الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: تعريف الشرك لغةً
جاء في (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس: (مادة الشرك المكونة من حرف الشين والراء والكاف أصلان:
أحدهما: يدل على مقارنة وخلاف انفراد.
والآخر: يدل على امتداد واستقامة) (1).
أما الأول: فهو الشرك، بالتخفيف أي بإسكان الراء، أغلب في الاستعمال، يكون مصدرا واسما، تقول: شاركته في الأمر وشركته فيه أشركه شركاً، بكسر الأول وسكون الثاني، ويأتي: شركة، بفتح الأول وكسر الثاني فيها. ويقال: أشركته: أي جعلته شريكاً (2).
فهذه اشتقاقات لفظ الشرك في اللغة على الأصل الأول.
ويطلق حينئذ على المعاني الآتية:
1 -
المحافظة، والمصاحبة، والمشاركة.
قال ابن منظور: (الشَّركة والشَّرِكة سواء؛ مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وقد اشترك الرجلان وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر والشريك: المشارك، والشرك كالشريك، والجمع أشراك وشركاء)(3).
قال ابن فارس: (الشركة هو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، ويقال: شاركت فلاناً في الشيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلاناً، إذا جعلته شريكاً لك)، قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 32]،. .......... قال الراغب:(الشركة والمشاركة: خلط الملكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعداً عيناً كان ذلك الشيء أو معنى، كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية)(4).
2 -
ويطلق أيضاً على النصيب والحظ والحصة.
قال الأزهري: (يقال: شريك وأشراك، كما قالوا: يتيم وأيتام، ونصير وأنصار، والأشراك أيضاً جمع الشرك وهو النصيب، كما قال: قسم وأقسام)(5)، وقد ذكر هذا المعنى كل من الزبيدي (6) وابن منظور (7)، ومنه الحديث:((من أعتق شركاً له في عبد)) (8) أي حصة ونصيباً (9).
3 -
ويطلق أيضاً على التسوية: قال ابن منظور: (يقال: طريق مشترك: أي يستوي فيه الناس، واسم مشترك: تستوي فيه معاني كثيرة)(10).
4 -
ويطلق على الكفر أيضاً، قال الزبيدي:(والشرك أيضاً: الكفر)(11).
وأما الأصل الثاني: وهو الذي يدل على الامتداد والاستقامة، فأيضاً يطلق على معان:
1 -
الشِرَاك ككتاب، سير النعل على ظهر القدم، يقال: أشركت نعلي وشركتها تشريكاً: إذا جعلت لها الشراك (12).
(1)((معجم مقاييس اللغة)) (3/ 265)، مادة (شرك).
(2)
انظر ما ذكره الجوهري ((الصحاح)) (4/ 1593 - 1594)، مادة (شرك) والفيومي المقري:((المصباح المنير)) (1/ 474 - 475).
(3)
((لسان العرب)) (7/ 99)، وما بعدها، مادة (شرك)، وانظر ما ذكره الزبيدي في ((تاج العروس)) (7/ 148)، والأزهري في ((تهذيب اللغة)) (10/ 17)، والجوهري (4/ 1593 - 1594)، مادة (شرك).
(4)
انظر قول الراغب في ((المفردات)) (ص: 259).
(5)
((تهذيب اللغة)) (10/ 17) مادة (شرك).
(6)
الزبيدي في ((تاج العروس)) (7/ 148) مادة (شرك).
(7)
ابن منظور في ((لسان العرب)) (7/ 99، 100) مادة (شرك).
(8)
رواه البخاري (2522)، ومسلم (1501). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(9)
انظر ما ذكره ابن منظور في ((لسان العرب)) (7/ 99).
(10)
انظر ما ذكره ابن منظور في ((لسان العرب)) (7/ 99، 100)، وانظر ما ذكره الزمخشري في ((أساس البلاغة)) (1/ 489).
(11)
انظر ما ذكره الزبيدي في ((تاج العروس)) (7/ 148) مادة: (شرك).
