المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 813] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٣

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌ الجزء الثالث عشر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 801]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 802]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 803]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 804]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 805]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 806]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 807]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 808]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 809]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 810]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 811]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 812]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 813]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 814]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 808]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 809]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 810]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 811]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 812]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 713]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 714]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌فهرس الجزء الثالث عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 801- 815 ه

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنه 801- 814 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 813]

الملك الناصر لا يبقيه؛ فاحتاج إلى الصّلح، وحلف كلّ من نوروز وشيخ لصاحبه، واتّفقا على أنّ نوروزا يمسك دمرداش نائب حلب، وأنّ شيخا يمسك ابن أخيه قرقماس- المدعوّ سيّدى الكبير- ففطن دمرداش بذلك، وأرسل أعلم ابن أخيه قرقماس المذكور مع بعض الأعوان، وهرب دمرداش من نوروز إلى العجل ابن نعير، وفرّ ابن أخيه قرقماس من عند شيخ إلى أنطاكيّة، والعجب أنّ قرقماس المذكور كان قد صار من حزب شيخ، وترك عمّه دمرداش وخالفه وصار يقاتل نوروزا وعمه هذه المدة الطويلة، وعمه دمرداش يرسل إليه فى الكفّ عن قتالهم، ويدعوه إلى طاعة نوروز ويوبخه بالكلام وهو لا يلتفت، ولا يبرح عن الأمير شيخ، حتى بلغه من عمّه أنّ شيخا يريد القبض عليه، فعند ذلك تركه وهرب، ثمّ إنّ الأمير نوروزا قصد حلب وأخذها واستولى عليها، وهرب مقبل الرومىّ، الذي كان حمل للأمير نوروز التّقليد بنيابة الشام، ولحق بالسّلطان على غزّة.

[ما وقع من الحوادث سنة 813]

وأمّا السلطان الملك الناصر، فإنه أخذ فى التّجهيز إلى السفر نحو البلاد الشّامية، وعظم الاهتمام فى أوّل محرم سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وخلع فى عاشر المحرّم على الأمير قراجا شادّ الشراب خاناة باستقراره دوادارا كبيرا- دفعة واحدة- بعد موت الأمير قجاجق، وخلع على سودون الأشقر باستقراره شادّ الشّراب خاناة عوضا عن قراجا المذكور، ثمّ عمل السلطان فى هذا اليوم عرس الأمير بكتمر جلّق، وزفّت عليه ابنة السلطان الملك الناصر- التى كان عقد عليه عقدها بدمشق- وعمرها يوم ذلك نحو سبع سنين أو أقلّ، وبنى عليها بكتمر فى ليلة الجمعة حادى عشر المحرّم المذكور، وأخذ السّلطان فى أسباب السفر، وتهيأ وأنفق على المماليك السلطانيّة وغيرهم من الأمراء، ومن له عادة بالنّفقة، فأعطى لكلّ مملوك من المماليك السلطانية عشرين ألف درهم، وحمل إلى الأمراء مقدّمى الألوف لكلّ واحد ألفى دينار،

ص: 101

ما خلا الوالد وبكتمر فإنه حمل لكلّ منهما ثلاثة آلاف دينار، وأعطى لكل أمير من أمراء الطّبلخانات خمسمائة دينار، ولأمراء العشرات ثلاثمائة دينار.

ثم خرج الأمير بكتمر جلّق جاليشا من القاهرة إلى الرّيدانيّة، وصحبته عدّة من أمراء الألوف وغيرهم، فى يوم الخميس ثالث عشرين صفر، فالذى كان معه من أمراء الألوف هم:-

يلبغا الناصرى حاجب الحجّاب، وألطنبغا العثمانىّ، وطوغان الحسنىّ رأس نوبة النّوب، وسنقر الرّومى، وخيربك، وشاهين الأفرم، وعدة كبيرة من أمراء الطّبلخانات والعشرات، وسار بكتمر بعد أيام قبل خروج السلطان.

ثمّ ركب السلطان من قلعة الجبل ببقيّة أمرائه وعساكره فى يوم الاثنين رابع شهر ربيع الأول من سنة ثلاث عشرة المذكورة، ونزل بالرّيدانية، وهذه تجريدة الملك الناصر السادسة إلى البلاد الشامية، غير سفرة السعيدية، وخلع على أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير بنيابة الغيبة على عادته، وأنه يستمر بسكنه بباب السلسلة، وأنزل الأمير كمشبغا الجمالى بقلعة الجبل، وجعل بظاهر القاهرة الأمير إينال الصصلانى الحاجب الثانى أحد مقدمى الألوف، ومعه عدّة أمراء أخر، والذي كان بقى مع السلطان- من أمراء الألوف وخرجوا صحبته- الوالد رحمه الله، وهو أتابك العساكر، وقجق الشعبانى، وسودون الأسندمرى، وسودون من عبد الرحمن، وسودون الأشقر شاد الشّراب خاناة، وكمشبغا الفيسى المعزول عن الأمير آخورية، وبردبك الخازندار.

