المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: المضطرب اصطلاحا - المقترب في بيان المضطرب

[أحمد بن عمر بازمول]

فهرس الكتاب

- ‌مفتاح ومصطلحات ورموز الرسالة

- ‌مقدمة الرسالة

- ‌القسم الأول: الحديث المضطرب تعريفا ودراسة

- ‌تمهيد

- ‌الخبر باعتبار طرقه، اسباب الضغف في الحديث، أنواع المخالفة

- ‌(أهمية معرفة المضطرب)

- ‌الباب الأول: الاضطراب لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الأول: الاضطراب لغة

- ‌الفصل الثاني: المضطرب اصطلاحاً

- ‌الفصل الثالث: أنواع الاضطراب وحكم كل نوع

- ‌الفصل الرابع: التصنيف في المضطرب:

- ‌الباب الثاني: حكم الاختلاف على الراوي وأثره على الراوي والمروي ومعرفة الراوي المضطرب

- ‌الفصل الأول: مذاهب العلماء في الاختلاف على الراوي

- ‌الفصل الثاني: أثره على السند والمتن

- ‌الفصل الثالث: معرفة الراوي المضطرب:

- ‌الباب الثالث: قاعدة الاضطراب سندا، متنا، سندا ومتنا

- ‌الفصل الأول: قاعدة الاضطراب في السند

- ‌المبحث الأول: منهج المحدثين في زيادة الثقة مع قاعدةفي الرواة المختلفين

- ‌المبحث الثاني: الاضطراب بتعارض الوصل والإرسال

- ‌المبحث الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الرابع: تعارض الرفع والوقف

- ‌المبحث الخامس: الاضطراب بزيادة رجل في أحد الإسنادين

- ‌المبحث السادس: الاضطراب في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌المبحث السابع: الاضطراب في تعيين الراوي

- ‌الفصل الثاني: قاعدة الاضطراب في المتن

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: أن يكون المخرج مختلفاً

- ‌المبحث الثاني: أن يكون المخرج واحداً

- ‌الفصل الثالث: قاعدة الاضطراب سنداً ومتناً

- ‌القسم الثاني: الرواة الموصوفون الاضطراب مطلقا أو بقيد

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: الرواة الموصوفون بالاضطراب مطلقاً

- ‌الباب الثاني: الرواة الموصوفون بالاضطراب بقيد

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثاني: المضطرب اصطلاحا

‌الفصل الثاني: المضطرب اصطلاحاً

قال ابن الصلاح: "المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان"1اه.

ويمكن أن يختصر كلامه رحمه الله بما يلي:

هو الحديث المروي على أوجه مختلفة مؤثرة متساوية ولا مرجح.

شرح التعريف:

قوله (الحديث) الحديث هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة2.

ولا يطلق الحديث على غير المرفوع إلا بشرط التقييد فيقال: هذا حديث موقوف أو مقطوع وهذا عليه كثيرون3.

والحديث يشمل المتواتر والآحاد لكن مرادهم الآحاد دون المتواتر؛ لأن خبر الآحاد تدخله التقوية والترجيح دون المتواتر، فلا تدخله التقوية والترجيح4 وهو ليس من مباحث علم الإسناد5.

1 علوم الحديث (269) .

2 انظر النزهة (52) للحافظ وتدريب الراوي (1/156) للسيوطي.

3 اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر (1/110) للمناوي.

4 انظر الكفاية (433) للخطيب وانظر طرح التثريب (6/148) للعراقي.

5 انظر بغية الملتمس في سباعيات حديث مالك بن أنس (40) للعلائي ونزهة النظر (52- 71) للحافظ.

ص: 37

والآحاد يشمل المشهور والعزيز والغريب لكن الفرد المطلق لا يدخله الاضطراب؛ لأنه لا اختلاف فيه فهو مروي على وجه واحد1.

كحديث "إنما الأعمال بالنيات" المتفق عليه2.

رواه يحيى بن سعيد عن محمد التيمي عن علقمة عن عمر مرفوعاً فهو لا يروى عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية محمد التيمي ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن سعيد ثم رواه الناس عن يحيى بن سعيد3.

والاضطراب يدخل الخبر مرفوعاً كان أو موقوفاً أو مقطوعا4 لكن لما كان اهتمام العلماء بالسنن أكثر انصب كلامهم على الأحاديث دون الآثار، ولذلك قل حكمهم على الآثار عموماً بالصحة أو الضعف إلا فيما لا مجال للرأي فيه.

