الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 825]
ذكر سلطنة الملك الأشرف برسباى على مصر السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباى الدّقماقى الظاهرىّ «1» سلطان الديار المصريّة، جلس على تخت الملك يوم خلع الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر فى يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة، بعد أن حضر الخليفة والقضاة وجميع الأمراء والأمير تنبك ميق نائب الشام، وبويع بالسلطنة، ولبس الخلعة الخليفتيّة السّوداء، وركب من طبقة الأشرفية بقلعة الجبل والأمراء مشاة بين يديه إلى أن نزل على باب القصر، ودخل وجلس على تخت الملك، وقبّلت الأمراء الأرض بين يديه، وخلع على الخليفة المعتضد بالله داود، وعلى من له عادة بالخلع فى مثل هذا اليوم، وتمّ أمره ونودى باسمه وسلطنته بالقاهرة ومصر، من غير أن يأمر للمماليك السلطانية بنفقة كما هى عادة الملوك، وهذا كان من أوائل سعد ناله [فإننا]«2» لم نعلم أحدا من الملوك التركية تسلطن ولم ينفق إلا برسباى هذا- انتهى.
قلت: والأشرف هذا هو السلطان الثانى والثلاثون من ملوك التّرك وأولادهم بالدّيار المصريّة، والثامن من الچراكسة وأولادهم، وأصل الملك الأشرف هذا چاركسى الجنس، وجلب من البلاد فاشتراه الأمير دقماق المحمدى الظاهرىّ نائب ملطية، وأقام عنده مدّة.
ثم قدّمه إلى الملك الظاهر برقوق فى عدّة مماليك أخر، ولتقدمته سبب، وهو أن الأمير تنبك اليحياوىّ الأمير آخور الكبير بلغه أن الأمير دقماق اشترى أخاه من بعض التّجّار، وكان أخوه يسمّى طيبرس، فوقف الأمير تنبك إلى الملك الظّاهر
برقوق وطلب منه أن يرسل يطلب أخاه من دقماق، فرسم السلطان بذلك، وكتب لدقماق مرسوما شريفا «1» بإحضار طيبرس المذكور، وقبل أن يخرج القاصد إلى دقماق وقف الأمير على باى الظاهرىّ الخازندار صاحب الوقعة أيضا، إلى السلطان وذكر له أن أخته أيضا عند الأمير دقماق، فكتب السلطان بإحضارها أيضا، وسار البريدىّ من مصر إلى دقماق بذلك، فامتثل دقماق المرسوم الشّريف، وأراد إرسال طيبرس المذكور، فقال له دواداره:«2» [ما تريد تفعل؟ فقال: أرسل المملوك الذي طلبه أستاذى إليه، فقال دواداره]«3» : لا يمكن إرساله وحده، جهّز معه عدّة مماليك وتقدمة هائلة، وأبعث بالمطلوب فى ضمنها، فأعجب دقماق ذلك وجهّز نحو ثمانية عشر مملوكا صحبة طيبرس المذكور من جملتهم برسباى هذا وتمراز القرمشىّ أمير سلاح، وأشياء أخر من أنواع الفزو والقماش والخيل والجمال، ثمّ اعتذر دقماق عن إرسال الجارية أنها حامل منه، والجارية هى السّت أردباى أمّ ولد دقماق، وزوجة الأمير تمراز القرمشىّ أمير سلاح فى دولة الملك الظّاهر جقمق المتوفى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وتوفّيت هى أيضا بعده بأيّام، وكلاهما بالطّاعون. فسار البريدىّ بالمماليك والتقدمة من ملطية إلى الديار المصرية، فوصلها بعد موت الأمير تنبك اليحياوىّ المذكور، وقد استقرّ عوضه فى الأمير آخوريّة الأمير نوروز الحافظىّ، فقبل الملك الظاهر [برقوق]«4» التقدمة، وفرّق المماليك على الأطباق، فوقع برسباى هذا بطبقة الزّمّاميّة إنيا للأمير چاركس القاسمىّ المصارع، وتمراز القرمشى إنيا ليلبغا النّاصرىّ، فدام برسباى بالطبقة مدّة يسيرة وأعتقه السلطان، وأخرج له خيلا فى عدّة كبيرة من المماليك السلطانية.
