الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 821]
ثم فى سادس عشر المحرم من سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من الحجاز بأن الأمير يشبك الجكمى الدّوادار الثانى أمير حاج المحمل لمّا قدم المدينة النبوية بعد انقضاء الحج أظهر أنه يسير إلى الركب العراقى يبتاع منه جمالا، ومضى فى نفر يسير وتسحّب صحبة الركب العراقى خوفا أن يصيبه من السلطان ما أصاب الأمير آقباى نائب الشام، وكان يشبك المذكور صديقا لآقباى، وأشيع أنه كان اتّفق معه فى الباطن فى الوثوب على السلطان، وسار يشبك المذكور حتى دخل العراق، وقدم على الأمير قرا يوسف فأكرمه قرا يوسف وأجرى عليه الرّواتب، ودام عنده إلى أن مات قرا يوسف، ثم مات الملك المؤيد، وقدم على الأمير ططر بدمشق فولّاه الأمير آخوريّة الكبرى حسبما يأتى ذكر ذلك كله فى محله.
وفى ليلة الخميس رابع عشرين المحرم كان الوقيد ببرّ منبابة بين يدى السلطان بعد أن عاد السلطان من وسيم حيث مربط خيوله على الربيع «1» ، ونزل بالقصر المذكور بحرى منبابة.
وألزم السلطان الأمراء بحمل الزّيت والنّفط، فجمع من ذلك شىء كثير، وأخذ من قشر البيض وقشر النارنج ومن المسارج الفخار وجعل فيها الفتايل والزّيت، ثم أرسلت فى النيل بعد غروب الشمس بنحو ساعة، وأطلقت النّفوط وقد امتلأ البرّان بالخلائق للفرجة على ذلك، فكان لهذا الوقيد منظر بهج، وانحدر فى النيل إلى أن فرغ زيت بعضها وأطفأ الهوى البعض.
ثم فى يوم السبت سادس عشرين المحرّم أمسك السلطان الأمير بيبغا المظفّرى «2» الظاهرى أمير مجلس، وحمل مقيّدا إلى الإسكندرية، ثم نودى بالقاهرة وظواهرها أن كل غريب يخرج من القاهرة ويعود إلى وطنه.
ثم فى يوم السبت رابع صفر وسّط السلطان قرقماس الذي كان متولى كختا، ووسّط معه أيضا خمسة عشر رجلا من أصحابه خارج باب النصر، وكانوا فيمن أحضرهم السلطان معه من البلاد الشامية- لما قدم من السّفر- فى الحديد.
ثم فى سادس صفر المذكور ركب السلطان متخفّفا ومعه ولده الصّارمى إبراهيم فى نفر يسير ونزل بجامعه عند باب زويلة، ثم توجّه منه إلى بيت فخر الدين بن أبى الفرج الأستادار فأكل عنده السّماط، ثم قدّم له فخر الدين خمسة آلاف دينار، ثم ركب من بيت فخر الدين المذكور وتوجه إلى بيت الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخاص ونزل عنده، فقدّم له ثلاثة آلاف دينار، وعرض عليه خزانة الخاصّ، فأنعم منها السلطان على ولده إبراهيم وعلى من معه من الأمراء بعدّة ثياب حرير وفرو سمّور، ثم ركب السلطان وعاد إلى القلعة.
ثم فى ثانى عشرينة ركب السلطان ونزل من القلعة لعيادة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ من وعك كان حصل له، ثم ركب من عنده وتوجّه إلى بيت الأمير جقمق الدّوادار، فنزل عنده «1» وأقام يومه كله، وعاد من آخر النهار إلى القلعة على حالة «2» غير مرضية من شدّة السّكر.
ثم فى ثامن عشرين شهر ربيع الأول قدم الأمير بردبك الخليلى نائب طرابلس إلى القاهرة بطلب لشكوى أهل طرابلس عليه لسوء سيرته.
