الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان بعض الذين ينظمون منه يقيّدون أنفسم بالشكل الهرمي، فيبدءون البيت الأول بتفعيلة، والثاني بتفعيلتين، والثالث بثلاث، والرابع بأربع، والخامس بخمس تفاعيل، ثم يعودون في البيت بعده إلى أربع تفاعيل فثلاث فاثنتين فواحدة.
ومن الشعراء الذين ينظموا الشعر الحر من يتأثرون بالطريقة القديمة فيلتزمون في أحيان كثيرة القافية كنزار والفيتوري، ومنهم من يتركها؛ كنازك، وبدر شاكر السيَّاب، والبياتي في أغلب شعرهم.
وللدكتور طه حسين رأي في الشعر الجديد، عبّر عنه في أحاديث مختلفة له، نشرت في أمهات المجلات الأدبية.
رأى طه حسين:
أن النزعة إلى التجديد في الأوزان والقوافي دعوة غير منكرة، وغير جديدة؛ فقد سبق إلى التجديد شعراء من العرب ومن غير العرب؛ وإنما الجدير بالبحث في الشعر الجديد هو البحث عن توافر الأسس التي يجب أن تُراعى في الفن الشعري، والخصائص التي ينبغي أن تتحقق فيه، ولا يمكن أن نعد هذا الجديد شعرًا إلا إذا قام على تلك الأسس، وتوافرت فيه تلك الخصائص؛ فقد نشر في مجلة الأديب البيروتية عدد شهر مايو 1960 مقالًا عن الشعر الجديد أكد فيه ذلك، وجاء في خاتمة هذا المقال: فليتوكل شبابنا من الشعراء على الله ولينشئوا لنا شعرًا حرًّا أو مقيدًا، جديدًا أو حديثًا، ولكن ليكن هذا الشعر شائقًا رائعًا.
ونُشر للدكتور طه من قبل رأي في مجلة الآداب البيروتية عدد فبراير عام 1975 حول الشعر الحرّ، قال فيه: إني لا أرى بهذا التجديد في أوزان الشعر وقوافيه بأسًا، ولا على الشباب المجدّدين أن ينحرفوا عن عمود الشعر فليس عمود الشعر وحيًا قد نزل من السماء، وقديمًا خالف أبو تمام عمود الشعر، وضاق به المحافظون أشدّ الضيق، وهو زعيم الشعر العربي كله غير منازع، ولست أرفض الشعر؛ لأنه انحرف عن عمود الشعر القديم، أو
خالف الأوزان التي التي أحصاها الخليل؛ وإنما أرفضه حين يقصر في أمرين: أولهما: الصدق والقوة وجمال الصور وطرافتها.
وثانيهما: أن يكون عربيًّا لا يدركه فساد اللغة والإسفاف في اللفظ، وقديمًا قال أرسطو:"يجب قبل كل شيء أن تتكلم اليونانية، فلنقل: يجب قبل كل شيء أن نتكلم العربية".
4-
ومن النقاد المعاصرين كثيرون رفضوا الشعر الحر؛ وللعقاد رأي في الشعر الحر، فحين رأى التجارب الجديدة من الشعر الحرّ لزميليه شكري والمازني؛ وهي أولى التجارب من الشعر الجديد، قال: "لا مكان للريب في أن القيود الصناعية ستجري وستُجرى عليها أحكام التغيير والتنقيح؛ فإن أوزاننا وقوافينا أضيق من أن تتفسح لأغراض شاعر تفتحت مغالق نفسه، وقرأ الشعر الغربي، فرأى كيف ترحب أوزانهم بالأقاصيص المطولة والأناشيد المختلفة، وكيف تلين في أيديهم القوالب الشعرية فيودعونها ما لا قدرة لشاعر عربي على وضعه في غير النثر
…
ورحّب العقاد بالشعر المرسل والشعر المتعدد القوافي عند شكري والمازني
…
ولكن العقاد عدل عن هذا الرأي فيما بعد، وذكر أنه هو وصديقه المازني كانا يشايعان زميليهما شكري بالرأي في إهمال القافية دون استطابة إهمال القافية بالأذن، وأنه هو نظم القصائد الكثار من شتى القوافي، ولكنه طواها كلها؛ لأنه لم يستسغها، وأشار إلى أنه يوم كتب مقدمة الجزء الأول من ديوان المازني ورحب فيها بهذه النزعات التجديدية ومنها الشعر المرسل وذلك عام 1914، كان يظنّ أن الأذن ستألفها، ولكنه إلى اليوم لا يزال ينقبض لاختلاف القوافي بين البيت والبيت عن الاسترسال في السماع، وَذَكَر أن سليقة الشعر العربي تنفير من إلغاء القافية كل النفور1.