ثمّ ركب الملك الناصر من الغد فى يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الأوّل من الرّيدانية إلى التربة التى أنشأها على قبر أبيه بالصّحراء.

قلت: وجماعة كبيرة من النّاس يظنّون أنّ هذه التربة العظيمة أنشأها الملك الظاهر برقوق قبل موته، ويسمونها الظاهريّة، وليس هو كذلك، وما عمرها إلّا الملك

ص: 102

الناصر فرج بعد موت أبيه بسنين، وهى أحسن تربة بنيت بالصّحراء- انتهى.

وسار الملك النّاصر حتى نزل بالتّربة المذكورة، وقرّر فى مشيختها صدر الدين أحمد بن محمود العجمىّ «1» ، ورتّب عنده أربعين صوفيّا، وأجرى عليهم الخبز واللحم الضأن للطبوخ فى كلّ يوم، وفرشت السّجادة لصدر الدين المذكور بالمحراب، وجلس عليها. أخبرنى العلّامة علاء الدين علىّ القلقشندىّ «2» قال: حضرت جلوس صدر الدين المذكور فى ذلك اليوم مع من حضر من الفقهاء، وقد جلس السلطان بجانب صدر الدين فى المحراب، وعن يمينه الأمير تغرى بردى من بشبغا الأتابك- يعنى الوالد- وتحته بقيّة الأمراء، وجلس على يسار السلطان الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقّاعة «3» ، وتحته المعتقد الكركى «4» ، فجاء القضاة فلم يجسر قاضى القضاة جلال الدين البلقينى «5» الشافعىّ أن يجلس عن يمين السّلطان فوق الأمير الكبير، وتوجّه وجلس عن ميسرة السّلطان تحت ابن زقّاعة

ص: 103

والكركى، فإنهما كان لهما عادة بالجلوس فوق القضاة من أيّام الملك الظاهر برقوق- انتهى.

قلت: والعادة القديمة من أيّام شيخون العمرىّ إلى ذلك اليوم، أنه لا يجلس أحد فوق الأمير الكبير من القضاة ولا غيرهم، حتى ولا ابن السّلطان، غير صاحب مكة المشرّفة؛ مراعاة لسلفه الطاهر- انتهى.

ثمّ ركب السّلطان بأمرائه وخواصه وعاد إلى مخيّمه بالرّيدانية، وأقام به إلى أن رحل منه فى يوم السبت تاسع شهر ربيع الأوّل المذكور، يريد البلاد الشّامية.

وأمّا الأمير شيخ، فإنه لمّا بلغه خروج السّلطان من الديّار المصرية، لم يثبت وداخله الخوف، وخرج من دمشق فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور بعساكره ومماليكه، وتبعه الأمير جانم نائب حماة.

فدخل بكتمر جلّق إلى الشّام من الغد فى يوم سابع عشرينه- على حين غفلة- حتى يطرق شيخا، ففاته شيخ بيوم واحد، لكنّه أدرك أعقابه وأخذ منهم جماعة، ونهب بعض أثقال شيخ، ثمّ دخل السلطان الملك النّاصر إلى دمشق بعد عشاء الآخرة من ليلة الخميس ثامن عشرينه، وقد ركب من بحيرة طبريّة «1» فى عصر يوم الأربعاء على جرائد الخيل ليكبس شيخا، ففاته بيسير، وكان شيخ قد أتاه الخبر وهو جالس بدار السّعادة من دمشق، فركب من وقته وترك أصحابه، ونجا بنفسه بقماش جلوسه، فما وصل إلى سطح المزّة إلّا وبكتمر جلّق داخل دمشق، ومرّ شيخ على وجهه منفردا عن أصحابه، ومماليكه وحواشيه فى أثره، والجميع فى أسوإ ما يكون من الأحوال.

ص: 104

ولمّا دخل السّلطان إلى دمشق، أصبح نادى بدمشق بالأمان والاطمئنان لأهل الشّام، وألا ينزل أحد من العسكر فى بيت أحد من الشّاميّين، ولا يشوّش أحد منهم على أحد فى بيع ولا شراء، ونودى أن الأمير نوروزا الحافظىّ هو نائب الشّام.