وعاود السلطان ألم رجله، وانقطع عن الخدمة ولزم الفراش، وقبض على الأمير الوزير أرغون شاه النّوروزىّ الأعور، وعلى الأمير آقبغا شيطان والى القاهرة وسلّمها إلى فخر الدين بن أبى الفرج ليصادرهما، ثم خلع السلطان على الأمير بردبك نائب طرابلس باستقراره فى نيابة صفد، واستقر عوضه فى نيابة طرابلس الأمير
برسباى الدّقماقّى «1» أحد أمراء الألوف بالديار المصرية بعد أن طلب من الغربية، وكان توجّه برسباى لعمل جسورها كاشف الوجه الغربى، وبرسباى هذا هو الملك الأشرف الآتى ذكره فى محله، ثم خلع السلطان على الوزير أرغون شاه باستقراره أمير التّركمان بثلاثين ألف دينار، ونقل الأمير سنقر نائب المرقب «2» إلى نيابة قلعة دمشق عوضا عن شاهين، واستقر ألطنبغا الجاموس فى نيابة المرقب، واستقر سودون الأسندمرى الأمير آخور الثانى- كان- فى دولة الملك الناصر فرج فى أتابكيّة طرابلس، وكان الملك المؤيد أفرج عنه من سجن الإسكندرية قبل ذلك بمدة يسيرة، وأنعم السلطان بإقطاع الأمير برسباى الدّقماقى المنتقل إلى نيابة طرابلس على [الأمير]«3» فخر الدين [بن أبى الفرج]«4» الأستادار، وبإقطاع فخر الدين على بدر الدين بن محبّ الدين، وقد استقرّ وزيرا عوضا عن أرغون شاه.
ثم فى أول جمادى الأولى تحرك عزم السلطان إلى سفر الحجاز «5» ، وكتب إلى أمراء الحجاز بذلك، وعرض السلطان المماليك وعيّن عدة منهم للسّفر معه إلى الحجاز، وأخرج الهجن وجهّز الغلال فى البحر، ثم رسم السلطان باستقرار شاهين الزّردكاش «6» حاجب حجّاب دمشق فى نيابة حماة عوضا عن الأمير نكباى، وأن يستقرّ نكباى فى حجوبيّة دمشق.
ثم فى ثامن جمادى الأولى عزل السلطان جلال الدين البلقينى عن القضاء، وخلع على شمس الدين محمد الهروى باستقراره قاضى قضاة الشافعيّة بالديار المصرية عوضا عن البلقينى.
ثم فى ثامن عشر شهر رجب خلع السلطان على الأمير قرامراد خجا أحد مقدمى
الألاف بالديار المصرية باستقراره فى نيابة صفد، وأنعم بإقطاعه على الأمير جلبّان رأس نوبة ابن السلطان.
ثم فى يوم الاثنين خامس عشرين رجب «1» المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل إلى ظاهر القاهرة وعبر من باب النّصر ومرّ فى شوارع المدينة إلى القلعة وبين يديه الهجن التى عيّنت للسّفر معه إلى الحجاز وعليها الأكواز الذهب والفضة والكنابيش الزّركش، فكان يوما عظيما، فتحقّق كلّ أحد سفر السلطان إلى الحج، وسار السلطان حتى طلع إلى القلعة، فما هو أن استقرّ به الجلوس إلا ووصل الأمير بردبك الحمزاوىّ «2» أحد أمراء الألوف بحلب ومعه نائب كختا الأمير منكلى بغا بكتاب نائب حلب وكتاب الأمير عثمان بن طر على المدعو قرايلك بأن قرايلك صاحب العراق قصده ليكبس عليه، وقبل أن يركب قرايلك هجمت عليه فرقة من عسكر قرا يوسف فركب وسار منهزما إلى أن وصل إلى مرج دابق «3» ، ثم دخل حلب فى نحو ألف فارس بإذن الأمير يشبك اليوسفىّ نائب حلب له، فجفل من كان خارج مدينة حلب بأجمعهم، واضطرب من بداخل سور حلب وألقوا أنفسهم من السّور، ورحل أجناد الحلقة ومماليك النائب المستخدمين بحريمهم وأولادهم حتى ركب نائب حلب وسكّن روع الناس، وعرّفهم أن قرايلك لم يقدم إلى حلب إلا بإذنه، وأنه مستجير بالسلطان.
وبينما هو فى ذلك رحل قرايلك من ليلته وعاد إلى جهة الشرق خوفا من يشبك نائب حلب أن يقبض عليه.
فلما بلغ السلطان قرب قرا يوسف من بلاده انثنى عزمه عن السفر للحجاز فى
هذه «1» السنة، وكتب فى الحال إلى العساكر الشاميّة بالمسير إلى حلب والأخذ فى تهيئة الإقامات السلطانية.
