المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌53 مشكله والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات، وكلامه تعالى - الموسوعة القرآنية - جـ ٢

[إبراهيم الإبياري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌الباب الثالث علوم القران

- ‌1 المكى والمدنى

- ‌2 السور المختلف فيها

- ‌3 الحضرى والسفرى

- ‌4 النهارى والليلى

- ‌5 الصيفى والشتائى

- ‌6 الفراشى والنومى

- ‌7 الأرضى والسمائى

- ‌8 أول ما نزل

- ‌9 أوائل مخصوصة

- ‌أول ما نزل فى القتال:

- ‌أول ما نزل فى الخمر:

- ‌أول آية نزلت فى الأطعمة

- ‌أول سورة نزلت فيها سجدة:

- ‌10 آخر ما نزل

- ‌11 سبب النزول

- ‌12 فيما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة

- ‌13 ما تكرّر نزوله

- ‌14 ما تأخر حكمة عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه

- ‌15 ما نزل مفرقا وما نزل جمعا

- ‌16 ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم

- ‌17 فى كيفية إنزله

- ‌18 أسماؤه

- ‌19 أسماء السور

- ‌20 إعراب أسماء السور

- ‌21 أقسام القرآن

- ‌22 جمعه وترتيبه

- ‌23 جمع أبى بكر وعثمان للقرآن

- ‌24 ترتيب الآيات

- ‌25 السبع الطوال

- ‌26 مصحف أبى

- ‌27 مصحف عبد اللَّه بن مسعود

- ‌28 عدد السور

- ‌29 عدد الآى

- ‌30 عدد كلمات القرآن

- ‌31 حفاظه ورواته

- ‌32 العالى والنازل من أسانيده

- ‌33 المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ والموضوع والمدرج

- ‌34 الوقف والابتداء

- ‌35 الإمالة والفتح

- ‌36 الإدغام والإظهار والإخفاء

- ‌37 المد والقصر

- ‌38 تخفيف الهمز

- ‌39 كيفية تحمله

- ‌40 تجويد القراءة

- ‌41 آداب تلاوته

- ‌42 الاقتباس

- ‌43 ما وقع فيه بغير لغة الحجاز

- ‌44 ما وقع فيه بغير لغة العرب

- ‌45 معرفة الوجوه والنظائر

- ‌46 الأدوات التى يحتاج إليها المفسر

- ‌47 إعراب القرآن

- ‌48 المحكم والمتشابه

- ‌49 مقدمه ومؤخره

- ‌وللتقديم أسباب وأسرار

- ‌50 عامه وخاصه

- ‌51 مجمله ومبينه

- ‌52 ناسخه ومنسوخه

- ‌53 مشكله

- ‌54 مطلقة ومقيده

- ‌55 منطوقه ومفهومه

- ‌56 وجوه مخاطباته

- ‌57 حقيقته ومجازه

- ‌والمجاز فى القرآن قسمان

- ‌58 تشبيهه واستعاراته

- ‌59 كناياته وتعريضه

- ‌60 الحصر والاختصاص

- ‌61 الإيجاز والإطناب

- ‌62 الخبر والإنشاء

- ‌63 بدائع القرآن

- ‌64 فواصل الآى

- ‌65 فواتح السور

- ‌66 خواتم السور

- ‌67 الآيات والسور

- ‌68 الآيات المشتبهات

- ‌69 أمثال القرآن

- ‌70 أقسام القرآن

- ‌71 جدل القرآن

- ‌72 ما وقع فى القرآن من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌73 المبهمات