ثمّ فى ثانى شهر ربيع الآخرة قدم الأمير شاهين الزّردكاش «1» نائب صفد على السّلطان بدمشق، ثمّ فى ثالثه خلع السّلطان على الأمير يشبك الموساوىّ الأفقم باستقراره فى نيابة طرابلس، واستقرّ أبو بكر بن اليغمورىّ فى نيابة بعلبك، وأخوه شعبان فى نيابة القدس، ثمّ فى سادس شهر ربيع الآخر المذكور، خرج أطلاب السّلطان والأمراء من دمشق إلى برزة، وصلى السلطان الجمعة يجامع بنى أميّة، ثمّ ركب وتوجه بأمرائه وعساكره جميعا إلى أن نزل بمخّيمه ببرزة، وخلع السلطان على شاهين الزّردكاش نائب صفد باستقراره نائب الغيبة بدمشق، وسكن شاهين بدار السعادة، وتأخر بدمشق من أمراء السلطان الأمير قانى باى المحمّدىّ، لضعف كان اعتراه، وتخلّف بدمشق أيضا القضاة الأربعة، والوزير سعد الدين بن البشيرىّ، وناظر الخاص مجد الدين بن الهيصم، وسار السّلطان بعساكره إلى جهة حلب حتى وصلها، فى قصد شيخ ونوروز بمن معهما من الأمراء، ثمّ كتب السّلطان لنوروز وشيخ يخيّرهما، إما الخروج من مملكته، أو الوقوف لمحاربته، أو الرجوع إلى طاعته، يريد- بذلك- الملك الناصر الشفقة على الرعيّة من أهل البلاد الشّامية؛ لكثرة ما صار يحصل لهم من الغرامة والمصادرة، وخراب بلادهم من كثرة النّهّابة من جهة العصاة، ثمّ أخبرهما الملك الناصر أنه عزم على الإقامة بالبلاد الشّامية السنتين والثلاثة حتى ينال غرضه، فأجابه الأمير شيخ بأنه ليس بخارج عن طاعته، ويعتذر عن حضوره بما خامر قلبه من شدة

ص: 105

الخوف والهيبة عند ما قبض عليه السّلطان مع الأتابك يشبك الشعبانىّ فى سنة عشر وثمانمائة، وأنه قد حلف لا يحارب السلطان ما عاش، من يوم حلّفه الأمير الكبير تغرى بردى- أعنى الوالد- فى نوبة صرخد، وكرّر الاعتذار عن محاربته لبكتمر جلّق، حتى قال: وإن كان السلطان ما يسمح له بنيابة الشّام على عادته، فينعم عليه بنيابة أبلستين «1» ، وعلى الأمير نوروز بنيابة ملطية، وعلى يشبك بن أزدمر بنيابة عين تاب، وعلى غيرهم من الأمراء ببقية القلاع؛ فإنهم أحق من التركمان المفسدين فى الأرض، وكان ما ذكروه على حقيقته، فلم يرض السّلطان بذلك، وصمّم على الإقامة ببلاد الشام، وكتب يستدعى التركمان وغيرهم، كلّ ذلك والسلطان بأبلستين، وبيناهم فى ذلك فارق الأمير سودون الجلب شيخا ونوروزا، وتوجه إلى الكرك واستولى عليها بحيلة تحيّلها.

ثمّ عاد السّلطان إلى حلب فى أوّل جمادى الآخرة، ولم يلق حربا، فقدم عليه بها قرقماس ابن أخى دمرداش- المدعو سيّدى الكبير- والأمير جانم من حسن شاه نائب حماة- كان- فأكرمهما السلطان وأنعم على قرقماس بنيابة صفد، وعلى جانم بنيابة طرابلس، واستقرّ الأمير جركس والد تنم حاجب حجّاب دمشق، ثمّ خلع على الأمير بكتمر جلّق باستقراره فى نيابة الشام ثانيا، وأنعم بإقطاعه على الأمير دمرداش المحمّدىّ نائب حلب، ثمّ بعد مدّة غيّر السلطان قرقماس سيّدى الكبير- من نيابة صفد إلى نيابة حلب، عوضا عن عمّه الأمير دمرداش المحمّدىّ، وأخلع على أخيه تغرى بردى- المدعو سيّدى الصّغير- باستقراره فى نيابة صفد.

وبينما السلطان فى ذلك بحلب، ورد عليه الخبر بأنّ شيخا ونوروزا وصلا عين تاب، وسارا على البريّة إلى جهة الشّام، فركب السلطان مسرعا

ص: 106

من حلب على حين غفلة فى ثالث عشرين شهر رجب ببعض عساكره، وسار حتى دخل دمشق فى أربعة أيّام، ثمّ قدم فى أثره الوالد بغالب العساكر، ثمّ الأمير بكتمر جلّق نائب الشّام، ثمّ بقيّة الأمراء والعساكر، ثمّ فى ثالث شعبان قدم الأمير تمراز النّاصرى نائب السّلطنة- كان- إلى دمشق فى خمسين فارسا، داخلا فى طاعة السّلطان بعدما فارق شيخا ونوروزا، فركب السّلطان وتلقّاه وبالغ فى إكرامه، قلت، وتمراز هذا هو الذي كان فرّ من السّلطان فى ليلة بيسان ومعه عدّة أمراء- وقد تقدّم ذكر ذلك فى وقته- ثمّ فى الغد سمّر السّلطان ستة نفر من أصحاب شيخ ووسّطهم.

