الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 فى كيفية إنزله
المسألة الأولى: قال اللَّه تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال.
القول الأول، وهو الأصح الأشهر: أنه نزل سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما فى عشرين سنة، أو ثلاثة وعشرين، أو خمسة عشرين، على حسب الخلاف فى مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة.
القول الثانى: أنه نزل إلى سماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر، وثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين فى كل ليلة ما يقدر اللَّه إنزاله فى كل السنة، ثم أنزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة.
القول الثالث: أنه ابتدىء إنزاله فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة من سائر الأوقات.
والذى استقرىء. من الأحاديث الصحيحة وغيرها ان القرآن كان ينزل بحسب الحاجة، خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، وقد صح نزول العشر آيات فى قصة الإفك جملة، وصح نزول عشر آيات من أول المؤمنين جملة، وصح نزول: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وحدها، وهى بعض آية، وكذا قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً إلى آخر الآية، نزلت بعد نزول أول الآية وذلك بعض آية.
المسألة الثانية: فى كيفية الإنزال والوحى: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام اللَّه منزل، واختلفوا فى معنى الإنزال.
فمنهم من قال: إظهار القراءة.
ومنهم من قال: إن اللَّه تعالى ألهم كلامه جبريل، وهو فى السماء، وهو عال المكان، وعلمه قراءته، ثم جبريل أداه فى الأرض وهو يهبط فى المكان.
وفى التنزيل طريقان.
أحدهما: أن النبى، صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل.
والثانى: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه.
وقيل: لعل نزول القرآن على النبى، صلى الله عليه وسلم، أن يتلقفه الملك من اللَّه تعالى تلقفا روحانيا، أو يحفظه من اللوح المحفوظ، فينزل به إلى الرسول فيلقيه عليه.
والإنزال: لغة بمعنى الإيواء، وبمعنى تحريك الشىء من العلو إلى أسفل، وكلاهما يتحققان فى الكلام، فهو مستعمل فيه فى معنى مجازى.
فمن قال: القرآن معنى قائم بذات اللَّه تعالى، فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى، ويثبتها فى اللوح المحفوظ.
ومن قال: القرآن هو الألفاظ، فإنزاله مجرد إثباته فى اللوح المحفوظ، وهذا المعنى مناسب لكونه منقولا عن المعنيين اللغويين. ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من اللَّه تلقفا روحانيا، أو يحفظها من اللوح المحفوظ، وينزل بها فيلقيها عليهم.
وفى المنزل على النبى، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة أقوال:
أعرفها: أنه اللفظ والمعنى. وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به.
(م 4- الموسوعة القرآنية- ج 2)
وقد ذكر العلماء للوحى كيفيات:
إحداها: أن يأتيه الملك فى مثل صلصلة الجرس.
وعن عبد اللَّه بن عمر: سألت النبى صلى الله عليه وسلم، هل تحس بالوحى؟ فقال: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلىّ إلا ظننت أن نفسى تقبض.
والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.
والحكمة فى تقدمه أن يفرغ سمعه للوحى فلا يبقى فيه مكانا لغيره.
الثانية: أن ينفث فى روعه الكلام نفثا، كما
قال صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعى» .
الثالثة: أن يأتيه فى صورة الرجل فيكلمه.
«وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول» .
الرابعة: أن يأتيه الملك فى النوم.
الخامسة: أن يكلمه اللَّه إما فى اليقظة، كما فى ليلة الإسراء، أو فى النوم، كما
فى حديث معاذ: «أتانى ربى فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى»
، وليس فى القرآن من هذا النوع شىء، وقد يمكن أن يعدّ منه آخر سورة البقرة وبعض سورة الضحى، وألم نشرح،
فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،:«سألت ربى مسألة وددت أنى لم أكن سألته، قلت: أى رب، اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما، فقال يا محمّد، ألم أجدك يتيما فآويت، وضالا فهديت، وعائلا فأغنيت، وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معى»
المسألة الثالثة: فى الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها.
