الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[ما وقع من الحوادث سنة 815]
ذكر سلطنة الملك المؤيد شيخ المحمودى «1» على مصر
السلطان الملك المؤيّد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبد الله المحمودىّ الظّاهرىّ، وهو السلطان الثّامن والعشرون من ملوك التّرك بالدّيار المصريّة، والرابع من الچراكسة وأولادهم، أصله من مماليك الملك الظّاهر برقوق، اشتراه من أستاذه الخواجا محمود شاه البرزىّ فى سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وبرقوق يوم ذاك أتابك «2» العساكر بالديار المصريّة قبل سلطنته بنحو السنتين، وكان عمر شيخ المذكور يوم اشتراه الملك الظاهر نحو اثنتى عشرة «3» سنة تخمينا، وجعله برقوق من جملة مماليكه، ثم أعتقه بعد سلطنته، ورقّاه إلى أن جعله خاصّكيّا «4» ثم ساقيا «5» فى سلطنته الثانية، وغضب عليه الملك الظاهر برقوق غير مرّة، وضربه ضربا مبرّحا؛ لانهما كه فى السّكر وعزّره وهو لا يرجع عمّا هو فيه، كلّ ذلك وهو فى رتبته وخصوصيّته عند أستاذه إلى أن أنعم عليه
الملك الظاهر بإمرة عشرة «1» ، ثم نقله إلى طبلخاناه «2» ، ثم خلع عليه باستقراره أمير حاج المحمل فى سنة إحدى وثمانمائة، فسار بالحج وعاد وقد مات أستاذه الملك الظاهر برقوق، فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف «3» بالديار المصريّة عوضا عن الأمير بجاس النّوروزىّ بحكم لزوم بجاس داره لكبر سنّه، ثم استقرّ بعد وقعة تنم الحسنى «4» فى سنة اثنتين وثمانمائة فى نيابة طرابلس عوضا عن يونس بلطا بحكم القبض عليه، فدام على نيابة طرابلس إلى أن أسر فى واقعة تيمور «5» مع من أسر من النوّاب، ثم أطلق وعاد إلى الدّيار المصريّة، وأقام بها مدّة ثم أعيد إلى نيابة طرابلس ثانيا، ثم نقل بعد مدّة إلى نيابة دمشق، ثم وقعت تلك الفتن وثارت الحروب بين الأمراء الظاهريّة، ثم بينهم وبين ابن أستاذهم الملك الناصر فرج، وقد مرّ ذكر ذلك كلّه مستوفيا فى ترجمة الملك الناصر وليس لذكره ههنا ثانيا محلّ، ولا زال شيخ المذكور يدبّر والأقدار تساعده إلى أن استولى على الملك بعد القبض على الملك الناصر فرج «6» وقتله.
وقدم إلى الديار المصرية وسكن الحرّاقة من باب السلسلة «7» ، وصار الخليفة
المستعين بالله فى قبضته وتحت أوامره جتى أجمع الناس قاطبة على سلطنته، وأجمعوا على توليته.
فلمّا حان يوم الاثنين مستهلّ شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السّلسلة، وتقدّم قاضى القضاة جلال الدين البلقينىّ وبايعه بالسّلطنة، ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحرّاقة بباب السّلسلة، وخرج وعليه خلعة السّلطنة السوداء الخليفتى «1» على العادة، وركب فرس النّوبة بشعار السّلطنة، والأمراء وأرباب الدّولة مشاة بين يديه، والقبّة والطير «2» على رأسه حتى طلع إلى القلعة ونزل ودخل إلى القصر السّلطانى، وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، ودقت البشائر، ثم نودى بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته، وخلع «3» على القضاة والأمراء ومن له عادة فى ذلك اليوم، وتمّ أمره إلى يوم الاثنين ثامن شعبان جلس السّلطان الملك المؤيّد بدار العدل «4» وعمل الموكب على العادة، وخلع على الأمير يلبغا النّاصرىّ أمير مجلس «5» باستقراره أتابك العساكر بديار مصر عوضا عن الملك المؤيّد شيخ المذكور، ثم خلع على الأمير شاهين الأفرم باستمراره أمير سلاح «6» على عادته، وعلى الأمير قانى باى المحمدى باستقراره أمير
آخور كبيرا «1» ، وكانت شاغرة من يوم أمسك الأمير أرغون من «2» بشبغا، وعلى الأمير طوغان الحسنىّ الدّوادار «3» الكبير باستمراره على عادته، وعلى الأمير سودون الأشقر رأس نوبة النّوب «4» باستمراره على عادته، وعلى الأمير إينال الصّصلانى حاجب الحجاب «5» باستمراره على وظيفته، ثم خلع على القضاة وعلى جميع أرباب الوظائف بأسرها. ثم خلع على الأمير طرباى الظاهرىّ بتوجهه إلى البلاذ الشامية «6» مبشّرا بسلطنته، فتوجّه إلى دمشق، وقبل وصوله إليها كان بلغ الأمير نوروز الحافظىّ الخبر، وأمسك جقمق الأرغون شاوىّ الدّوادار بعد قدومه من طرابلس إلى دمشق، فلما قدم طرباى على نوروز المذكور، وعرّفه بسلطنة الملك المؤيّد أنكر ذلك ولم يقبله ولا تحرّك من مجلسه ولا مسّ المرسوم الشّريف بيده، وأطلق لسانه فى حقّ الملك المؤيّد، وردّ الأمير طرباى إلى الديار المصرية بجواب خشن إلى الغاية، خاطب فيه الملك المؤيّد كما كان يخاطبه أوّلا قبل سلطنته من غير أن يعترف له بالسلطنة، وكان حضور طرباى إلى القاهرة عائدا إليها من دمشق فى يوم
الثلاثاء أوّل شهر رمضان من سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان الذي قدم صحبة طرباى من عند الأمير نوروز إلى القاهرة الأمير بكتمر السّيفىّ تغرى بردى، أعنى أحد مماليك الوالد، وكان من جملة أمراء الطّبلخانات بدمشق، وكان قبل خروجه من دمشق أوصاه الأمير نوروز أنه لا يقبّل الأرض بين يدى الملك المؤيّد، فلما وصل إلى الديار المصريّة وحضر بين يدى السّلطان أمره أرباب الدّولة بتقبيل الأرض فأبى «1» وقال: مرسلى أمرنى بعدم تقبيل الأرض، فاستشاط الملك المؤيّد غضبا وكاد أن يأمر بضرب رقبته حتى شفع فيه من حضر من الأمراء، ثم قبّل الأرض.
ثمّ فى سابع عشر شهر رمضان المذكور أرسل الملك المؤيّد الشيخ شرف الدين ابن التّبّانى الحنفىّ رسولا إلى الأمير نوروز ليترضّاه، ويكلّمه فى الطّاعة له وعدم المخالفة، وسافر ابن التّبّانىّ إلى جهة الشام.
ثم فى تاسع شوّال أمسك السلطان الملك المؤيد شيخ الأمير سودون المحمدى المعروف بتلّى «2» أى مجنون، وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية، ثم أمسك فتح الله كاتب السّرّ «3» ، واحتاط على موجوده وصادره، فضرب فتح الله المذكور وعوقب أشدّ عقوبة حتى تقرّر عليه خمسون ألف دينار.
ثم فى ثالث عشر شوّال استقرّ القاضى ناصر الدين بن البارزىّ فى كتابه السّرّ الشريف بالديار المصرية عوضا عن فتح الله المذكور.
هذا، والأمير نوروز قد استدعى جميع النّوّاب بالبلاد الشاميّة فحضر إليه الأمير