الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 802]
السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق- الأولى على مصر وهى سنة اثنتين وثمانمائة:
فيها كانت وقعة أيتمش مع الملك الناصر، ثم وقعة تنم نائب الشام- وقد تقدم ذكرهما فى أول ترجمة الملك الناصر.
وفيها توفّى خلائق من أعيان الأمراء بالسيف فى واقعة تنم: منهم الأمير الكبير أيتمش بن عبد الله الأسندمرى البجاسى الجرجاوى «1» ثم الظاهرى، أتابك «2» العساكر بالديار المصرية، ذبح فى سجنه بقلعة دمشق، فى ليلة رابع عشر شعبان، وكان أصله من مماليك أسندمر البجاسى الجرجاوى، وترقّى إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بديار مصر، بسفارة الأتابك برقوق فى دولة الملك الصالح حاجى، وأمير آخورا، ولما تسلطن الملك الظاهر برقوق جعله رأس نوبة كبيرا، ثم اشتراه من ورثة الأمير جرجى لما بلغه أنه إلى الآن فى الرّقّ- وقد مر ذلك كله- ثم جعله أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم ندبه فيمن ندب من الأمراء لقتال الناصرى ومنطاش، فقبض عليه هناك، وحبس بقلعة دمشق مدة طويلة إلى أن أطلق بعد عود الملك الظاهر للملك وقدم القاهرة، وكان الأمير إينال اليوسفى يوم ذاك أتابك العساكر بالديار المصرية، فأنعم الملك الظاهر على أيتمش بإقطاع يضاهى إقطاع الأتابكية، وولّاه رأس نوبة الأمراء وجعله أتابكا، فدام على ذلك سنين إلى أن قبض الملك الظاهر على الأتابك كمشبغا الحموى، وأعاده إلى الأتابكيّة من بعده على عادته أولا، ثم جعله فى مرض موته وصيّه المتحدّث فى تدبير مملكة ولده الملك الناصر فرج، فأخذ أيتمش يدبر ملك الناصر
بعد موت برقوق أحسن تدبير، فثار عليه الأمراء الأجلاب من مماليك برقوق، وقاتلوه وكسروه، وأخرجوه من مصر إلى الشام، فسار إلى دمشق، ووافق تنم نائبها على قتالهم هو ورفقته، مثل: الوالد، وأرغون شاه أمير مجلس، وغيرهم، فواقعوا الأمراء المذكورين بغزّة، وانكسروا ثانيا، وقبض على الجميع، وحبسوا بقلعة دمشق ثم قتلوا عن آخرهم، وكان كسر تنم وأيتمش هذا وقتلهما وتحكّم الأمراء الأجلاب أول وهن وقع بالديار المصرية، وكان أيتمش معظّما فى الدول، قليل الشّرّ كثير الخير، متجمّلا فى ملبسه ومركبه ومماليكه، هو وكمشبغا الحموى، كانا من عظماء الأتابكية فى الدولة التركية بعد يلبغا العمرى الخاصّكى، وشيخون العمرى.
وتوفّى أيضا- قتيلا بقلعة دمشق فى التاريخ «1» المذكور مع الأتابك أيتمش- الأمير سيف الدين أرغون شاه البيدمرى الظاهرى «2» - أمير مجلس، وكان من خواص مماليك الملك الظاهر برقوق، وأكابر مماليكه وخيارهم.
وتوفّى قتيلا- أيضا- الأمير سيف الدين فارس بن عبد الله القطلقجاوى «3» ، ثم الظاهرى، حاجب الحجّاب بالديار المصريّة- ذبحا- بقلعة دمشق، فى رابع عشر شعبان، وكان أصله من مماليك الأمير خليل بن عرام نائب الإسكندرية، اشتراه من شخص خباز بالإسكندريّة، وكان فارس هذا يبيع الخبز على حانوت أستاذه، فرآه ابن عرّام فأعجبه وابتاعه منه، ثم ملكه الملك الظاهر برقوق بعد ابن عرام، وما أعلم نسبته بالقطلقجاوى لأى قطلقجا، ولعله تاجره الذي جلبه من بلاده أولا- والله أعلم- وكان فارس يعرف أيضا بالأعرج، وكان من الشّجعان الفرسان الأقشيّة
المعدودة، الذين يضرب برميهم المثل، وقد تقدم من ذكره فى واقعة أيتمش ما يكتفى بذكره «1» .