وهو المرفوع حكماً5.

1 بشرط الصحة؛ لأنه قد روي من طرق معلولة: انظر تهذيب الآثار (2/786- عمر) لابن جرير.

2 أخرجه البخاري في الصحيح (1/9رقم1- فتح) ومسلم في الصحيح (13/79رقم1907- نووي) .

3 فتح الباري (1/11) وقال فيه الحافظ: "أطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد.

وهو كما قال لكن بقيدين:

أحدهما: الصحة؛ لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم ابن منده وغيرهما.

ثاينهما: السياق؛ لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية)) اهـ.

4 ولذلك قال ابن الصلاح: ((المضطرب من الحديث)) اهـ علوم الحديث ص269 فـ (من) هنا بيانية.

5 انظر نزهة النظر (140- 148) للحافظ.

(فائدة) لما خرج أبو الفضل العراقي أحاديث كتاب أحياء علوم الدين للغزالي في كتابه المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار، لم يخرج الآثار وقال ليست من شرطه.

انظر المغني (2/1003 رقم3648) .

ص: 38

ومثال أثر أعل بالاضطراب ما رواه عاصم بن عبيد الله عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان قال: إني لشاهد عمر بن الخطاب حين مات وهو يقول: ويل أمي إن لم يغفر لي ثلاثاً ثم قضى وما بينهما كلام1.

ثم رواه عاصم على وجه آخر.

فقال عاصم عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عن عثمان به2.

فاضطرب فيه:

مرة يقول: عن أبان بن عثمان عن عثمان.

ومرة يقول: عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن عثمان.

وعاصم بن عبيد الله المدني [ضعيف]3.

قال الدارقطني: "الاضطراب فيه من عاصم بن عبيد الله"اه4.

1 أخرجه أحمد في الزهد (147) وابن سعد في الطبقات (3/360) وابن شبه في تاريخ المدينة من طريقين عن عاصم.

2 أخرجه ابن شبه في تاريخ المدينة (3/919) من طريق عاصم عنه به.

3 التقريب (472رقم3082) للحافظ.

4 العلل (2/8- 9) .

وانظر أمثلة أخرى في العلل (1/316) للرازي وطرح التثريب شرح التقريب (5/170) للعراقي ونصب الراية (1/353،358) للزيلعي وفتح الباري شرح صحيح البخاري (3/85) لابن رجب.

ص: 39

قوله (المروي على أوجه مختلفة) أخرج الفرد المطلق وما اتفقت فيه الروايات ولم تختلف1.

قال أبو داود: "الاختلاف عندنا ما تفرد قوم على شيء وقوم على شيء"2اهـ.

وقال ابن الصلاح في المضطرب: "هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له"3اهـ.

وأفاد قوله (على أوجه مختلفة) اشتراط اتحاد المخرج، إذ لو اختلف المخرج لم يكن هناك اختلافاً بين الرواة، ولذلك أئمة أهل الحديث لا يعلون حديثاً بآخر عند اختلاف المخرج وذكر الحافظ العراقي روايات الحوض واختلاف ألفاظها ثم قال:"وكل هذه الروايات في الصحيح قال القاضي عياض: وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجباً للاضطراب؛ فإنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعة من الصحابة"4 اهـ.

1 غيث المستغيث في علم مصطلح الحديث (91) للسماحي.

2 تهذيب الكمال في أسماء الرجال (26/431) للمزي.

3 علوم الحديث (269) .

4 طرح التثريب (3/296) وانظر اكمال المعلم (7/259) للقاضي عياض والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/92) و (2/367) للقرطبي وفتح الباري (11/205) والنكت على ابن الصلاح (2/700) للحافظ.

ص: 40

وقال ابن التركماني: "إنما تعلل رواية برواية إذا ظهر اتحاد الحديث"1اهـ.

وقال ابن رجب في معرض بيانه لتعليل الأئمة حديثاً بآخر: "واعلم أن هذا كله إذا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد، فإن ظهر أنه حديثان بإسنادين لم يحكم بخطأ أحدهما.

وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر أو نقص منه أو تغير يستدل به على أنه حديث آخر.

فهذا يقول علي بن المديني وغيره من أئمة الصنعة: هما حديثان بإسنادين"2اهـ.

وتعليلهم الحديثين المختلفين سنداً بالاضطراب إنما مرادهم الاضطراب لغة لا اصطلاحاً.

