المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 823] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر

- ‌السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌ذكر غزوة قبرس على حدتها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815- 836

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 815- 824

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

ثم فى يوم الجمعة سادس ذى القعدة خلع السلطان على القاضى زين الدين عبد الرحمن ابن على بن عبد الرحمن التّفهنى الحنفى باستقراره قاضى قضاة الحنفيّة عوضا عن قاضى القضاة شمس الدين محمد بن الديرى المستقرّ فى مشيخة الجامع المؤيدى برغبة ابن الديرى؛ فإنه كان من حادى عشرين شوال قد انجمع عن الحكم بين الناس ونوّابه تقضى.

وفيه أيضا عدى السلطان النيل يريد سرحة البحيرة، وجعل نائب الغيبة الأمير إينال الأرغزى، وسار السلطان حتى وصل مريوط وعاد فأدركه عيد الأضحى بمنزلة الطّرّانة، فصلى بها العيد، وخطب كاتب سرّه القاضى ناصر الدين بن البارزى.

قلت: هكذا يكون كتّاب سرّ الملوك أصحاب علم «1» وفضل ونظم ونثر وخطب وإنشاء، لا مثل جمال الدين الكركى وشهاب الدين بن السفّاح.

ثم ارتحل السلطان من الغد وسار حتى نزل على برّ منبابة بكرة يوم الأحد ثالث عشر ذى الحجة، وعدّى النيل من الغد ونزل ببيت كاتب السرّ ابن البارزىّ، وبات به، ودخل الحمام التى أنشأها كاتب السرّ بجانب داره، ثم عاد السلطان فى يوم الاثنين رابع عشر ذى الحجة إلى القلعة، وخلع على الأمراء والمباشرين على العادة، ثم نزل السلطان فى يوم الجمعة ثامن عشره إلى الجامع المؤيدى، وصلى به الجمعة، وخطب به كاتب السرّ ابن البارزى، ثم حضر من الغد الأمير محمد بك بن على بك بن قرمان صاحب قيساريّة وقونية ونكدة ولا رندة وغيرها من البلاد وهو مقيد محتفظ به، فأنزل فى دار الأمير مقبل الدّوادار ووكّل به إلى ما سيأتى ذكره «2» .

[ما وقع من الحوادث سنة 823]

ثم فى يوم الجمعة ثالث المحرم وصل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى والأمير طوغان أمير آخور من الحجاز، فكانت غيبتهما عن مصر تسعه وخمسين يوما، وفيه استقرّ الأمير شاهين الزّرد كاش نائب حماة فى نيابة طرابلس عوضا عن سودون القاضى، واستقرّ فى نيابة حماة عوضا عن شاهين المذكور الأمير إينال الأرغزى

ص: 92

النّوروزى نائب غزّة، واستقر عوضه فى نيابة غزّة الأمير أركماس الجلبّانى أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ثم أفرج السلطان عن الأمير نكباى حاجب دمشق من سجنه بقلعة دمشق واستقر فى نيابة طرسوس، وأحضر نائبها الأمير تنبك أميرا إلى حلب، واستقر الأمير خليل الدّشارى أحد أمراء الألوف بدمشق فى حجوبية الحجاب بدمشق وكانت شاغرة منذ أمسك نكباى، واستقر الأمير سنقر نائب قلعة دمشق، واستقر الأمير آفبغا الأسندمرى الذي كان ولى نيابة سيس ثم حمص حاجبا بحماة عوضا عن الأمير سودون السّيفى علّان بحكم عزله واعتقاله، وكان بطلا بالقدس.

ثم فى سادس عشر المحرم نقل الشيخ عز الدين عبد العزيز البغدادى من تدريس الحنابلة بالجامع المؤيدى إلى قضاء الحنابلة بدمشق، واستقر عوضه فى التدريس بالجامع المذكور العلامة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادى.

ثم فى يوم الاثنين خامس صفر ركب السلطان من القلعة وعدّى النيل ونزل بناحية وسيم على العادة فى كل سنة، وأقام بها إلى عشرين صفر، فركب وعاد من وسيم إلى أن عدى النيل ونزل ببيت كاتب السروبات به، وعمل الوقيد فى ثانى عشرينه، ثم ركب من الغد إلى الغد إلى القلعة.

