الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أحدثه المولَّدون في أوزان الشعر وقوافيه
نظر الخليل بن أحمد الفراهيدي فيما ورد عن العرب من الشعر فاستطاع أن يضبطه ويرجع أوزانه إلى خمسة عشر أصلا؛ سماها بحور الشعر، وخالفه في ذلك الأخفش فجعلها ستة عشر، وكان بحر المتدارك هو الذي نفاه الخليل وأثبته الأخفش.
فكلُّ ما خرج عن الأوزان الستة عشر أو الخمسة عشر فليس بشعر عربي، وما يصاغ على غير هذه الأوزان فهو عملُ المولَّدين؛ الذين رأوا أن حصر الأوزان في هذا العدد يضيِّق عليهم مجال القول، وهم يريدون أن يجري كلامهم على الأنغام الموسيقية التي نقلتها إليهم الحضارة، وهذه لا حد لها؛ وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان؛ لأن أذواقهم تَرَبَّتْ على إلفها واعتادت التأثر بها، ثم لأنهم يرون أن كلامًا يوقع على الأنغام الموسيقية يسهل تلحينه والغناء به، وأمر الغناء بالشعر العربي مشهور ورغبة العرب فيه خصوصًا في هذه المدنية العباسية أكيدة.
الأوزان الستة المستحدثة من عكس البحور
*
…
لذلك رأينا أن المولدين لم يطيقوا أن يلتزموا تلك الأوزان الموروثة من العرب، فأحدثوا أوزانًا أخرى، منها ستة استنبطوها من عكس دوائر البحور وهي:
1-
المستطيل: وهو مقلوب الطويل، وأجزاؤه: مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مرتين؛ كقول القائل:
لقد هاج اشتياقي غرير الطرف أحور
…
أُديرَ الصدغُ منه على مسك وعنبر
2-
الممتد: وهو مقلوب المديد، وأجزاؤه فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن مرتين؛ كقول القائل:
صاد قلبي غزال أحور ذو دلال
…
كلَّما زدت حبًّا زاد مني نفورا
3-
المتوافر: وهو محرَّف الرمل، وأجزاؤه: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن مرتين، ومثاله:
ما وقوفك بالكرائب في الطَّلل؟
…
ما سؤالك عن حبيبك قد رحل؟
ما أصابك يا فؤادي بعدهم؟
…
أين صبرك يا فؤادي ما فَعَل؟
4-
الْمُتَّئد: وهو مقلوب المجتث، وأجزاؤه: فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن مرتين، وقد نظم منه بعض المولدين:
كن لأخلاق التصابي مستمريًا
…
ولأحوال الشباب مستحليًا
5-
المنسرد: مقلوب المضارع، وأجزاؤه:"مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن" مرتين، وقد نظم منه بعضهم:
على العقل فعوِّل في كل شان
…
ودان كلّ من شئت أن تداني
6-
الْمطَّرد: صورة أخرى من مقلوب المضارع، وأجزاؤه: فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن مرتين؛ كقول بعضهم:
ما على مستهام رِيعَ بالصَّدِّ
…
فاشتكى ثم أبكاني مِنَ الوجدِ
ومن الأوزان التي استحدثوها ما فعله أبو العتاهية، قد ذكر أنه نظم على أوزان لا توافق ما استنبطه الخليل، إذ جلس يومًا عند قصَّار، فسمع صوت المدق، فحكى وزنه في شعر وهو:
للمنون دائرا
…
ت يدرن صرفها
ثُمَّ ينتقيننا
…
واحدًا فواحدا
فلمَّا انتقد في هذا قال: أنا أكبر من العروض.
ب- ومن أشهر ما استحدث غير ما تقدم الفنون السبعة؛ وهي: السلسلة، والدوبيت، والقوما، والموشح، والزجل، وكان وكان، والمواليا، "والموشحات والأزجال من اختراع الأندلسيين، وتبعهم فيه المشارقة".
1-
فالسلسلة: أجزاؤه: فعلن فعلاتن مفتعلن فعلاتان، ومنه:
السحر بعينيك ما تحرك أو جال
…
إلا ورماني من الغرام بأوجال
يا قامة غصن نشا بروضة إحسان
…
أيَّان هفت نسمة الدلال به مال
2-
والدوبيت: وهو وزن فارسي نسج على منواله العرب، و"دو" بالفارسية معناها اثنان؛ أي أنه مركب من بيتين، ويسميه الفرس الرباعي، ولعله لاشتماله على أربعة أشطر، وأوزانه كثيرة وأشهرها: فعلن متفاعلن فعولن فعلن، مرتين ومنه قول ابن الفارض:
روحي لك يا مواصل الليل فدا
…
يا مؤنس وحدتي إذا الليل هدا
إن كان فراقنا الصبح بدا
…
لا أسفَرَ بعد ذاك صبحٌ أبدا
وهو كما ترى متحد القوافي في جميع مصاريعه، فإن اختلفت الثالثة منها سُمّي أعرج؛ مثل قول شرف الدين بن الفارض:
أهوى رَشًا لي الأسى قد بعثا
…
مذ عاينه تَصَبُّري ما لبثا
ناديت وقد فكرت في خلقته:
…
سبحانك ما خلقت هذا عبثا
3-
القوما: اخترع هذا الفن البغداديون القائمون بالسحور في رمضان واسمه مأخوذ من قول بعضهم لبعض: قوما نسَّحَّر قوما، وقد شاع هذا الفن، ونظموا فيه الزهري والخمري والعتاب وسائر الأنواع، ولغته عامية ملحونة، ووزنه: مستفعلن فعلان مرتين.
