الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 جمعه وترتيبه
قبض النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع فى شىء، ولم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن فى المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم اللَّه الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. وقد كان القرآن كتب كله فى عهد رسول اللَّه، صلى الله عليه وسلم، لكن غير مجموع فى موضوع واحد، ولا مرتب السور.
وعن زيد بن ثابت قال: أرسل إلىّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتانى فقال: إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإنى أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء فى المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر. بجمع القرآن فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه؟ قال عمر: هو واللَّه خير، فلم يزل يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى لذلك، ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر:
إنك شاب عاقل لأنتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن اجمعه، فو اللَّه لو كلفونى نقل جبل ما كان أثقل علىّ مما أمرنى به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى للذى شرح اللَّه له صدر أبى بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى، لم أجدها مع غيره: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ حتى خاتمة براءة.
فكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه اللَّه، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
ويقول علىّ: لما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ علىّ ردائى إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعته.
وعن عكرمة قال: لما كان بعد بيعة أبى بكر قعد علىّ بن أبى طالب فى بيته، فقيل لأبى بكر: قد كره بيعتك، فأرسل إليه، فقال: أكرهت بيعتى؟ قال: لا واللَّه، قال: ما أقعدك عنى؟ قال: رأيت كتاب اللَّه يزاد فيه فحدثت نفسى ألا ألبس ردائى إلا لصلاة حتى أجمعه، قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت.
وقيل: إن عمر سأل عن آية من كتاب اللَّه، فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة. فقال: إنا للَّه، وأمر بجمع القرآن، فكان أول من جمعه فى المصحف.
وعن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن فى مصحف سالم مولى أبى حذيفة، أقسم لا يرتدى برداء حتى يجمعه فجمعه.
ثم ائتمروا ما يسمونه، فقال بعضهم: سموه السفر، قال: ذلك تسمية اليهود:
فكرهوه، فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف.
وقدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك فى الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان، وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفى بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا، مع كون زيد كان يحفظ، فكان يفعل ذلك مبالغة فى الاحتياط، وقيل: إن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شىء من كتاب اللَّه فاكتباه، والمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب وقيل: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التى نزل بها القرآن.
وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ، ولذلك قال: زيد فى آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره، أى لم أجدها مكتوبة مع غيره، لأنه كان لاكتفى بالحفظ، والمراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبى صلى الله عليه وسلم عام وفاته.
وعن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدى عدل، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبى خزيمة بن ثابت، فقال: اكتبوها، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده.
وكتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا فى الرقاع والاكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت فى بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرا، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شىء.