وسبب سياقنا لهذه الحكاية أن قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر رحمه الله نسبه أنه عتيق دقماق، وليس الأمر على ما نقله، وهو معذور فيما نقله لبعده عن معرفة اللغة
التركية ومداخلة الأتراك، وقد اشتهر أيضا بالدّقماقىّ فظنّ أنه عتيق دقماق، ولم يعلم أن نسبته بالدّقماقىّ كما أن نسبة الوالد [رحمه الله]«1» بالبشبغاوىّ، والملك المؤيد شيخ بالمحمودىّ، ونوروز بالحافظىّ، وجكم نائب حلب بالعوضىّ، ودمرداش بالمحمدىّ وغيرهم، وقد وقفت على هذه المقالة فى حياته على خطّه، ولم أعلم أن الخط خطه فإنه كان رحمه الله يكتب ألوانا، وكتبت على حاشية الكتاب وبيّنت خطأه، وأنا أظن أن الخط خطّ ابن قاضى شهبة، وعاد الكتاب إلى أن وقع فى يد قاضى القضاة المذكور «2» فنظر إلى خطى وعرفه، واعترف بأنه وهم فى ذلك، وكان صاحبنا الحافظ قطب الدين محمد الخيضرى حاضرا، فذكر لى ما وقع، فركبت فى الحال وهو معى وتوجّهنا إلى السّيفىّ طوغان الدّقماقى، وهو من أكابر مماليك دقماق، وسألته عن الملك الأشرف سؤال استفهام، فقال: هو عتيق الملك الظاهر برقوق وقدّمه أستاذنا إليه، ثم حكى له ما حكيته من سبب إرساله، ثم عدنا وأرسلت أيضا خلف جماعة من مماليك دقماق، لأن غالبهم كان خدم عند الوالد بعد موت دقماق، فالجميع قالوا مثل قول طوغان الدّقماقى، فتوجّه قطب الدين المذكور، وعرفه هذا كله، فأنصف غاية الإنصاف، وأصلح ما عنده ثم ذاكرت أنا قاضى القضاة المذكور فيما بعد، وعرفته أن دقماق قدّمه فى أوائل أمره، وأن برسباى صار ساقيا فى دولة الملك المنصور عبد العزيز، معدودا من أعيان الدولة، يتقاضى حوائج دقماق بالديار المصرية، ثم خرج برسباى عن طاعة الملك الناصر [فرج]«3» مع الأمير إينال باى بن قجماس إلى البلاد الشامية وبقى من أعيان القوم، كل ذلك ودقماق فى قيد الحياة بعد سنة ثمان وثمانمائة، وكان لمّا قدم دقماق إلى مصر نزل عند برسباى هذا وبرسباى المذكور يخاطبه تارة يا خوند وتارة يا أغاة، ثم عرّفته بأن ولد دقماق الناصرى محمدا من جملة أصحابى، وأن والدته الست أردباى زوجة الأمير تمراز القرمشىّ أمير سلاح.
قلت: وعلى كل حال إن هذا الوهم هو أقرب للعقل من مقالة المقريزىّ فى الملك الظّاهر ططر «إن الملك الناصر فرجا أعتقه بعد سنه ثمان فى سلطنته الثّانية» وأيضا أحسن ممّا قاله المقريزىّ فى حقّ الملك الأشرف [برسباى]«1» هذا بعد وفاته فى تاريخه «السلوك» فى وفيات سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وقد رأيت أنّ السّكات عن ذكر ما قاله فى حقّه أليق والإضراب عنه أجمل لما وصفه به من الألفاظ الشّنيعة القبيحة التى يستحى من ذكرها فى حقّ كائن من كان- انتهى.
وقد خرجنا عن المقصود، ولنعد إلى ما نحن بصدده من ذكر الملك الأشرف [برسباى] «2» فنقول: واستمرّ الملك الأشرف من جملة المماليك السلطانيّة إلى أن صار خاصّكيّا ثم صار ساقيا فى سلطنة الملك المنصور عبد العزيز ابن الملك الظاهر برقوق.
