الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الرُّوُحُ
الرُّوح؛ بالضم: خلقٌ من مخلوقات الله عز وجل، أضيفت إلى الله إضافة ملكٍ وتشريفٍ لا إضافة وصف؛ فهو خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء ويرسلها متى شاء سبحانه، وقد وردت في الكتاب والسنة مضافة إلى الله عز وجل في عدة مواضع.
ذكرها في الكتاب:
قوله تعالى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171].
وقوله: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: 29،ص: 72].
وقوله: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيَّاً [مريم: 17].
وقوله: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة: 9].
ذكرها في السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في استفتاح الجنة، وفيه:((فيأتون آدم ثم موسى عليهما السلام، فيقول: اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة، وفيه:((يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)) (2).
أقوال العلماء في (الرُّوح) المضافة إلى الله تعالى:
1 -
قال ابن تيمية: فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق؛ كقوله تعالى:(بيت الله)، وناقة الله، وعباد الله، بل وكذلك (روح الله)(3) عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم، ولكن؛ إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره؛ مثل كلام الله، وعلم الله، ويد الله ونحو ذلك؛ كان صفة له (4).
وقال في (مجموع الفتاوى): وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الريح من روح الله)) (5)؛ أي: من الروح التي خلقها الله، فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك، لا إضافة وصف؛ إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو ملك له، وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به؛ فهو صفة لله؛ فالأول كقوله نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13]، وقوله: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [مريم:17]، وهو جبريل، فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا [مريم:17 - 19]، وقال: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [التحريم:12]، وقال عن آدم: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29](6).
(1) رواه مسلم (195). والحديث رواه البخاري (4476) عن أنس رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (4712)، ومسلم (194).
(3)
ليس في القرآن بيت الله بل فيه بيتي [الحج:26] وفيه روح الله [يوسف:87] بفتح الراء لا بضمها وفيه روحي [الحجر:29].
(4)
((الجواب الصحيح)) (3/ 145).
(5)
رواه أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727)، وأحمد (2/ 267) (7619). والحديث سكت عنه أبو داود. قال النووي في ((الأذكار)) (232): إسناده حسن. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 272): حسن صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا ثابت بن قيس. وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(6)
((مجموع الفتاوى)) (9/ 290)
2 -
وقال ابن القيم: فصل: وأما المسألة السابعة عشرة، وهي: هل الروح قديمة أم محدثة مخلوقة؟ وإذا كانت محدثة مخلوقة، وهي من أمر الله؛ فكيف يكون أمر الله محدثاً مخلوقاً؟ وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه؛ فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة؛ فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة؟.
فهذه مسألة زلَّ فيها عالم، وضل فيها طوائف من بني آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ كما يُعلم بالاضطرار من دينهم أنَّ العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم - وهم القرون المفضلة - على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة، حتى نبغت نابغة ممَّن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة غير مخلوقة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقف آخرون فقالوا: لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة.
ثم نقل كلام الحافظ أبي عبد الله بن منده والحافظ محمد بن نصر المروزي، وهما ممن يقولان بأنها مخلوقة، ثم قال: ولا خلاف بين المسلمين أنَّ الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومَن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكوَّنها واخترعها، ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية: 13] اهـ (1).
3 -
وقال ابن كثير في (التفسير): فقوله في الآية والحديث: وَرُوحٌ مِنْهُ؛ كقوله: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]؛ أي: من خلقه ومن عنده، وليست (من) للتبعيض؛ كما تقول النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية، وقد قال مجاهد في قوله:: وَرُوحٌ مِنْهُ، أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول؛ أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف؛ كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله اهـ.
لكن روى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((حتى لا يبقى في الأرضين إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم رُوح الرحمن عز وجل)(2) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده ضعيف، ولكن الغريب أنه علق على الحديث بقوله: روح الرحمن من الصفات التي يجب الإيمان بها دون تأويل أو إنكار، من غير تشبيه ولا تمثيل، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، سبحانه وتعالى!
قلت: هذا مردود بما سبق، والحديث ضعيف.
نقل أبو موسى المديني في (المجموع المغيث) كلاماً نافعاً جداً لأبي إسحاق إبراهيم الحربي عن الاختلاف في قراءة وتفسير (الرَّوْح)؛ فراجعه إن شئت (3).
فائدة:
قال شيخ الإسلام: لم يعبر أحدٌ من الأنبياء عن حياة الله بأنها رُوُحُ الله فمن حمل كلام أحدٍ من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة الله فقد كذب اهـ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص158
(1)((الروح)) (ص501).
(2)
رواه أحمد (2/ 84)(5562). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 254): رواه أحمد في حديث طويل في قتال أهل البغي وفيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (7/ 268): ضعيف.
(3)
((المجموع المغيث)) (1/ 812 - 814).
(4)
((الجواب الصحيح)) (4/ 50).