المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثلاث وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحسيب - الموسوعة العقدية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ المجيب

- ‌ المجيد

- ‌ المحسن

- ‌ المحيط

- ‌ المقدم، والمؤخر

- ‌ المقيت

- ‌ الملِكُ، المليكُ، مالك الملك

- ‌ المنان

- ‌ المهيمن

- ‌ المؤمن

- ‌ النصير

- ‌ الهادي

- ‌ الواحد، الأحد

- ‌ الواسع

- ‌ الوتر

- ‌ الودود

- ‌ الوكيل، الكفيل

- ‌ الولي، المولى

- ‌المطلب الأول: أدلة تفاضل أسماء الله

- ‌المطلب الثاني: وجوه تفاضل أسماء الله

- ‌المطلب الثالث: دلالة تفاضل أسماء الله تعالى

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌القاعدة الرابعة:

- ‌القاعدة الخامسة:

- ‌القاعدة السادسة:

- ‌القاعدة السابعة:

- ‌القاعدة الثامنة

- ‌القاعدة التاسعة:

- ‌القاعدة العاشرة:

- ‌القاعدة الحادية عشرة:

- ‌القاعدة الثانية عشرة:

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:

- ‌القاعدة السادسة عشرة:

- ‌القاعدة السابعة عشرة:

- ‌المبحث الثاني: أنواع الصفات

- ‌المطلب الأول: الصفات الثبوتية وضابطها

- ‌المطلب الثاني: الصفات المنفية وضابطها

- ‌تمهيد

- ‌ الأولية

- ‌ الإتيان والمجيء

- ‌ الإجابة

- ‌ الأحد

- ‌ الإحسان

- ‌ الأخذ باليد

- ‌ الأذن (بمعنى الاستماع)

- ‌ الإرادة والمشيئة

- ‌ استطابة الروائح

- ‌ الاستهزاء بالكافرين

- ‌ الأسف (بمعنى الغَضَب)

- ‌ الأصابع

- ‌ الإلهية والألوهية

- ‌ الأمر

- ‌ الإمساك

- ‌ الأنامل

- ‌ الأنتقام من المجرمين

- ‌ الإيجاب والتحليل والتحريم

- ‌ البارئ

- ‌ الباطن (الباطنية)

- ‌ بديع السموات والأرض

- ‌ البر

- ‌ البركة والتبارك

- ‌ البسط والقبض

- ‌ البشبشة أو البشاشة

- ‌ البصر

- ‌ البطش

- ‌ البغض

- ‌ البقاء

- ‌ التجلي

- ‌ التدلي (إلى السماء الدنيا)

- ‌ التردد في قبض نفس المؤمن

- ‌ الترك

- ‌ التشريع

- ‌ التعجب

- ‌ التقديم والتأخير

- ‌ التقرب والقرب والدنو

- ‌ التوب

- ‌ الجبروت

- ‌ الجلال

- ‌ الجمال

- ‌ الجنب

- ‌ الجهة

- ‌ الحاكم والحكم

- ‌ الحب والمحبة

- ‌ الحثو

- ‌ الحجزة والحقو

- ‌ الحركة

- ‌ الحسيب

- ‌ الحفظ

- ‌ الحفي

- ‌ الحق

- ‌ الحكمة

- ‌ الحلم

- ‌ الحميد

- ‌ الحنان (بمعنى الرحمة)

- ‌ الحياء والاستحياء

- ‌ الحياة

- ‌ الخبير

- ‌ الخداع لمن خادعه

- ‌ الخلق

- ‌ الخلة

- ‌ الدلالة أو الدليل

- ‌ الديان

- ‌ الذات

- ‌ الرأفة

- ‌ الرؤي

- ‌ رؤيته سبحانه وتعالى

- ‌ الربوبية

- ‌ الرجل والقدمان

- ‌ الرحمة

- ‌ الرزق

- ‌ الرشد

- ‌ الرضى

- ‌ الرفق

- ‌ الرقيب

- ‌ الرَّوْحُ

- ‌ الرُّوُحُ

- ‌ الزارع

- ‌ الساق

- ‌ السبوح

- ‌ الستر

- ‌ السخرية بالكافرين

- ‌ السَّخَطُ أو السُّخْطُ

- ‌ السرعة

- ‌ السكوت

- ‌ السلام

- ‌ السلطان

- ‌ السمع

- ‌ السيد

- ‌ الشافي

- ‌ الشخص

- ‌ الشدة (بمعنى القوَّة)