ثم خرج مع الأمير إينال باى بن قجماس من الدّيار المصريّة- مباينا للملك الناصر فرج- إلى البلاد الشاميّة، ثم انضمّ مع الأميرين شيخ ونوروز وتقلّب معهما فى أيّام تلك الفتن ولا زال معهما إلى أن قتل الملك الناصر فرج، وقدم إلى القاهرة صحبة الأمير الكبير شيخ المحمودىّ، فأنعم عليه الأمير شيخ المذكور بإمرة عشرة، ثم نقله إلى إمرة طبلخاناه بعد سلطنته، فدام على ذلك سنين إلى أن نقله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصريّة، ثم ولّاه كشف التّراب بالغربيّة من أعمال القاهرة، إلى أن طلبه الملك المؤيّد شيخ وولّاه نيابة طرابلس بعد عزل الأمير بردبك قصقا الخليلىّ عنها، وذلك فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ولمّا ولى نيابة طرابلس كان فى خدمته جماعة من مماليك الوالد [رحمه الله]«3» من جملتهم شخص يسمّى سودون، فطلبه أن يتوجّه معه إلى طرابلس، فقال سودون:
أنا ما أخلّى جامع طولون وأتوجّه إلى طرابلس، فتوجّه معه خشداشاه أزدمر
وجرباش، فلما تسلطن الأشرف- بعد أمور نذكرها- جعل أزدمر المذكور ساقيا، وندم سودون على مفارقته- انتهى.
وتوجّه برسباى المذكور إلى نيابة طرابلس، ومعه سودون الأسندمرى وقد استقر أتابك طرابلس، وأقام بطرابلس مدّة إلى أن واقع التّركمان الإينالية «1» والبياضية «2» والأوشرية «3» على صافيتا من عمل طرابلس، وكانوا حضروا إلى النّاحية المذكورة جافلين من قرا يوسف، وأفسدوا بالبلاد، فنهاهم الأمير برسباى المذكور فلم ينتهوا، فركب عليهم وقاتلهم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان من سنة إحدى وعشرين المذكورة، فقتل بينهم خلق كبير، منهم: الأمير سودون الأسندمرى أتابك طرابلس، وانهزم باقيهم عراة، فغضب الملك المؤيد، ورسم بعزله عن نيابة طرابلس واعتقاله بقلعة المرقب، وولّى سودون القاضى نيابة طرابلس عوضه، فدام فى سجن المرقب مدّة إلى أن كتب الملك المؤيد بالإفراج عنه فى العشرين من المحرم سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، كل ذلك بسعى الأمير ططر فى أمره، فاعتمرّ بدمشق إلى أن مات الملك المؤيّد، وخرج جقمق عن طاعة ططر، وقبض على برسباى المذكور، وسجنه بقلعة دمشق إلى أن أطلقه الأتابك ألطنبغا القرمشىّ، وخرج إلى ملاقاة الأمير ططر لما قدم دمشق، وانضم عليه إلى أن خلع عليه ططر باستقراره دوادارا كبيرا بعد الأمير على باى المؤيدىّ، فلم تطل أيّامه فى الدّواداريّة، ومات ططر بعد أن جعله لالا لولده الملك الصالح محمّد، وجعل جانى بك الصّوفىّ الأتابك مدبر مملكة ولده الصالح المذكور، ووقع ما حكيناه فى ترجمة الملك الصالح من واقعته مع جانى بك الصّوفى، ثم مع طرباى، ثم من خلعه الملك الصالح وسلطنته.
ولما تمّ أمر الملك الأشرف برسباى هذا فى السّلطنة، وأصبح يوم الخميس تاسع شهر ربيع الآخر خلع على الأمير بيبغا المظفرىّ أمير سلاح «1» باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصريّة عوضا عن الأمير طرباى وكانت شاغرة من يوم أمسك طرباى، وخلع على الأمير قجق العيساوىّ أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن بيبغا المظفّرىّ، وخلع على الأمير آقبغا التّمرازىّ باستقراره أمير مجلس عوضا عن الأمير قجق.
وأوّل ما بدأ به الأشرف فى سلطنته أنّه منع الناس كافّة من تقبيل الأرض بين يديه، فامتنعوا من ذلك، وكانت هذه العادة- أعنى عن تقبيل الأرض- جرت بالديار المصريّة من أيّام المعزّ معدّ أوّل خلفاء بنى عبيد بمصر المقدّم ذكره فى هذا الكتاب، وبقيت إلى يوم تاريخه، وكان لا يعفى أحدا عن تقبيل الأرض.