وأما شيخ ونوروز، فإنّهما لمّا سار السّلطان عن أبلستين خرجا من قيساريّة «1» بمن معهم، وجاءوا إلى أبلستين فمنعهم أبناء دلغادر وقاتلوهم، فانكسروا منهم وفرّوا إلى عين تاب، فلمّا قربوا من تلّ باشر «2» تمزّقوا وأخذت كلّ طائفة جهة من الجهات، فلحق بحلب ودمشق منهم عدّة وافرة، واختفى منهم جماعة، ومرّ شيخ ونوروز بحواشيهما على البريّة إلى تدمر «3» فامتاروا منها، ومضوا مسرعين إلى صرخد وتوجهوا إلى البلقاء «4» ودخلوا بيت المقدس، ثمّ توجّهوا إلى غزّة بعد أن مات من أصحابهم الأمير

ص: 107

تمربغا المشطوب نائب حلب- كان- والأمير إينال المنقار، كلاهما بالطّاعون بمدينة حسبان «1» .

ثمّ قدم عليهم سودون الجلب من الكرك، فتتّبعوا ما بغزّة من الخيول فأخذوها، وأقاموا بها حتى أخرج السّلطان إليهم بكتمر جلّق على عسكر كبير، فسار إلى زرع، ثمّ كتب للسّلطان يطلب نجدة، فأخرج إليه السّلطان من دمشق بعسكر هائل من الأمراء والمماليك السلطانيّة، ورأس الأمراء الأمير تمراز النّاصرىّ- الذي قدم على السّلطان طائعا بدمشق- ويشبك الموساوىّ الأفقم، وألطنبغا العثمانىّ، وأسنبغا الزّرد كاش وسودون الظّريف نائب الكرك- كان- والأمير طوغان الحسنىّ رأس نوبة النّوب، فخرجوا من دمشق مجدّين فى السّير إلى قاقون «2» - وبها الأمير بكتمر جلّق- فساروا جميعا إلى غزّة، فقدموها فى عصر يوم الثلاثاء من ثالث شهر رمضان، وقد رحل شيخ ونوروز بمن معهما بكرة النهار عند ما قدم عليهم سودون بقجة وشاهين الدّوادار من الرّملة، وأخبراهم بقدوم عسكر السلطان إليهم، فنهبوا غزّة وأخذوا منها خيولا كثيرة وغلالا، فتبعهم الأمير خير بك نائب غزّة إلى الزّعقة «3» ، وسارت كشّافته فى أثرهم إلى العريش، ثمّ عادوا إلى غزّة.

فلمّا وصل بكتمر جلّق بمن معه من الأمراء إلى غزّة، وبلغه توجّه شيخ ونوروز إلى جهة مصر، أرسل بكتمر الأمير شاهين الزّردكاش والأمير أسنبغا الزّردكاش على البرّية إلى مصر ليخبرا من بقلعة الجبل بقدوم شيخ ونوروز إلى مصر، فسارا وسبقا شيخا ونوروزا، وعرّفا الأمير أرغون الأمير آخور

ص: 108

وغيره ممن هو من الأمراء بمصر، وردّ جواب أرغون على بكتمر بأنه حصّن قلعة الجبل، والإسطبل السلطانىّ، ومدرسة السلطان حسن، ومدرسة الملك الأشرف شعبان بن حسين- التى كانت تجاه الطبلخاناة عند الصّوة «1» - وأنه هو ومن معه قد استعدّوا للقاء شيخ ونوروز.

وأمّا شيخ ونوروز ومن معهم فإنهم ساروا من مدينة غزّة إلى جهة الدّيار المصرية، فمات بالعريش شاهين دوادار الأمير شيخ- وكان عضد الأمير شيخ وأعظم مماليكه- ثمّ ساروا إلى قطيا «2» ونهبوها، ثم ساروا من قطيا إلى أن وصلوا إلى مصر فى يوم الأحد ثامن شهر رمضان من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة المذكورة، ودخل شيخ ونوروز بمن معهما من أمراء الألوف، وهم:

الأمير يشبك بن أزدمر، والأمير سودون بقجة، والأمير سودون المحمّدى تلّى، والأمير يشبك العثمانىّ، وغيرهم من أمراء الطّبلخانات مثل قمش وقوزى وغيرهما، ودخل معهم إلى القاهرة خلائق من الزّعر، وبنى وائل- من عرب الشّرقية- والأمير سعيد الكاشف- وهو معزول- فبلغهم تحصين القلعة والمدرستين «3» ، وأنّ الأمير أرغون ومن معه من الأمراء قبضوا على أربعين مملوكا من النّوروزيّة- أعنى ممن كان له ميل إلى نوروز من المماليك السلطانيّة- وسجنوهم بالبرج من قلعة الجبل خوفا من غدرهم، فساروا من جهة المطريّة خارج القاهرة إلى بولاق، ومضوا

