الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن حاله، وأوصلوه التّقليد بنيابة الشّام، فقال: أنا لا أعادى نوروزا وقد أحسن إلىّ، وأقامنى ثانيا، وأيضا لم يكن لى قدرة على قتاله، وأخذ الخلعة منهم، وبعثها إلى الأمير نوروز، وأعلمه أنه باق على طاعته، فدقّت البشائر لذلك، وزيّنت دمشق.
[ما وقع من الحوادث سنة 811]
ثمّ فى أوّل المحرم من سنة إحدى عشرة وثمانمائة برز الأمير نوروز من دمشق، يريد قتال الأمير بكتمر جلّق، فتهيّأ بكتمر أيضا لقتاله، وتصاففا، واقتتلا قتالا شديدا، قتل بينهما أناس، وحرقت الزّروع، وخربت البلاد. ثمّ عاد نوروز إلى جهة الرّملة لحفظ مدينة غزّة.
وكان الملك النّاصر لمّا بلغه أنّ سودون تلّى المحمّدى صار نائب غزّة، من قبل نوروز، ولّى الأمير ألطنبغا العثمانىّ نيابة غزّة وندبه لقتال سودون المحمّدىّ. وأرسل معه من الأمراء بشباى رأس نوبة النّوب، وسودون بقجة، وطوغان الحسنىّ، والجميع يتوجّهون لقتال سودون المحمّدى، ثمّ يمضون إلى صفد؛ نجدة لمن بها من السلطانيّة، وخرجوا من القاهرة، وساروا حتى وصلوا إلى العريش، فبلغهم أنّ الأمير بكستمر جلّق، والأمير جانم من حسن شاه، خرجا من صفد إلى غزّة، وملكاها من سودون المحمّدى؛ وفرّ سودون المحمّدى، ولحق بالأمير نوروز، فجهّزه نوروز فى الحال بعدّة مقاتلة لقتالهم، وأنّ نوروزا يكون فى أثره إلى غزّة. فلمّا بلغ بكتمر جلق، وجانم، مجىء سودون المحمّدى، ونوروز إلى غزّة، خرجا من غزّة وعادا إلى صفد، وبلغ هذا الخبر بشباى وهو بالعريش، فعاد هو وأصحابه إلى الدّيار المصرية؛ من كونه لا يقاوم نوروزا؛ لكثرة جموعه، فسكت السّلطان عن نوروز لما يأتى ذكره.
ثمّ أفرج السلطان عن الأمير إينال المنقار، والأمير علّان، من سجن الإسكندريّة، وقدم الخبر على السلطان فى أثناء ذلك بوقوع الفتنة بين
شيخ ونوروز، وأنّ شيخا نزل القريتين «1» ، ونوروزا بالقرب منه، وتراسلا فى الكفّ عن القتال، فامتنع شيخ وقال: السلطان ولّانى نيابة دمشق، وباتا على القتال، فلمّا كان الليل سار شيخ بمن معه يريد دمشق، وأكثر فى منزلته من إشعال النّيران، يخدع بذلك نوروزا، فلم يفطن نوروز برحيله، حتىّ مضى أكثر الليل، فركب فى الحال نوروز فى أثر شيخ حتّى سبقه إلى دمشق، ودخلها، ولم يقدر شيخ على دخول دمشق وكان مع نوروز يشبك بن أزدمر نائب حماة، ووقع أمور إلى أن واقع نوروز شيخا بعساكره، وكان مع شيخ نفر يسير، وقد تعوّق عنه أصحابه، لكنه كان متولى دمشق من قبل السلطان، ومعه سنجق «2» الملك النّاصر، وأردفه بكتمر جلّق، وسيدى الكبير [الأمير قرقماس]«3» وغيرهما من الأمراء، فتواقعا بسعسع «4» ، فانهزم نوروز بمن معه، وقصد حلب، وركب شيخ أقفيتهم، فدخل نوروز دمشق، فى عدّة يسيرة من الأمراء من أصحابه، وبات بها ليلة واحدة، ثمّ خرج منها على وجهه إلى حلب، وبعد خروج نوروز من دمشق، دخل إليها الأمير بكتمر جلّق، والأمير قرقماس ابن أخى دمرداش، المعروف بسيدى الكبير، ونودى فى دمشق بالأمان، وأنّ شيخا نائب دمشق، ثمّ دخل شيخ بعدهم إلى دمشق، ونزل بدار السعادة، ثم خرج شيخ من دار السعادة ونزل بقبة يلبغا، ولبس التّشريف السلطانىّ المجهز إليه من مصر بنيابة الشام قبل تاريخه، وعاد إلى دار السعادة فى موكب جليل،
وقبض على الأمير نكباى حاجب دمشق، وعلى الأمير أرغز، وهما من أصحاب نوروز، وعلى جماعة أخر من النوروزية. ثمّ قدم عليه الأمير دمرداش المحمّدى، فأكرمه شيخ وأنزله بدمشق مدّة أيام، ثمّ ندبه هو والأمير بكتمر جلّق لقتال نوروز ومعهما عساكر دمشق، وورد الخبر على السلطان بذلك، فسرّ سرورا عظيما، وكتب للأمير شيخ بالشكر والثّناء على ما فعله مع نوروز؛ لأنّ الملك النّاصر كان حصل له من نوروز قهر عظيم، كونه كان ولّاه نيابة دمشق، ولم يلتفت إلى شيخ، فتركه نوروز، ووافق شيخا، فلم يقم شيخ على صلحه مع نوروز إلّا أياما يسيرة، وتركه وعاد إلى طاعة السّلطان، وحارب نوروزا، فعرف له السّلطان ذلك وولّاه نيابة دمشق عوضا عن نوروز، وسلّط بعضهم على بعض.
