الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
[ما وقع من الحوادث سنة 801]
السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق- الأولى على مصر وهى سنة إحدى وثمانمائة، على أنّ والده الملك الظاهر برقوق حكم منها إلى نصف شوّال، ثمّ حكم فى باقيها الملك النّاصر هذا.
فيها توفّى قاضى القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى بن سليم بن جميل الأزرقىّ العامرىّ الكركىّ الشافعىّ، قاضى قضاة الكرك «1» ، ثم الدّيار المصرية بالقدس فى سادس شهر ربيع الأوّل، وكان فاضلا رئيسا نبيلا، وهو أحد من قام مع الملك الظّاهر برقوق عند خروجه من سجن الكرك، وخدمه فى أيّام حبسه بها- وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه فى ترجمة الملك الظّاهر برقوق- ولمّا عاد الملك الظّاهر إلى ملكه عرف له ذلك، وطلبه إلى الدّيار المصريّة، وولّاه قضاء الشّافعيّة بالدّيار المصريّة، وولّى أخاه علاء الدين كاتب سرّ الكرك كتابة «2» سرّ مصر، ثم صرف القاضى
عماد الدين هذا عن القضاء برغبة منه، وولى مشيخة الصلاحية «1» بالقدس الشّريف إلى أن مات به.
وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله الإبراهيمىّ الظّاهرىّ- يرقوق- نائب حلب بها، فى ليلة خامس عشرين صفر، وكان من أخصّاء مماليك الملك الظّاهر برقوق؛ رقّاه إلى أن ولّاه نيابة صفد «2» ، ثم طرابلس، ثم تقله إلى نيابة حلب بعد عزل الوالد عنها فى سنة ثمانمائة، فدام بها إلى أن مات، وكان أميرا عاقلا ساكنا، مشكور السيرة، وتولّى بعده نيابة حلب الأمير آقبغا الجمالى الأطروش.
وتوفّى الأمير زين الدين أمير حاج بن مغلطاى، أحد الأمراء بالدّيار المصريّة.
فى شهر ربيع الأول، وكان له رياسة ووجاهة.
وتوفّى الشيخ الإمام العلّامة قنبر بن محمد العجمىّ السّيرامىّ «3» الشافعى، العالم المشهور بالقاهرة، فى شعبان، وكان قدومه إليها من بلاد العجم فى حدود سنة سبع وثمانين وسبعمائة، ونزل بجامع الأزهر، وكان متفنّنا فى عدّة فنون من العلوم، درّس، واشتغل، وانتفع به الطلبة، وكان تاركا للدّنيا، متقشّفا فى ملبسه، قد قنع بجبّة من لبد «4» ، وطاقيّة من لبد- صيفا وشتاء- وقال العينىّ بعدما أثنى على علمه: وكان يميل إلى سماع المغانى واللهو والرقص، وكان يتّهم بالمسح على رجليه من غير خفّ «5» - انتهى.
وتوفّى الأمير سيف الدين بكلمش بن عبد الله العلائىّ. أمير سلاح»
كان- بطّالا- بالقدس فى صفر، وأصله من مماليك الأمير طيبغا الحسنىّ الناصرىّ، المعروف بالطويل، وترقّى بعده حتى صار من جملة الأمراء، ثمّ أنعم عليه الملك الظاهر برقوق بإمرة طبلخاناة «2» قبل خلعه من الملك، ثمّ جعله فى سلطنته الثانية أمير آخورا كبيرا «3» مدّة سنين، ثمّ نقله- بعد أن أمسكه وحبسه- إلى إمرة سلاح، فدام على ذلك سنين إلى أن قبض عليه فى تاسع عشرين المحرم من سنة ثمانمائة، وقبض- معه أيضا- على الأمير الكبير كمشبغا الحموىّ، وحملا إلى سجن الإسكندرية، وتولّى الأمير آخورية بعده الأمير تنبك الظاهرى، فدام بكلمش هذا فى السجن إلى أن أفرج عنه، وبعثه إلى القدس بطّالا، فدام به إلى أن مات، وكان أميرا شجاعا مقداما، ذا كلمة نافذة فى الدولة، إلا أنه كان فيه كبر وجبروت، وخلق سيئ مع كرم وإنعام، وكان سبب القبض عليه أنّه ضرب موقّعه القاضى صفىّ الدين الدميرى وصادره، فشكا صفىّ الدين حاله إلى السلطان فى أبيات مدح السلطان فيها، وذمّ بكلمش المذكور، من جملتها قوله:
يأكلنى ذئب وأنت ليث «4»
فسمع بذلك بكلمش، فطلبه وضربه ثانيا بالمقارع، وكلما ضربه رشّ عليه الملح، فكان كلّما صاح يقول له بكلمش قل للّيث يخلّصك من الذئب، فأقام بعد
ذلك مدة، ومات من تلك العقوبة، وبلغ السلطان ذلك فأمهله مدة ثم قبض عليه.
