الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
52 ناسخه ومنسوخه
قال الأئمة: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب اللَّه إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ.
وقد قال علىّ لقاض: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال:
هلكت وأهلكت.
ويرد الناسخ:
بمعنى الإزالة، ومنه قوله: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ.
وبمعنى التبديل، ومنه: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ.
وبمعنى التحويل، كتناسخ المواريث بمعنى تحويل الميراث من واحد إلى واحد.
وبمعنى النقل من موضع إلى موضع. ومنه: نسخت الكتاب، إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه، وهذا الوجه لا يصح أن يكون فى القرآن.
والنسخ مما خص اللَّه به هذه الأمة لحكم:
منها التيسير، وقد أجمع المسلمون على جوازه.
واختلف العلماء فقيل: لا ينسخ القرآن إلا بقرآن، كقوله تعالى:
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخير منه إلا قرآن.
وقيل: بل ينسخ القرآن بالسنة، لأنها أيضا من عند اللَّه، قال تعالى:
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى وجعل منه آية الوصية.
وقال الشافعى: حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها، وحيث وقع نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له، ليتبين توافق القرآن والسنة.
ولا يقع النسخ إلا فى الأمر والنهى ولو بلفظ الخبر، أما الخبر الذى ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ، ومنه الوعد والوعيد.
والنسخ أقسام:
أحدها: نسخ المأمور به قبل امتثاله، وهو النسخ على الحقيقة، كآية النجوى.
الثانى: نسخ مما كان شرعا لمن قبلنا، كآية شرع القصاص والدية، أو كان أمر به أمرا إجماليّا، كنسخ التوجه إلى بيت المقدس بالكعبة، وصوم عاشوراء برمضان، وإنما يسمى هذا نسخا تجوزا.
الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب، كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والصفح، ثم نسخ بإيجاب القتال، وهذا فى الحقيقة ليس نسخا بل هو من قسم المنسأكما قال تعالى: أَوْ نُنْسِها فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفى حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى، وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية فى ذلك منسوخة بآية السيف، وليس كذلك بل هى من المنسأ، بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله فى وقت مانعية تقتضى ذلك الحكم، بل ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، وإنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله.
الرابع: قال بعضهم: سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ أقسام:
قسم ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، وهو ثلاثة وأربعون: سورة: الفاتحة، ويوسف، ويس، والحجرات، والرحمن، والحديد، والصف، والجمعة، والتحريم، والملك، والحاقة، ونوح، والجن، والمرسلات، وعم، والنازعات، والانفطار، وثلاث بعدها، والفجر وما بعدها إلى آخر القرآن إلا التين، والعصر، والكافرين.
وقسم فيه الناسخ وهو خمس وعشرون: البقرة وثلاث بعدها، والحج، والنور، وتالياها، والأحزاب، وسبأ، والمؤمن، والشورى، والذاريات، والطور، والواقعة، والمجادلة، والمزمل والمدثر، وكوّرت، والعصر.
وقسم فيه الناسخ فقط، وهو ستة: الفتح، والحشر، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والأعلى.
وقسم فيه المنسوخ فقط وهو الأربعون الباقية.
الخامس: الناسخ أقسام.
فرض نسخ فرضا ولا يجوز العمل بالأول كنسخ الحبس للزوانى بالحد.
وقيل: وفرض نسخ فرضا ويجوز العمل بالأول كآبة المصاهرة.
وفرض نسخ ندبا كالقتال كان ندبا ثم صار فرضا.
وندب نسخ فرضا، كقيام الليل نسخ بالقراءة فى قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ.
السادس: النسخ فى القرآن على ثلاثة أضرب.
أحدها: ما نسخ تلاوته وحكمه معا.
والحكمة فى رفع الحكم وبقاء التلاوة، لها وجهان:
أحدهما: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به، فيتلى لكونه كلام اللَّه فيثاب عليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
والثانى: أن النسخ غالبا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع المشقة.
وإنما يرجع فى النسخ إلى نقل صريح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابى يقول: آية كذا نسخت كذا.
ولا يعتمد فى النسخ قول عوامّ المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرّر فى عهده صلى الله عليه وسلم، والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأى والاجتهاد.
والثالث: ما نسخ تلاوته دون حكمه.
والحكمة فى رفع التلاوة مع بقاء الحكم، ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة فى المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شىء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طريق الوحى.