ثمّ إنّ الملك النّاصر فى يوم الجمعة سابع جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وثمانمائة أمسك أعزّ أمرائه الأمير بيغوت، وأمسك معه الأمير سودون بقجة، والأمير أرنبغا أحد أمراء الطبلخانات، والأمير قرا يشبك، أحد أمراء العشرات، وقيد الجميع وأرسلهم إلى سجن الإسكندرية، وخلع على إينال المنقار، وعلّان، ويشبك الموساوىّ، وجعل كلّا منهم أمير مائة، ومقدّم ألف بالدّيار المصرية، ثمّ خلع السّلطان على الأمير أرغون من بشبغا، واستقرّ به أمير آخور كبيرا، عوضا عن كمشبغا الفيسىّ.
وأمّا أمراء الشام فإنّ الأمير نوروزا الحافظى، لمّا خرج من دمشق لم يأمن على نفسه أن يكون بحلب عند تمربغا المشطوب، وكان أوّل ما قدمها قابله تمر بغا المذكور ووافقه، ثمّ بدا له أن يكون على طاعة السّلطان، ففطن نوروز بذلك؛ فخرج من حلب بعد أمور، وسار إلى ملطية واستقرّ بها، وآواه ابن صاحب الباز «1» التركمانىّ، ثمّ سلم تمربغا المشطوب حلب للامير قرقماس ابن
أخى دمرداش المعروف بسيدى الكبير، ونزل من قلعتها، ثمّ فرّ جماعة من الأمراء أصحاب نوروز إلى شيخ، وهم: الأمير سودون تلى المحمّدىّ، وسودون اليوسفىّ، وأخبروه أن نوروزا عزم على الفرار من أنطاكيّة، فسار شيخ بجموعه من العمق «1» يريد نوروزا بغتة، فأدرك أعقابه، وقبض على عدّة من أصحابه وعاد إلى العمق، وبعث العسكر فى طلبه، فقدم عليه الخبر أنّه أمسك هو ويشبك بن أزدمر فى جماعة أخر، فكتب شيخ فى الحال يعرّف السّلطان بذلك كلّه، فشكره السّلطان على ذلك وأرسل إليه بالخلع.
ثمّ إنّ السّلطان فى هذه السّنة أضاف إمرة المدينة النّبوية، وإمرة الينبع، وخليص «2» ، والصّفراء «3» ، وأعمالهم، إلى الشّريف حسن بن عجلان أمير مكة، وكتب له بذلك توقيعا، وهذا شىء لم ينله أمير مكة قبله فى هذا الزّمان.
ثمّ فى خامس عشرين جمادى الآخرة، أنعم السّلطان بإقطاع بشباى رأس نوبة النّوب- بعد وفاته- على الأمير إينال المحمّدى السّاقىّ المعروف إينال ضضع، وأنعم بإقطاع إينال المذكور على الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير، وأنعم بإقطاع أرغون المذكور على الأمير مقبل الرّومىّ، والجميع تقادم ألوف، لكن بينهم التّفاوت فى كثرة المغلّ والخراج، وأنعم بإقطاع مقبل الرّومىّ- وهو إمرة طبلخاناة- على الأمير بردبك، ثمّ خلع السّلطان على الامير إينال الساقىّ المذكور باستقراره رأس نوبة النّوب، عوضا عن بشباى المذكور بحكم موته.
ثمّ قدم الخبر على السلطان من شيخ بأن التركمان الذين كانوا قبضوا على نوروز أطلقوه، وأنّ تمربغا المشطوب هرب من الأمير شيخ، وأن نوروزا توجّه
بعد خلاصه من يد التركمان إلى قلعة «1» الرّوم، وأنّه خرج من دمشق جماعة كبيرة من عند شيخ إلى نوروز، فركب شيخ فى أثرهم فلم يدركهم، فعاد إلى دمشق وقبض على الأمير يشبك العثمانىّ، ثمّ بعد مدّة يسيرة بلغ الأمير شيخا أنه قيل للسلطان عنه إنّه عاص، فطلب الأمير شيخ القضاة وأعيان أهل دمشق، وكتب محضرا بأنه باق على طاعة السلطان الملك النّاصر، وبعث به مع القاضى نجم الدين عمر بن حجّىّ، وقدم ابن حجّىّ بالمحضر، ومع المحضر المذكور كتاب الأمير شيخ يستعطف خاطر السّلطان عليه، ويعتذر عن تأخّره بإرسال من طلبه السّلطان من الأمراء النّوروزيّة، وكان السّلطان قد بعث إليه قبل ذلك يشبك الموساوىّ بطلب جماعة من الأمراء، فلم يرسلهم شيخ إليه، فلم يقبل السّلطان عذره، واشتدّ غضبه، وأظهر الاهتمام بالسّفر إلى الشّام، ثم كتب الجواب بتجهيز أمراء عيّنهم، وواعدهم على مدة ستة وعشرين يوما، ومتى مضت هذه المدّة ولم يجهّزهم، سار السّلطان لقتاله، وبعث السلطان بذلك على يد قاصد شيخ نجم الدين بن حجّىّ، فعاد ابن حجى إلى الأمير شيخ وأدّى الرّسالة، فأخذ شيخ فى تجهيز الأمراء الذين طلبهم السّلطان، وامتثل مرسومه بالسّمع والطّاعة.
وبينما هو فى ذلك، بلغه أنّ تغرى برمش كاشف «2» الرّملة فرّ منها لقدوم كاشف ونائب القدس من قبل السّلطان، وأنّ السلطان قد عزم على المسير إلى الشّام، وأخرج الرّوايا والقرب على الجمال ومعهم الطّبول، نحو