وأصبح السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان جمع القضاة والخليفة وطلب شيخ الإسلام جلال الدين البلقينى، وقصّ عليهم خبر قرا يوسف وما حصل لأهل حلب من الخوف والفزع وجفلتهم هم وأهل حماة، وأن الحمار بلغ ثمنه عندهم خمسمائة درهم فضّة، والإكديش «2» إلى خمسين دينارا، وأن قرا يوسف فى عصمته أربعون امرأة، وأنه لا يدين بدين الإسلام، وكتبت صورة فتوى فى المجلس فيها كثير من قبائحه، وأنه قد هجم على ثغور المسلمين، ونحو هذا من الكلام، فكتب البلقينى والقضاة بجواز قتاله «3» ، وكتب الخليفة خطّه بها أيضا وانصرفوا ومعهم الأمير مقبل الدّوادار، فنادوا فى الناس بالقاهرة بين يدى الخليفة والقضاة بأن قرا يوسف يستحلّ الدماء ويسبى الحريم، فعليكم بجهاده كلكم بأموالكم وأنفسكم، فدهى الناس عند سماعهم ذلك واشتد قلقهم.
ثم كتب إلى ممالك الشام أن ينادى بمثل ذلك فى كل مدينة، وأنّ السلطان واصل إليهم بنفسه.
ثم فى يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان المذكور نودى بالقاهرة فى أجناد «4» الحلقة بتجهيز أمرهم بالسّفر إلى الشام، ومن تأخّر منهم حلّ به كذا وكذا من الوعيد.
ثم فى أوّل شهر رمضان قدم الخبر من حلب برحيل قرايلك منها كما تقدّم
ذكره، وأن يشبك نائب حلب مقيم بالميدان وعنده نحو مائة وأربعين فارسا، وقد خلت حلب من أهلها إلا من التجأ لقلعتها، وأن يشبك بينما هو فى الميدان جاءه الخبر أن عسكر قرا يوسف قد أدركه فركب قبيل الفجر من الميدان وإذا بمقدّمتهم على وطاة بابلّة «1» فواقعهم يشبك بمن معه حتى هزمهم وقتل وأسر جماعة، فأخبروه أنهم جاءوا للكشف لخبر قرايلك، وأن قرا يوسف بعين تاب، فعاد يشبك وتوجّه إلى سرمين، فلمّا بلغ قرا يوسف هزيمة عسكره كتب إلى يشبك نائب حلب يعتذر عن نزوله بعين تاب، وأنّه ما قصد إلا قرايلك، فبعث إليه يشبك صاروخان مهمندار «2» حلب، فلقيه على جانب الفرات وقد جازت عساكره الفرات، وهو على نيّة الجواز، فأكرمه قرا يوسف واعتذر إليه ثانيا عن وصوله إلى عين تاب، وحلف له أنه لم يقصد دخول الشّام، وأعاده بهدية للنائب، فهدأ ما بالناس بحلب، وسرّ السلطان أيضا بهذا الخبر.
وكان سبب حركة قرا يوسف أن قرا يلك المذكور فى أوائل شعبان هذا نزل على مدينة ماردين «3» - وهى داخلة فى حكم قرا يوسف- فأوقع بأهلها وأسرف فى قتلهم وسبى أولادهم ونسائهم، وباع الأولاد كلّ صغير بدرهمين، وحرق المدينة ونهبها، ثم رجع إلى آمد، فلما بلغ قرا يوسف الخبر غضب من ذلك وسار ومعه الأمراء الذين تسحّبوا من واقعة قانى باى مثل الأمير سودون من عبد الرحمن، وطرباى، وتنبك البجاسىّ، ويشبك الجكمى وغيرهم، يريدون أخذ الثأر من قرايلك حتى نزل آمد ثم رحل عنها يريد قرايلك، فسار قرايلك إلى جهة البلاد الحلبيّة، فسار خلفه قرا يوسف حتى قطع الفرات ووقع ما حكيناه.