ص: 109

إلى الميدان الكبير إلى الصّليبة «1» ، وخرجوا إلى الرّميلة «2» تحت قلعة الجبل، فرماهم المماليك السلطانية بالمدافع والنّشّاب، وبرز لهم الأمير إينال الصصلانىّ الحاجب الثانى بمن معه، ووقف تجاه باب السّلسلة، وقاتل الشيخية والنّوروزية ساعة، فتقنطر من القوم فارسان، ثمّ انهزم إينال الصّصلانىّ وعاد إلى بيته تجاه سبيل المؤمنىّ «3» - المعروف ببيت نوروز- وبات الأمراء تلك الليلة بالقاهرة، وأصبح الأمير شيخ أقام رجلا فى ولاية القاهرة فنادى بالأمان، ووعد الناس بترخيص الأسعار، وبإزالة المظالم، فمال إليه جمع من العامّة، وأقاموا ذلك اليوم، وملكوا مدرسة الملك الأشرف شعبان التى كانت بالصوّة تجاه الطّبلخاناة السلطانية، هذا والقتال مستمر بينهم وبين أهل القلعة، ثمّ ملك الأمراء مدرسة السلطان حسن، وهزموا من كان فيها من المقاتلة، بعد قتال شديد، وأقاموا بها جماعة رماة من أصحابهم، ورموا على قلعة الجبل يومهم وليلتهم، وطلع الأمير أرغون من بشبغا- الأمير آخور- من الإسطبل السّلطانىّ إلى أعلا القلعة عند الأمير جرباش وكمشبغا الجمالى، فأدخلاه القلعة بمفرده من غير أصحابه.

فلمّا كانت ليلة الاثنين، كسرت خوخة أيدغمش «4» ، ودخلت طائفة من الشاميّين إلى القاهرة، ومعهم طوائف من العامة؛ ففتحوا باب زويلة، وكان والى القاهرة حسام الدين الأحول، وقد اجتهد فى تحصين المدينة، ثمّ كسروا باب خزانة شمائل، وأخرجوا من كان بها، وكسروا سجن

ص: 110

الدّيلم «1» أيضا، وسجن رحبة باب العيد «2» ، وانتشروا فى حارات القاهرة، ونهبوا بيت كمشبغا الجمالىّ، وتتبّعوا الخيول والبغال من الإسطبلات وغيرها، وأخذوا منها شيئا كثيرا، ثمّ فتحوا حاصل الديوان المفرد ببين القصرين وأخذوا منه مالا كثيرا، ثمّ ملك شيخ باب السلسلة، وجلس بالحرّاقة هو ورفقته، ثمّ طلبوا من الأمراء الذين بالقلعة فتح القلعة لهم فى بكرة يوم الثلاثاء، فاعتذر الأمراء لهم «3» بأنّ المفاتيح عند الزّمام «4» كافور، فاستدعوه فأتاهم، وكلّمهم من وراء الباب، فسلموا عليه من عند الأمير شيخ ومن عند أنفسهم، وكان الأمير نوروز من جملة من كان واقفا على الباب، وسألوه الفتح لهم، فقال: ما يمكن ذلك؛ فإنّ حريم السّلطان بالقلعة، فقالوا مالنا غرض فى النهب وإنما نريد أن نأخذ ابن أستاذنا، يعنون بابن أستاذنا: الامير فرج ابن السّلطان الملك الناصر فرج، وكان هذا الصبىّ سمى على اسم أبيه- وهو أكبر أولاد الملك الناصر- فقال كافور الزّمام: وأيش صاب السّلطان حتى تأخذوا ولده؟ فقالوا: لو كان السّلطان حيّا ما كنّا هاهنا- يعنون أنهم

ص: 111

قتلوا السلطان، وساروا إلى الديار المصرية لبسلطنوا ولده- فلم يمش ذلك على كافور ولا على غيره، وطال الكلام بينهم فى ذلك، فلم يلتفت كافور إلى كلامهم، فهدّدوه بإحراق الباب، فخاف وقال: إن كنتم ما تريدون إلا ابن أستاذكم فليحضر إلى باب السرّ اثنان منكم أو ثلاثة، وتحضر القضاة، ثمّ احلفوا أنكم لا تغدرون به ولا تمسّونه بسوء، وكان كافور يقصد بذلك التطويل، فإنه كان بلغه هو والأمراء الذين بالقلعة قرب مجىء العسكر السلطانىّ إلى القاهرة، فبعثوا لهم البطاقة من القلعة باستعجالهم، وأنهم فى أقوى ما يكون من الحصار، ومتى «1» لم يدركوا أخذوا، وأخذ كافور فى مدافعة الجماعة والتمويه عليهم- قلت: وعلى كل حال فهو أرجل من أرغون الأمير آخور، فإنّ أرغون مع كثرة من كان عنده من المماليك السلطانية ومماليكه لم يقدر على منع باب السّلسلة، وتركها وفرّ فى أقلّ من يومين، وكان يمكنه مدافعة القوم أشهرا- انتهى.

