الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الاستهزاء بالكافرين
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عز وجل في كتابه العزيز الدليل: قوله تعالى: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 14 - 15] قال ابن فارس: الهزء: السخرية، يُقال: هزيءَ به واستهزأ. أهـ وقال ابن جرير الطبري في تفسير الآية بعد أن ذكر الاختلاف في صفة الاستهزاء: والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أنَّ معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزِيء للمستَهْزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً، وهو بذلك من قِيِله وفعلِه به مورثه مساءة باطناً، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر ثم قال: وأما الذين زعموا أنَّ قول الله تعالى ذكره اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ إنما هو على وجه الجواب، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة؛ فنافون عن الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه وأوجبه لها، وسواءٌ قال قائل: لم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخرية بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به، أو قال: لم يخسف الله بمن أخبر أنه خسف به من الأمم ولم يغرق من أخبر أنه أغرقه منهم ويقال لقائل ذلك: إنَّ الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكر بقوم مضوا قبلنا لم نرهم، وأخبرنا عن آخرين أنه خسف بهم، وعن آخرين أنه أغرقهم، فصدقنا الله تعالى فيما ذكره فيما أخبرنا به من ذلك، ولم نفرق بين شيء منه؛ فما برهانك على تفريقك ما فرقت بينه بزعمك أنه قد أغرق وخسف بمن أخبر أنه أغرقه وخسف به، ولم يمكر بمن أخبر أنه قد مكر به؟! اهـ (1).
وقال قوَّام السنة الأصبهاني: وتولى الذب عنهم (أي: عن المؤمنين) حين قالوا: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، فقال: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وقال: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة:79]، وأجاب عنهم فقال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء [البقرة:13]؛ فأجل أقدارهم أن يوصفوا بصفة عيب، وتولى المجازاة لهم، فقال اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15] وقال سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة 79]؛ لأن هاتين الصفتين إذا كانتا من الله؛ لم تكن سفهاً؛ لأن الله حكيم، والحكيم لا يفعل السفه، بل ما يكون منه يكون صواباً وحكمة اهـ (2).
وقال شيخ الإسلام رداً على الذين يدَّعون أنَّ هناك مجازاً في القرآن: وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ (المكر) و (الاستهزاء) و (السخرية) المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة؛ كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله؛ كانت عدلاً؛ كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76] فكاد له كما كادت إخوته لما قال له أبوه لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف:5]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15] وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل:50] وقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلاً يستحق هذا الاسم؛ كما روى عن ابن عباس؛ أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار، فيسرعون إليه، فيغلق، ثم يفتح لهم باب آخر، فيسرعون إليه، فيغلق، فيضحك منهم المؤمنون قال تعالى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:36] وعن الحسن البصري: إذا كان يوم القيامة؛ خمدت النار لهم كما تخمد الإهالة من القدر، فيمشون، فيخسف بهم وعن مقاتل: إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب؛ باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، فيبقون في الظلمة، فيقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً وقال بعضهم: استهزاؤه: استدراجه لهم وقيل: إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة وقيل: هو تجهيلهم وتخطئتهم فيما فعلوه وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة)) اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص52
(1)((مجمل اللغة)) (904).
(2)
((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 168).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (7/ 111). وانظر كلام ابن القيم في صفة (الخداع) في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 34).
- الاستواء على العرش (1)
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عز وجل بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5].
وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4].
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، فقال:((يا أبا هريرة! إن الله خلق السماوات والأرضين وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش)) (2).
حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لما فرغ الله من خلقه؛ استوى على عرشه)) (3).
ومعنى الاستواء: العلو، والارتفاع، والاستقرار، والصعود؛ كما في نونية ابن القيم (4) قال رحمه الله:
فلهم عبارات عليها أربع قد
…
حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك أر
…
تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع
وانظر أيضاً: صفة (العلو)، وكلام البغوي في صفة (الأصابع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص55
(1) انظر: ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (3/ 387)، و ((رسالة في الاستواء والفوقية)) لأبي محمد الجويني، و ((دقائق التفسير)) لابن تيمية (5/ 237 - 244)، (6/ 436 - 439).
(2)
رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 427). قال الذهبي في ((العلو)) (ص94): غريب. وقال الألباني في ((مختصر العلو)) (71): جيد الإسناد.
(3)
ذكره الذهبي في ((العلو)) (63)، وفي ((العرش)) (62)، وابن القيم في ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص51). قال الذهبي في ((العلو)): رواته ثقات رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له، وقال في ((العرش)): إسناده صحيح على شرط الصحيحين. وقال ابن القيم - قبل أن يذكره -: روى الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري عن قتادة - ثم ذكره -.
(4)
(1/ 215) تحقيق هرَّاس.