الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد وخمسون: الآثار الإيمانية لأسماء الله الحفيظ
1 -
إن الحافظ لهذه السماوات السبع والأرض وما فيهما هو الله وحده لا شريك له.
فهو سبحانه يحفظ السماوات أن تقع على الأرض كما في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 32]، أي: كالسقف على البيت، قاله الفراء (1)، وهو كقوله وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ [الحج: 65].
وقال بعض المفسرين في قوله (محفوظا) أي من الشياطين، كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [الحجر: 16 - 18].
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره وحفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين، قد رجمه الله ولعنه، إلا من استرق السمع يقول لكن قد يسترق من الشياطين السمع مما يحدث في السماء بعضها، فيتبعه شهاب من النار مبين، يبين أثره فيه إما بإخباله وإفساده، أو بإحراقه اهـ (2).
وقيل: محفوظاً من الهدم والنقض، وعن أن يبلغه أحد بحيلة.
وقيل: محفوظاً فلا يحتاج إلى عماد (3).
والله يحفظ ذلك كله بلا مشقة ولا كلفة، ودون أدنى تعب أو نصب، كما قال سبحانه وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الحجر: 9].
فبقى كذلك – كما قال سبحانه – هذه القرون الطويلة محفوظاً بحفظ الله تعالى له، فهو من آيات الله الظاهرة للعيان، الدالة على صدق وعد الله جل شأنه.
ولقد أتى على المسلمين أيام فتن سوداء، انتشر فيها أهل البدع والأهواء، وأدخلوا على هذا الدين أنواع المحدثات، وافتروا على رسول الأمة صلى الله عليه وسلم أنواع المفتريات، ولكنهم عجزوا جميعاً عن أن يحدثوا في هذا القرآن شيئاً، أو أن يغيروا فيه حرفاً واحداً، فبقي كما هو، وبقيت نصوصه كما أنزلها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وكذا أماكن العبادة، فإن المحفوظ منها هو ما حفظه الله سبحانه وتعالى وهو خير حافظاً.
قال ابن تيمية رحمه الله عن آيات الله العظيمة: وكذلك الكعبة، فإنها بيت من حجارة بواد غير ذي زرع، ليس عندها أحد يحفظها من عدو، ولا عندها بساتين وأمور يرغب الناس فيها، فليس عندها رغبة ولا رهبة، ومع هذا فقد حفظها بالهيبة والعظمة، فكل من يأتيها يأتيها خاضعا ذليلاً متواضعاً في غاية التواضع، وجعل فيها من الرغبة ما يأتيها الناس من أقطار الأرض محبة وشوقاً من غير باعث دنيوي، وهي على هذه الحال من ألوف من السنين، وهذا مما لا يعرف في العالم لبنية غيرها، والملوك يبنون القصور العظيمة فتبقى مدة، ثم تهدم لا يرغب أحد في بنائها ولا يرهبون من خرابها.
(1)((معاني القرآن)) (2/ 201)، وكذا في ((تفسير ابن كثير)) (3/ 177) فقد قال: وقوله وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً أي: على الأرض وهي كالقبة عليها.
(2)
((جامع البيان)) (14/ 11).
(3)
((الجامع لأحكام القرآن)) (11/ 285).
وكذلك ما بني للعبادات قد تتغير حاله على طول الزمان، وقد يستولي العدو عليه كما استولى على بيت المقدس، والكعبة لها خاصة ليست لغيرها، وهذا مما حير الفلاسفة ونحوهم، فإنهم يظنون أن المؤثر في هذا العالم هو حركات الفلك، وأن ما بنى وبقي فقد بني بطالع سعيد، فحاروا في طالع الكعبة إذ لم يجدوا في الأشكال الفلكية ما يوجب مثل هذه السعادة والفرح والعظمة والدوام والقهر والغلبة، وكذلك ما فعل الله بأصحاب الفيل لما قصدوا تخريبها قال تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول [الفيل: 1 - 5].
