المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 814] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٣

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌ الجزء الثالث عشر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 801]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 802]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 803]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 804]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 805]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 806]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 807]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 808]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 809]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 810]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 811]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 812]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 813]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 814]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 808]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 809]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 810]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 811]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 812]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 713]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 714]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌فهرس الجزء الثالث عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 801- 815 ه

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنه 801- 814 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 814]

[ما وقع من الحوادث سنة 814]

وأمّا الوالد فإنه سار من الكرك إلى نحو دمشق حتى دخلها فى يوم سادس المحرّم من سنة أربع عشرة وثمانمائة، ونزل بدار السّعادة وقد خمدت الفتنة، وسكن هرج النّاس، ثمّ خرج الأمير شيخ والأمير نوروز من الكرك إلى محلّ كفالتهما، وقدما إلى دمشق بمن معهما من الأمراء والمماليك لعمل مصالحهما بدمشق، فلمّا بلغ الوالد قدومهما خرج لتلقّيهما بقماش جلوسه فى خواصّه لا غير، فلمّا وقع بصرهما على الوالد نزلا عن خيولهما، فأقسم عليهما الوالد فى عدم النزول، فنزلوا قبل أن يسمعوا القسم، فعند ذلك نزل لهم الوالد أيضا عن فرسه وسلّموا عليه، فحلف عليهم الوالد بالنزول فى دار. السّعادة، فامتنعوا من ذلك، فأنزلهم بالمزّة، ثمّ ركب إليهم الوالد وأخذهم من وطاقهم غصبا.

وأنزل الأمير شيخا بالقرمانيّة، ونوروزا بدار الأمير فرج بن منجك، ونزل كلّ واحد من أصحابهما بمكان حتى عملت مصالحهم، وكثر تردادهم إلى الوالد بدار السّعادد فى تلك الأيام؛ فسرّ أهل الشّام بذلك غاية السّرور، وصار الأمير شيخ يتنزّه بدمشق، ويتوجّه إلى الأماكن ومعه قليل من مماليكه. حدّثنى بعض مماليك الوالد: أن الأمير شيخا كان يجيء فى تلك المدّة إلى الوالد فى دار السعادة ومعه شخص واحد من مماليكه، وينزل ويقيل بالبحرة «1» ، وينام بها نومة كبيرة إلى أن يطبخ له ما اقترحه من المآكل.

ثمّ خرج الأمير شيخ والأمير نوروز كلّ منهما إلى محلّ كفالته

ص: 119

بعد أن أنعم الوالد فى يوم سفرهما على كلّ واحد بألف دينار، وقيّد له فرسا بسرج ذهب وكنبوش «1» زركش، وأشياء غير ذلك كثيرة.

وأمّا أمر السّلطان الملك النّاصر، فإنّه سار من القدس حتّى نزل بتربة والده بالصّحراء خارج القاهرة فى يوم الأربعاء ثانى عشر المحرّم من سنة أربع عشرة وثمانمائة، وخلع على الخليفة المستعين بالله العبّاس، وعلى القضاة والأمراء، وسائر أرباب الدّولة، وخلع على الأمير دمرداش المحمدىّ باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصرية، عوضا عن الوالد؛ بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق حسبما تقدّم ذكره، ثمّ ركب السّلطان من التربة المذكورة وطلع إلى القلعة بعد ما خرج الناس للفرجة عليه، فكان لطلوعه يوما مشهودا، وزيّنت القاهرة أياما لقدومه، ثمّ بعد قدوم السّلطان باثنى عشر يوما قدم الأمير بكتمر جلّق المعزول عن نيابة دمشق، فركب السّلطان وتلقّاه وألبسه تشريفا، وخلع على الأمير الكبير دمرداش بنظر البيمارستان المنصورىّ «2» ، ودخل السّلطان من باب النصر وشقّ القاهرة، ونزل بمدرسته التى أنشأها جمال الدين الأستادار له برحبة باب العيد المعروفة بالجمالية، وقد أثبت القضاة أنها له وسمّيت بالنّاصرية، ثمّ ركب السّلطان من المدرسة المذكورة، ونزل بمدرسة والده المعروفة بالبرقوقيّة «3» ببين القصرين، ثمّ ركب منها وأمر الأتابك دمرداش بعبور البيمارستان المنصورىّ، وتوجّه السّلطان إلى جهة القلعة.

ص: 120

ثمّ فى ثانى عشر صفر من سنة أربع عشرة وثمانمائة عيّن السّلطان اثنين وعشرين أميرا من الأمراء البطّالين ليتوجّهوا إلى الشّام على إقطاعات عيّنها السّلطان لهم، منهم: الأمير حزمان الحسنى، وتمان تمر النّاصرىّ، وسونجبغا، وشادى خجا، وألطنبغا، وقانى باى الأشقر، ومعهم مائتا مملوك؛ ليكونوا أعوانا للوالد بدمشق، وفى خدمته، وكان الوالد شفع فى هؤلاء المذكورين حتى أطلقهم السلطان- على عادتهم- من السجن، ثم أمر السّلطان بقتل جانبك القرمىّ، وأسندمر الحاجب، وسودون البجاسىّ، وقانى باى أخى بلاط، والجميع كانوا بسجن الإسكندرية.