ففى حديث: «نزل القرآن على سبعة أحرف»
وسمع رجل النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول:«أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» .
وفى الصحيحين: أن رسول اللَّه، صلى الله عليه وسلم، قال: أقرأنى جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف.
قال ابن قتيبة: إن المراد بها الا وجه التى يقع بها التغاير.
فاولها: ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ بالفتح والرفع.
وثانيها: ما يتغير بالفعل، مثل: بعد، وباعد، بلفظ الطلب والماضى.
وثالثها: ما يتغير باللفظ، مثل:(ننشرها) .
ورابعها: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج، مثل: طَلْحٍ مَنْضُودٍ وطلع.
وخامسها: ما يتغير بالتقديم والتأخير، مثل: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ و (سكرة الحق بالموت) .
وسادسها: ما يتغير بزيادة أو نقصان، مثل:(والذكر والأنثى) ، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى.
وسابعها: ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى، مثل: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وكالصوف المنفوش.
وقال أبو الفضل الرازى: الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه فى الاختلاف.
الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
الثانى: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
الثالث: وجوه الإعراب.
الرابع: النقص والزيادة.
الخامس: التقديم والتأخير.
السادس: الإبدال.
السابع: إختلاف اللغات، كالفتح والإمامة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار، ونحو ذلك.
وقال ابن الجزرى: قد تتبعت صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها، فإذا
هى يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها، وذلك.
إما فى الحركات بلا تغير فى المعنى، والصورة، نحو: البخل بأربعة ويحسب بوجهين، أو متغير فى المعنى فقط، نحو: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ.
وإما فى الحروف بتغير المعنى لا الصورة، نحو: تبلو، وتتلو، وعكس ذلك، نحو: الصراط، والسراط.
أو بتغيرهما، نحو: فامضوا، فاسعوا.
وإما فى التقديم والتأخير نحو: فيقتلون، ويقتلون، أو فى الزيادة والنقصان نحو: أوصى، ووصى.
فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها.
وقيل: إن المراد سبعة أوجه من المعانى المتفقة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل، وتعال، وعلم، وعجل، وأسرع.
وعن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن. قال: والعجز: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، وهؤلاء كلهم من هوازن، ويقال لهم: عليا هوازن، ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب: عليا هوازن، وسفلى تميم، يعنى بنى دارم.
وعن ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش، وكعب خزاعة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة، يعنى أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم.
وقال أبو حاتم السجستانى: نزل بلغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.
وقال أبو عبيد: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع مفرقة فيه، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وربعضه بلغة اليمن وغيرهم.
قال: وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيبا.
وقيل: نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر: نزل القران بلغة مضر. وعين بعضهم السبع من مضر أنهم: هذيل، وكنانة، وقيس، وضة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وقريش، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات.
وقيل: انزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التى جرت عادتهم باستعمالها عن اختلافهم فى الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحدا منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد.
وقيل: المراد سبعة أصناف: أمر، ونهى، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال.
وقيل: المراد بها: الحذف، والصلة، والتقديم، والتأخير، والاستعارة، والتكرار، والكناية، والحقيقة، والمجاز، والمجمل، والمفسر، والظاهر، والغريب.
وقيل: المراد بها: التذكير، والتأنيث، والشرط، والجزاء، والتصريف، والإعراب، والأقسام وجوابها، والجمع، والإفراد، والتصغير، والتعظيم، واختلاف الأدوات.
وقيل: المراد بها سبعة أنواع من المعاملات: الزهد، والقناعة مع اليقين، والجزم، والخدمة مع الحياء، والكرم، والفتوة مع الفقر، والمجاهدة، والمراقبة مع الخوف، والرجاء، والتضرع، والاستغفار مع الرضا، والشكر، والصبر مع المحاسبة، والمحبة، والشوق مع المشاهدة.
وقيل: إن المراد بها سبعة علوم: علم الإنشاء والإيجاد وعلم التوحيد والتنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل، وعلم صفات العفو والعذاب، وعلم الحشر والحساب، وعلم النبوات.