وفيها توفّى الأمير حسام الدين حسن الكجكنّىّ «1» نائب الكرك، ثم أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، وهو الذي أخرج الملك الظاهر يرقوق من سجن الكرك، ولما أرسل إليه منطاش الشهاب البريدىّ بقتله فقام حسام الدين هذا بنصرته، فلما عاد الملك الظاهر إلى ملكه كافأه وأنعم عليه بإمرة مائة «2» ، وتقدمة ألف بديار مصر، وصار من أعظم أمرائه إلى أن مات- رحمه الله وكان عارفا، عاقلا، سيوسا، وعنده فضيلة، وفهم جيد ومذاكرة.
وتوفّى الشيخ المعتقد خلف بن حسن بن حسين الطّوخى «3» ، فى ثانى عشرين شهر ربيع الأول، وكان للناس فيه اعتقاد ومحبّة.
وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المغربىّ، ويعرف بابن المشيّب، فى سادس عشرين شهر ربيع الأول «4» .
وتوفّى الشيخ الإمام العالم العامل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبى بكر ابن محمد العبّادىّ الحنفىّ الفقيه المشهور، فى ليلة الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وكان من فضلاء الحنفيّة، أفتى ودرّس فى عدة فنون.
وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البليغ علاء الدين أبو الحسن علىّ بن أيبك [التقصباوى الناصرى]«5» الدّمشقىّ الشاعر المشهور، فى ثالث عشر ربيع الأول بدمشق، وكان بارعا فى النّظم، وله شعر رائق، ذكرنا منه قطعة جيدة فى ترجمته فى
تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ومولده فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بدمشق، ومن شعره- رحمه الله قوله:(الكامل)
قم زفّ بنت الكرم ثمّ استجلها
…
بكرا لها فى الكأس رأس أشمط
فالطّير شاد والنّسيم مشبّب
…
والغصن يرقص والغمام ينقّط
وله أيضا: (الوافر)
كأنّ الرّاح لمّا راح يسعى
…
بها فى الرّاح ميّاس القوام
سنا المرّيخ فى كفّ الثّريّا
…
يحيّينا به بدر التّمام
وله الموشح المشهور الذي أوله:
يا من حكى خدّه الشّقائق
…
وماله فى اليها «1» شقيق
تركتنى بالدموع شارق
…
لمّا بدا خدّك الشّريق
سللت من ناظريك صارم
…
للفتك يا شادن الصّريم
وسرت يوم الفراق سالم
…
وقد تركت الحشا سليم
متى أراك الغداة قادم
…
يا من حديثى به قديم
شيّبت من أجلك المفارق
…
وسرت مع جملة الفريق
ما بين حاد حدا وسائق
…
حملى بمن ساقه وسيق
وهو أطول من ذلك.
وتوفّى العارف بالله شمس الدين محمد بن أحمد بن علىّ، المعروف بابن نجم الصوفىّ بمكة المشرّفة، فى صفر بعد أن جاور بها عدة سنين.
وتوفّى الخليفة أمير المؤمنين المعتصم بالله زكريا بن إبراهيم بن محمد بن أحمد- وهو مخلوع من الخلافة- فى رابع عشرين جمادى الأولى، وقد تقدم ذكر ولايته للخلافة فى أيام أينبك البدرى «1» ، بعد قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين فى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ثم خلع حتى ولاه الملك الظاهر برقوق ثانيا بعد موت أخيه الواثق، فلم تطل مدته أيضا، وخلعه الملك الظاهر من الخلافة فى أول جمادى الأولى من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأعاد المتوكل على الله، فاستمرّ المعتصم هذا معزولا طول عمره إلى أن مات فى هذه السنة، وخلافته الأولى والثانية لم تطل مدته فيهما- انتهى.
وتوفّى الأمير سيف الدين شيخ بن عبد الله الصّفوىّ الخاصّكىّ «2» ، أمير مجلس، وهو مسجون بسجن المرقب «3» ، وكان ممن رقاه الملك الظّاهر برقوق إلى أن جعله أمير مائة ومقدّم ألف فى سلطنته الثانية، وجعله أمير مجلس، ثمّ قبض عليه فى سنة ثمانمائة، وأنعم بإقطاعه على الوالد بعد عزله عن نيابة حلب، وأخرجه الملك الظاهر إلى القدس بطّالا، فساءت سيرته بها، وكان مسرفا على نفسه منغمسا فى اللذات، فأمر الملك الظاهر به فنقل من القدس إلى حبس المرقب إلى أن مات به، قلت: وشيخ هذا هو أول أمير عظيم فى دولة الملك الظاهر برقوق ممن سمّى بهذا الاسم، ثم بعده شيخ المحمودىّ الساقىّ، أعنى الملك المؤيد، ثم بعده شيخ السّليمانىّ المسرطن نائب طرابلس، فهؤلاء الثلاثة هم أعظم من سمّى بهذا الاسم، ثم جاء بعدهم فى الدولة الأشرفيّة- برسباى- اثنان: شيخ الأمير آخور الثانى مملوك بيبرس الأتابك، وشيخ الحسنىّ الحسنىّ الظاهرىّ أمير عشرة ورأس نوبة، وهما كلا شىء بالنسبة إلى هؤلاء الثلاثة- انتهى.