وبينما [كافور]«2» الزّمام فى مدافعتهم لاحت طلائع العسكر السلطانىّ لمن كان شيخ أوقفه من أصحابه يرقبهم بالمآذن بقلعة الجبل، وقد ارتفع العجاج، واقبلوا سائقين سوقا عظيما جهدهم، فلما بلغ شيخا وأصحابه ذلك لم يثبتوا ساعة واحدة، وركبوا من فورهم ووقفوا قريبا من باب السّلسلة، فدهمهم العسكر السّلطانىّ فولوا هاربين نحو باب القرافة «3» والعسكر فى أثرهم، فكبا بالأمير شيخ فرسه عند سوق الخيم «4» بالقرب من باب

ص: 112

القرافة، فتقنطر من عليه، فلم يستطع النهوض ثانيا؛ لعظم روعه وسرعة حركته، فأركبه بعض أمراء آخوريته- يقال إنه الأمير جلبّان الأمير آخور، الذي كان ولى نيابة الشام فى دولة الملك الظاهر جقمق إلى أن مات فى دولة الملك الاشرف إينال فى سنة ثمان وخمسين وثمانمائة- وركب شيخ ولحق بأصحابه، فمرّوا على وجوههم على جرائد الخيل، وتركوا ما أخذوه من القاهرة، وأيضا ما كان معهم، وساروا على أقبح وجه بعد أن قبض عسكر السّلطان على جماعة من أصحاب شيخ، مثل الأمير قرايشبك- قريب نوروز- وبردبك رأس نوبة نوروز؛ لأنّ نوروزا ثبت قليلا بالرّميلة بعد فرار الأمير شيخ، وعلى برسباى الطّقطائىّ أمير جاندار، وثمانية وعشرين فارسا، وجرح جماعة كبيرة، منهم السيفىّ يشبك السّاقىّ الظاهرىّ- الذي ولّى فى الدولة الأشرفية [برسباى]«1» الأتابكية- ومن هذا الجرح صار أعرج بعد أن أشرف على الموت «2» .

ودخل الأمير بكتمر جلّق بعساكره، وأرسل الامير سودون الحمصىّ فاعتقل جميع من أمسك من الشّاميين، وأخذ يتتبّع من بقى من الشّامية بالقاهرة، ثمّ نادى فى الوقت بالأمان، ثمّ أخذت عساكره يقتلون فى الشاميّين، ويأسرون وينهبون إلى طمّوه «3» ، وألزم بكتمر جلّق والى القاهرة بمسك الزّعر الذين قاموا مع الشّاميين، فأبادهم الوالى، وقطع أيدى جماعة كبيرة، وحبس جماعة أخر بعد ضربهم بالمقارع، وأخذ الامير بكتمر جلّق فى تمهيد أحوال الديار المصرية، وقدم عليه الخبر فى ليلة الأربعاء حادى عشر من شهر رمضان المذكور بأنّ شيخا

ص: 113

نزل إطفيح «1» ، وأنّ شعبان بن محمد بن عيسى العائذىّ توجه بهم إلى نحو الطور «2» ، فنودى بالقاهرة ومصر بتحصيل من اختفى من الشاميين بها، ثمّ قدم الخبر بوصولهم إلى السّويس، وأنهم أخذوا علفا كان هناك للتجّار، وزادا وجمالا، وسار بهم شعبان بن عيسى فى درب الحاج «3» إلى نخل «4» ، فأخذوا عدّة جمال للعربان، وأن شعبان المذكور أمدّهم بالشعير والزّاد، وأنهم افترقوا فرقتين، فرقة رأسها الأمير نوروز الحافظىّ ويشبك بن أزدمر وسودون بقجة، وفرقة رأسها الأمير شيخ المحمودىّ وسودون تلّى المحمدىّ وسودون قراصقل، وكلّ فرقة منهما معها طائفة كبيرة من الأمراء والمماليك، وأنهم لما وصلوا إلى الشّوبك «5» دفعهم أهلها عنها، فساروا إلى جهة الكرك وبها سودون الجلب، فتضرعوا له حتّى نزل إليهم من قلعة الكرك، وتلقّاهم وادخلهم مدينة الكرك، وأنهم استقرّوا بالكرك.