- ‌ الشكر

- ‌ الشهيد

- ‌ شيء

- ‌ الصبرُ

- ‌ الصدق

- ‌ الصفة

- ‌ الصمد

- ‌ الصنع

- ‌ الصورة

- ‌ الضحك

- ‌ الطبيب

- ‌ الطيب

- ‌ الظاهرية

- ‌ الظل

- ‌ العتاب أو العتب

- ‌ العجب

- ‌ العدل

- ‌ العز والعزة

- ‌ العزم

- ‌ العطاء والمنع

- ‌ العظمة

- ‌ العفو والمعافاة

- ‌ العلم

- ‌ العلو والفوقية

- ‌ العمل والفعل

- ‌ العين

- ‌ الغضب

- ‌ الغلبة

- ‌ الغنى

- ‌ الغيرة

- ‌ الفتح

- ‌ الفرح

- ‌ الفطر

- ‌ القبض والطي

- ‌ القدرة

- ‌ الْقِدَمُ

- ‌ االقدوس

- ‌ القرآن

- ‌ القهر

- ‌ القول

- ‌ القوة

- ‌ القيوم

- ‌ الكافي

- ‌ الكبر والكبرياء

- ‌ الكبير

- ‌ الكتابة والخط

- ‌ الكرم

- ‌ الكره

- ‌ الكف

- ‌ الكفيل

- ‌ الكلام والقول والحديث والنداء والصوت

- ‌ الكنف

- ‌ الكيد لأعدائه

- ‌ اللطف

- ‌ اللعن

- ‌ المؤمن

- ‌ المبين:

- ‌ المتانة

- ‌ المجد

- ‌ المحيط

- ‌ المحيي والمميت

- ‌ المستعان

- ‌ المسح

- ‌ المصور

- ‌ المعية

- ‌ المغفرة والغفران

- ‌ المقت

- ‌ المقيت

- ‌ المكر على من يمكر به

- ‌ الملك والملكوت

- ‌ الملل

- ‌ المماحلة والمحال

- ‌ المن والمنة

- ‌ الموجود

- ‌ الناصر والنصير

- ‌ النزول والهبوط والتدلي (إلى السماء الدنيا)

- ‌ النسيان (بمعنى الترك)

- ‌ النظر

- ‌ النعت

- ‌ النَّفْسُ (بسكون الفاء)

- ‌ النَّفَسُ (بالتحريك)

- ‌ النور، ونور السماوات والأرض

- ‌ الهادي

- ‌ الهبوط (إلى السماء الدنيا)

- ‌ الهرولة

- ‌ الهيمنة

- ‌ الواحد والوحدانية

- ‌ الوارث

- ‌ الواسع والموسع

- ‌ الوتر

- ‌ الوجه

- ‌ الودود

- ‌ الوصل والقطع

- ‌ الوكيل

- ‌ الولي والمولى (الولاية والموالاة)

- ‌ الوهاب

- ‌ اليدان

- ‌ اليمين والشمال واليسار

- ‌ الآخرية

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نفي النقائص عن الله عز وجل

- ‌المطلب الثاني: إثبات أنه ليس كمثل الله عز وجل شيء في صفاته الثابتة له

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: كلمة (الجهة)

- ‌المطلب الثاني: كلمة (الحد)

- ‌المطلب الثالث: كلمة (الأعراض)

- ‌المطلب الرابع: كلمة (الأبعاض)