ثم فى سادس عشرينه نزل السلطان من القلعة إلى بيت الأمير أبى بكر الأستادار وعاده فى مرضه، فقدّم له أبو بكر تقدمة هائلة، واستمرّ أبو بكر مريضا إلى أن مات وتولّى الأستادارية بعده الأمير يشبك المؤيدى المعروف بأنالى- أى له أمّ- فى يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأوّل.

ثم فى هذا الشهر تحرّك عزم السلطان على السّفر إلى بلاد الشّرق لقتال قرا يوسف، وأخذ فى الأهبة لذلك وأمر الأمراء بعمل مصالح السّفر، فشرعوا فى ذلك، هذا وهو لا يستطيع الرّكوب ولا النّهوض من شدّة ما به من الألم الذي تمادى برجله وكسّحه، ولا ينتقل من مكان إلى آخر إلا على أعناق المماليك، وهو مع ذلك له حرمة ومهابة فى

ص: 93

القلوب لا يستطيع أخصّاؤه النظر إلى وجهه إلا بعد أن يتلطّف بهم ويباسطهم حتى يسكن روعهم منه.

ثم فى أوّل شهر ربيع الآخر وقع الشروع فى بناء منظرة الخمس وجوه «1» بجوار التّاج «2» الخراب خارج القاهرة بالقرب من كوم الرّيش»

لينشئ السلطان حوله بستانا جليلا ودورا، ويجعل ذلك عوضا عن قصور سرياقوس، ويسرح إليها كما كانت الملوك نسرح إلى سرياقوس منذ أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون.

ثم فى ثالث عشر شهر ربيع الآخر المذكور ابتدأ بالسّلطان ألم تجدّد عليه من حبسة الإراقة «4» ، مع ما يعتريه من ألم رجله، واشتدّ به وتزايد ألم رجله.

فلما كان يوم الأربعاء رابع عشرين الشّهر المذكور نادى السلطان بإبطال مكس الفاكهة البلدية والمجلوبة، وهو فى كل سنة نحو ستة آلاف دينار سوى ما يأخذه الكتبة والأعوان، فبطل ونقش ذلك على باب الجامع المؤيدى.

ثم فى يوم الخميس ثانى جمادى الأولى ابتدأ بالمقام الصارمى إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد مرض موته، ولزم الفراش بالقلعة إلى يوم الثلاثاء رابع عشره ركب من القلعة فى محفّة لعجزه عن ركوب الفرس ونزل إلى بيت القاضى زين الدين عبد الباسط ابن خليل ناظر الخزانة ببولاق، وأقام به، ثم ركب من الغد فى النّيل وعدّى إلى الخرّوبيّة ببرّ الجيزة، وأقام بها وقد تزايد مرضه.

ص: 94

وأما السلطان فإنه ركب من القلعة فى يوم ثانى عشر جمادى الأولى المذكور وتوجّه إلى منظرة الخمس وجوه وشاهد ما عمل هناك، ورتب ما اقتضاه نظره من ترتيب البناء، وعاد إلى بيت صلاح الدين خليل بن الكويز ناظر الدّيوان المفرد المطلّ على بركة الرّطلى، فأقام فيه نهاره وعاد من آخره إلى القلعة.

ثم فى يوم السبت خامس عشرينه خلع السلطان على الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان البساطىّ المالكى شيخ الخانقاه الناصرية فرج باستقراره قاضى قضاة المالكية بعد وفاة القاضى جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسى.

ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشرينه نزل السلطان من القلعة وتوجّه إلى الميدان الكبير الناصرى بمردة الجبس، وكان قد خرب وأهمل أمره منذ أبطل الملك الظاهر برقوق الرّكوب إليه، ولعب الكرة فيه، وتشعثت قصوره وجدرانه، وصار منزلا لركب الحاج من المغاربة، فرسم السلطان فى أوّل هذا الشهر للصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بعمارته، فلما انتهى نزل السلطان إليه فى هذا اليوم وشاهد ما عمّر به فأعجبه، ومضى منه إلى بيت ابن البارزىّ ببولاق وقد تحوّل المقام الصارمى إبراهيم من الخرّوبية «1» إلى قاعة الحجازية «2» فزاره السلطان غير مرّة بالحجازية، وأنزل بالحريم السلطانىّ إلى بيت ابن البارزىّ فأقاموا عنده.

