الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرورات الشعرية
اعتاد المؤلفون في علمي العروض والقوافي أن يختموا بحوثهم في العلمين بالكلام على الضرورات الشعرية.
وقد عرفوا الضرورة بأنها: ما وقع في الشعر مما لا يجوز وقوعه في النثر، وفصلوها على ثلاثة أنواع:
1-
ما كان بالزيادة مثل:
أ- تنوين ما لا ينصرف؛ كقول امرئ القيس:
ويوم دخلتُ الخدر خدر عنيزةٍ
…
فقلت: لك الويلاتُ إنَّك مُرْجِلي
ب- تنوين المنادى المبني؛ مثل:
ليتَ التَّحيَّة لي فأشكرها
…
مكان يا جملٌ حُيِّيتَ يا رجُل
وقول الآخر:
ضرَبت صدْرَهَا إلَيّ وقالت
…
يا عَدِيًّا لقد وقتك الأواقي
ج- مد المقصور؛ كقوله:
سيغنيني الذي أغناك عني
…
فلا فقر يدوم ولا غَنَاء
د- زيادة حرف الإشباع كالألف في قوله:
أعوذ بالله من العقراب
أراد: من العقرب، فأشبع مدة الراء.
وقول الآخر وقد أشبع بالياء:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
…
نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
فالياء في الدراهيم والصياريف إشباع لحركتي الهاء والراء.
2-
ما كان بالحذف؛ مثل:
أ- قصر الممدود في قوله:
لا بد منْ صَنْعَا وإن طالَ السَّفر
…
وإن تَحَنَّى كلُّ عُودٍ ودَبَر
فكلمة: صنعا، أصلها صنعاء فقصرت، ومثل قول الشاعر:
القارح العَدَّا وكل طمرَّة
…
ما إن تنال يد الطويل قذالَهَا
فكلمة: العدا، أصلها: العداء، فقصرت.
ب- ترخيم غير المنادى مما يصلح للنداء؛ كقول الشاعر:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره
…
طريف بن مال ليلة الجوع والخطر
أراد ابن مالك فحذف الكاف.
ج- ترك تنوين المنصرف؛ كقول عباس بن مرداس:
وما كانَ حصنٌ ولا فارسٌ
…
يفوقان مِرْدَاسَ في مَجمع
فكلمة مرداس ممنوعة من الصرف وكان الصرف من حقها. وقول الآخر:
طلب الأرازق بالكتائب إذ هوت
…
بشبيبَ غائلة النفوس غُرور
فكلمة شبيب ممنوعة من الصرف وكان الصرف من حقها.
3-
ما كان بالتغيير:
أ- قطع همزة الوصل؛ مثل:
إذا جاوز الإثنين سرٌّ فإنه
…
بِنَثٍ وتكثير الحديث قمين
ب- وصل همزة القطع؛ مثل قول حاتم:
أبوه أبي والأمهات امَّهاتنا
…
فأنعم فذاك اليوم أهلي ومعشري
فكلمة: امهاتنا، حذفت همزتها مع أنها همزة قطع، ومثل:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
…
يلاقي الذي لاقى مجير امّ عامِرِ
فهمزة أم وصلت مع أنها همزة قطع.
جـ- فكُّ المدغم؛ كقول أبي النجم:
الحمد لله العلي الأجلل
…
أنت مليك الناس ربًّا فأقبل
د- إدغام المفكوك؛ مثل:
وكأنها بين النساء سبيكة
…
تمشي بسدة بيتها فَتُعيّ
الأصل: فتعيي؛ فأدغم على خلاف الأصل.
هـ- تقديم المعطوف؛ مثل:
ألا يا نخلة من ذات عرق
…
عليك ورحمة الله السلام
و تحريك المضارع المجزوم، أو الأمر المبني على السكون بالكسر؛ لأجل الروي؛ مثل:
ومثلك من كان الوسيط فؤاده
…
فكلَّمه عني ولم أتكلَّمِ
لو كنت أدري كم حياتي قسمتها
…
وصيرت ثلثيها انتظارك فاعلم
ولا نستطيع هنا أن نستقرئ جميع أمثلة الضرورة الشعرية؛ لأنها كثيرة موزعة في كتب الشعر وغيرها؛ ولكننا نذكر أنها تنقسم انقسامًا آخر من حيث القبح والقبول: قبيحة ومقبولة.
فالقبيحة: ما كانت غير مألوفة الوقوع؛ كمد المقصور، ومنع المصروف، وقطع همزة الوصل، وفك الإدغام وعكسه، وتقديم المعطوف، وغيره ذلك.
والمقبولة: ما كانت مألوفة الوقوع؛ كقصر الممدود، وتخفيف المشدد، وإشباع الحركة حتى يتولد منه مَدّ، وتحريك المضارع المجزوم أو الأمر المبني على السكون بالكسر، ووصل همزة القطع بشرط أن يليها ساكن؛ كبيت حاتم المتقدم.
وقد ذكروا أن الضرورة بأقسامها كلها جائزة للعربي والمولَّد.
قال ابن جني في الخصائص: "سألت أبا علي: هل يجوز لنا في الشعر ضرورة ما جاز للعرب؟ فقال: كما جاز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم، فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا وما حظرته عليهم حظرته علينا، وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم يكون من أحسن ضروراتنا، وما كان من أقبحها عندهم يكون من أقبحها عندنا، ومن بين ذلك يكون بين ذلك".