ثمّ فى حادى عشرين صفر خلع السلطان على تقىّ الدين عبد الوهّاب ابن الوزير فخر الدين ماجد بن أبى شاكر باستقراره فى وظيفة نظر الخاصّ- وكانت شاغرة منذ توفّى مجد الدين عبد الغنى بن الهيصم فى ليلة الأربعاء العشرين من شعبان من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة- ثمّ أمسك السّلطان بثلاثة أمراء من أمراء الألوف، وهم: قانى باى المحمّدى، ويشبك الموساوى الأفقم، وكمشبغا الفيسىّ، وقبض على جماعة أخر من الطبلخانات والعشرات، وهم: الأمير منجك، والأمير قانى باى الصّغير العمرى ابن بنت أخت الملك الظاهر برقوق- وقانى باى هذا جد خوند بنت جرباش الكريمىّ وزوجة السلطان الملك الظاهر جقمق لأمّها- وكان أمير عشرة، وعلى الأمير شاهين، وخير بك، ومأمور، وخشكلدى، وحملوا الجميع إلى سجن الإسكندريّة فسجنوا بها.

ثمّ رسم السّلطان للأمير تمراز الناصرىّ أن يكون طرخانا «1» لا يمشى

ص: 121

فى الخدمة، ويقيم بداره أو يتوجّه إلى دمياط، وتمراز هذا هو الذي كان فرّ من السّلطان وصحبته الأمراء من بيسان إلى الأمير شيخ.

ثمّ خلع السّلطان على الأمير سنقر الرّومىّ باستقراره رأس نوبة النوب عوضا عن قانى باى المحمّدىّ المقبوض عليه قبل تاريخه.

ثمّ أرسل الوالد إلى السّلطان يعلمه برفع الطّاعون من دمشق وغيرها، وأنّه أحصي من مات من أهل دمشق فقط فكانوا خمسين ألفا سوى من لم يعرف.

وفى أوّل شهر ربيع الأوّل، قدم الأمير إينال المحمّدىّ السّاقىّ المعروف بضضع من سجن الإسكندريّة- بطلب من السّلطان- ورسم له أن يكون بطّالا بالقاهرة.

ثمّ أخرج السّلطان إقطاع الأمير جرباش كبّاشة، ورسم له بأن يتوجّه إلى دمياط بطّالا.

ثمّ بعده توجّه تمراز الناصرىّ المقدّم ذكره إلى دمياط أيضا بطّالا.

ثمّ قبض السّلطان على جماعة من كبار المماليك الظاهريّة- برقوق- وحبسهم بالبرج من القلعة.

ثمّ قدم الخبر على السّلطان بأنّ شيخا ونوروزا لم يمضيا حكم المناشير السّلطانيّة، وأنّهما أخرجا إقطاعات حلب وطرابلس لجماعتهما، وأنّ الأمير شيخا سيّر يشبك العثمانىّ لمحاصرة قلعة ألبيرة وقلعة الرّوم، وأنّ عزمهما العود لما كانا عليه من الخروج عن الطّاعة.

فعلم السّلطان عند ذلك أنّ الذي يحرّك هؤلاء على الخروج عن الطّاعة والعصيان إنّما هم المماليك الظّاهريّة الذين هم فى خدمة السّلطان، ووافقه على ذلك أكابر أمرائه، وحسّنوا له القبض عليهم، وكان الوالد ينهاه عن مسكهم، ويحذّره من الوقوع فى ذلك، فلمّا استقرّ الوالد فى نيابة دمشق خلا له الجوّ، وفعل ما حدّثته نفسه ممّا كان فيه ذهاب روحه، فقبض الملك النّاصر على

ص: 122

جماعة كبيرة منهم، وحبسهم بالبرج من القلعة، ثمّ قتلهم بعد شهر، وكانوا جمعا كبيرا.

ثمّ أمسك السّلطان الأمير خير بك نائب غزّة، وهو يومئذ من أمراء الألوف بالدّيار المصريّة.

ثمّ ورد الخبر على السّلطان بحصار عسكر نوروز لحصن الأكراد «1» ، فاختبط السّلطان وكتب إلى شيخ ونوروز بالتّهديد والوعيد.

ثمّ فى أوّل شهر ربيع الآخر خلع السّلطان على الأمير أسنبغا الزّردكاش- أحد أمراء الألوف وزوج أخته خوند بيرم بنت الملك الظّاهر برقوق- باستقراره شاد الشّراب خاناة عوضا عن الأمير سودون الأشقر.