- ‌المطلب الخامس: كلمة (الأغراض)

- ‌المطلب السادس: حلول الحوادث بالله تعالى

- ‌المطلب السابع: كلمة (التسلسل)

- ‌المبحث السادس: خصائص إيمان الصحابة في الصفات الإلهية

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبه القائلين بأن الصحابة والتابعين كانوا يؤولون الصفات والرد عليها

- ‌المطلب الثاني: شبهة القائلين بأن الصحابة والتابعين كانوا يفوضون معاني الصفات والرد عليها

- ‌المطلب الثالث: إبطال شبهة القائلين بأن الصحابة والتابعين قد شغلهم الجهاد عن فهم آيات الصفات ومسائل العقيدة

- ‌المطلب الرابع: إبطال التعليل الباطل لسكوت الصحابة، وعدم سؤالهم عن الصفات الإلهية

- ‌المطلب الخامس: إبطال الزعم أن الصحابة والتابعين أقاموا العقيدة على أسس غير دقيقة باعتمادهم على أخبار الآحاد

- ‌تمهيد: العلاقة بين العقل والشرع

- ‌المطلب الأول: من وظائف العقل في باب الصفات فهم معانيها

- ‌المطلب الثاني: التفكر والتدبر لآثارها ومقتضياتها

- ‌المطلب الثالث: استعمال الأقيسة العقلية الصحيحة اللائقة بالله تعالى

- ‌المطلب الرابع: إبطال الأقيسة العقلية الخاطئة

- ‌المطلب الأول: من أدلة تفاضل صفات الله

- ‌المطلب الثاني: تفاضل الصفة الواحدة

- ‌المطلب الثالث: دلالة تفاضل صفات الله

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الآثار الإيمانية العامة للأسماء والصفات