وأما الأمير بكتمر جلّق بمن معه من الأمراء والعساكر السّلطانية، فإنهم أقاموا بالقاهرة نحو ستّة أيّام حتّى تحقّقوا توجّه القوم إلى جهة البلاد الشّامية، فخرجوا من القاهرة فى يوم سادس عشر من رمضان يريدون البلاد الشّاميّة إلى الملك الناصر وهو بدمشق، وتأخّر بالقاهرة من الأمراء من

ص: 114

أصحاب بكتمر جلق: طوغان الحسنىّ رأس نوبة النّوب- وقد استقرّ قبل تاريخه دوادارا كبيرا بعد موت الأمير قراجا بطريق دمشق، فى ذهاب الملك النّاصر إلى الشّام- ويشبك الموساوىّ الأفقم، وشاهين الزّرد كاش وأسنبغا الزّرد كاش، وسار بكتمر جلّق بمن بقى حتى وصل دمشق.

وأما السّلطان الملك النّاصر، فإنه كان فى هذه الأيام بدمشق، وبلغه ما وقع بالدّيار المصرية مفصلا، لكن نقل إليه أنّ بكتمر جلّق وطوغان الحسنىّ قصّرا فى أخذ شيخ ونوروز، ولو قصدا أخذهما لأمكنهم ذلك، فأسرّها الملك الناصر فى نفسه، قلت: ولا يبعد ذلك؛ لما حكى لى غير واحد- ممّن حضر هذه الواقعة- من ضعف شيخ ونوروز، وتقاعد الأمراء عن المسير فى أثرهم. ولمّا بلغ الملك الناصر ذلك لم يسعه إلّا السكات، وعدم معاتبة الأمراء على ذلك.

ثمّ إنّ السّلطان أمسك الأمير جانبك القرمىّ بدمشق فى يوم الاثنين أوّل شوّال، وضربه ضربا مبرّحا، وسجنه بقلعة دمشق، ثمّ أمر السّلطان الأمير قرقماس ابن أخى دمرداش- المعروف بسيّدى الكبير- بالمضىّ إلى محلّ كفالته بحلب، فسار من دمشق عائدا إلى حلب، واستمرّ السّلطان بدمشق إلى يوم سابع عشر ذى القعدة، وخرج منها إلى قبّة يلبغا، ورحل من الغد بأمرائه وعساكره يريد الكرك بعد ما تحقّق نزول الأمراء بالكرك، وخلع على بكتمر جلّق بنيابة الشام على عادته، وعاد بكتمر إلى دمشق.

وأما شيخ ونوروز وجماعتهما، فإنهم أقاموا بالكرك أياما، واطمأنّوا بها، ثمّ أخذوا فى تحصينها، فلما كان بعض الأيام نزل الأمير شيخ ومعه الأمير سودون بقجة، وقانى باى المحمّدىّ فى طائفة يسيرة من قلعة الكرك إلى حمّام الكرك، فدخل جميع هؤلاء الحمام، وبلغ ذلك الأمير شهاب الدين أحمد حاجب الكرك، فبادر بأصحابه ومعه جمع كبير من أهل

ص: 115

البلد، واقتحموا الحمام المذكورة ليقتلوا بها الأمير شيخا وأصحابه، فسبقهم بعض المماليك وأعلم الأمير شيخا، فخرج من وقته من الحمام ولبس ثيابه ووقف فى مسلخ الحمام عند الباب، ومعه أصحابه الذين كانوا معه فى الحمام، فطرقهم القوم بالسلاح، فدافع كلّ واحد منهم عن نفسه، وقاتلوا قتال الموت، حتى أدركهم الأمير نوروز بجماعته، فقاتلوهم حتى هزموهم بعد ما قتل الأمير سودون بقجة، وأصاب الأمير شيخا سهم غار فى بدنه، فنزف منه دم كثير حتى أشرف على الموت، وحمل إلى قلعة الكرك فأقام ثلاثة أيام لا يعقل، ثمّ أفاق، ومن هذه الرّجفة حصل له مرض المفاصل الذي تكسّح منه بعد سلطنته، هكذا ذكر المؤيد لبعض أصحابه.

وأمّا الأمير نوروز لمّا بلغه قتل سودون بقجة وهو يعارك القوم جدّ فى قتالهم حتى كسرهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ عاد إلى الكرك وقد جرح من أصحابه جماعة، وبلغ هذا الخبر السلطان الملك النّاصر فسرّ بقتل سودون بقجة سرورا عظيما؛ لكثرة ما كان أحسن إليه ورقّاه حتى ولّاه نيابة طرابلس، فتركه وتوجّه إلى الأمير شيخ ونوروز من غير أمر أوجب تسحبّه، بل لأجل خاطر أغاته «1» وحميّه الأمير تمراز النائب.

ثمّ وقع بين الأمراء وبين سودون الجلب بالكرك، فنزل سودون الجلب من الكرك وتركها لهم، ومضى حتى عدّى الفرات.