ثمّ فى ثالث عشره خلع السّلطان على فخر الدين عبد الغنىّ بن أبى الفرج كاشف الوجه البحرىّ باستقراره أستادارا عوضا عن تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم؛ بحكم القبض عليه، وتسليمه وحواشيه إلى فخر الدين المذكور.

ثمّ فى أوّل جمادى الأولى رسم السّلطان بهدم مدرسة الملك الأشرف شعبان ابن حسين، التى كانت بالصّوّة تجاه الطبلخاناة السّلطانيّة، ومكانها اليوم بيمارستان «2» الملك المؤيّد شيخ، فوقع الهدم فيها، وكانت من محاسن الدّنيا، ضاهى بها الملك الأشرف مدرسة عمّه السّلطان الملك الناصر حسن التى بالرّميلة تجاه قلعة الجبل.

ثمّ رسم السّلطان بهدم البيوت التى هى ملاصقة للميدان من مصلّاة المؤمنىّ «3» إلى باب القرافة، فهدمت بأجمعها وصارت خرابا.

ص: 123

ثمّ أمر السّلطان بالقبض على أقارب جمال الدين يوسف الأستادار وعقوبتهم، فأمسكوا وعوقبوا عقوبات كثيرة.

ثمّ خنق أحمد أبنه، وأحمد ابن أخته، وحمزة أخاه فى ليلة الأحد سادس عشر جمادى الأولى.

ثمّ كتب السّلطان ثانيا إلى الأمير شيخ يخوّفه ويحذّره، ويأمره أن يجهّز إليه الأمير يشبك العثمانىّ، وبردبك، وقانى باى الخازندار، ويرسل سودون الجلب إلى دمشق؛ ليكون من جملة أمرائها.

ثمّ بعد إرسال الكتاب تواترت الأخبار باتّفاق شيخ ونوروز على الخروج عن الطّاعة، وعزما على أخذ حماة، فوقع الشّروع والاهتمام لسفر السّلطان إلى البلاد الشّامية، وكتب إليها بتجهيز الإقامات.

ثمّ تكلّم الأستادار فخر الدين بن أبى الفرج مع السّلطان وحسّن له القبض على الوزير ابن البشيرىّ «1» ، وعلى ناظر الخاصّ ابن أبى شاكر «2» ، فلمّا بلغهما ذلك بادرا واتّفقا مع السّلطان على مال يقومان به للسّلطان إن قبض على فخر الدين ابن أبى الفرج المذكور، فمال السّلطان إلى كلامهما وأمسك فخر الدين المذكور فى سلخ جمادى الآخرة، وسلّمه للوزير ابن البشيرىّ، فلم يدع ابن البشيرىّ نوعا من العقوبات حتى عاقب ابن أبى الفرج المذكور بها، فلم يعترف بشىء غير أنّه وجد له ستّة آلاف دينار، وجرار كثيرة قد ملئت خمرا، واستمرّ ابن أبى الفرج فى العقوبة أيّاما كثيرة.

ثمّ فى شهر رجب نزل السّلطان من القلعة إلى الصيّد، فبات ليلة وعزم على مبيت ليلة أخرى بسرياقوس، فبلغه أنّ طائفة من الأمراء والمماليك اتّفقوا

ص: 124

على قتله، فعاد إلى القاهرة مسرعا، وأخذ يتتبّع ما قيل حتّى ظفر بمملوكين عندهما الخبر؛ فعاقبهما فى ثامن عشر شهر رجب المذكور، فأظهرا ورقة فيها خطوط جماعة كبيرة، كبيرهم الأمير جانم من حسن شاه نائب طرابلس- كان- وهو يوم ذاك أمير مجلس.

وكان جانم المذكور قد سافر قبل تاريخه إلى منية ابن سلسيل «1» ، وهى من جملة إقطاعه، فندب السّلطان الأمير بكتمر جلّق، والأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار؛ لإحضار جانم المذكور، وخرجا فى يوم السّبت عشرين شهر رجب، على أنّ بكتمر جلّق يسير فى البرّ ويمسك عليه الطّريق، وطوغان يتوجّه إليه فى البحر، ويمسكه ويحضره إلى السّلطان، فساروا.

ومسك السّلطان بعد خروجهما جماعة كبيرة من الأمراء والمماليك الظّاهريّة، منهم: الأمير عاقل، والأمير سودون الأبويزيديّ.

وأمّا طوغان الدّوادار فإنّه سار فى البحر حتى وافى الأمير جانم، واقتتلا فى البرّ، ثمّ فى المراكب حتى تعيّن «2» طوغان على جانم، فألقى جانم نفسه فى الماء لينجو فرماه أصحاب طوغان بالنّشّاب حتى هلك، وأخذ وقطع رأسه فى ثانى عشرينه، وقدم طوغان على السّلطان فى رابع عشرينه.