وتوفى- قتيلا أيضا فى رابع عشر شعبان بقلعة دمشق- الأمير شهاب الدين أحمد- أمير مجلس- ابن الأتابك يلبغا العمرى الخاصكى صاحب الكبش «2» ، وأستاذ برقوق وغيره من اليلبغاوية، ولد بالكبش، فى حياة والده الأتابك يلبغا، ثم نشأ بمصر، وصار من جملة الأمراء، فلما تسلطن الملك الظاهر برقوق ولّاه أمير مجلس، ثم ندبه لقتال الناصرى ومنطاش فيمن ندب من الأمراء، فلما وصل إلى دمشق عصى على برقوق، وانضم على الناصرى، وهو أيضا مملوك أبيه فأقرّه الناصرى على إمرته ووظيفته، إلى أن قبض عليه منطاش وحبسه مع الناصرى إلى أن أخرجهما الملك الظاهر برقوق فى سلطنته الثانية، وخلع عليه على عادته أمير مجلس، فدام على ذلك سنين عديدة إلى أن تنكّر عليه برقوق وحبسه، ثم أطلقه- بطّالا- بالبلاد الشامية إلى أن ثار الأمير تنم الحسنى نائب الشام، فقدم عليه أحمد هذا ووافقه، فقبض عليه مع من قبض عليه من الأمراء، وقتل، وكان مشهورا بالشّجاعة والإقدام.
وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق فى رابع عشر شعبان- الأمير سيف الدين جلبان [بن عبد الله «3» ] الكمشبغاوىّ الظاهرىّ، المعروف بقرا سقل نائب حلب، ثم أتابك دمشق، كان من أكابر مماليك الملك الظاهر برقوق، وأول من نال منهم الرّتب السنية، صار أمير مائة، ومقدّم ألف فى أوائل سلطنة
الملك الظاهر برقوق الثانية، ثم رأس «1» نوبة النّوب، ثم ولى نيابة حلب بعد الأتابك قرا دمرداش الأحمدىّ، وهو الذي قام فى أمر منطاش حتى أخذه وتسلمه من نعير، ثم أمسكه الظاهر وحبسه، وولّى الوالد عوضه نيابة حلب، فحبس مدة ثم أطلق، واستقرّ أتابك دمشق، فدام على ذلك مدة، ثم قبض عليه برقوق ثانيا، وحبسه بقلعة دمشق إلى أن أطلقه الأمير تسنم بعد موت الظاهر برقوق، فدام من حزبه إلى أن أمسك وقتل مع من قتل، وكان جليل المقدار، عاقلا شجاعا، معدودا من رؤساء المماليك الظاهريّة.
وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق فى التاريخ المذكور- سيف الدين يعقوب شاه [بن عبد الله]«2» الظاهرىّ الخازندار، ثم الحاجب «3» الثانى، وأحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، وكان أيضا من خواصّ الملك الظّاهر برقوق، وأجلّ مماليكه، وهو أيضا ممن انضم على أيتمش وتنم.
وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق- الأمير سيف الدين آقبغا [بن عبد الله]«4» الطولوتمرىّ الظاهرى، المعروف باللكّاش، أمير مجلس، وكان من جملة أمراء الألوف فى دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق، ثم صار أمير مجلس، فلما ركب على باى على الملك الظاهر اتّهم آقبغا هذا بممالأة على باى فى الباطن فأخرج إلى الشّام، ودام به حتى وافق تنم، وقتل مع من قتل من الأمراء، وكان شجاعا مقداما، من وجوه المماليك الظاهريّة.
وتوفّى- قتيلا أيضا بقلعة دمشق- الأمير بى خجا الشّرفىّ المدعوّ
طيفور [بن عبد الله الظاهرى «1» ] نائب غزّة، ثم حاجب حجّاب دمشق، وهو أيضا من مماليك الظاهر برقوق، وممّن صار فى أيامه أمير طبلخاناة، وأمير آخور ثانيا.
فهؤلاء قتلوا جميعا فى ليلة واحدة، ومعهم جماعة أخر مثل الأمير بيغوت اليحياوىّ الظاهرى، والأمير مبارك المجنون، والأمير بهادر العثمانى نائب ألبيرة «2» ، ولم يبق من أعيان من قتل فى هذه الواقعة- صبرا- إلّا تنم [الحسنى]«3» ويونس بلطا، أخّروهما حتى استصفوا أموالهما، ثم قتلوهما حسبما يأتى ذكره الآن.