ثم فى خامس شهر رمضان المذكور نودى فى أجناد الحلقة بالعرض على السلطان
فعرضوا عليه فى يوم الجمعة سادسه، وابتدأ بعرض من هو فى خدمة الأمراء، فخيّرهم بين الاستمرار فى جملة أجناد الحلقة وترك خدمة الأمراء أو الإقامة فى خدمة الأمراء وترك أخباز الحلقة، فاختار بعضهم خدمة الأمراء وترك خبزه الذي بالحلقة، واختار بعضهم ضدّ ذلك، فأخرج السلطان إقطاع من اختار خدمة الأمراء، وصرف من خدمة الأمراء من أراد الإقامة على إقطاعه بالحلقة، وشكا إليه بعضهم قلّة متحصّل إقطاعه فزاده، وعدّ هذا من جودة تدبير الملك المؤيّد وسيره على القاعدة القديمة؛ فإن العادة كانت فى هذه الدّولة التركيّة أن يكون عسكر مصر على ثلاثة أقسام:
قسم يقال لهم أجناد الحلقة، وموضوعهم أن يكونوا فى خدمة السلطان، ولكل منهم إقطاع فى أعمال مصر، وكل ألف منهم مضافة إلى أمير «1» مائة ومقدّم ألف «2» ، ولهذا المعنى سمّى الأمير بمصر أمير مائة، أعنى صاحب مائة مملوك فى خدمته ومقدم ألف من هؤلاء أجناد الحلقة، ويضاف أيضا لكل مقدّم ألف أمير طبلخاناه وأمير عشرين وأمير عشرة ومقدّم الحلقة، فإذا عيّن السلطان أميرا إلى جهة من الجهات نزل ذلك الأمير فى الوقت وتهيّأ بعد أن أعلم مضافيه، فيخرج الجميع فى الحال- انتهى.
وكان نظير هؤلاء أيام الخلفاء أهل العطاء وأهل الدّيوان.
والقسم الثانى [يقال لهم]«3» مماليك السلطان، ولهم جوامك «4» ورواتب مقرّرة على ديوان السلطان فى كل شهر وكسوة فى السنة.
والقسم الثالث يقال لهم مماليك الأمراء يخدمون الأمراء، وكل من هؤلاء لا يدخل مع آخر فيما هو فيه، فلذلك كانت عدّة عساكر مصر أضعاف ما هى الآن، وهؤلاء غير
الأمراء، ثم تغيّر ذلك كلّه فى أيام الملك الظاهر برقوق لمّا وثب على الملك، فصارت الأمراء يشترون إقطاعات الحلقة أو يأخذونها من السلطان باسم مماليكهم أو طواشيتهم ثم لا يكفهم ذلك حتى ينزلونهم أيضا فى بيت السلطان بجامكيّة، فيصير الواحد من مماليك الأمراء جندىّ حلقة ومملوك سلطان وفى خدمة أمير، فيصير رزق ثلاثة أنفس إلى رجل واحد، فكثر متحصّل قوم وقلّ متحصّل آخرين، فضعف عسكر مصر لذلك، فعلى هذا الحساب يكون العسكر الآن بثلث ما كان أوّلا، هذا غير ما خرج من الإقطاعات فى وجه الرّزق والأملاك وغير ذلك، وهو شىء كثير جدا يخرج عن الحدّ، فمن تأمّل ما ذكرناه علم ما كان عدّة عسكر مصر أوّلا، وما عدته الآن.
هذا مع ما خرّب من النواحى من كثرة المغارم والظّلم المترادف، وقلّة نظر الحكّام فى أحوال البلاد، ولولا ذلك لكان عسكر مصر لا يقاومه عدوّ ولا يدانيه عسكر- انتهى.
ثم فى سابع شهر رمضان هذا أفرج السلطان عن الأمير كمشبغا الفيسىّ أمير آخور- كان- فى الدولة الناصرية، وعن الأمير قصروه من تمراز وكانا بسجن الإسكندرية، وعن الأمير كزل العجمى الأجرود حاجب الحجاب- كان- فى الدولة الناصرية من حبس صفد، وعن الأمير شاهين نائب الكرك، وكان بقلعة دمشق.
ثم فى تاسعه ورد الخبر من حلب بأن قرا يوسف أحرق أسواق عين تاب ونهبها فصالحه أهلها على مائة ألف درهم وأربعين فرسا، فرحل عنها بعد أربعة أيام إلى جهة ألبيرة، وعدّى معظم جيشه إلى البرّ الشرقى فى يوم الاثنين سابع عشر شعبان، وعدّى قرا يوسف من الغد ونزل ببساتين ألبيرة وحصرها، فقاتله أهلها يومين وقتلوا منه جماعة فدخل البلد ونهبها وأحرق أسواقها، وقد امتنع الناس منها ومعهم حريمهم بالقلعة، ثم رحل فى تاسع عشر شعبان إلى بلاده بعد ما أحرق ونهب جميع نواحى ألبيرة ومعاملتها.