وكان السّلطان قد مسك فى يوم ثانى عشرينه فى القاهرة الأمير إينال الصّصلانىّ الحاجب، والأمير أرغز، والأمير سودون الظّريف، وجماعة من المماليك الظّاهريّة.

ثمّ قبض السّلطان فى يوم ثالث عشرينه أيضا على الأمير سودون الأسندمريّ أحد أمراء الألوف وأمير آخور ثانى، وعلى الأمير جرباش العمرىّ رأس نوبة، وأحد أمراء الألوف أيضا.

ص: 125

ثمّ فى خامس عشرينه قبض السّلطان على جماعة من أكابر المماليك الظاهريّة، ووسّط منهم خمسة؛ فنفرت القلوب منه، ووجد شيخ ونوروز للوثوب عليه سبيلا لكمين كان فى نفسهما منه.

ثمّ خلع السّلطان على منكلى أستادار الخليلىّ باستقراره أستادارا عوضا عن فخر الدين بن أبى الفرج.

ثمّ كتب السّلطان للوالد بالقبض على الأمير يشبك بن أزدمر أتابك دمشق، وعلى إينال الخازندار، وعلى بردبك الخازندار، وعلى بردبك أخى طولو، وعلى سودون من إخوة الأتابك يشبك، وعلى تنبك من إخوة يشبك أيضا، والفحص عن نكباى الحاجب؛ فإن وجده من جملة المنافقين فليقبض عليه، ويعتقلهم، وسار البريد للوالد بذلك، وبعد خروج البريد بذلك، ذبح السلطان فى ليلة الأربعاء- مستهل شعبان- عشرين مملوكا ممّن قبض عليهم.

ثمّ وسّط من الأمراء فى يوم الأربعاء ثامنه عشرة أخر تحت القلعة، منهم:

الأمير حزمان نائب القدس، والأمير عاقل، وأرغز أحد أمراء الألوف بدمشق، والأمير سودون الظّريف، والأمير مغلباى، والأمير محمّد بن قجماس.

وفى ليلة الأربعاء المذكورة قتل السّلطان أيضا بالقلعة من المماليك الظّاهريّة زيادة على مائة مملوك من الجراكسة من مماليك أبيه.

ثمّ ركب سحر يوم الخميس إلى الصّيد بناحية بهتيت «1» - من ضواحى القاهرة- وأمر والى القاهرة أن يقتل عشرة من المماليك الظّاهريّة لتخلّفهم عن الرّكوب معه، فقتلوا.

وعاد السّلطان من الصّيد بثياب جلوسه، وشقّ القاهرة وهو سكران لا يكاد

ص: 126

يثبت على فرسه من شدّة سكره، ومرّ فى أقلّ من مائة فارس، وسار على ذلك حتى طلع القلعة نصف النّهار.

وفى شعبان هذا، ابتدأ بالوالد مرض موته، ولزم الفراش بدار السّعادة، وقد لهجت الناس أنّ الملك النّاصر قد اغتاله بالسّمّ؛ فإن كان ما قيل حقيقة فقد التقيا بين يدى حاكم لا يحتاج إلى بيّنة، وسبب ذلك- على ما قيل- عدم مسك الوالد للأمير شيخ ونوروز لمّا دخلا عليه بدار السّعادة بدمشق، وأيضا أنّه لمّا أمره بمسك من تقدّم ذكرهم فأمسك منهم جماعة، وأعلم يشبك بن أزدمر بالخبر ففرّ إلى جهة شيخ ونوروز، وأشياء غير ذلك.

ولكن حدّثنى كريمتى خوند فاطمة زوجة الملك الناصر المذكور بخلاف ذلك، وهو أنّه لمّا قدم عليه الخبر بمرضه صار يتأسّف ويقول: إن مات أبوك تخربت مملكتى، وبقى كلّما ورد عليه الخبر بعافيته يظهر السّرور، وكلّما بلغه أنّه انتكس يظهر الكآبة، وأنّه ما أخذها صحبته فى التجريدة إلى الشّام إلّا حتى تعوده فى مرضه، وأشياء من ذلك.

ثمّ إنّ السّلطان نادى فى أوّل شهر رمضان من سنة أربع عشرة وثمانمائة بالقلعة بالأمان، وأنّهم عتقاء شهر رمضان.

ثمّ تتبّعهم «1» بعد الأمان وأمسك منهم جماعة كبيرة؛ حتى إنّه لم يخرج شهر رمضان حتى أمسك منهم أزيد من أربعمائة نفر وسجنهم بالبرج من القلعة.

وفى رابع شهر رمضان المذكور أفاق الوالد من مرضه، وزيّنت دمشق ودقّت البشائر بسائر البلاد الشّاميّة حتى حلب وطرابلس، وأرسل الأمير شيخ ونوروز إليه بالتّهنئة، فعظم ذلك أيضا على الملك الناصر.