- ‌أولا: الآثار الإيمانية لاسم الله الرحمن

- ‌ثانيا: الآثار الإيمانية لاسم الله الجميل

- ‌ثالثا: الآثار الإيمانية لاسم الله الرقيب

- ‌رابعا: الآثار الإيمانية لاسم الله المحسن

- ‌خامسا: الآثار الإيمانية لاسم الله الفتاح

- ‌سادسا: الآثار الإيمانية لاسم الله الشاكر والشكور

- ‌سابعا: الآثار الإيمانية لاسم الله الحفيظ

- ‌ثامنا: الآثار الإيمانية لاسم الله الكافي

- ‌تاسعا: الآثار الإيمانية لاسم الله الحيي

- ‌عاشرا: الآثار الإيمانية لاسم الله الهادي

- ‌حادي عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله السلام

- ‌ثاني عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله الشافي

- ‌ثالث عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله الحميد

- ‌رابع عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله القوي

- ‌خامس عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله الحي

- ‌سادس عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله القيوم

- ‌سابع عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله الصمد

- ‌ثامن عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله الظاهر والباطن

- ‌تاسع عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله المعطي والمانع

- ‌عشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله القابض والباسط

- ‌واحد وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله الخافض الرافع

- ‌اثنان وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله المعز المذل

- ‌ثلاث وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله البَرّ

- ‌أربع وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله المنّان

- ‌خمس وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله المجيب

- ‌ست وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله الستّير

- ‌سبع وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله الجواد

- ‌ثمان وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله القريب

- ‌تسع وعشرون: الآثار الإيمانية لاسم الله الرشيد

- ‌ثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله الصّبور

- ‌واحد وثلاثون: الآثار الإيمانية لأسماء الله الملك – المالك - المليك

- ‌اثنان وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله القدوس

- ‌ثلاث وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله السلام

- ‌أربع وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله المؤمن

- ‌خمس وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله المهيمن

- ‌ست وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله الجبار

- ‌سبع وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله المتكبر والكبير

- ‌ثمان وثلاثون: الآثار الإيمانية لأسماء الخالق – الخلاق – البارئ – المصور

- ‌تسع وثلاثون: الآثار الإيمانية لأسماء الله الغافر – الغفور – الغفار

- ‌أربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله القاهر – القهار

- ‌واحد وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الوهاب

- ‌اثنان وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الرزاق

- ‌ثلاث وأربعون: الآثار الإيمانية لأسماء العليم – العالم – العلام

- ‌أربع وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله السميع

- ‌خمس وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله البصير

- ‌ست وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم

- ‌سبع وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله اللطيف

- ‌ثمان وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحليم

- ‌تسع وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله العظيم

- ‌خمسون: الآثار الإيمانية لأسماء الله العلي – الأعلى – المتعال

- ‌واحد وخمسون: الآثار الإيمانية لأسماء الله الحفيظ

- ‌اثنان وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله المقيت

- ‌ثلاث وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحسيب

- ‌أربع وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الواسع

- ‌خمس وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الرب

- ‌ست وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الودود

- ‌سبع وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله المجيد

- ‌تمهيد

- ‌أولا: الآثار الإيمانية لصفة الفرح

- ‌ثانيا: الآثار الإيمانية لصفة المعية

- ‌ثالثا: الآثار الإيمانية لصفة الضحك

- ‌رابعا: الآثار الإيمانية لصفة وجه الله تعالى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: تعريف التمثيل

- ‌المطلب الثاني: عقيدة أهل السنة هي إثبات الصفات دون مماثلة

- ‌المطلب الثالث: الأدلة على انتفاء التمثيل في باب الصفات

- ‌1 - : الأدلة السمعية

- ‌2 - : الأدلة العقلية

- ‌3 - الأدلة الفطرية

- ‌المطلب الرابع: شبهات والرد عليها

- ‌المطلب الخامس: معنى قول أهل السنة: (من غير تكييف ولا تمثيل)

- ‌المطلب السادس: الفرق بين التمثيل والتكييف

- ‌المسألة الأولى: تعريف التعطيل لغةً

- ‌المسألة الثانية: تعريف التعطيل شرعاً

- ‌المطلب الثاني: عقيدة أهل السنة والجماعة بريئة من التعطيل

- ‌المطلب الثالث: أنواع التعطيل في توحيد الله

- ‌المسألة الأولى: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً

- ‌المسألة الثانية: درجات التعطيل في باب الأسماء الحسنى

- ‌المسألة الثالثة: درجات التعطيل في باب صفات الله تعالى

- ‌المطلب الخامس: جمع المعطلة بين التعطيل والتمثيل

- ‌المطلب السادس: خطورة مقالة التعطيل

- ‌المطلب الأول: تعريف التحريف

- ‌المطلب الثاني: أنوع التحريف

- ‌المطلب الثالث: الفرق بين التحريف والتأويل

- ‌المطلب الرابع: أهل التحريف أصل شبهتهم والرد عليهم

- ‌المبحث الرابع: التفويض في نصوص الصفات

- ‌المطلب الأول: أركان التفويض

- ‌المطلب الثاني: أنواع التفويض

- ‌المطلب الثالث: دعوى أن التفويض هو الطريق الأسلم

- ‌المسألة الأولى: المراد بالمحكم والمتشابه

- ‌المسألة الثانية: أقوال السلف في المحكم والمتشابه

- ‌المسألة الثالثة: التأويل والظاهر

- ‌أولاً: معاني التأويل

- ‌ثانياً: بيان موضع الوقف في آية آل عمران

- ‌المطلب الأول: حقيقة التوقف

- ‌المطلب الثاني: أنواع التوقف

- ‌المطلب الثالث: أصل شبهتهم والرد عليها

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك لغةً

- ‌المطلب الثاني: معنى الشرك اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: هل الأصل في الإنسان التوحيد أم الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك وأسبابه

الفصل: ‌ثلاث وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحسيب

‌ثلاث وخمسون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحسيب

1 -

إن الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده، الذي لا غنى لهم عنه أبداً، بل لا يتصور لهم وجود بدونه، فهو خالقهم وبارئهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة، لا يشاركه في ذلك أحد أبداً، وإن ظن الناس أن غير الله يكفيهم فهو ظن باطل، وخطأ محض، بل كل شيء بخلقه وتقديره وأمره.