ولما بلغ السلطان رجوع قرا يوسف إلى بلاده فرح بذلك وسكت عن السّفر إلى
البلاد الشاميّة، وبينما السلطان فى ذلك قدم عليه الخبر أن ابن قرمان مشى على طرسوس «1» وحارب أهلها فقتل من الفريقين خلق كثير، ودام القتال بينهم إلى أن رحل عنها فى سابع شعبان من ألم اشتدّ بباطنه، فجلس السلطان فى ثالث عشر شهر رمضان لعرض أجناد الحلقة، فعرض عليه منهم زيادة على أربعمائة نفس ما بين كبير وصغير وسعيد وفقير، فمن كان إقطاعه قليل المتحصّل أشرك معه غيره، ومثال ذلك أن جنديّا يكون متحصل إقطاعه فى السنة سبعة آلاف درهم فلوسا وآخر متحصله ثلاثة آلاف، فألزم الذي إقطاعه يعمل ثلاثة آلاف أن يعطى الذي إقطاعه يعمل سبعة آلاف مبلغ ثلاثة آلاف ليسافر صاحب السبعة آلاف، ويقيم صاحب الثلاثة آلاف، فهذا نوع.
ثم أفرد السلطان جماعة ممّن متحصل إقطاعاتهم قليلة، وجعل كل أربعة منهم مقام رجل واحد يختارون منهم واحدا يسافر ويقوم الثلاثة الأخر بكلفه.
ورسم السلطان أنّ المال المجتمع من أجناد الحلقة يكون تحت يد قاضى القضاة شمس الدين الهروىّ الشافعى، واستمر العرض بعد ذلك فى كل يوم سبت وثلاثاء إلى ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
وفى الغد وهو يوم رابع عشر شهر رمضان ورد الخبر على السلطان من طرابلس بنزول التّركمان الإيناليّة والأوشريّة على صافيتا «2» من عمل طرابلس جافلين من قرا يوسف، وأنهم نهبوا بلادها وأحرقوا منها جانبا، وأن الأمير برسباى الدّقماقى «3» نائب طرابلس رجّعهم عن ذلك فلم يرجعوا وأمرهم بالعود إلى بلادهم بعد رجوع قرا يوسف فأجابوا بالسّمع والطّاعة، وقبل رحيلهم ركب عليهم الأمير برسباى الدّقماقى المذكور بعسكر طرابلس وقاتلهم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان، فقتل بين
الطائفتين خلق كثير منهم الأمير سودون الأسندمرىّ أتابك طرابلس وثلاثة عشرة نفسا من عسكر طرابلس، ثم انهزم الأمير برسباى المذكور بمن بقى معه من عسكر طرابلس عراة على أقبح وجه إلى طرابلس وحصل عليهم من الخوف مالا مزيد عليه.
فلما بلغ الملك المؤيد هذا الخبر غضب غضبا شديدا ورسم فى الحال بعزل برسباى المذكور عن نيابة طرابلس واعتقاله بقلعة المرقب، وكتب بإحضار الأمير سودون القاضى نائب الوجه القبلى من أعمال مصر ليستقرّ فى نيابة طرابلس عوضا عن برسباى هذا، وبرسباى المذكور هو الملك الأشرف الآتى ذكره فى محله، وخلع على الملطىّ واستقرّ فى نيابة الوجه القبلى عوضا عن سودون القاضى، وقدم سودون القاضى من الوجه القبلى فى يوم الاثنين ثامن شوال وقبّل الأرض بين يدى السلطان وهو بمخيّمه بسرحة سرياقوس، وبعد عوده من سرحة سرياقوس وغيرها خلع على سودون القاضى بنيابة طرابلس فى خامس عشر شوال، وخلع على الأمير كمشبغا الفيسى أحد الأمراء البطّالين بالقاهرة باستقراره أتابك طرابلس بعد قتل سودون الأسندمرىّ.
ثم ركب السلطان أيضا إلى الصّيد وعاد وقد عاوده ألم رجله ولزم الفراش.
وخلع فى سادس عشره على سيف الدين أبى بكر بن قطلوبك المعروف بابن المزوّق دوادار ابن أبى الفرج باستقراره أستادارا عوضا عن فخر الدين بن أبى الفرج بعد موته، ورسم السلطان بالحوطة على موجود «1» ابن أبى الفرج وضبطها، فاشتملت تركته على ثلاثمائة ألف دينار، وثلاث مساطير «2» بسبعين ألف دينار، وغلال وفرو وقماش بنحو مائة ألف دينار، وأخذ السلطان جميع ذلك.