وفى هذا الشهر تأكّد عند السّلطان خروج شيخ ونوروز عن طاعته، وبلغه أنّ نوروزا قتل آق سنقر الحاجب، فتحقّق السّلطان عصيان المذكورين.

ص: 127

ثمّ ذبح السّلطان فى ليلة ثالث شوّال أزيد من مائة نفس من المماليك السّلطانية الظّاهريّة المحبوسين بالبرج، ثمّ ألقوا من سور القلعة إلى الأرض، ورموا فى جبّ ممّا يلى القرافة، واستمرّ الذبح فيهم.

ثمّ فى يوم الاثنين عاشر شوّال عدّى السلطان النيل إلى ناحية وسيم «1» للرّبيع «2» وبات به، ورحل فى السّحر بعساكره يريد مدينة إسكندريّة، بعد ما نودى فى القاهرة بألّا يتأخّر أحد من المماليك السلطانيّة بالقاهرة، وأن يعدّوا إلى برّ الجيزة فعدّوا بأجمعهم، فمنهم من أمره السلطان بالسّفر، ومنهم من أمره بالإقامة.

ثمّ بعث السلطان الأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار، والأمير جانبك الصّوفىّ، وسودون الأشقر، ويلبغا النّاصرىّ، وجماعة من المماليك إلى عدّة جهات من أراضى مصر؛ لأخذ الأغنام والخيول والجمال حيث وجدت لكائن من كان، فسار الأمراء وشنّوا الغارات فما عفّوا ولا كفّوا.

ثمّ سار السلطان ببقيّة أمرائه وعساكره إلى الإسكندريّة، فدخلها فى يوم الثلاثاء ثامن عشر شوّال من سنة أربع عشرة المذكورة، فقدم بها على السلطان مشايخ البحيرة بتقادمهم، فخلع عليهم ثمّ أمسكهم وساقهم فى الحديد، واحتاط على أموالهم، ففرّ باقيهم إلى جهة برقاء، ثم قدم الأمراء وقد ساقوا ألوفا من الأغنام التى انتهبوها من النواحى، وقد مات أكثرها، فسيقت إلى القاهرة مع الأموال والجاموس والخيول.

ثمّ رسم السلطان أن يؤخذ من تجار المغاربة العشر، وكان يؤخذ منهم قبل ذلك الثّلث، فشكر النّاس له ذلك.

ثمّ خرج من الإسكندرية عائدا إلى القاهرة، وسار حتى نزل على وسيم فى يوم السبت تاسع عشرينه.

ص: 128

وقد مات بسجن الإسكندريّة الأمير خيربك نائب غزّة، فانّهم السلطان أنّه اغتاله بالسّم، والصحيح أنّه مات حتف أنفه.

ثمّ قدم كتاب الأمير نوروز الحافظىّ على السلطان على يد فقيه يقال له سعد الدّين، ومملوك آخر، ومعهما محضر شهد فيه ثلاثة وثلاثون رجلا من أهل طرابلس- ما بين قاض وفقيه وتاجر- بأنه لم يظهر منه بطرابلس منذ قدم إليها إلا الإحسان للرعيّة، والتمسك بطاعة السلطان، وامتثال مراسيمه، وأنّ أهل طرابلس كانوا قد خرجوا منها فى أيّام جانم لما نزل بهم من الضرر والظلم، فعادوا إليها أيّام نوروز المذكور، وأنّه كلّما ورد عليه مثال سلطانىّ يتكرّر منه تقبيل الأرض، وأنّه حلف- بحضرة من وضع خطّه- بالأيمان المغلّظة الجامعة لمعانى الحلف أنه مقيم على طاعة السّلطان، متمسّك بالعهد واليمين، فلم يغترّ السلطان بالمحضر ولا التفت إليه؛ لما ثبت عنده من عصيانهما «1» .

قلت: ولهذه الأيمان الحانثة ذهب الجميع على السيف فى أسرع مدّة، حتى إننى لا أعلم أن أحدا من هؤلاء «2» الأمراء مات على فراشه، بل غالبهم تفانوا قتلا على أنواع مختلفة لتجرّئهم على الله تعالى، وكان يمكنهم الخروج على الملك النّاصر المذكور لسوء سيرته فيهم ثمّ يعودون إلى طاعته من غير أن يتعرّضوا للأيمان والعهود، والتلاعب بذلك فى كلّ قليل، وصار ذلك دأبا لهم إلى أن سلط الله بعضهم على بعض، فذهبوا كأنهم لم يكونوا- مع قوّتهم، وشدّة بأسهم، وفرط شجاعتهم- وملك بعدهم من لم يكن فى رتبتهم ولا يدانيهم فى معنى من المعانى، ودانت له البلاد، وأطاعته العباد، وصفا له الوقت من غير معاند ولا مدافع.

ص: 129

«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ»

«1» .

ثمّ إنّ السّلطان الملك الناصر بعد حضور هذا المحضر أخذ فى الاهتمام للسّفر.