وأما السّلطان الملك النّاصر، فإنه سار من مدينة دمشق حتى نزل على مدينة الكرك فى يوم الجمعة رابع عشرين ذى القعدة، وأحاط بها ونصب عليها الآلات، وجدّ فى قتالها، وحصرها وبها شيخ ونوروز وأصحابهما، واشتدّ الحصار عليهم بالكرك، وأخذ الملك النّاصر يلازم قتالهم حتى أشرفوا على الهلاك والتّسليم، ثمّ أخذ شيخ ونوروز والأمراء يكاتبون

ص: 116

الوالد ويتضرّعون إليه، وهو يتبرّم من أمرهم والكلام فى حقهم، ويوبخهم بما فعله الأمير شيخ مع بكتمر جلّق بعد حلفه فى واقعة صرخد، فأخذ شيخ يعتذر ويحلف بالأيمان المغلظة أن بكتمر جلّق كان الباغى عليه والبادئ بالشرّ، وأنه هو دفع عن نفسه لا غير، وأنّه ما قصده فى الدّنيا سوى طاعة السّلطان، وأنت الأمير الكبير، وأكبر خشدا شيتنا، إن لم تتكلم بيننا فى الصلح «1» فمن يتكلم؟ ثمّ كاتبوا أيضا جماعة من الأمراء فى طلب العفو والصّلح، ولا زالوا حتى تكلم الوالد مع السّلطان فى أمرهم، فأبى السّلطان إلّا قتالهم وأخذهم، والوالد يمعن فى ذلك حتى ابترم الصّلح غير مرّة والسلطان يرجع عن ذلك.

ثمّ تردّدت الرسل بينهم وبين السّلطان أياما حتى انعقد الصلح، على أن يكون الوالد نائب الشام، وأن يكون الأمير شيخ نائب حلب، وأن يكون الأمير نوروز نائب طرابلس، وكان ذلك بإرادة شيخ ونوروز؛ فإنهما قالا: لا نرضى أن يكون بكتمر جلّق أعلى منا رتبة بأن يكون نائب الشّام- ونحن أقدم منه عند السّلطان- فإن كان ولا بدّ، فيكون الأمير الكبير تغرى بردى فى نيابة الشّام، ونكون نحن تحت أوامره، ونسير فى المهمّات السّلطانية تحت سنجقه، وأمّا بكتمر ودمرداش فلا، وإن فعل السّلطان ذلك لا يقع منّا بعدها مخالفة أبدا.

ولمّا بلغ الأمراء والعساكر هذا القول أعجبهم غاية الإعجاب، وقد ضجر القوم من الحصار، وملّوا من القتال، فلا زالوا بالسلطان حتى أذعن ومال إلى تولية الوالد نيابة الشّام، وكلّم الوالد فى ذلك، فأبى وامتنع غاية الامتناع، وكان السّلطان قد شرط على الأمراء شروطا كثيرة فقبلوها- على أن يكون الوالد نائب دمشق- وأخذ الملك الناصر يكلم الوالد فى ذلك

ص: 117

والوالد مصمم على عدم القبول، وأرمى سيفه غير مرّة بحضرة السّلطان، وأراد التوجّه إلى القدس بطّالا.

وصار الوالد كلّما امتنع من الاستقرار وحنق يكفّ عنه السلطان، فإذا رضى كلّمه، ثمّ سلط عليه الأمراء فكلّموه من كلّ جهة [حتى قبل]«1» ، ثمّ قام إليه السّلطان واعتنقه، وطلب الخلعة فجىء بها فى الحال، وألبسها للوالد باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن بكتمر جلّق، واستقرّ الأمير شيخ فى نيابة حلب عوضا عن قرقماس سيّدى الكبير، والأمير نوروز فى نيابة طرابلس عوضا عن جانم من حسن شاه، واستقرّ جانم المذكور أمير مجلس بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصرية، واستقرّ تغرى بردى سيّدى الصّغير فى نيابة حماة على عادته، ورسم للأمير سودون من عبد الرحمن نائب صفد أن ينتقل من نيابة صفد إلى تقدمة ألف بالدّيار المصرية، وأن يكون الأمير يشبك بن أزدمر أتابك دمشق عند الوالد، فإنه كان من ألزامه، وعقد عقده بعد ذلك على إحدى بناته- ولها من العمر نحو ثلاث سنين- ويكون قانى باى المحمّدى أميرا بحلب عند الأمير شيخ، ثمّ شرط السّلطان على شيخ ونوروز ألا يخرجا إقطاعا، ولا إمرة، ولا وظيفة لأحد من النّاس إلا بمرسوم السّلطان، وأن يسلّما قلعة الكرك إلى السلطان، ويسلّم شيخ قلعد صهيون «2» وصرخد أيضا، فرضوا بذلك جميعه، وحلفوا على طاعة السّلطان، وخلع السلطان عليهم خلعا جليلة، ومدّ لهم سماطا أكلوا منه.

ثمّ رحل السّلطان من الكرك بعساكره يريد القدس، فوصله وأقام به خمسة أيّام، ثمّ خرج منه وسار يريد القاهرة.

ص: 118