قصدها جيش عظيم ومعهم الفيل، فهرب أهلها منهم فبرك الفيل وامتنع من المسير إلى جهتها، وإذا وجهوه إلى غير جهتها توجه، ثم جاءهم من البحر طير أبابيل أي جماعات في تفرقة فوجاً بعد فوج رموا عليهم حصى هلكوا به كلهم، فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم، فآيات الأنبياء هي أدلة وبراهين على صدقهم اهـ (1).
3 -
والله سبحانه وحده هو الذي يحفظ الإنسان من الشرور والآفات والمهالك، ويحفظه من عقابه وعذابه وسخطه، إن هو حفظ حدود الله واجتنب محارمه، فبتقوى الله وخوفه يحفظ الإنسان، وبقدر ذلك يكون الحفظ والكلاءة، قال تعالى فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ [النساء: 34]، فالآية تدل على ذلك، فلأنهن صالحات حافظات لمغيب أزواجهن – من عرض ومال وولد – حفظهن الله سبحانه، وأعانهن وسددهن على ذلك.
فبحفظهن الله – أي أمره ودينه – حفظهن الله. وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: ((يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك
…
)) (2).
قال ابن رجب رحمه الله: يعني احفظ حدود الله، وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهى عنه، فدخل في ذلك فعل الواجبات جميعاً وترك المحرمات جميعاً اهـ (3).
وقد مدح الله سبحانه عباده الذين يحفظون حقوقه وحدوده فقال في معرض بيانه لصفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 113].
وقال هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [ق: 32 - 33].
4 -
ومن أعظم ما يجب على المسلم حفظه من حقوق الله هو التوحيد، أن يعبده ولا يشرك به شيئا، كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديكن قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم)) (4).
(1)((النبوات)) (ص: 160 - 161).
(2)
رواه الترمذي (2516)، وأحمد (1/ 293)(2669)، والحاكم (3/ 624). قال الترمذي: صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث كبير عال من حديث عبد الملك بن عمير عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أن الشيخين رضي الله عنهما لم يخرجا شهاب بن خراش ولا القداح في الصحيحين وقد روي الحديث بأسانيد عن ابن عباس غير هذا.
(3)
((نور الاقتباس)) (ص: 34).
(4)
رواه البخاري (5967)، ومسلم (30).
فهذا هو الحق العظيم الذي أمر الله سبحانه عباده أن يحفظوه ويراعوه، وهو الذي من أجل حفظه، أرسل الرسل وأنزل الكتب.
فمن حفظه في الدنيا، حفظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة، وسلمه وأمنه منه، وكان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ويجيره من النار.
وإن عذب بسبب ذنوبه، فإنه أيضاً محفوظ بتوحيده من الخلود في نار جهنم، مع الكفار الذين ضيعوا هذا الحق العظيم.
5 -
ومن أعظم ما أمر الله بحفظه من الواجبات: الصلاة، قال تعالى حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة: 238]. وقال وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون: 9].
فمن حافظ على الصلوات وحفظ أركانها، حفظه الله من نقمته وعذابه وكانت له نجاة يوم القيامة. قال ابن القيم رحمه الله: والصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن.
وبالجملة: فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلى رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل، وعاقبته أسلم.
وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولاسيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة.
وسر ذلك: إن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية، والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات، كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه اهـ (1).
ومما جاء في أن الصلاة تحفظ صاحبها قوله صلى الله عليه وسلم: ((عن الله عز وجل أنه قال: يا ابن آدم! اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره)) (2) وقيل: إن الصلاة تحفظ صاحبها الحفظ الذي نبه عليه في قوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت: 45](3) وأما من ضيع الصلاة فقد توعده الله سبحانه بالهلاك والشر العظيم. قال سبحانه فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59].
ومما أمر الله بحفظه السمع والبصر والفؤاد، قال سبحانه وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36]. فاحفظ سمعك، فلا تسمع إلا ما يرضيه، واحفظ بصرك فلا تنظر إلا إلى ما يرضيه، واحفظ قلبك وعقلك من أن يتعلقا بما يغضبه ويسخطه، وينشغلا بغيره.