وأول من اخترعه أبو نقطة للخليفة الناصر، وكان يطرب له، فجعل له عليه وظيفة كل سنة، ولَمّا توفي كان ابنه ماهرًا في نظم القوما، فأراد أن يعرفه الخليفة ليجري على مفروضه فتعذر عليه ذلك إلى رمضان، ثم جمع أتباع والده ووقف أول ليلة من تحت شرفة القصر وغنى القوما بصوت رقيق، فأصغى الخليفة له وطرب، فلما أراد الانصراف قال:
يا سيِّد السَّادات
…
لك بالكَرَم عادات
أنا ابن أبو نقطه
…
تَعِش أبُويا ماتْ
فخلع عليه الخليفة وجعل له ضعف ما كان لوالده.
4-
الموشحات: اخترعها الأندلسيين، وأول من نظمها منهم مُقَدَّمُ بن معافر من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني في أواخر القرن الثالث، وقد كسدت هذه الصناعة في أول الأمر حتى نشأ عبادة القزاز المتوفى سنة 423هـ فأجاد فيه، وانتقل هذا الفن إلى المشرق فنسج المشارقة على منواله، وأوزانه كثيرة منها: مستفعلن فاعل فعيل مرتين مثال:
يا جيرة الأبرق اليمان
…
هل لي إلى وصلكم سبيل
ومنها فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن مرتين؛ مثل موشحة ابن سناء الملك المصري المتوفى سنة 608هـ:
كلِّلي
…
يا سُحُبُ تيجانَ الرُّبَا بالْحُلى
واجعلي
…
سوارك مُنْعطَفَ الجدول
5-
الزجل: وقد اخترع هذا الفن بالأندلس بعد أن نضجت الموشحات وتداولها الناس بكثرة وحركت نفوس العامة فنسجوا على منوال الموشح بلغتهم الحضرية وقد كثرت أوزانه حتى قيل: "صاحب ألف وزن ليس بزجّال". وأول من اخترعه رجل يقال له: راشد ولكنه لم يظهر فيه رشاقته كما أبدع فيه بعده ابن قزمان المتوفى سنة 555هـ وهو إمام الزجّالين على الإطلاق. ومن قوله فيه:
وعريش قام على دكان
…
بحال رواق
وأسد ابتلع ثعبان
…
في غُلظِ ساق
وفتح فَمُّو بحال إنسان
…
فيه الفواق
وانطلق يجري على الصُّفَّاح
…
ولقى الصَّباح
6-
كان وكان: اخترعه البغداديون، وسُمّي بذلك؛ لأنهم لم ينظموا فيه سوى الحكايات والخرافات.
فكان قائله يحكي ما كان، حتى ظهر الإمام الجوزي والواعظ شمس الدين فنظما منه الحكم والمواعظ، ويصاغ معرب بعض الألفاظ على وزن واحد وقافية واحدة ولا تكون قافيته إلا مردوفة ساكنة الآخر وقبله حرف لين ساكن، ووزنه:
مستفعلن فاعلاتن
…
مستفعلن مستفعلان
ومثاله:
قم يا مصلي تضرّع
…
قبل أن يقولوا كانَ وكانْ
مستفعلن فاعلاتن
…
مستفعلن فَعْلان
لِلْبَرِّ تَجْرِي الْجَوَارِي
…
في السِّحر كالأعلام
7-
المواليا: وهو من الفنون التي لا يلزم فيها مراعاة قوانين العربية، وهو من البسيط، لولا أن له أضربًا تخرجه عنه.
وقد ذكروا في سبب نشأته أن الرشيد لما نكب البرامكة أمر ألا يُرْثوا بشعر، فرثتهم جارية بهذا الوزن، جعلت تنشد وتقول: يا مواليا، ليكون ذلك منجاة لها من الرشيد؛ لأنها لا ترثيهم بالشعر المنهي عنه.
وهو في الاصطلاح ثلاثة أنواع:
رباعي وهو ما كان أشطر بيتيه مصرعة مثل قول جارية البرامكة:
يا دار أين الملوك أين الفرس
…
أين الذين رعوها بالقنا والترس
قالت تراهم زمم تحت الأراضي الدرس
…
سكوت بعد الفصاحة ألسنتهم خرس
وأعرج: وهو ما اختلف مصرع منه عن الثلاثة الباقية؛ مثل قول بعضهم في الوعظ:
يا عبد ابكي على فعل المعاصي ونوح
…
هم فين جدودك أبوك آدم وبعده نوحْ
دنيا غرورة تجي لك في صفة مركب
…
ترمي حمولها على شط البحور وتْروحْ
ونعماني: مثل قول بعضهم:
الأهيف اللي بسيف اللحظ جارحنا
…
بيده سقانا الطَّلا وجارحنا
رمش رمي سهم قَطَّع به جوارحنا
…
أهين على لوعتي في الحب يا وعدي
هجره كواني وحيَّرني على وعدي
…
يا خِلِّ واصل ووافي بالمنى وعدي
من حر هجرك ومن نار الجوى رحنا