1 راجع مقدمة الجزء الأول من ديوان المازني، وص: 280، مطالعاتٌ في الكتب والحياة للعقاد، ص: 308، فصول من النقد عند العقاد تقديم محمد خليفة التونسي.
5-
إن الشعر الحر لا يتقيد الشاعر فيه بنظام التفاعيل العروضية؛ إذ يتنوع فيه النغم وتتجدد التفعيلات. ولا يقيد البيت بنظام الشطرين المعروف في البيت الشعري، ونظم منه شعراء من مدرسة أبولو، وكثير من الشعراء الواقعيين والرمزيين في مصر وسوريا ولبنان والعراق، والتفعيلة العروضية هي الإناء الموسيقي للشعر الجديد
…
ومن أشهر دعاته: نازك الملائكة ومصطفى السحرتي ومحمد مندور.
والشعر الحر -ولا شك- تغيير كامل لنظام القصيدة الشعرية العمودية. وفيه محاولة لسَدْلِ الستار على تراثنا الشعري المأثور.
إن كنّا نؤثر القصد في الحكم، والتوسط في الأمر، بحيث لا تصبح الأوزان جامدة كما يريده المحافظون وبعض شعراء الغرب؛ مثل: وردزورث، ولا يصبح الأمر فوضى كما يريده دعاة الشعر الحر وبعض شعراء الغرب مثل: كولردج.
وشعراؤنا المعاصرون يمكنهم أن يجددوا في روح القصيدة الشعرية وجوهرها، كحرصهم على تمثل التجربة الشعرية كاملة في قصائدهم، وكذلك الوحدة العضوية للقصيدة، وكذلك سيرهم بالمضمون الشعري ليكون أكثر تعبيرًا عن حاجات الإنسان والمجتمع العربي وآماله؛ أما التجديد في شكل القصيدة العربية الموروث، فنحن نقبله، ولكن في أناة وبقدر، حتى لا يفجأ القراء والسامعون بما لم يألفوا، وربما لا يمت إلى قديمنا بأية صلة، ولنا أسوة بما صنع أسلافنا من ألوان التجديد في البناء الفني للقصيدة العربية.
ويزيد من إيماني برأيي في الشعر الحر -وهو أنه تجديد متطرف لا يقبله الذوق العربي، ولا يتفق مع تراثنا الشعري، ولا يصلح منهجًا شعريًّا لجيلنا العربي- إن كثيرًا من الشعوبيين الحاقدين على العربية وتراثها قد حشروا
أنفسهم في زمرة الداعين إلى حركة الشعر الحر، بل المتطرفين في الدعوة إليه.
والأولى بنا أن نسير في التجديد الشعري بخطوات معتدلة، وفي رفق وأناة وبقدر، بعيدين عن هذا الهدم المقصود أو غير المقصود للبناء الفني الموروث للقصيدة العربية.
والبدء بالتجديد في المضمون الشعري أولى من الإقدام في تطرف على تغيير شكل القصيدة العريبة وبنائها الموروث، الذي يكاد يعصف بمقومات الروح الشعري جملةً، ويصرف أجيالنا المقبلة عن شعرنا القديم وشعرائنا القدماء، مثل أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، والمعري، والشريف الرضي، وشوقي، وحافظ، والزهاوي، والرصافي وأضرابهم من الشعراء الخالدين.