ثمّ نزل من القلعة وعدّى النيل فى يوم الاثنين ثانى ذى القعدة، وتوجّه إلى الربيع، وعاد من يومه إلى القلعة وهو فى أناس قليلة، ثمّ بعد عوده رسم بقتل الأمير جرباش العمرىّ، والأمير خشكلدى بثغر الإسكندريّة، فقتلا بها ودفنا بالثّغر المذكور.

ثمّ فى رابع عشر من ذى القعدة، أنفق السّلطان على المماليك السّلطانية نفقة السفر؛ فأعطى لكلّ نفر سبعين دينارا ناصريّا، وبعث للأمير الكبير دمرداش المحمّدىّ ثلاثة آلاف دينار، ولكلّ من أمراء الألوف بألفى دينار، ولامراء الطّبلخانات ما بين سبعمائة دينار إلى خمسمائة دينار.

ثم فى ليلة الخميس رابع عشرين ذى القعدة، طلب السّلطان الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد بن الطّبلاوىّ؛ فلما حضر إلى عنده ضرب عنقه بيده، بعد أن قتل مطلّقته بنت صرق بيده تهبيرا بالسّيف عند كريمتى بقاعة العواميد «2» ، فإنها كانت يوم ذاك صاحبة القاعة.

وخبر ذلك: أن السّلطان الملك الناصر كان قد طلّق خوند بنت صرق المذكورة، ونزلت إلى دارها، وكان له إليها ميل، فوشى بها أنّ

ص: 130

ابن الطّبلاوىّ المذكور وقع بينه وبينها اجتماع، وظهر له قرائن تدلّ على ذلك، منها أنّه وجد لها خاتم عنده.

فأرسل السّلطان خلفها، فلبست أفخر ثيابها ظنّا منها أنّ السّلطان يريد يعيدها لعصمته. قالت أختى خوند فاطمة: وكان السّلطان جالسا عندى بالقاعة، فلمّا قيل له جاءت خوند بنت صرق نهض من وقته وخرج إلى الدّهليز، وجلس به على مسطبة.

قالت: فخرجت خلفه ولا علم لى بقصده، فجاءت بنت صرق وقبّلت يده، فقال لها: يا قحبة، مراكيب الملوك تركبها البلّاصية؟!

وقبل أن تتكلم ضربها بالنّمجاة «1» قطع أصابعها- وكانت مقمعة بالحناء- فصاحت وهربت، فقام خلفها وضربها ضربة ثانية قطع من كتفها قطعة، وصارت تجرى وهو خلفها- وقد اجتمع جميع الخوندات عندى بالقاعة للسّلام على بنت صرق المذكورة- ولا زال يضربها بالنّمجاة وهى تجرى إلى أن دخلت المستراح، فتمّم قتلها فى صحن المستراح، ثمّ قطع رأسها وأخذها بدبّوقتها «2» - وفى آذانها الحلق البلخش «3» الهائلة- وخرج إلى قاعة الدّهيشة «4» ، ووضعها بين يديه وغطّاها بفوطة، ثمّ طلب ابن الطبلاوىّ المقدّم ذكره وأجلسه وكشف له عن الفوطة، وقال له: تعرف هذه الرأس؟ فأطرق.

ص: 131

فضربه بالنّمجاة طيّر رقبته. ولفهما معا فى لحاف وأمر بدفنهما فى قبر واحد. قالت أختى [خوند فاطمة]«1» : وصار دم بنت صرق فى حيطان القاعة ودهليزها.

وقالت: فوالله لمّا دخل الفداويّة «2» بقلعة دمشق على الملك الناصر ليقتلوه- وكان استصحبنى معه لأعود الوالد فى مرضه- فصارت الفداويّة تضربه بالسكاكين، وهو يفرّ من بين أيديهم كما كانت تفرّ بنت صرق أمامه وهو يضربها بالنّمجاة. وبقى دمه بحيطان البرج شبه دم بنت صرق بحيطان القاعة. قلت: فانظروا إلى هذا الجزاء الذي من جنس العمل- انتهى.

ثمّ أصبح السلطان أمر بخروج الجاليش من الأمراء إلى البلاد الشّامية، فخرجوا بتجمّل عظيم- وعليهم آلة الحرب هم ومماليكهم- وعرضوا على السّلطان وهم مارّون من تحت القلعة والسّلطان ينظر إليهم من أعلى القصر السلطانىّ. وساروا حتى نزلوا بالرّيدانيّة خارج القاهرة فى يوم الخميس رابع عشرين ذى القعدة من سنة أربع عشرة وثمانمائة.

وهم: الأمير بكتمر جلّق رأس نوبة الأمراء وصهر السلطان زوج ابنته، وشاهين الأفرم أمير سلاح، وطوغان الحسنىّ الدّوادار الكبير، وشاهين الزّردكاش، بمضافيهم.