والكلّ يقبل الأرض: الوزير والأمير والمملوك وصاحب القلم ورسل ملوك الأقطار، إلّا قضاة الشّرع وأهل العلم وأشراف الحجاز، حتى لو ورد مرسوم السلطان على ملك من نوّاب السّلطان قام على قدميه وخرّ إلى الأرض وقبلها قبل أن يقرأ المرسوم، فأبطل الملك الأشرف ذلك وجعل بدله تقبيل اليد، فمشى ذلك أيّاما ثم بطل، وعاد تقبيل الأرض لكن بطريق أحسن من الأولى؛ فإن الأولى كان الشخص يخر إلى الأرض حتى يقبلها «2» كالسّاجد، والآن صار الرجل ينحنى كالرّاكع ويضع أطراف أصابع يده على الأرض كالمقبّل لها ثمّ يقوم ولا يقبّل الأرض بفمه أبدا بل ولا يصل بوجهه إلى قريب الأرض، فهذا على كلّ حال أحسن مما كان أوّلا بلا مدافعة، فعدّ ذلك من حسنات الملك الأشرف برسباى.
ثم فى يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان الملك الأشرف على الأمير تنبك العلائى ميق نائب الشام خلعة السّفر، وتوجّه إلى محلّ كفالته.
ومن خرق العادات أيضا فى سلطنة الملك «1» الأشرف أنه لما تسلطن لم ينفق على المماليك السّلطانية، وأعجب من ذلك أنه ما طولب بها، وهذا أغرب وأعجب.
ثم رسم السلطان الملك الأشرف- فى يوم الخميس ثامن جمادى الأولى، ونودى بذلك فى القاهرة- بأن لا يستخدم أحد من اليهود ولا من النصارى فى ديوان من دواوين السّلطان والأمراء، وصمّم الأشرف على ذلك، فلم يسلم من بعض عظماء الأقباط من مباشرى الدّولة فلم يتمّ ذلك.
ثم قدم الخبر على السلطان بكثرة الوباء ببلاد حلب وحماة وحمص فى رابع عشر جمادى الآخرة، ورسم السلطان فنودى بسفر الناس إلى مكّة فى شهر رجب، فكثرت المسرّات، بذلك لبعد العهد بسفر الرجبيّة.
ثم جلس السلطان للحكم بين الناس كما كان الملك المؤيّد ومن قبله، وصار يحكم فى يومى السبت والثلاثاء بالمقعد من الإسطبل السلطانى، ثم كتب السلطان إلى الأمير تنبك البجاسىّ نائب حلب أن يتوجّه إلى بهسنا «2» لحصار تغرى بردى المؤيّدى المعزول عن نيابة حلب.
ثم ورد الخبر على السلطان بخروج الأمير إينال نائب صفد عن الطاعة، وكان سبب خروجه عن الطّاعة أنه كان من جملة مماليك الملك الظّاهر ططر، ربّاه صغبرا ثم ولاه نيابة قلعة صفد بعد سلطنته، فلما قام الملك الأشرف بعد الملك الظاهر ططر بالأمر ولّى إينال المذكور نيابة صفد، وبلغه خلع ابن أستاذه الملك الصالح محمد من السلطنة، فشقّ عليه ذلك، وأخذ فى تدبير أمره، واتّفق مع جماعة على العصيان، وخرج عن الطّاعة، وأفرج عمّن كان محبوسا بقلعة صفد، وهم: الأمير يشبك أنالى المؤيّدى
الأستادار ثم رأس نوبة النّوب، والأمير إينال الجكمى أمير سلاح ثم نائب حلب، والأمير جلبّان أمير آخور أحد مقدّمى الألوف، وقبض على من خالفه من أمراء صفد وأعيانها، ففى الحال كتب السلطان الملك الأشرف للأمير مقبل الحسامى الدّوادار حاجب حجّاب دمشق باستقراره فى نيابة صفد «1» ، وأن يستمرّ إقطاع الحجوبيّة بيده حتى يتسلّم صفد، ثم كتب إلى الأمير تنبك ميق نائب الشّام أن يخرج بعسكر دمشق لقتال إينال المذكور، وبينما السلطان فى ذلك ورد عليه الخبر بوقعة كانت بين الأمير يونس الرّكنىّ نائب غزّة وبين عرب جرم، وان يونس المذكور انهزم وقتل عدّة من عسكره، ثم وردت الأخبار بكثرة الفتن فى بلاد الصّعيد، ثم ورد على السلطان كتاب الأمير تنبك ميق نائب الشّام بمجيء الأمير إينال الجكمى، ويشبك أنالى، وجلبّان أمير آخور إليه من صفد طائعين للسلطان، فدقّت البشائر لذلك.
وفى سابع عشرين شهر رجب قدم الأمير فارس نائب الإسكندرية إلى القاهرة بطلب، وخلع عليه باستمراره على إمرته وإقطاعه بمصر، وهى تقدمه ألف بالدّيار المصرية، وخلع على الأمير أسندمر النورىّ الظاهرىّ برقوق أحد أمراء الألوف باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن فارس المذكور.
ولما كان يوم الخميس رابع شعبان- الموافق لتاسع عشرين أبيب «2» - أوفى النيل ستّة عشر ذراعا، وهذا من النّوادر من الوفاء قبل مسرى بيومين، فتباشر الناس بكعب الملك الأشرف [برسباى]«3» .
ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان المذكور أخرج الملك المظفّر أحمد ابن الملك المؤيّد شيخ وأخوه من قلعة الجبل نهارا وحملا فى النّيل إلى الإسكندرية.
وفى هذا الشهر كثر عبث الإفرنج بسواحل المسلمين، وأخذوا مركبا للتجّار
من ميناء الإسكندرية فيها بضائع بنحو مائة ألف دينار، فشقّ ذلك على الملك الأشرف إلى الغاية مع شغله بنائب صفد.
ثم فى حادى عشرين شهر رمضان خلع السلطان على الأمير أيتمش الخضرى الظّاهرىّ باستقراره أستادارا عوضا عن أرغون شاه النّوروزىّ الأعور، وقدم عليه الخبر بتوجّه عسكر الشام مع الأمير مقبل إلى جهة صفد، وأنه مستمرّ على حصار صفد، فسرّ السلطان بذلك، وكتب إلى نائب الشام بالقبض على الأمير إينال الجكمى ويشبك أنالى وجلبّان وحبسهم بقلعة دمشق.
ثم فى سابع عشرين شوّال قدم الخبر على السلطان بأخذ صفد، وقدم من صفد ثلاثون رجلا فى الحديد ممّن أسر من أصحاب إينال نائب صفد، فرسم السلطان بقطع أيديهم فقطعوا الجميع إلا واحدا منهم فإنه وسط، وأخرج الذين قطعت أيديهم من القاهرة من يومهم إلى البلاد الشامية، فمات عدّة منهم بالرمل، ولم يشكر الملك الأشرف على ما فعله من قطع أيدى هؤلاء.
وكان من خبر هؤلاء وإينال نائب صفد أنه لما قدم عليه الأمير مقبل الدّوادار بعساكر دمشق انهزم منهم إلى قلعة صفد، فلم يزل مقبل على حصار قلعة صفد، إلى يوم الاثنين رابع شوال فنزل إليه إينال بمن معه بعد أن تردّدت الرسل بينهم أيّاما كثيرة، فتسلم أعوان السلطان قلعة صفد فى الحال، وعندما نزل إينال أمر الأمير مقبل أن تفاض عليه خلعة السلطان ليتوجّه أميرا بطرابلس، وكان قد وعد بذلك لما تردّدت الرسل بينهم وبينه مرارا حتى استقرّ الأمر على أن يكون إينال المذكور من جملة أمراء طرابلس، وكتب له السلطان أمانا ونسخة يمين فانخدع الخمول ونزل من القلعة، فما هو إلا أن قام بلبس الخلعة وإذا هم أحاطوا به وقيّدوه وعاقبوه أشدّ عقوبة على إظهار المال، ثم قتلوه وقتلوا معه مائة رجل ممن كان معه بالقلعة، وعلّقوهم بأعلاها، ثم أرسلوا بهذه الثلاثين الذين قطعت أيديهم.
ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر بأن الأمير تغرى بردى المؤيدى سلم قلعة بهسنا ونزل