ثم فى حادى عشرينه خرج محمل الحاج صحبة أمير الحاج الأمير جلبّان أمير آخور
ثان، وقد صار أمير مائة ومقدّم ألف، ورحل من البركة «1» فى يوم رابع عشرينه.
ثم فى يوم الخميس ثالث ذى القعدة أمسك السلطان الوزير بدر الدين بن محبّ الدين الطرابلسى وسلّمه إلى الأمير أبى بكر الأستادار بعد إخراق السلطان به ومبالغته فى سبّه لسوء سيرته، وتتبّعت حواشيه.
وخلع السلطان على بدر الدين حسن بن نصر الله الفوّى ناظر الخاص باستقراره وزيرا مضافا إلى نظر الخاص، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف. ثم كتب السلطان بالقبض على قرمش الأعور أتابك حلب وحبسه بقلعتها.
وفى خامس ذى القعدة ركب السلطان من قلعة الجبل فى محفّة من ألم رجله ونزل إلى السّرحة وعاد فى يومه. ثم فى عاشره ركب السلطان أيضا ونزل إلى بيت كاتب السرّ ناصر الدين بن البارزىّ ببولاق المطل على النيل، وعدّت العساكر إلى برّ الجيزة، وبات السلطان هناك ليلته، ثم ركب من الغد فى يوم الجمعة إلى سرحة بركة الحاج، وعاد من يومه وغالب عساكره بالجيزة.
ثم ركب من الغد فى النيل يريد سرحة البحيرة، ونزل بالبر الغربى، ثم سار إلى أن انتهى إلى مريوط «2» فأقام بها أربعة أيام، ورسم بعمارة بستان السلطان بها، وكان تهدّم، ثم استأجر السلطان مريوط من مباشرى وقف الملك المظفر بيبرس الجاشنكير على الجامع الحاكمى، ورسم بعمارة سواقيه، ومعاهد «3» الملك الظاهر بيبرس البندقدارى به، وعاد ولم يدخل إلى الإسكندرية إلى أن نزل وردان «4» فى يوم عيد الأضحى وصلّى
به صلاة العيد، وخطب القاضى ناصر الدين بن البارزىّ كاتب السرّ، ثم ركب من الغد وسار حتى قدم برّ منبابة وعدّى النيل، ونزل فى بيت كاتب السرّ ببولاق، وأقام به إلى الغد وهو يوم الثلاثاء ثالث عشر ذى الحجة، وركب وطلع إلى القامة، كل ذلك وألم رجله يلازمه. وبعد طلوعه إلى القلعة رسم للأمراء بالتجهيز إلى سفر الشّام صحبة ولده المقام الصّارمى إبراهيم «1» ، كل ذلك والعرض لأجناد الحلقة مستمر، وعيّن منهم للسفر جماعة كبيرة، وألزم من يقيم منهم بالمال.
ثم قدمت إلى الديار المصرية الخاتون أم إبراهيم بن رمضان التّركمانى من بلاد الشرق، وقبّلت الأرض بين يدى السلطان فرسم بتعويقها فعوّقت.
ثم تكرر من الملك المؤيد التوجّه إلى الصّيد فى هذا الشهر غير مرة.
وفى هذه السنة هدمت المئذنة المؤيدية، وغلق باب زويلة ثلاثين يوما، وعظم ذلك على السلطان إلى الغاية، وكانت المئذنة المذكورة عمّرت على أساس البرج الذي كان على باب زويلة، وعملت الشعراء فى ذلك أبياتا كثيرة، وكان القاضى بهاء الدين [محمد بن]«2» البرجى محتسب القاهرة متولى نظر عمارة الجامع المذكور، فقال بعض الشعراء فى ذلك:-[الطويل]
عتبنا على ميل المنار زويلة
…
وقلنا تركت الناس بالميل فى هرج
فقالت قرينى برج نحس أمالها
…
فلا بارك الرحمن فى ذلك البرج
قلت صح للشاعر ما قصده من التّورية فى البرج الذي عمّرت عليه، وفى بهاء الدين البرجى.
وقال الحافظ شهاب الدين بن حجر وقصد بالتّورية بدر الدين العينى.
[الطويل]