وكان السّلطان قبل خروج الأمراء المذكورين- من عظم غضبه وحنقه على الأمير نوروز الحافظىّ- جمع القضاة، وطلّق أخته خوند سارة بنت الملك الظاهر

ص: 132

برقوق من زوجها الأمير نوروز، وزوّجها للأمير مقبل الرّومىّ- على كره منها، بعد أن هدّدها بالقتل- بعقد ملفق من قضاة الجاه والشوكة.

فعظم ذلك على الأمير نوروز إلى الغاية، ولم يحسن ذلك ببال أحد- انتهى.

ودام الأمراء بالرّيدانيّة إلى يوم السّبت خامس ذى الحجّة فرحلوا منها يريدون الشّام.

ثمّ ركب السلطان فى يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجّة ونزل من قلعة الجبل ببقيّة أمرائه وعساكره- والجميع عليهم آلة السّلاح- بزىّ لم ير أحسن منه، بطلب هائل جرّفيه ثلاثمائة جنيب من خواصّ الخيل بالسّروج الذّهب التى بعضها مرصّع بالفصوص المجوهرة المثمّنة «1» ، ومياثرها «2» المخمل المطرّز بالزركش، وعلى أكفالها العبى «3» الحرير المثمنة، وفيها العبى المزركشة بالذهب، وفيها بالكنابيش «4» الزّركش، والكنابيش المثلّثة بالزّركش والرّيش واللؤلؤ، وكلّها باللّجم المسقّطة «5» بالذّهب والفضّة، والبذلات المينة «6» ، والبذلات الذّهب الثّقيلة، ومن وراء الجنائب المذكورة ثلاثة آلاف

ص: 133

فرس ساقها جشارا «1» ثمّ عدد كبير من العجل التى تجرّها الأبقار وعليها آلات الحصار؛ من مكاحل النّفط الكبار ومدافع النّفط المهولة، والمناجيق «2» العظيمة ونحو ذلك، ثمّ خرجت خرانة السّلاح- أعنى الزّردخاناة- على أكثر من ألف جمل تحمل القرقلات «3» ، والخوذ، والزّرديّات، والجواشن «4» ، والنّشّاب، والرّماح، والسّيوف وغير ذلك.

ثمّ خرجت خزانة المال فى الصّناديق المغطّاة بالحرير الملوّن، وفيها زيادة على أربعمائة ألف دينار، وجميع الطّبّال والزّمّار- مماليكه مشتراواته- بالكلفتات، وعليهم ططريّات «5» صفر، وغالبهم قد ناهز الحلم، بأشكال بديعة من الحسن، وقد تعلموا صناعة ضرب الطبل والزّمر وأتقنوه إلى الغاية، وهذا شىء لم يفعله ملك قبله.

ثمّ خرج حريم السّلطان فى سبع محفّات «6» قد غشّيت بالحرير المخمّل الملوّن، ما خلا محفّة الأخت فإنها غشّيت بالزّركش؛ كونها كانت خوند الكبرى صاحبة القاعة، ومن ورائهم نحو الثلاثين حملا من المحاير»

المغشّاة بالحرير والجوخ.

ثمّ خرج المطبخ السّلطانىّ، وقد ساق الرّعيان برسمه ثمانية وعشرين

ص: 134

ألف رأس من الغنم الضّأن، وكثيرا من البقر والجاموس لحلب ألبانها، فبلغت عدّة الجمال التى صحبة السّلطان إلى ثلاثة وعشرين ألف جمل، وهذا شىء كثير إلى الغاية.

ثمّ سار السلطان من القاهرة حتى نزل بمخيّمه من الرّيدانيّة تجاه مسجد التّبن «1» وهذه تجريدة السلطان الملك النّاصر السّابعة إلى البلاد الشّاميّة، وهى التى قتل فيها حسبما يأتى ذكره، وهذه التّجاريد خلاف تجريدة السّعيديّة التى انكسر فيها الملك النّاصر من الأمراء وعاد إلى الدّيار المصرية، ولم يصل إلى قطيا، على أنّه تكلّف فيها إلى جمل مستكثرة، وذهب له من الأثقال والقماش والسّلاح أضعاف ما تكلّفه فى النّفقة وغيرها. وكانت تجريدته الأولى إلى قتال الأمير تنم الحسنىّ الظّاهرىّ نائب الشّام فى سنة اثنتين وثمانمائة.

وتجريدته الثانية لقتال تيمورلنك فى سنة ثلاث وثمانمائة.

والثالثة لقتال جكم من عوض فى سنة تسع وثمانمائة بعد واقعة السّعيدية.

والرابعة فى سنة عشر وثمانمائة، التى مسك فيها الأمير شيخا المحمودىّ نائب الشّام والأتابك يشبك الشّعبانىّ، وحبسهما بقلعة دمشق، وأطلقهما منطوق نائب قلعة دمشق.