فلما كان يوم الجمعة أوّل جمادى الآخرة صلّى السلطان صلاة الجمعة بالجامع الذي جدّده ابن البارزى تجاه بيته، وكان هذا الجامع يعرف قديما بجامع

ص: 95

الأسيوطى «1» ، وخظب به وصلى قاضى القضاة جلال الدين البلقينىّ.

ثم ركب السلطان من الغد فى يوم السبت ثانى جمادى الآخرة إلى الميدان المقدم ذكره وعمل به الخدمة السلطانية، ثم توجه إلى القلعة وأقام بها إلى يوم الأربعاء سادسه فركب منها ونزل إلى بيت ابن البارزى وأقام به أياما، ثم عاد إلى القلعة.

ثم فى يوم الأربعاء ثالث عشره حمل المقام الصارمى إبراهيم من الحجازية إلى القلعة على الأكتاف لعجزه عن ركوب المحفّة، فمات ليلة الجمعة خامس عشره «2» فارتجّت القاهرة لموته، فجهّز من الغد وصلّى عليه ودفن بالجامع المؤيّدى، وشهد السلطان الصلاة عليه ودفنه، مع عدم نهضته للقيام من شدّة مرضه وللوجد الذي حصل له على ولده، وأقام السلطان بالجامع المؤيّدى إلى أن صلى به الجمعة، وخطب القاضى

ص: 96

ناصر الدين بن البارزى على العادة، وخطب خطبة بليغة من إنشائه، وسبك فى الخطبة الحديث الذي ذكره النّبيّ- صلى الله عليه وسلم عند موت ولده إبراهيم «إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليخشع وإنّا لمحزنون على فراقك يا إبراهيم

الخ» فلما ذكر ذلك ابن البارزى على المنبر بكى السلطان وبكى الناس لبكائه فكانت ساعة عظيمة، ثم ركب السلطان بعد الصلاة من الجامع المؤيّدى وعاد إلى القلعة، وأقام القرّاء يقرءون القرآن على قبره سبع ليال.

وفى هذه الأيام توقّف النيل عن الزّيادة، وغلا سعر الغلال، ونودى بالقاهرة بالصّيام ثلاثة أيام، ثم بالخروج إلى الصحراء للاستسقاء «1» ، فصام أكثر الناس وصام السلطان، فنودى بزيادة إصبع ممّا نقصه، ثم نودى فى يوم الأحد رابع عشرينه بالخروج من الغد للصحراء خارج القاهرة، فلما كان الغد يوم الاثنين خرج شيخ الإسلام قاضى القضاة جلال الدين البلقينى وسار حتى جلس فى فم الوادى قريبا من قبّة النّصر- وقد نصب هناك منبر- فقرأ سورة الأنعام، وأقبل الناس أفواجا من كل جهة حتى كثر الجمع ومضى من شروق الشمس نحو الساعتين أقبل السلطان بمفرده على فرس وقد تزيّا بزىّ أهل التّصوّف، واعتمّ على رأسه بمئزر صوف لطيف، ولبس على بدنه ثوب صوف أبيض، وعلى عنقه مئزر صوف [بعذبة]«2» مرخاة على بعض ظهره، وليس فى سرجه ولا شىء من قماش فرسه ذهب ولا حرير، فأنزل عن الفرس وجلس على الأرض من غير بساط ولا سجّادة مما يلى يسار المنبر، فصلّى قاضى القضاة ركعتين كهيئة صلاة العيد والناس وراءه يصلّون بصلاته، ثم رقى المنبر فخطب خطبتين حثّ الناس فيهما على التّوبة والاستغفار وأعمال البرّ وحذّرهم ونهاهم، وتحوّل فوق المنبر واستقبل القبلة ودعا فأطال الدعاء، والسلطان فى ذلك كلّه يبكى وينتحب وقد باشر فى سجوده التّراب بجبهته، فلما انقضت الخطبة ركب السلطان فرسه مع عدم قدرته على القيام،

ص: 97

وإنما يحمل على الأكتاف حتى يركب، ثم يحمل حتى ينزل، وسار إلى جهة القلعة والعامة محيطة به يدعون له، فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة، ومن أحسن ما نقل عنه فى هذه الرّكبة أن بعض العامة دعا له حالة الاستسقاء أنّ الله ينصره، فقال لهم الملك المؤيد: اسألوا الله فيما نحن بصدده، وإنما أنا واحد منكم- لله درّه فيما قال.