وتوفّى العبد الصالح الأمير الطواشىّ الرّومىّ صندل بن عبد الله المنجكىّ «1» ، خازندار «2» الملك الظاهر برقوق، وعظيم دولته، وصاحب الطّبقة- بالقلعة- المعروفة بالصّندليّة، فى ثالث شهر رمضان، ووجد الملك الظاهر عليه وجدا عظيما، ومات ولم يخلّف من المال إلا النّزر اليسير إلى الغاية، هذا مع تمكّنه فى الدولة، وطول مدته فى وظيفة الخازنداريّة فى تلك الأيام، وأنياته «3» جماعة كبيرة من المماليك الظاهريّة، ومنهم جماعة فى قيد الحياة يحكون عن زهده وصلاحه وعبادته أشياء عظيمة إلى الغاية، وكان الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ إذا حدّث عنه يقول: حدّثنى من لا أتّهمه العبد الصالح المنجكىّ- انتهى.
وتوفّى الأمير الكبير- أتابك العساكر بالدّيار المصريّة، وعظيم المماليك اليلبغاويّة- كمشبغا بن عبد الله الحموىّ اليلبغاوىّ، بسجن الإسكندرية، فى العشرين من شهر رمضان، وهو أحد من قام بنصرة الملك الظّاهر برقوق عند خروجه من سجن الكرك، وكان كمشبغا يوم ذلك يلى نيابة حلب، وقد تقدم ذكر كمشبغا هذا فى مواطن كثيرة من أواخر دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين إلى أن أمسك وحبس، ومات، وكان من أجلّ الملوك وأعظمها قدرا، قيل للوالد لما ولى الأتابكيّة بالديار المصرية: يا خوند امش على قاعدة الأمير كمشبغا، فقال الوالد:
أيش أنا حتى أمشى على طريق كمشبغا! كمشبغا فى مقام أستاذى، وكان بخدمة الوالد يومئذ أزيد من ثلاثمائة مملوك، ورأيت سماطه ومرتّباته تسعمائة رطل من اللحم فى كل يوم، وفى هذا كفاية فى التعريف بحال كمشبغا- رحمه الله.
وتوفّى قاضى القضاة ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله ابن عواض بن نجا بن أبى الثّناء محمود بن نهار بن مؤنس بن حاتم بن نيلى ابن جابر بن هشام بن عروة بن الزّبير بن العوّام- رضى الله عنه- المعروف بابن التّنسىّ [السكندرى]«1» المالكىّ، قاضى قضاة الإسكندرية، ثم الديار المصرية- بها- وهو قاض، فى أول شهر رمضان، وكان مشكور السيرة- رحمه الله وهو والد القاضى بدر الدين محمد بن التّنسىّ الآتى ذكره.
وتوفّى الأمير سيف الدين قديد بن عبد الله القلمطاوىّ، أحد أمراء الطّبلخانات- بطّالا- بالقدس، فى شهر ربيع الأول، وكان من قدماء الأمراء، وولى نيابة الكرك فى بعض الأحيان.
وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب العجمى، المعروف بالزهورىّ «2» فى أول صفر، وكان شيخا عجميّا، وللناس فيه اعتقاد كبير لا سيما الملك الظاهر برقوق؛ فإنه كان له فيه اعتقاد كبير إلى الغاية.
أخبرنى بعض حواشى الملك الظاهر: أن الزهورىّ هذا كان إذا جلس عند الملك الظاهر برقوق وكلّمه يأخذ الملك الظاهر كلامه على سبيل المكاشفة، وكان يقيم عنده غالبا فى الدور السّلطانيّة عند الخوندات «3» ، ووقع له مع
الظاهر خوارق ومكاشفات، منها: أنه قال له يوما- وقد حان أجلهما- يا برقوق أنا آكل فراريج وأنت تأكل بعدى دجاجا ثم تروح، ففطن برقوق أنه يقيم بعد موت الزّهورىّ بمقدار ما يكبر فيه الفرّوج، ومرض الزهورىّ ومات، وضاق صدر برقوق حتى كلمه جماعة فى عدم ما ظنه، فلم يقم بعده الظاهر إلا ثمانية أشهر ومات.
وتوفّى العلامة القاضى بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستانىّ السّرّائىّ «1» الحنفىّ، كاتب السرّ الشريف بالديار المصرية، وأحد العلماء الأعيان فى عاشر جمادى الأولى بالقاهرة، وولى بعده كتابة السرّ فتح الدين فتح الله رئيس الأطباء- وقد تقدم ذكر ولاية الكلستانىّ هذا لوظيفة كتابة السرّ بعد موت بدر الدين بن فضل الله بدمشق فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الثانية- وكان إماما بارعا مفتنّا فى علوم كثيرة، عارفا باللغة العربية والعجمية والتركية، وسمّى بالكلستانىّ لكثرة قراءته كتاب السعدىّ العجمىّ الشاعر، وكان الكتاب المذكور يسمى كلستان «2» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وأربعة عشر أصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وخمسة أصابع- والله أعلم.