قال في المقصد: هو الكافي، وهو الذي من كان له كان حسبه، والله تعالى حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا يتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي، لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده.

وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله تعالى، فإنه وحده كاف لكل شيء، لا لبعض الأشياء، أي هو وحده كاف يتحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها.

ولا تظنن أنك إذا احتجت إلى طعام وشراب وأرض وسماء وشمس وغير ذلك، فقد احتجت إلى غيره ولم يكن هو حسبك، فإنه هو الذي كفاك بخلق الطعام والشراب والأرض والسماء، فهو حسبك.

ولا تظنن أن الطفل الذي يحتاج إلى أمه، ترضعه وتتعهده، فليس الله حسيبه وكافيه، بل الله كفاه إذ خلق أمه، وخلق اللبن في ثديها وخلق له الهداية إلى التقامه، وخلق الشفقة والمودة في قلب الأم حتى مكنته من الالتقام، ودعته إليه وحملته عليه.

فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب، والله وحده المتفرد بخلقها لأجله، ولو قيل لك أن الأم وحدها كافية للطفل وهي حسبه لصدقت به، ولم تقل إنها لا تكفيه لأنه يحتاج إلى اللبن فمن أين تكفيه الأم إذا لم يكن لبن؟ ولكنك تقول: نعم، يحتاج إلى اللبن، ولكن اللبن أيضاً من الأم، فليس محتاجاً إلى غير الأم، فاعلم أن اللبن ليس من الأم، بل هو والأم من الله، ومن فضله وجوده.

فهو وحده حسب كل أحد، وليس في الوجود شيء وحده هو حسب شيء سواه، بل الأشياء يتعلق بعضها ببعض وكلها تتعلق بقدرة الله تعالى اهـ (1).

فالله وحده حسب كل أحد، لا يشاركه في ذلك أحد، وهذا هو المعنى الصحيح لقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64]، وهو المعنى الذي اختاره أكثر العلماء والذي تؤيده الأدلة الكثيرة.

قال ابن القيم رحمه الله بعد ذكره للآية السابقة: أي الله وحده كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد.

قال: وهنا تقديران، أحدهما: أن تكون الواو عاطفة لـ (من) على الكاف المجرورة، ويجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة والثاني أن تكون الواو واو (مع)، وتكون (من) في محل نصب عطفاً على الموضع، (فإن حسبك) في معنى (كافيك)، أي: الله يكفيك ويكفي من اتبعك، كما تقول العرب: حسبك وزيداً درهم، قال الشاعر:

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا

فحسبك والضحاك سيف مهند

وهذا أصح التقديرين:

وفيها تقدير ثالث: أن تكون (من) في موضع رفع بالابتداء، أي: ومن اتبعك من المؤمنين، فحسبهم الله.

(1)((المقصد الأسنى)) (ص: 72).

ص: 413

وفيها تقدير رابع، وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن تكون (من) في موضع رفع عطفاً على اسم الله، ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعك، وهذا وإن قاله بعض الناس (1) فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن (الحسب) و (الكفاية) لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62]. ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173].

ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، فإذا كان هذا قولهم، ومدح الرب تعالى لهم بذلك، فكيف يقول لرسوله: الله وأتباعك حسبك؟ وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه، فكيف يشرك بينهم وبينه في حسب رسوله؟! هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل.