أو تكون تلك الأحاديث كلها مضطربة قال الميموني قلت ليحيى بن معين: الأحاديث التي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهة الحجامة للصائم كيف تأويلها؟ قال: جياد كلها. قلت: فما يقولون: مضطربة؟ قال: أنا لا أقول إن هذه الأحاديث مضطربة"3 اهـ.

1 الجوهر النقي في الرد علىالبيهقي (1/279) .

2 شرح العلل (2/843) وانظر أجوبة ابن سيد الناس (ق40- أ) والتلخيص الحبير (2/216) والنكت (2/791) للحافظ وفتح المغيث (1/207) للسخاوي.

3 العلل (213رقم403) وانظر طرح التثريب (8/30) للعراقي.

ص: 41

قوله (مؤثرة) أخرج اختلاف التنوع في الرواية كأن يروي الحديث عن رجل مرة وعن آخر مرة، ثم يجمعهما في سند1.وكذا أخرج اضطراب الرواة في اسم الراوي ونسبه مع ثقته2.

وفي مثل هذا يقولون الاضطراب قد يجامع الصحة والحسن3.

والاختلاف المؤثر: هو المشعر بقلة ضبط راويه. قال الحافظ أثناء كلامه على حديث اختلف فيه الرواة: "التلون في الحديث الواحد، بالإسناد الواحد، مع اتحاد المخرج يوهن راويه وينبئ بقلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث، فلا يكون ذلك دالاً على قلة ضبطه"4 اهـ.

قوله (متساوية) أصلها سوي ومادة السين والواو والياء: أصل واحد، يدل على استقامة واعتدال بين شيئين يقال هذا لا يساوي كذا أي لا يعادله. وفلان وفلان على سوية من هذا الأمر أي سواء 5.

قال ابن الصلاح: "إنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان"6اهـ.

1 جزء القلتين (25- 31) للعلائي والنكت على ابن الصلاح (2/224) للزركشي.

2 الإعلام بسنته (1ق28/أ) لمغلطاي والنكت (2/773) للحافظ.

3 تدريب الراوي (1/239) وانظر النكت (2/773) للحافظ.

4 التلخيص الحبير (2/216) وانظر الموقظة (53) للذهبي.

5 المعجم (3/112) لابن فارس.

6 علوم الحديث (269) .

وعلق عليه الزركشي في النكت (2/226) بقوله: "كان ينبغي أن يقول: وإنما يؤثر الاضطراب إذا تساوت وإلا فلا شك في الاضطراب عند الاختلاف تكافأت الروايات أم تفاوتت" اهـ.

ويجاب عن ابن الصلاح بأن يقال: كلامه إنما هو في الاضطراب المؤثر، والله أعلم.

ص: 42

وقال العراقي: "إن الحديث المضطرب إنما تتساقط الروايات إذا تساوت وجوه الاضطراب"1اهـ.

ومعنى "تساوي الروايات" أن تتعارض الوجوه المقتضية للترجيح2؛ فإن الراوي إذا لم يكن في الدرجة العليا من الضبط ووافقه من هو مثله اعتضد وقاومت الروايتان رواية الضابط المتقن3.

قال ابن الصلاح: "إنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى.."4 اهـ.

فقوله (تقاومها) أي يدفع بعضها بعضاً وقاومه في المصارعة وغيرها وتقاوموا في الحرب أي قام بعضهم لبعض5.

قوله (ولا مرجح) : الترجيح هو تقوية إحدى الروايتين على الأخرى بمرجح معتمد6، وهو يقع في الروايات التي تتعارض ولا يمكن الجمع بينها7.

1 طرح التثريب (2/130) والتبصرة والتذكرة (1/240) .

2 انظر التقييدوالإيضاح (104) للعراقي وفتح الباري (12/11) للحافظ.

3 فتح الباري (9/401) للحافظ.

4 علوم الحديث (269) وانظر الإعلام بسنته (1ق81/ب) لمغلطاي ونصب الراية (1/253) للزيلعي.

5 لسان العرب (11/357) لابن منظور.

(فائدة) قال المعلمي في عمارة القبور (182) : "شرط الاضطراب التقاوم أي أن لا يمكن الجمع وبها الترجيح"اهـ.

6 المختبر المبتكر شرح المختصر (4/282) لابن النجار ومعالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (282) للجيزاني.

7 الإشارة في معرفة الأصول (303) للباجي.

ص: 43

والأصل عند الاختلاف بين الروايات أن يجمع بينها برابط يزيل الاختلاف، فالترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع1؛ لأن الجمع أولى منه إذا أمكن2.