ثم فى غده نودى على النيل بزيادة اثنى عشر إصبعا بعد ما ردّ النقص، وهو قريب سبعة وعشرين إصبعا، فتباشر الناس باستجابة دعائهم.

ثم قدم الخبر على السلطان بنزول قرا يوسف على بغداد وقد عصاه ولده شاه محمد «1» بها، فحاصره ثلاثة أيام حتى خرج إليه، فأمسكه أبوه قرا يوسف واستصفى أمواله وولّى عوضه على بغداد ابنه أميرزة أصبهان، ثم عاد قرا يوسف إلى مدينة تبريز لحركة شاه رخّ بن تيمور لنك عليه.

ثم فى يوم الاثنين سابع عشر شهر رجب ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى بيت كاتب السرّ ابن البارزىّ على عادته ليقيم به ونزل الأمراء بالدّور من حوله، وصارت الخدمة تعمل هناك، وكان السلطان قد انقطع عن النزول إليه من يوم مات ابنه.

ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشره جمع السلطان خاصّته ونزل إلى البحر وسبح فيه «2» ، وعام من بيت كاتب السرّ إلى منية الشّيرج ثم عاد فى الحرّاقة، وكثر تعجّب الناس من قوّة سبحه مع زمانة رجله وعجزه عن الحركة والقيام، ولمّا أراد أن ينزل للسّباحة أقعد فى تخت من خشب كهيئة مقعد المحفّة، وأرخى من أعلى الدار بجبال وبكر إلى الماء، فلمّا عاد فى الحرّاقة رفع فى التخت المذكور من الحرّاقة إلى أعلى الدّار حتى جلس على مرتبته، فنودى من الغد على النّيل بزيادة ثلاثين إصبعا، ولم يزد فى هذه السنة مثلها، فتيامن الناس بعوم السلطان فى النيل، وعدّوا ذلك من جملة سعادته، وقالت العامة: الزيادة ببركته.

ص: 98

ثم فى يوم الجمعة حادى عشرين «1» شهر رجب المذكور ركب السلطان من بيت ابن البارزىّ فى الحرّاقة وتنزّه على ظهر النيل، وتوجّه إلى [رباط]«2» الآثار النبوية فزاره، وبرّ من هناك من الفقراء والخدام وغيرهم، ثم عاد إلى المقياس بجزيرة الرّوضة فصلّى الجمعة بجامع المقياس، ورسم بهدمه وبنائه «3» ثانيا وتوسعته، ففعل ذلك، ورسم أيضا بترميم بلاط [رباط]«4» الآثار النبوية، ثم عاد إلى الجزيرة الوسطى وركب منها إلى الميدان الناصرى «5» وبات به، وركب من الغد فى يوم السبت إلى القلعة.

ثم فى سابع عشرين شهر رجب المذكور من سنة ثلاث وعشرين قدم الخبر على السلطان من الأمير عثمان بن طرعلى المدعو قرايلك «6» صاحب آمد أنه كبس على بير عمر حاكم أرزنكان «7» من قبل قرا يوسف وأمسكه وقيّده هو وأربعة وعشرين نفسا من أهله وأولاده، وأنه قتل من أعوانه ستين رجلا وغنم شيئا كثيرا، فسرّ السلطان بذلك، ثم إنه قتل بير عمر المذكور، وأرسل برأسه إلى السلطان، فوصل الرأس إلى القاهرة فى يوم الاثنين أول شعبان.