وتوفّى- أيضا قتيلا- الأمير تنبك الحسنىّ الظاهرىّ، المدعو تنم نائب الشام، وقد مر من ذكره فى واقعته مع الملك الناصر فرج ما فيه غنية عن التكرار، غير أننا نذكر مبادئ أمره وترقّيه إلى انتهائه على سبيل الاختصار، فنقول: هو من أعيان خاصّكية أستاذه الظاهر برقوق، ثم أمّره إمرة عشرة فى سلطنته الثانية، ثم أخرجه إلى دمشق، وجعله أتابكا بها بعد إياس الجرجاوى، ثم نقله بعد مدة يسيرة إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير كمشبغا الأشرفى الخاصكى، فدام على نيابة دمشق نحو سبع سنين، إلى أن مات الظاهر، وخرج عن الطاعة، وانضم عليه سائر نواب البلاد الشامية، ثم جاءه أيتمش والوالد، وغيرهما من أمراء مصر، وواقع الملك الناصر على غزة، وانكسر مع كثرة عساكره- خذلانا من الله- وأمسك، وحبس بقلعة دمشق، وعوقب على المال، ثم خنق فى ليلة الخميس رابع شهر رمضان، وخنق معه الأمير يونس [بن عبد الله]«4» الظاهرى المعروف ببلطا [وبالرماح]«5» نائب
طرابلس. وكان يونس أيضا من كبار المماليك الظاهرية وأمرائها. وقد ولى نيابة صفد وحماة وطرابلس. إلا أنه كان ظالما جبارا متكبرا، سفا كاللدماء، قتل بطرابلس من القضاة والعلماء والأعيان خلائق لا تدخل تحت حصر، وقد مر ذكر هذه الوقائع كلّها فى أوائل ترجمة الملك الناصر فرج الأولى، فلينظر هناك.
وتوفّى قاضى القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علىّ [بن موسى]«1» قاضى قضاة الحنفيّة بالديار المصريّة- وهو معزول- فى خامس جمادى الأولى، وكان فقيها مفتنّا فاضلا، أفتى ودرّس سنين بحلب وغيرها، إلى أن طلب إلى مصر، وولّى القضاء بها، إلى أن عزل لثقل بدنه من السّمن، وقلّة حركته؛ فإنّه كان إذا طلع للسلام على السلطان وجلس عنده لا يستطيع القيام إلّا بعد جهد من السّمن.
وتوفّى قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم ابن قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمّد بن أبى الفتح الحنبلىّ «2» ، قاضى قضاة الديار المصريّة بها- وهو قاض- فى ثامن شهر ربيع الأوّل، وتولّى القضاء بعده أخوه موفّق الدين أحمد.
وتوفّى المعلّم شهاب الدين أحمد بن محمّد الطولونىّ المهندس، بطريق مكّة فى صفر، وقد توّجه لعمارة المناهل «3» بطريق الحجاز.
وتوفّى شيخ شيوخ خانقاة «4» سرياقوس جلال الدين أبو العبّاس أحمد ابن شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق بن عامر الأصبهانىّ الحنفىّ «5» ، بخانقاة سرياقوسن، فى خامس عشر شهر ربيع الآخر.
وتوفّى الأمير الطّواشى زين الدين بهادر الشهابىّ «1» ، مقدّم المماليك السلطانيّة، فى سابع عشر شهر رجب، وكان من عظماء الخدّام، وغالب أعيان مماليك الظاهر برقوق من أنياته.
وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب سليم السّوّاق القرافىّ «2» بالقرافة، فى تاسع عشر شهر ربيع الأوّل، وكان للناس فيه اعتقاد، ويقصد للزيّارة.
وتوفّى الأمير سيف الدين قجماس بن عبد الله المحمّدىّ الظاهرىّ، شادّ السّلاح خاناة- قتيلا-[فى ثامن شهر ربيع الأول]«3» فى الواقعة التى كانت بين الأتابك أيتمش وبين الأمراء الذين كانوا بالقلعة.
وتوفّى أيضا الأمير سيف الدين قشتمر بن قجماس أخو إينال باى، الأمير آخور، فى ثامن شهر ربيع الأوّل- قتيلا- فى الواقعة.
وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الحسامىّ المنجكىّ «4» بالينبع «5» بطريق الحجاز.
وتوفّى الأمير سيف الدين قرابغا بن عبد الله الأسنبغاوىّ «6» أحد أمراء الطبلخانات، كان من قدماء الأمراء بديار مصر.
وتوفّى الأمير جمال الدين عبد الله ابن الأمير بكتمر الحاجب «7» ، فى خامس عشرين شهر ربيع الآخر، بداره خارج باب النصر «8» من القاهرة.
وتوفّيت خوند شيرين [بنت عبد الله الرومية]«1» والدة الملك الناصر فرج بن برقوق، بعد مرض طويل، فى ليلة السبت أوّل ذى الحجّة، ودفنت بالمدرسة الظاهريّة البرقوقية «2» بين القصرين، وحضر ولدها الملك الناصر الصّلاة عليها، بباب القلّة «3» من القلعة، ومشى سائر أمراء الدولة وأعيانها أمام نعشها من القلعة إلى بين القصرين، وكانت أمّ ولد للملك الظّاهر برقوق، روميّة الجنس، وهى بنت عمّ الوالد، وكانت من خيار نساء عصرها حشمة ورياسة وعقلا.
أمر النّيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزّيادة ثمانية عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.