أبهمه؛ لأن المبهم يحتمل العدالة أو الجرح والضعيف ثابت الجرح. وهو أسوأ حالاً ممن احتمل الجرح وغيره]4.
مثاله:
ما رواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن
1 أخرجه الخطيب في الكفاية (376) .
2 الكفاية (375) .
3 هدي الساري (382) .
4 انظر الكفاية (376- 377) للخطيب.
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين أقرنين أملحين مودوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له البلاغ وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم"1.
فهنا شك.
ثم رواه عبد الله بن محمد بلا شك.
فرواه عن أبي سلمة عن عائشة وأبي هريرة مرفوعاً 2.
ثم جعله عبد الله بن محمد من رواية أبي هريرة عن عائشة فرواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عائشة قال فذكره 3.
ثم جعله عبد الله بن محمد من مسند جابر بن عبد الله:
فرواه عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه مرفوعاً 4.
ثم جعله عبد الله بن محمد من مسند أبي رافع:
فرواه عن علي بن حسين عن أبي رافع مرفوعاً 5.
فهذا الحديث اضطرب فيه عبد الله بن محمد بن عقيل 6.
1 أخرجه أحمد في المسند (6/225) وابن ماجه في السنن (رقم3122) .
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف (رقم8130) .
3 أخرجه أحمد في المسند (6/220) .
4 أخرجه الطحاوي في المعاني (4/177) .
5 أخرجه أحمد في المسند (6/391) .
6 الهاشمي [صدوق في حديثه لين ويقال: تغير بآخره] . التقريب (542رقم3617) .
فمرة: عن عائشة أو عن أبي هريرة على الشك مرفوعاً.
ومرة: عن عائشة وأبي هريرة بلا شك مرفوعاً.
ومرة: عن أبي هريرة عن عائشة مرفوعاً.
ومرة: عن جابر بن عبد الله مرفوعاً.
ومرة: عن أبي رافع مرفوعاً.
كما أن رواية علي بن حسين عن أبي رافع مرسلة فهذا اضطراب شديد منه.
والحديث أعله الدارقطني بالاضطراب 1 وأعله أبو حاتم وأبو زرعة بتخليط ابن عقيل 2.
1 العلل (9/320) .
2 العلل (2/39،44) .