7 -
ومما أمر سبحانه وتعالى بحفظه الفروج، قال سبحانه قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور: 30] ومدح المؤمنين بذلك فقال وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون: 5 - 6]. وقال صلى الله عليه وسلم ((من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة)) (4).
(1)((الطب النبوي)) (ص: 332).
(2)
رواه الترمذي (475). وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(3)
((المفردات)) للراغب (ص: 124).
(4)
رواه البخاري (6474). من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
8 -
ومما أمر الله بحفظه الإيمان، فقال وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89]. لأن حفظ اليمين يدل على إيمان المرء وورعه، فكثير من الناس يتساهل في الحلف والقسم، وقد تلزمه الكفارة وهو لا يدري، أو يعجز عنها، فيقع في الإثم لتضييعه وعدم حفظه لأيمانه واستقصاء هذا يطول.
وبالجملة فالمؤمن مأمور بحفظ دينه أجمع، فلا يترك منه شيئاً لتعارضه مع هواه ومصلحته، بل هو مطيع لربه على أي حال، وفي كل زمان ومكان.
وكلما كان وفاءه بحفظ حدود الله وشرائعه أعظم، كان حفظ الله له كذلك، قال تعالى وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40].
وقال فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: 152].
وقال إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد: 7].
قال ابن رجب رحمه الله: وحفظ الله سبحانه له يتضمن نوعين: أحدهما حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وماله.
وفي حديث ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم أني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)) (1).
قال: ودعا رجل لبعض السلف بأن يحفظه الله، فقال له: يا أخي لا تسأل عن حفظه ولكن قل يحفظ الإيمان.
يعني أن المهم هو الدعاء بحفظ الدين، فإن الحفظ الدنيوي قد يشترك فيه البر والفاجر، فالله تعالى يحفظ على المؤمن دينه، ويحول بينه وبين ما يفسده عليه بأسباب قد لا يشعر العبد ببعضها وقد يكون يكرهه.
وهذا كما حفظ يوسف عليه السلام – قال كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]. فمن أخلص لله خلصه من السوء والفحشاء وعصمه منهما من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة. قال: وفي الجملة فمن حفظ حدود الله وراعى حقوقه، تولى الله حفظه في أمور دينه ودنياه، وفي دنياه وآخرته.
وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه ولي المؤمنين، وأنه يتولى الصالحين، وذلك يتضمن أنه يتولى مصالحهم في الدنيا والآخرة، ولا يكلهم إلى غيره قال تعالى اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ [البقرة: 257].
وقال تعالى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: 11]، وقال وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3]، وقال أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36] اهـ (2).
9 -
الله سبحانه يحفظ أعمال عباده فلا يضيع شيء منها ولا يخفى عليه، صغيراً كان أو كبيراً، ويوافيهم بها يوم الحساب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا ينسى الله منه شيئاً وإن نساه الناس، قال تعالى أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6]، وقال وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: 29]. وقد وكل الله بذلك حفظة كراماً من الملائكة.
قال تعالى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: 10 - 12].
(1) رواه أبو داود (5074)، والنسائي (8/ 282)، وابن ماجه (3135)، وأحمد (2/ 25)(4785)، والحاكم (1/ 698). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (897) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
(2)
من ((نور الاقتباس)) باختصار.
وقال إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق: 4]، وغيرها. ولا يسقط من هذه الصحف شيئاً ولو صغر، قال تعالى وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49].
وقال وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر: 53 - 54].
وهذا الأمر ليس من مهام الرسل ولا أتباع الرسل، بل هو لله وحده كما قال سبحانه في ذلك قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ [الأنعام: 104].
وقال عن شعيب عليه السلام في خطابه لقومه بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ [هود: 86].
وقال تعالى وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء: 80] وغيرها.
10 -
يجوز إطلاق هذا الاسم على الخلق، فقد جاء ذلك في قوله تعالى هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق: 22]. وقال يوسف عليه الصلاة والسلام اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55]. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: 324