ونظير هذا قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ [التوبة: 59]. فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله، كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 59]. وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا: حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال تعالى: إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ [التوبة: 59] ولم يقل: وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده، كما قال تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الانشراح: 7 - 8]. فالغربة، والتوكل، والإنابة، والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى، والسجود لله وحده، والنذر والحلف لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

ونظير هذا قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36] فالحسب: هو الكافي، فأخبر سبحانه وتعالى أنه وحده كاف عبده، فكيف يجعل أتباعه مع الله في هذه الكفاية؟! والأدلة الدالة على بطلان هذا التأويل الفاسد أكثر من أن تذكر ها هنا اهـ (2).

وبقدر ما يلتزم العبد بطاعة الله ورسوله، تكون الولاية والكفاية، ولذلك يتابع ابن القيم كلامه قائلاً:

والمقصود أن بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن، والفلاح والعزة، والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة. اهـ.

3 -

والله سبحانه وتعالى (الحاسب) الذي أحصى كل شيء، لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

قال تبارك وتعالى: وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: 28].

وقال إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: 93 - 94].

وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو (3).

(1) ذكره الفراء في ((معاني القرآن)) (1/ 417) وقال: وهو أحب الوجين إلي اهـ ونقله القرطبي (8/ 43). عن الحسن والنحاس.

(2)

((زاد المعاد)) (1/ 35 - 37).

(3)

رواه مسلم (2653).

ص: 414

وتصديق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12]، والإمام هو أم الكتاب (1).

وقوله مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22].

وقوله وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: 29].

4 -

وأعمالك أيها الإنسان كلها محسوبة محصية، لا يضيع منها شيء، ولا يزاد عليك شيء، فتجزى بها يوم القيامة ولا تظلم.

قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47].

وقال سبحانه: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6].

وقد أمر الله سبحانه الحفظة بذلك، أن يدونوا كل صغيرة وكبيرة.

قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]. وهذا الحفظ والإحصاء الدقيق، والحساب الذي لا يفوته شيء، هو الذي يبهت أهل الأجرام، الذين لا يبالون بأعمالهم صلحت أو فسدت، يعملون السيئات بلا حساب ويظنون أنهم متروكون سدى، لا حساب ولا عذاب، قال تعالى عنهم وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49].

لذلك كان لزاماً علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نزن أعمالنا قبل توزن (2).

قال الأقليشي: فأرباب القلوب، المحسون بأوجاع الذنوب العالمون يقيناً بمحاسبة علام الغيوب، وإحصاء حسابه لجميع العيوب، أقاموا في الدنيا موازين القسط على أنفسهم وأحصوا عليها بالحساب المحرر كلما برز عنها وصدر ثم حاسبوها محاسبة الشريك النحرير القائم بماله شريكه الذي انفصل عن شركته بعداوة وقعت بينه وبينه، فانظر هل يسمح له بترك حبة، أو يسقيه من مائه عند ظمأه عبه، فلذلك انتثرت ذنوب هؤلاء من الصحائف كما ينتثر ورق الشجر اليابس بالريح العاصف. فإذا قدموا قضاء الموقف، برزت لهم تلك الصحائف منيرة وقد استنارت فيها المعاني والأحرف، لأنها ممحضة مخلصة بدقيق المحاسبة وشديد المطالبة فكان حسابهم عرضاً لا مناقشة اهـ (3).

5 -

وحساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب، بل هو يسير عليه.

قال تعالى ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام: 62].

قال ابن جرير: ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحق، (ألا له الحكم) يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه، (وهو أسرع الحاسبين) يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها.

لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين اهـ (4).

فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه كما قال سبحانه مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28].

فكذلك حسابهم لا مشقة فيه ولا تأخير، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82].

فسبحان الله العظيم، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: 349

(1) انظر ((تفسير ابن جرير)) (22/ 100) وغيره.

(2)

روي عن عمر رضي الله عنه: ((أنه قال في خطبته حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنه أهون لحسابكم وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا)) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (ص: 306)، وابن أبى شيبة (7/ 96)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 52).

(3)

((الكتاب الأسنى)) (209 - 210)

(4)

((جامع البيان)) (7/ 140).

ص: 415