قال الحافظ: "الجمع بين الروايتين أولى ولا سيما إذا كان الحديث واحداً والأصل عدم التعدد"3 اهـ.

وقال ابن دقيق العيد في معرض بيانه للاضطراب: "إن أمكن الجمع بين تلك الوجوه بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبراً باللفظين الواردين عن معنى واحد فلا إشكال"4اهـ.

وقال اللقاني55: "لا اضطراب إذا أمكن الجمع بين جانبي الاختلاف وإن لم يترجح شيء"6اهـ.

فإن لم يمكن الجمع بأن يكون الجمع تعسفاً7 صير إلى الترجيح بين الروايات، فإن ترجحت إحدى الروايات فالعمل بالأرجح واجب8، والمرجوح

1 انظر طرح التثريب (2/275) و (5/32) للعراقي وهدي الساري (347) للحافظ وتحفة الأبرار بنكت الأذكار (63) للسيوطي.

2 انظر المفهم (3/280،298،407) للقرطبي.

3 التلخيص الحبير (3/207) وانظر فتح الباري (3/100) له أيضاً.

4 الاقتراح (220- 221) .

5 هو ((إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المالكي الإمام ت1041هـ واللقاني بفتح اللام نسبة إلى قرية من قرى مصر)) .خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (1/6- 9) للمحبي.

6 قضاء الوطر من نزهة النظر (ق205/ب) .

7 انظر المفهم (5/310) للقرطبي وهدي الساري (376) للحافظ.

8 قال الحافظ في الإصابة (10/196) : "الحكم للراجح بلا خلاف"اهـ وانظر: هدي الساري (348) ونتائج الأفكار (1/218) للحافظ.

ص: 44

مطرح؛ لامتناع إسقاط الراجح بمعارضة المرجوح1؛ إذ لا أثر للمرجوح2.

وأوجه الترجيح كثيرة لا تنحصر؛ لأن ما يحصل به تغليب ظن على ظن كثير جداً.

قال العلائي: "وجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر. ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث. بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص"3 اه.

والضابط في الترجيح: أنه متى اقترن بإحدى الروايتين ما يقويها ويغلب جانبها وحصل بذلك الاقتران زيادة ظن. أفاد ذلك ترجيحها على الرواية الأخرى4.

وموطن الترجيح إذا كانت الروايات في درجة القبول أما مع تحقق بطلان أحدها فلا يلتفت إليه5.

وإذا رجح وجه على وجه فمعناه أن الصواب في الرواية هذا الوجه دون النظر لصحته أو ضعفه6.

وشرط الترجيح أن يكون معتمداً.

1 شرح الإلمام (2/330،353) لابن دقيق العيد.

2 فتح الباقي على ألفية العراقي (1/241) للأنصاري.

3 نقله الحافظ في النكت (2/779) .

4 انظر: الكوكب المنير (4/751- 752) لابن النجار ومذكرة في أصول الفقه (339) للشنقيطي ومعالم أصول الفقه (283) للجيزاني.

5 انظر:جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام (246) لابن قيم الجوزية.

6 انظر: التاريخ الصغير (2/183) للبخاري وتهذيب السنن (3/134) لابن قيم الجوزية وطرح التثريب (6/118) للعراقي.

ص: 45

قال ابن الصلاح: "إنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان. أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة1.

فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف الاضطراب ولا له حكمه"2اه

فإن لم يمكن الترجيح فهو المضطرب3.

مثال المضطرب:

حديث جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيد البر لكم حلال مالم تصيدوه أو يصيد لكم".

رواه عمرو بن أبي عمرو المدني فاضطرب فيه:

مرة قال: عن المطلب عن جابر مرفوعاً4.

ومرة قال: عن المطلب عن أبي موسى مرفوعاً5.

1 انظر حول الترجيح والمرجحات: الناسخ (11- 23) للحازمي والتقييد والإيضاح (289) للعراقي وتدريب الراوي (2/198) للسيوطي والكوكب المنير (4/751- 752) لابن النجار ومذكرة في أصول الفقه (339) للشنقيطي والتعارض والترجيح بين الأدلة (2/150) للبرزنجي ومختلف الحديث وموقف النقاد والمحدثين منه (227) لأسامة خياط ومعالم في أصول الفقه (283) للجيزاني.

2 علوم الحديث (269) .

3 انظر: فتح الباري (7/129) لابن رجب وهدي الساري (349) للحافظ.

4 أخرجه أحمد في المسند (3/362) وأبو داود في السنن (2/427 رقم 1851) .

