الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
59 كناياته وتعريضه
هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة، وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح.
وعرّفها أهل البيان بأنها لفظ أريد به لازم معناه. وقيل: ترك التصريح بالشىء إلى ما يساويه فى اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم.
وللكناية أساليب:
أحدها: التنبيه على عظم القدرة، نحو: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ كناية عن آدم.
ثانيها: ترك اللفظ إلى ما هو أجمل، نحو: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب فى ذلك، لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه، ولهذا لم يذكر فى القرآن امرأة باسمها، على خلاف عادة الفصحاء لنكتة، وهو أن الملوك لا يذكرون حرائرهم فى ملأ، ولا يبتذلون أسماءهن، بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك، فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر، فلما قالت النصارى فى مريم ما قالوا صرّح اللَّه باسمها، ولم يكن تأكيدا للعبودية التى هى صفة لها، وتأكيدا، لأن عيسى لا أب له وإلا لنسب إليه.
ثالثها: أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره، ككناية اللَّه عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول، والسرّ والغشيان.
وعن ابن عباس قال: المباشرة: الجماع، ولكن اللَّه يكنى. وعنه قال: إن اللَّه يكنى ما شاء، وإن الرفث هو الجماع، وكنى عن طلبه بالمراودة فى قوله:
وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ.
وعن المعانقة باللباس فى قوله: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ.
وبالحرث فى قوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.
وكنى عن البول بالغائط فى قوله: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ.
وأصله المكان المطمئن من الأرض.
وكنى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام فى قوله فى مريم وابنها: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ.
وكنى عن الأستاه بالأدبار فى قوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.
وعن مجاهد فى هذه الآية قال: يعنى أستاههم، ولكن اللَّه يكنى. وأورد قوله تعالى: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها وقال: إن المراد به فرج القميص، والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها: أى لا يعلق ثوبها بريبة فهى طاهرة الثوب، كما يقال: نقى الثوب، وعفيف الذيل، كناية عن العفة، ومنه:
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع فى فرجها، وإنما نفخ فى جيب درعها.
رابعها: قصد البلاغة والمبالغة نحو: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ كنى عن النساء بأنهن ينشأن فى الترفه والتزين الشاغل عن النظر فى الأمور ودقيق المعانى، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك، والمراة نفى ذلك عن الملائكة.
خامسها: قصد الاختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ فعل نحو:
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا أى فإن لم تأتوا بسورة من مثله.
سادسها: التنبيه على مصيره نحو: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أى جهنمى مصيره إلى اللهب. حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ أى بمامة مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم فى جيدها غلّ.
وهكذا يعدل عن الصرائح إلى الكناية بنكتة كالإيضاح، أو بيان حال الموصوف، أو مقدار حاله، أو القصد إلى المدح أو الذم أو الاختصار أو الستر أو الصيانة، أو التعمية والإلغاز، والتعبير عن الصعب بالسهل، وعن المعنى القبيح باللفظ الحسن.
وقيل: الكناية: أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز، فتعبر بها عن المقصود كما تقول فى نحو: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى إنه كناية عن الملك، فإن الاستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك، فجعل كناية عنه.
وكذا قوله: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين.
حقيقية ومجازية.
ومن أنواع البديع التي تشبه الكناية، الإرداف، وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظ الموضوع له ولا بدالة الإشارة، بل بلفظ يرادفه كقوله تعالى:
وَقُضِيَ الْأَمْرُ والأصل: وهلك من قضى اللَّه هلاكه، ونجا من قضى اللَّه نجاته، وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجى كان بأمر آمر مطاع، وقضاء من لا يردّ قضاؤه، والأمر يستلزم امرا فقضاؤه يدل على قدرة الأمر به وقهره، وإن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان على طاعة الأمر، ولا يحصل ذلك كله فى اللفظا لخاص.
قال بعضهم: والفرق بين الكناية والإرداف: أن الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم، والإرداف من مذكور إلى متروك. ومن أمثلته أيضا: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
عدل فى الجملة الأولى عن قوله بالسوء: أى مع أن فيه مطابقة، كالجملة الثانية، إلى: بِما عَمِلُوا تأدبا أن يضاف السوء إلى اللَّه تعالى.
وللتعريض قسمان:
قسم يراد به معناه الحقيقى ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود.
وقسم لا يراد به بل يضرب مثلا للمعنى الذى هو مقصود التعريض كقول إبراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا.