الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهرس الموضوعات
صفحة السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 801 هـ 3
أشهر من سمى بشيخ من الأمراء 8
السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 802 هـ 12
السنة الثالثة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 803 هـ 20
السنة الرابعة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 804 هـ 27
السنة الخامسة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 805 هـ 29 السنة السادسة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 806 هـ 34
السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى على مصر، وهى سنة 807 هـ 38
ذكر سلطنة الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق على مصر بعد اختفاء الملك الناصر فرج 41
أرباب الوظائف فى عهده 42
أنصار الملك الناصر فرج يجتمعون به فى مخبئه ويعملون على إعادته للسلطنة 44
ظهور الملك الناصر فرج بن برقوق بعد اختفائه وطلوعه إلى القلعة فى موكب من أنصاره 46
الملك الناصر فرج بن برقوق يرحل أخويه الملك المنصور عبد العزيز والأمير إبراهيم إلى الإسكندرية ويحبسهما بها. وفاة المذكورين 47
ذكر سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر 48
مبايعة أبى الفضل العباس ابن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد الله بالخلافة وتلقيبه بالمستعين بالله 51
الأمير جكم يقتل ثلاثة من أعيان الأمراء من خشداشيته 52
خروج الملك الناصر فرج إلى الشام لحرب الأمير جكم من عوض ورفقته 55
عود الملك الناصر فرج إلى مصر 57
الأمير جكم يتسلطن بقلعة حلب، ويتلقب بالملك العادل أبى الفتح عبد الله جكم 58
ذكر الحوادث التى وقعت لجكم وانتهت بقتله 59
خروج الملك الناصر فرج إلى الشام فى تجريدته الرابعة 62
فرار الأمير شيخ المحمودى والأمير يشبك من سجن قلعة دمشق ومقتل مخلصهما الأمير منطوق. اجتماع الأمراء شيخ ويشبك وجركس. ندب الأمير نوروز الحافظى لقتالهم وتوليته نيابة دمشق. القبض على بعض الأمراء 64
خروج الملك الناصر فرج من دمشق يريد الديار المصرية ومعه الأمراء المقبوض عليهم 66
استيلاء الأمير شيخ وأصحابه على دمشق. فرار بكتمر جلق. هزيمة شيخ أمام نوروز ومقتل بعض أصحابه 66
قتل بعض الأمراء المقبوض عليهم وتولية غيرهم فى وظائفهم 67
وقوع الصلح بين الأمير شيخ والأمير نوروز 69
السلطان يرضى عن الأمير شيخ ويوليه نيابة الشام 70
الملك الناصر يخرج إلى الشام بعد علمه بعصيان شيخ. بعض نواب الشام ينضمون لشيخ وبعض أمراء السلطان يفارقونه على غزة متجهين إلى شيخ. جمال الدين الأستادار بخامر على السلطان الملك الناصر، ويبعث للأمراء المنشقين وللأمير شيخ
بمال كثير، ويخذل السلطان ويشير عليه بالعود إلى مصر والسلطان لا يستجيب 77
الطاعون يتفشى فى بلاد حمص وطرابلس 80
الملك الناصر فرج يتعقب الأمراء المنشقين فى البلاد الشامية ويحاصر الأمير شيخا فى قلعة صرخد. الأمير تغرى بردى والد المؤلف يتوسط فى الصلح بين السلطان والأمير شيخ على أن يتولى شيخ نيابة طرابلس 80
عود الملك الناصر فرج إلى مصر 89
الأمير شيخ يدخل دمشق ويستولى عليها بعد فرار بكتمر جلق إلى مصر 89
القبض على جمال الدين يوسف الأستادار وأقاربه وحواشيه وأسباب ذلك 90
الملك الناصر فرج يرضى عن الأمير نوروز الحافظى ويوليه نيابة دمشق 97
الأمير شيخ المحمودى يسترضى السلطان الملك الناصر فرج والسلطان لا يلتفت إليه 97
قتل جمال الدين يوسف الأستادار 98
الأمير شيخ يقاتل الأمير نوروز الحافظى، ويهزم الأمير دمرداش المحمدى على حماة، ثم يكاتب السلطان مرة أخرى يسترضيه ويوقع بينه وبين الأمير نوروز 98
وقوع الصلح بين الأميرين شيخ المحمودى ونوروز الحافظى واتفاقهما على الوقوف فى وجه السلطان 100
السلطان الملك الناصر يتجهز للسفر إلى البلاد الشامية فى أول سنة 813 هـ وينفق فى الأمراء والمماليك نفقة السفر 101
الأمراء الذين سافروا مع السلطان إلى البلاد الشامية 102
سفر السلطان الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية 104
السلطان الملك الناصر فرج يكتب للأميرين شيخ ونوروز بالخروج من مملكته أو الصمود لحربه أو الرجوع إلى طاعته. الأمير شيخ يجيب بأنه باق فى طاعة السلطان 105
الأميران شيخ ونوروز يتوجهان بأتباعهما إلى مصر 106
الأميران يصلان إلى مصر فى ثامن رمضان سنة 813 هـ ويستوليان على مدرسة
السلطان حسن ومدرسة السلطان الأشرف شعبان، ويحاصران القلعة 109
عسكر السلطان يصل إلى مصر ويهزم الأميرين شيخ ونوروز فيتجهان بمن معهما إلى الكرك 112
محاولة اغتيال الأمير شيخ المحمودى وإصابته بسهم غائر 115
السلطان الملك الناصر يغادر دمشق إلى الكرك ويحاصر بها الأمير شيخاو الأمير نوروز 116
عقد صلح بين السلطان والأميرين شيخ ونوروز 117
تولية الأمير تغرى بردى والد المؤلف نيابة الشام 118
رحيل السلطان الملك الناصر إلى البلاد المصرية 118
توجه كل من الأمير شيخ والأمير نوروز إلى محل كفالتهما 119
رفع الطاعون من دمشق وغيرها 122
الأميران شيخ ونوروز يخرجان من طاعة السلطان 122
السلطان الملك الناصر فرج يأمر بهدم مدرسة الملك الأشرف شعبان 123
القبض على فخر الدين بن أبى الفرج ووضعه تحت العقوبة 124
اكتشاف مؤامرة لاغتيال السلطان الملك الناصر 124
السلطان الملك الناصر فرج يتابع القبض على الأمراء مماليك أبيه وقتلهم 125
ابتداء مرض الموت بالأمير تغرى بردى والد المؤلف 127
السلطان يسافر إلى الإسكندرية ويقبض على مشايخ البحيرة غدرا 128
الأمير نوروز الحافظى يكتب إلى السلطان الملك الناصر بأنه فى طاعته ويشهد على ذلك أهل طرابلس 129
السلطان يتجهز للسفر إلى البلاد الشامية، وينفق فى المماليك نفقة السفر 130
السلطان يقتل بيده مطلقته خوند بنت صرق والأمير شهاب الدين أحمد ابن محمد ابن الطبلاوى 130
السلطان يطلق أخته خوند سارة من زوجها الأمير نوروز ويزوجها للأمير مقبل
الرومى على كره منها 132
السلطان يغادر قلعة الجبل ببقية امرائه قاصدا البلاد الشامية فى استعداد لم يسبق له مثيل 133
تجاريد السلطان الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية 135
بعض أمراء السلطان ينضمون إلى الأمير شيخ المحمودى والأمير نوروز الحافظى 137
السلطان الملك الناصر فرج يستشير الأمير تغرى بردى والد المولف فيما يفعله مع الأمراء العصاة 138
السلطان الملك الناصر فرج يلاحق الأمراء المنشقين فى بلاد الشام 139
معركة اللجون وانتصار الأمراء المنشقين على السلطان، وتحوطهم على الخليفة المستعين بالله العباس 140
السلطان الملك الناصر فرج يتجه بعد هزيمته إلى دمشق 142
وفاة الأمير تغرى بردى نائب الشام ووالد المؤلف 142
السلطان الملك الناصر يستعد للقاء الأمراء فى دمشق، ويوزع الأموال ويحصن أسوار المدينة 143
الأمراء يحاصرون دمشق ويضيقون الخناق على الملك الناصر 145
الخليفة المستعين بالله العباس يعلن خلع السلطان الملك الناصر 146
الأمراء ينصبون الخليفة المستعين بالله العباس سلطانا على البلاد 147
مقتل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق- أولاده من البنين والبنات- رأى المؤلف فيه- رأى المؤرخ تقي الدين المقريزى فيه 147
السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 808 هـ 154
ترجمة تيمور لنك بمناسبة وفاته فى هذه السنة 160
السنة الثانية من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 809 هـ 164
السنة الثالثة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 810 هـ 167
السنة الرابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 811 هـ 171
السنة الخامسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 812 هـ 175
السنة السادسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 813 هـ 178
السنة السابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة 814 هـ 183
ذكر سلطنة الخليفة المستعين بالله العباس على مصر- نسب الخليفة- كيف تمت سلطنته- تولية الأمير نوروز نيابة الشام- تولية الأمير شيخ أتابكية العساكر بالديار المصرية 189
الأمير شيخ المحمودى يعمل للاستقلال بالسلطة- السلطان يفوض إليه ما وراء سرير الخلافة 203
خلع الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة وتولية الأمير شيخ المحمودى السلطنة مكانه وتلقبه بالملك المؤيد 206
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 1
[الجزء الرابع عشر]
تراثنا النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة تأليف جمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكى الجزء الرابع عشر تحقيق الدكتور جمال محمد محرز الأستاذ فهيم محمد شلتوت الناشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1391 هـ- 1971 م
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
هذا هو الجزء الرابع عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لجمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى.
وهذا الجزء يؤرخ للحقبة التى حكم فيها السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودى وابنه السلطان الملك المظفر أحمد، ثم السلطان الملك الظاهر ططر وابنه السلطان الملك الصالح محمد بن ططر، ثم السلطان الملك الأشرف برسباى.
وإذا كان الجزء الثالث عشر قد أرخ للعالم العربى والأطراف الدائرة فى فلكه فى فترة غمرتها أحداث لم تشهد مصر وما والاها مثلها من قبل، كغزو تيمور لنك لسوريا سنة (802- 803 هـ) ، والصراع المحتدم بين السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وكبار أمراء دولته، ذلك الصراع الذي انتهى بمقتل كثير من أمراء الدولة ثم مقتل السلطان نفسه، إلى الجدب العظيم الذي أصيبت به البلاد نتيجة لقصور فيضان النيل، إلى انتشار الطاعون فى البلاد، وانعكاس أثر ذلك كله على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية.
إذا كان هذا هو موضوع الجزء الثالث عشر فإن الجزء الرابع عشر يؤرخ لفترة من الاستقرار النسبى سادت البلاد العربية فانتعشت أحوالها وتفرغ بعض السلاطين إلى إقرار الأمور فى الأطراف، فجال المؤيد شيخ المحمودى فى بلاد الشام وما جاورها من بلاد الروم، وأدب عصاة التركمان، ومهد قلاع الثغور الإسلامية، وأكد ولاءها للدولة.
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 3
كذلك أرسل ابنه المقام الصارمى إبراهيم على رأس حملة مهدت الأمور فى القلاع الرومية، وقضى على العصاة من التركمان، ونشر هيبة الدولة فى الأقطار المجاورة.
كذلك فعل السلطان ططر- على قصر فترة حكمه- وأيضا فعل السلطان برسباى.
وخلفت هذه الفترة كثيرا من الآثار الشامخة التى تدل على استتباب أمور الدولة وتفرغ السلطان وكبار رجاله إلى التعمير والتشييد؛ من ذلك مسجد ومدرسة السلطان الملك المؤيد داخل باب زويلة الذي يقول المؤلف عنه: لم يبن فى الإسلام أكثر زخرفة منه بعد الجامع الأموى بدمشق، وكذلك مدرسة ومسجد الأشرف برسباى، وغيرهما من الآثار الشامخة التى أخنى عليها الدهر. مثل قبة البحرة بقلعة الجبل، وبيمارستان المؤيد شيخ، ومنظرة «الخمس وجوه» ومسجد جزيرة الروضة.
ولولا خروج بعض الأمراء من حكام البلاد الشامية والحلبية عن الطاعة، واضطرار السلطان لقتالهم، ولولا الطاعون العظيم الذي انتشر فى البلاد العربية وغيرها من الأقطار الإفريقية والأقطار الأوربية (سنة 833 هـ) والذي لم يشهد العالم مثله فى تلك الحقب، ولولا ما اتسم به عهد برسباى من تذمر المماليك السلطانية أو المماليك الأجلاب كما يطلق عليهم، وخروجهم عن الطاعة فى كل قليل وكثير، واعتدائهم على كبار رجال الدولة لكانت الفترة التى يؤرخ لها هذا الجزء من كتاب النجوم الزاهرة من أحسن الفترات التى مرت بالدولة الإسلامية.
وتتميز هذه الفترة بالانتصارات المتتابعة للدولة على الفرنج الذين دأبوا على مهاجمة الثغور الإسلامية، والاستيلاء على مراكب المسلمين وقوافل تجارتهم البحرية مما اضطر الملك الأشرف برسباى أن يعد الحملة تلو الحملة لتأديب قراصنة الفرنج، ثم يعد حملة كبيرة تشترك فيها الجيوش النظامية والمطوعة من المجاهدين إلى قبرس سنة 829 هـ فتنتصر انتصارا ساحقا على جيوش قبرس وجيوش الفرنج المساندة لها، وتعود بالغنائم والأسرى ومن بينهم ملك قبرس نفسه.
وقد أفرد المؤلف فصلا لغزوة قبرس حكى فيه أخبارها، وكيف تم انتصار الجيوش
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 4
الإسلامية فيها وكيف أسر الملك، ثم عودة الجيوش واستقبال الشعب العربى فى القاهرة لها، ومراسيم الدولة فى هذا الاستقبال، وحال ملك قبرس فى حضرة السلطان، وما انتهى إليه أمر الملك من الإفراج عنه ودخوله فى طاعة الدولة وتقرير خراج سنوى يدفع للسلطان.
ولقد كانت هذه الغزوة بمثابة فرض سلطة الدولة الإسلامية على جزر البحر المتوسط، ولذلك نرى ملك رودس يسارع فيطلب الأمان من السلطان ويطلب إعفاء بلاده من الغزو، ويتعهد بالقيام بكل ما يطلب منه.
وتترك هذه الانتصارات أثرها المرير بين أعداء الدولة الإسلامية، ليس لدى الفرنج وحدهم كما تعودنا ولكن لدى الحطى ملك الحبشة أيضا، مما يجعله يمهد لمؤامرة على الدولة الإسلامية فيرسل رسوله إلى ملوك الفرنج يستشيرهم ويؤلبهم على الدولة، ويرسم معهم خطة مهاجمتها من الشمال ومن الجنوب برا وبحرا، ولكن يقظة الدولة توقع برأس العمالة الذي يتمتع بنسبته للدولة الإسلامية، وتقدمه للمحاكمة ثم تعدمه جزاء غدره وخيانته «1» .
ويؤرخ هذا الجزء أيضا للأحداث التى وقعت فى اليمن سنة 832 هـ، وكذلك للأحداث التى وقعت فى المشرق (شمالى العراقين) والتى انتصرت فيها الحملة المصرية الشامية واستولت على الرها وغيرها من البلاد.
كذلك يؤرخ للحروب التى وقعت بين شاه رخ بن تيمور لنك، وبين إسكندر ابن قرايلك والتى انتهت بهزيمة إسكندر وفناء جيوشه وتشتته فى البلاد.
ومؤرخنا فى هذا الجزء يصف عن مشاهدة ويتحدث عن خبرة حديث القريب من الأحداث اللصيق بها؛ فهو مثلا يتحدث عن موقف طريف له فى طفولته مع السلطان الملك المؤيد شيخ فيقول «2» :
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 5
دخلت إليه مرة- وأنا فى الخامسة- فعلمنى- قبل دخولى إليه- بعض من كان معى أن أطلب منه خبزا، فلما جلست عنده وكلمنى سألته فى ذلك، فغمز من كان واقفا بين يديه- وأنا لا أدرى- فأتاه برغيف كبير من الخبز السلطانى، فأخذه بيده وناولنيه وقال: خذ هذا خبز كبير مليح، فأخذته من يده وألقيته إلى الأرض، وقلت:
أعط هذا للفقراء، أنا ما أريد إلا خبزا بفلاحين يأتوننى بالغنم والأوز والدجاج. فضحك حتى كاد أن يغشى عليه، وأعجبه منى ذلك إلى الغاية، وأمر لى بثلاثمائة دينار ووعدنى بما طلبته وزيادة.
وعلاقة مؤرخنا بسلاطين الدولة فى هذه الحقبة واتصاله بهم ومعيشته فى بلاطهم- حتى عد فى بعض الأوقات من ندمائهم- أتاحت له أن يطلع على كثير من الأمور وأن يعيش بعضهما وأن يسجلها فى تاريخه هذا وفى غيره، وأن يكون حديثه عنها وثيقة تاريخية لها قيمتها فى تحليل أحداث هذه الحقبة وتقويمها.