(12)
انظر ما ذكره الأزهري في ((تهذيب اللغة)) (10/ 18)، والزبيدي في ((تاج العروس)) (7/ 149،) والفيومي في ((المصباح المنير)) (1/ 474)، وابن منظور في ((لسان العرب)) (7/ 99)، والجوهري في ((الصحاح)) (4/ 1593، 1594) في مادة (شرك).
2 -
الشرك - بفتحتين - حبالة الصائد، الواحدة منها: شَرَكة، ومنه قيل:((وأعوذ بك من الشيطان وشركه)) (1) بفتح الراء.
3 -
الشركة - بسكون الراء -: بمعنى معظم الطريق ووسطه
…
جمعها: شرك - بفتحتين - (2).
فهذه هي المعاني لكلمة الشرك، والكلمات ذات المادة الواحدة غالبا يكون فيما بينها ترابط في المعنى، فإذا تأملنا مدلولات المادة السابقة نجد الترابط واضحاً بينها، فالمشرك يجعل غير الله مشاركاً له في حقه، فله نصيب مما هو مستحق لله تعالى، فهو سوى بين الله وبين من أشركه في حق الله، بمعنى أنه جعل مَن تألهه من دون الله مقصوداً بشيء من العبادة، ولا يلزم أن يساوي بين الرب جل وعلا، وبين من أشركه معه في القصد والتعبد من كل وجه، بل يكفي أن يكون في وجه من الوجوه. وهو - أي الشرك - حبائل الشيطان؛ به يصيد أهله، وهو شبكة إبليس، أدخل أهله فيها، والذي يوجد فيه هذا الشرك لا يعتبر مسلماً.
وقد جاء في كتاب الشيخ مبارك الميلي (الشرك ومظاهره) ذكر مثل هذا الترابط؛ بأن مرجع مادة الشرك إلى الخلط والضم، فإذا كان بمعنى الحصة من الشيء يكون لواحد وباقيه لآخر أو آخرين، كما في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ [الأحقاف: 4]، فالشريك مخالط لشريكه، وحصته منضمة لنصيب الآخر.
وإذا كان بمعنى الحبالة، فإنه ما يقع فيها من الحيوان يختلط بها وينضم إلى ملك الصائد.
وإذا كان بمعنى معظم الطريق، فإن أرجل السائرين تختلط آثارها هنالك وينضم بعضها إلى بعض.
وإذا كان بمعنى سير النعل، فإن النعل تنضم به إلى الرجل فيخلط بينهما.
وإذا كان بمعنى الكفر فهو التغطية، والتغطية نوع من الخلط.
ثم إن اجتماع الشركاء في شيء لا يقتضي تساوي أنصبائهم منه، ولا يمنع زيادة قسط للآخر، فموسى – عليه السلام – سأل ربه إشراك أخيه في الرسالة، وقد أجيب سؤاله، لقوله تعالى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه: 36]، ومعلوم أن حظ هارون من الرسالة دون حظ موسى، ولهذا تقول: فلان شريك لفلان في دار أو بضاعة، ولو لم يكن له إلا معشار العشر، هذا في الحسيات، ومثله في المعنويات: تقول: الأبوان شريكان في طاعة ابنهما لهما، وإن كان حق الأم في الطاعة أقوى، وتقول: أبنائي شركائي في محبتي، وأنت تحب بعضهم أشد من بعض، فهذا تقرير معنى الشرك في اللغة (3). الشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد زكريا – 1/ 113
(1) رواه أبو داود (5067)، والترمذي (3392)، وأحمد (1/ 9)(51)، والدارمي (2/ 378)(2689)، وابن حبان (3/ 242)(962)، والحاكم (1/ 694)، والضياء (1/ 113)(30). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الضياء: إسناده صحيح.
(2)
((لسان العرب)) (10/ 448).
(3)
انظر ما ذكره مبارك محمد الميلي في: ((رسالة في الشرك ومظاهره)) (ص: 61، 62).