والخامسة فى محرّم سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، وهى التى حصر فيها شيخا ونوروزا بصرخد.

والسادسة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وهى التى حصر فيها أيضا شيخا ونوروزا بقلعة الكرك.

والتجريدة السابعة هذه.

فجملة تجاريده ثمانى سفرات بواقعة السعيدية- انتهى.

ص: 135

ثمّ خرج الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العبّاس، والقضاة الأربعة، وهم:

قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ الشّافعىّ، وقاضى القضاة ناصر الدين محمّد بن العديم الحنفىّ، وقاضى القضاة المالكىّ «1» ، وقاضى القضاة الحنبلىّ «2» ، ونزل الجميع بالرّيدانيّة، وتردّد السّلطان فى مدّة إقامته بالرّيدانيّة إلى التّربة التى أنشأها على قبر أبيه بالصّحراء خارج باب النّصر، وبات بها ليالى، ونحر بها ضحاياه، وجعل الأمير يلبغا الناصرىّ نائب الغيبة بالقاهرة، وجعل فى باب السّلسلة الأمير ألطنبغا العثمانىّ، وبقلعة الجبل الأمير أسنبغا الزّردكاش شادّ الشّراب خاناة، وزوج أخته خوند بيرم، وولّى نيابة القلعة للأمير شاهين الرّومىّ عوضا عن كمشبغا الجمالىّ، وبعث كمشبغا الجمالىّ صحبة حريمه، وقدّمهم بين يديه بمرحلة.

ثمّ رحل السّلطان من تربة أبيه قبيل الغروب من يوم الجمعة ثانى عشر ذى الحجّة من سنة أربع عشرة وثمانمائة، لطالع اختاره له الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقاعة، وقد حزر ابن زقاعة وقت ركوبه، وعوّق السّلطان عن الركوب- والعساكر واقفة- حتى دخل الوقت الذي اختاره له، فأمره فيه بالرّكوب، فركب السّلطان وسار يريد البلاد الشّاميّة، ونزل بمخيّمه من الرّيدانيّة، وفى ظنّه أنّه منصور على أعدائه؛ لعظم عساكره، ولطالع اختاره له ابن زقاعة، فكانت عليه أيشم «3» السّفرات، فلعمرى هل رجع الشيخ برهان الدين بن زقاعة المذكور بعد ذلك عن معرفة هذا العلم أم استمرّ على دعواه؟!.

وأنا أتعجّب من وقاحة أرباب هذا الشّأن حيث يقع لهم مثل هذا الغلط الفاحش وأمثاله، ثم يعودون إلى الكلام فيه والعمل به- انتهى.

ص: 136

ثمّ استقلّ السّلطان بالمسير فى سحر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجّة.

وفى هذا الشّهر انتكس الوالد ثالث مرّة، ولزم الفراش إلى أن مات «1» حسبما يأتى ذكره.

وأمّا السّلطان الملك الناصر فإنّه قبل المسير حذّر عسكره من الرّحيل قبل النّفير، فبلغه وهو بالرّيدانيّة أنّ طائفة رجلت، فركب بنفسه وقبض على واحد ووسّطه، ونصب مشنقة، فما وصل إلى غزّة حتى قتل عدّة من الغلمان؛ من أجل الرّحيل قبل النّفير، فتشاءم الناس بهذه السّفرة.

ثمّ سار حتى نزل مدينة غزّة، فوسّط بها تسعة عشر نفرا من المماليك الظاهريّة وهو لا يعقل من شدّة السّكر، وعقيب ذلك بلغه أنّ الأمراء الذين بالجاليش توجّهوا بأجمعهم إلى شيخ ونوروز، وكان من خبرهم أنّهم لمّا وصلوا إلى دمشق دخلوا إلى الوالد وقد ثقل فى الضّعف وسلّموا عليه، وأخبره بكتمر جلّق وطوغان أنهما بمن معهما يريدون التّوجّه إلى شيخ ونوروز، فرجّعهم الوالد عن ذلك، فذكروا له أعذارا فسكت عنهم، فقاموا عنه وخرجوا بأجمعهم وتوجّهوا إلى شيخ ونوروز- ما خلا شاهين الزّردكاش- فإنّه لم يوافقهم على الذّهاب، فمسكوه وذهبوا به إلى شيخ ونوروز.

ولمّا بلغ الملك الناصر ذلك، ركب وسار من غزّة مجدّا فى طلبهم، وقد نفرت منه القلوب، حتى نزل بالكسوة فى يوم الثلاثاء سلخ ذى الحجّة، فألبس من معه من العساكر السّلاح ورتبهم بنفسه.

ثمّ سار بهم قاصدا دمشق حتى دخلها من يومه وقت الزّوال، وقد خرج أعيان دمشق وعوامّها لتلقّيه وللفرجة عليه، وزيّنت لقدومه دمشق، ونزل بالقلعة

ص: 137