5 أخرجه الطحاوي في المعاني (2/171) .

ص: 46

ومرة قال: عن رجل من بني سلمة عن جابر مرفوعا1.

والحديث مداره على عمرو بن أبي عمرو وهو موصوف بالاضطراب فالظاهر أن الاضطراب منه.

والحديث أعله ابن التركماني2 والغماري3 باضطراب إسناده.

شروط المضطرب:

ومن خلال كلام أهل الحديث السابق نستخلص شروط المضطرب:

1-

وجود الاختلاف المؤثر.

2-

اتحاد المخرج.

3-

أن تكون الأوجه متساوية.

4-

أن لا يمكن الجمع.

5-

أن لا يمكن الترجيح.

قال الحافظ: "الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطرباً إلا بشرطين:

أحدهما: استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح.

1 أخرجه الشافعي في الأم (5/398رقم 6759) وأحمد في المسند (3/389) .

2 الجوهر النقي (5/191) .

3 الهداية في تخريج البداية (5/323) .

ص: 47

ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث"1.

إشكال:

وهنا قد يظهر إشكال: قد يصف المحدث حديثاً ما بالاضطراب مع ترجيحه لرواية منها فكيف يجمع بين الوصف بالاضطراب والترجيح؟

الجواب عن هذا الإشكال:

وعن هذا الإشكال عدة أجوبة:

الأول: [وصف بالاضطراب دون النظر إلى النتيجة والحكم النهائي، ومرادهم أن الرواة اختلفوا واضطربوا فيه والراجح من الاختلاف رواية فلان وعندها لا يكون هناك اضطراباً معلاً للرواية بل محفوظ وشاذ أو معروف ومنكر كالأحاديث المختلفة الواردة في باب مختلف الحديث مع التوفيق بينها أو الأحاديث التي قيل بنسخها مع رد دعوى النسخ]2.

ولذلك لما قال ابن الصلاح: "إنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان"3اهـ.

1 هدي الساري (348- 349) وانظر شرح الإلمام (2/350،353) لابن دقيق والإصابة (10/196) للحافظ وبلغة الحثيث إلى علم الحديث (26) لابن عبد الهادي وعمارة القبور (182) للمعلمي.

2 وهذا الجواب استفدته من شيخنا أبي أسامة وصي الله، وشيخنا محمد بازمول.

3 علوم الحديث (269) .

ص: 48

علق عليه الزركشي بقوله: "كان ينبغي أن يقول: "وإنما يؤثر الاضطراب إذا تساوت". وإلا فلا شك في الاضطراب عند الاختلاف تكافأت الروايات أم تفاوتت"1اهـ.

وقال البخاري لما سأله الترمذي عن حديث عائشة أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن قوماً يكرهون استقبال القبلة بغائط أو بول فأمر بخلائه فاستقبل به القبلة: "هذا حديث فيه اضطراب والصحيح عن عائشة قولها"اهـ2.

الثاني: [وصف بالاضطراب بالنسبة إلى طريق أو راو]3.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ناوليني الخمرة. قلت: إني حائض! قال: إن حيضتك ليست في يدك". ورواه عبد الله البهي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه؟

فقال أبي: حديث ثابت عن القاسم عن عائشة أحب إلي؛ وذلك أن البهي يدخل بينه وبين عائشة عروة وربما قال: حدثتني عائشة ونفس البهي لا يحتج بحديثه وهو مضطرب الحديث"4 4اه.

وقال ابن الجوزي في معرض رده لتعليل حديث بالاضطراب: "اضطراب بعض الرواة لا يؤثر في ضبط غيره قال الأثرم: قلت لأحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث؟ فقال: حسين المعلم يجوده"اه5 5.

1 النكت (2/226) للزركشي. وانظر التتبع (334) للدارقطني.

2 العلل الكبير (1/88- 91) .

3 استفدته من أبي مالك محمد بن عمر بازمول

4 العلل (1/77) وانظر العلل الكبير (1/285- 286) .

5 التحقيق (1/188) وانظر منه (152) .

ص: 49

الثالث: أنه ترجيح افتراضي لا أثر له بل تظل معه الروايات مضطربة وإنما قال بترجيحه؛ لأنه أحسنها في الظاهر.

من ذلك ما سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة عن حديث اضطرب فيه الرواة: "الصحيح ما هو؟ قال الله أعلم قد اضطربوا فيه والثوري أحفظهم"اهـ1.

1 العلل (1/229) وانظر منه (1/291) .

ص: 50