وتناوله لبعض آراء مؤرخى عصره، ومناقشته لهم، تبين إلى أى مدى كانت أحكامه صادقة وآراؤه سليمة.
فهو حين يناقش مؤرخ العصر الشيخ تقي الدين المقريزى حول رأيه فى الملك المؤيد شيخ وتقويمه له، يقول «1» : وكان يمكننى الرد على جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك، فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان، والذي أعرفه أنا من حاله أنه كان سلطانا جليلا مهابا شجاعا عاقلا نقادا
…
الخ.
وحين يناقشه أيضا فى ترجمته للسلطان الملك الظاهر ططر يقول «2» : هذا القول لا يقوله إلا من ليس له خبرة بقواعد السلاطين، ولا يعرف ما الملوك عليه بالكلية، ولولا أن المقريزى ذكر هذه المقالة فى عدة كتب من مصنفاته ما كنت أتعرض إلى جواب ذلك؛ فإن هذا شىء لا يشك فيه أحد، ولم يختلف فيه اثنان غير أنى أعذره
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 6
فيما نقل، فإنه كان بمعزل عن الدّولة، وينقل أخبار الأتراك عن الآحاد، فكان يقع له من هذا وأشباهه أوهام كثيرة نبّهته على كثير منها فأصلحها معتمدا على قولى، وها هى مصلوحة بخطه فى مظنات الأتراك وأسمائهم ووقائعهم.
وهو يناقش حافظ العصر شهاب الدين بن حجر فى نسبة السلطان الملك الأشرف برسباى بالدقماقى فيقول «1» : وسبب سياقنا لهذه الحكاية أن قاضى القضاة شهاب الدين ابن حجر- رحمه الله نسبه أنه عتيق دقماق، وليس الأمر على ما نقله، وهو معذور فيما نقله لبعده عن معرفة اللغة التركية ومداخلة الأتراك، وقد اشتهر أيضا بالدقماقى فطن أنه عتيق دقماق، ولم يعلم نسبته بالدقماقى كما أن نسبة الوالد- رحمه الله بالبشبغاوى والمؤيد بالمحمودى ونوروز بالحافظى..... وقد وقفت على هذه المقالة فى حياته على خطه ولم أعلم أن الخط خطه فإنه كان (أى ابن حجر) رحمه الله يكتب ألوانا، وكتبت على حاشية الكتاب وبيّنت خطأه، وأنا أظن أن الخط خط ابن قاضى شهبة، وعاد الكتاب إلى أن وقع فى يد قاضى القضاة المذكور، فنظر إلى خطّى وعرفه واعترف بأنه وهم فى ذلك
…
قلت: وعلى كل حال إن هذا الوهم هو أقرب للعقل من مقالة المقريزى فى الملك الظاهر ططر «إن الملك الناصر فرجا أعتقه بعد سنة ثمان فى سلطنته الثانية» . وأيضا أحسن مما قاله المقريزى فى حق الملك الأشرف برسباى هذا بعد وفاته فى تاريخه «السلوك» فى وفيات سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
…
الخ..
ومن هنا تجىء أهمية هذا الجزء وما يليه، ويأخذ مكانه الصحيح بين الكتب التى أرخت لهذه الحقبة.
هذا وقد تم تحقيق هذا الجزء على نسق الأجزاء السابقة منه والتى اضطلع بتحقيقها القسم الأدبى بدار الكتب، ورجع فى تحقيق الأحداث وتراجم الأعلام إلى المصادر
النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج 14، ص: 7
المعتمدة والمطروقة فى هذا الميدان، وقوبل الجزء على مصورة مخطوطة «أيا صوفيا» المحفوظة بدار الكتب المصرية برقم 1343 تاريخ، وكذلك على طبعة كاليفورنيا التى حققها المستشرق وليم پوپر، وتركت لغة المؤلف وما فيها من تعبيرات عامية على حالها لتعطى صورة عن لغة العصر.
وإنا لنرجو أن نكون قد وفقنا، وأن يكون الجهد الذي بذلناه موضع القبول.
والله ولى التوفيق.
20 من شوال سنة 1391 7 من ديسمبر سنة 1971 المحققان
د جمال محمد محرز. فهيم محمد شلتوت