- ‌الباب الرابع اعجاز القرآن

- ‌1 إعجاز القرآن

- ‌2 القرآن معجزة

- ‌3 وجوه إعجاز القرآن

- ‌4 تعقيب على وجوه إعجاز القرآن

- ‌5 نفى الشعر من القرآن

- ‌6 نفى السجع من القرآن

- ‌7 الوقوف على إعجاز القرآن

- ‌8 التحدى

- ‌9 قدر المعجز من القرآن

- ‌10 وجوه من البلاغة

- ‌11 وجوه مختلفة من الإعجاز

- ‌الباب الخامس الناسخ والمنسوخ

- ‌(أ) السور التى لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ

- ‌(ب) السور التى فيها ناسخ وليس فيها منسوخ

- ‌(ج) السور التى دخلها المنسوخ ولم يدخلها ناسخ

- ‌(د) السورة التى دخلها الناسخ والمنسوخ

- ‌(هـ) الآيات المنسوخة والناسخة

الفصل: ‌ ‌53 مشكله والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات، وكلامه تعالى

‌53 مشكله

والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات، وكلامه تعالى منزّه عن ذلك كما قال تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ولكن قد يقع للمبتدىء ما يوهم اختلافا وليس به فى الحقيقة فاحتيج لإزالته.

جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف علىّ من القرآن، فقال ابن عباس: ما هو؟ أشك؟ قال: ليس بشك، ولكنه اختلاف، وقال: هات ما اختلف عليك من ذلك، قال: أسمع اللَّه يقول: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ، وقال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً فقد كتموا، وأسمعه يقول:، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ ثم قال: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، وقال: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ حتى بلغ: طائِعِينَ. ثم قال فى الآية الأخرى: أَمِ السَّماءُ بَناها، ثم قال: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها، وأسمعه يقول: وَكانَ اللَّهُ ما شأنه يقول وكان اللَّه؟

فقال ابن عباس: أما قوله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فإنهم لما رأوا يوم القيامة وأن اللَّه يفغر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم، فقالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فختم اللَّه على أفواهم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك: يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً.

وأما قوله: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فإنه إذا نفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض، إلا من شاء، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.

ص: 191

وأما قوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سموات فى يومين بعد خلق الأرض.

وأما قوله: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها يقول: جعل فيها جبلا وجعل فيها نهرا وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا.

وأما قوله: كانَ اللَّهُ فإن اللَّه كان ولم يزل كذلك، وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير لم يزل كذلك، فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك، وإن اللَّه لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب به الذى أراد. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.

وللاختلاف أسباب:

أحدها: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطورات شتى، كقوله فى خلق آدم من تراب، ومرة من حمأ مسنون، ومرة من طين لازب، ومرة من صلصال كالفخار، فهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها فى أحوال مختلفة، لأن الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب، إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر، وهو التراب، ومن التراب درجت هذه الأحوال.

وكقوله: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ، وفى موضع: تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ والجانّ: الصغير من الحيات، والثعبان الكبير منها، وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته.

الثانى: لاختلاف الموضع كقوله: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ وقوله:

فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ مع قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ.

فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل. والثانية على ما يستلزمه الإقرار بالنبوّات من شرائع الدين وفروعه، وحمله غيره على اختلاف الأماكن، لأن فى القيامة مواقف كثيرة، ففى موضع يسألون، وفى آخر لا يسألون.

وقيل: إن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ، والمنفى سؤال المغفرة وبيان الحجة.

وكقوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ، مع قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

ص: 192

فالأولى محمولة على التوحيد بدليل قوله بعدها: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ والثانية على الأعمال. وقيل: بل الثانية ناسخة للأولى.

وكقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً: مع قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ.

فالأولى تفهم إمكان العدل، والثانية تنفيه. والجواب أن الأول فيه توفية الحقوق، والثانية فى الميل القلبى، وليس فى قدرة الإنسان.

وكقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ مع قوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها.

فالأولى فى الأمر الشرعى، والثانية فى الأمر الكونى، بمعنى القضاء والتقدير.

الثالث: لاختلافهما فى جهتى الفعل كقوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ أضيف القتل إليهم والرمى إليه صلى الله عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة. ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.

الرابع: لاختلافهما فى الحقيقة والمجاز: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى

أى سكارى من الأهوال مجازا لا من الشراب حقيقة.

الخامس: بوجهين واعتبارين، كقوله، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، مع قوله:

خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ، فبصرك، أى علمك ومعرفتك بها قوية، من قولهم، بصر بكذا، أى علم، وليس المراد رؤية العين، ويدل على ذلك قوله: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ.

وكقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ مع قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة. وجوابه أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى، فتوجل القلوب لذلك، وقد جمع بينهما فى قوله: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.

ومما استشكلوه قوله تعالى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى (م 13- الموسوعة القرانية- ج 2)

ص: 193

وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا، فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان فى أحد هذين الشيئين.

وقال فى آية أخرى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا فهذا حصر آخر فى غيرهما.

ومعنى آلآية الأولى: (وما منع الناس أو يؤمنوا إلا) إرادة أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ من الخسف أو غيره أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا فى الآخرة، فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين. ولا شك أن إرادة اللَّه مانعة من وقوع ما ينافى المراد، فهذا حصر فى السبب الحقيقى، لأن اللَّه هو المانع فى الحقيقة.

ومعنى الآية الثانية: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إلا استغراب بعثه بشرا رسولا، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان لأنه لا يصلح لذلك، وهو يدل على الاستغراب بالالتزام، وهو المناسب للمانعية، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا، لجواز وجود الإيمان معه بخلاف إرادة اللَّه تعالى، فهذا حصر فى المانع العادى، والأول حصر فى المانع الحقيقى فلا تنافى أيضا.

ومما استشكل أيضا قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ مع قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، إلى غير ذلك من الآيات.

ووجهه أن المراد بالاستفهام هنا النفى، والمعنى: لا أحد أظلم، فيكون خبرا، وإذا كان خبرا، وأخذت الآيات على ظواهرها، أدّى إلى التناقض. وأجيب بأوجه:

منها: تخصيص كل موضع بمعنى صلته، أى لا أحد من المانعين أظلم ممن منع مساجد اللَّه، ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا، وإذا تخصص بالصلات فيها زال التناقض.

ومنها: أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لما يسبق أحد إلى مثله، حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقهم، وهذا يئول معناه إلى ما قبله، لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية.

ص: 194

ومنها: أن نفى الأظلمية لا يستدعى نفى الظالمية، لأن نفى المقيد لا يدل على نفى المطلق، وإذا لم يدل على نفى الظالمية لم يلزم التناقض، لأن فيها إثبات التسوية فى الأظلمية، وإذا ثبتت التسوية فيها لم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر، لأنهم يتساوون فى الأظلمية، وصار المعنى: لا أحد أظلم ممن افترى، ومن منع، ونحوهما، ولا إشكال فى تساوى هؤلاء فى الأظلمة، ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم من الآخر، كما إذا قلت: لا أحد أفقه منهم، ونفى التفضيل لا يلزم منه نفى المساواة.

وقيل: هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره.

وإذا تعارضت الآى، وتعذر فيها الترتيب والجمع، طلب التاريخ وترك المتقدم بالمتأخر، ويكون ذلك نسخا، وإن لم يعلم وكان الإجماع على العمل بإحدى الآيتين علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها.

ولا يوجد فى القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوصفين.

وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين نحو: وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب والجر، ولهذا جمع بينهما بحمل النصب على الغسل، والجرّ على مسح الخف.

وجماع الاختلاف والتناقض أن كل كلام صح أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض، وإنما التناقض فى اللفظ ما ضاده من كل جهة، ولا يوجد فى الكتاب والسنة شىء من ذلك أبدا، وإنما يوجد فيه النسخ فى وقتين، ويجوز تعارض اى القران والآثار وما يوجبه العقل، فلذلك لم يجعل قوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ معارضا لقوله: وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ لقيام الدليل العقلى أنه لا خالق غير اللَّه، فتعين تأويل ما عارضه، فيؤول (وتخلقون) على تكذبون، و (تخلق) على تصوّر.

والاختلاف على وجهين:

اختلاف تناقض، وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر، وهذا هو الممتنع على القرآن.

واختلاف تلازم، وهو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة، واختلاف مقادير السور والآيات، واختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ، والأمر والنهى، والوعد والوعيد.

ص: 195