الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 811]
السنة الرابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر وهى سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
فيها توفّى قاضى القضاة كمال الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد [بن عمر ابن عبد العزيز]«1» الحلبىّ الحنفى ابن أبى جرادة، المعروف بابن العديم، قاضى قضاة حلب ثمّ الدّيار المصريّة بها- وهو قاض- فى ليلة السبت ثانى عشر جمادى الآخرة، ومولده بحلب فى سنة إحدى «2» وسبعين وسبعمائة، ودفن بالحوش المجاور لتربة طشتمر حمّص أخضر بالصّحراء.
وتولّى القضاء من بعده ابنه قاضى القضاة ناصر الدين محمد بسفارة الوالد؛ لكونه كان متزوّجا بإحدى أخواتى، وكان القاضى كمال الدّين المذكور رئيسا عالما فاضلا حشما، وجيها عند الملوك وقورا، وله مكارم وأفضال، وقد ثلبه الشيخ تقىّ الدّين المقريزىّ بأمور هو برىء عنها؛ لأمر كان بينهما- عفى الله عنهما.
وتوفّى الأمير سيف «3» الدّين يلبغا بن عبد الله السّالمىّ الظّاهرىّ الأستادار- خنقا- بعد عصر يوم الجمعة بسجن الإسكندريّة.
قال المقريزىّ: «وكان مخلّطا خلط العمل الصّالح بعمل سيّئ» وساق حكاياته فى عدّة أسطر، وقد ذكرنا معنى كلامه وأزيد فى حقّ السّالمىّ فى ترجمة الملك الظّاهر برقوق، ثمّ فى ترجمة الملك النّاصر مفصّلا إلى يوم وفاته، وفى ذلك كفاية عن الإعادة.
وهو ممّن قتله جمال الدّين الأستادار، وكان يلبغا المذكور له همّة عالية، ومعرفة تامّة، وعقل وتدبير مع دين وعبادة هائلة، وعفّة عن المنكرات والفروج، وقد ولى الأستاداريّة غير مرّة، ونفذ الأمور على أعظم وجه وأتمّ حرمة حسبما تقدّم ذكره.
وتوفّى الأمير سيف الدّين بشباى بن عبد الله من باكى الظّاهرىّ «1» رأس نوبة النّوب فى ليلة الأربعاء رابع عشرين جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة، وهو أحد أعيان المماليك الظّاهريّة الخاصّكيّة، وترقّى من بعده إلى أن صار حاجبا بدمشق، ثمّ حاجبا ثانيا بمصر، ثمّ ولى حجوبيّة الحجّاب بها، ثمّ نقل إلى رأس نوبة النّوب، وكان من أعيان الأمراء وأكابر المماليك الظّاهرية، غير أنّ المقريزىّ لمّا ذكر وفاته قال: وكان ظالما غشوما غير مشكور السّيرة- انتهى.
وتوفّى الأمير سيف الدين أرسطاى بن عبد الله [الظاهرى]«2» رأس نوبة النّوب- كان- ثمّ نائب إسكندريّة بها، فى نصف شهر ربيع الآخر، وكان جليل القدر، عاقلا سيوسا، طالت أيّامه فى السعادة إلّا أنه كان يرتفع ثمّ ينحطّ، وقع له ذلك غير مرّة.
وتوفّى الأمير الكبير ركن الدين بيبرس بن عبد الله «3» ، وابن أخت الملك الظّاهر برقوق- قتيلا- بسجن الإسكندريّة، وقتل معه الأمير سودون الماردانىّ الدّوادار الكبير، والأمير بيغوت نائب الشّام- كان- وقد مرّ من ذكر هؤلاء الثّلاثة نبذة كبيرة تعرف منها أحوالهم لا سيّما عند خلع الملك النّاصر فرج وسلطنة أخيه المنصور عبد العزيز.
وتوفّى الشّريف ثابت بن نعير بن منصور بن جمّاز بن شيحة الحسينىّ «1» ، أمير المدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصّلاة والسلام- فى صفر، وتولّى إمرة المدينة من بعده أخوه عجلان «2» بن نعير.
وتوفّى الوزير الصّاحب فخر الدّين ماجد- ويسمّى أيضا محمد- بن عبد الرّزّاق «3» ابن غراب فى عشر ذى الحجّة- مقتولا- بيد جمال الدين الأستادار.
وكان فخر الدّين هذا أسنّ من سعد الدين أخيه، غير أنّ سعد الدين كان نوعا وهذا نوع آخر، كان فيه حدّة مزاج، وشراسة خلق، بضدّ ما كان فى أخيه سعد الدين، وكان يلثغ بالجيم، يجعلها زايا، فكان إذا طلب أحدا يقول:«جبّوا» إلىّ ويكرّرها، وهو يبدّل الجيم بالزّاى فتضحك الناس من ذلك أوقاتا، وقد تنقّل فى عدّة وظائف كالوزر، ونظر الجيش، والخاصّ فيما أظنّ.
وتوفّى الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة العبدلىّ الدّمشقىّ الشّهير بالمزيّن [صنعته]«4» الشاعر المشهور، فى شعبان، ومولده فى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بدمشق.
قال لى غير واحد من أصحابه: كان شيخا ظريفا فاضلا أديبا، معاشرا للأكابر والأعيان، ورأى الشّيخ جمال الدين محمد بن نباتة «5» ، وابن الوردىّ «6» ،
والصّفدىّ «1» وغيرهم، وكان له شعر رائق، من ذلك أنشدنا الشيخ جمال الدين عبد الله الدّمشقىّ قال: أنشدنى الأديب شمس الدين المزيّن من لفظه لنفسه [الوافر]
تقول مخدّتى لمّا اضطجعنا
…
ووسدّنى حبيب القلب زنده
قصدتم عند طيب الوصل هجرى
…
خذونى تحت رأسكم مخدّه
وله فى دواة: [السريع]
أنا دواة يضحك الجود من
…
بكا يراعى جلّ من قد براه
دلّوا على جودى من مسّه
…
داء من الفقر فإنّى دواه
قلت: وهذا يشبه قول القائل، ولم أدر من السّابق لهذا المعنى:
هذى دواة للعطا والسّخا
…
ومنبع الخير وبحر الحياه
قد فتحت فاها وقالت لنا
…
من مسّه الفقر فإنّى دواه
أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة سبعة عشر ذراعا وإصبع واحد.