وكان السلطان قد كتب محاضر بكفر قرا يوسف وولده حاكم بغداد، فأفتى مشايخ العلم بوجوب قتاله، ورسم السلطان للأمراء بالتّجهيز للسفر «8» ، وحملت إليهم النّفقات، فوقع التّجهيز فى أمور السفر، ونودى فى رابع شعبان المذكور بالقاهرة بين يدى

ص: 99

الخليفة والقضاة الأربعة بجميع نوّابهم وبين يديهم القاضى بدر الدين حسن البردينى أحد نوّاب الحكم الشافعية، وهو راكب على بغلته وبيده ورقة يقرأ منها استنفار الناس لقتال قرا يوسف وتعداد قبائحه ومساوئه.

قلت: هو كما قالوه وزيادة، عليه وعلى ذرّيته اللعنة، فإنهم كانوا سببا لخراب بغداد وأعمالها، وكانت بغداد منبع العلم ومأوى الصالحين حتى ملكها هؤلاء التّركمان رعاة الأغنام فساءوا السّيرة، وسلبوا الناس أموالهم، وأخربوا البلاد، وأبادوا العباد من الظلم والجور والعسف- ألا لعنة الله على الظالمين.

ثم فى يوم الاثنين ثامن شعبان- ويوافقه خامس عشرين مسرى أحد شهور القبط- أو فى النيل فركب السلطان إلى المقياس حتّى خلّقه على العادة، ثم ركب الحرّاقة حتى فتح خليج السّدّ على العادة.

ثمّ فى يوم الجمعة عقد السلطان عقد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى على ابنته «1» بصداق مبلغه «2» خمسة عشر ألف دينار هرجه «3» بالجامع المؤيّدى بحضرة القضاة والأمراء والأعيان، هذا وقد تهيّأ القرمشىّ للسّفر إلى البلاد الشّاميّة مقدّم العساكر، وأصبح من الغد فى يوم السبت ثالث عشر شعبان المذكور برّز الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى طلبه من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، ومعه من الأمراء مقدّمى الألوف جماعة: الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصّغير رأس نوبة النّوب، والأمير طوغان الأمير آخور الكبير، والأمير ألطنبغا المرقبىّ حاجب الحجّاب، والأمير جلبّان أمير آخور- كان- والأمير جرباش الكريمىّ قاشق، والأمير آقبلاط السّيفى دمرداش، والأمير أزدمر الناصرى، وندبهم السلطان للتوجّه إلى حلب خشية من حركة قرا يوسف.

ص: 100

وفيه نزل السلطان من القلعة إلى بيت ابن البارزىّ وأقام به إلى يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان، فتوجّه إلى الميدان لعرض المماليك الرّماحة، فتوجّه إليه وجلس ولعبت مماليك السلطان بالرّمح بين يديه مخاصمة، ولعّب حتى المعلمين، جعل لكلّ معلّم خصما مثله ولعبّهما بين يديه، فوقع بين الرّمّاحة أمور ومخاصمات، وأبدوا غرائب فى فنونهم، كل ذلك لمعرفة الملك بهذا الشّأن ومحبّته لأرباب الكمالات من كلّ فنّ، فلمّا انتهى لعبهم والإنعام عليهم- كل واحد بحسب ما يليق به- ركب آخر النهار من الميدان المذكور على ظهر النيل فى الحرّاقة الى بيت [ابن]«1» البارزىّ ببولاق، وأقام به وعمل الخدمة به إلى أن ركب منه إلى الميدان ثانيا فى نهار السبت العشرين من شعبان، ولعبت الرّمّاحة بين يديه، وهم غير من تقدم ذكرهم؛ فإنه رسم أنّ فى كل يوم من يومى السبت والثلاثاء يلعب معلّمان هما وصبيانهما- لا غير- مخاصمة.

قلت: وهذه عادة الملوك، لمّا تعرض المماليك بين يديهم، لا يخاصم فى كل يوم غير صبيان معلّم مع صبيان معلّم آخر، لكن زاد الملك المؤيّد بأن لعّب المعلمين أيضا، فصار المعلّم يقف يمينا [ويقف]«2» صبيانه صفا واحدا تحته، ويقف تجاهه معلّم آخر آخر وصبيانه تحته، فيخرج المعلّم للمعلّم ويتخاصمان إلى أن ينجزا أمرهما، ثم يخرج النائب للنائب الذي يقابله من ذلك المعلّم، ثم يخرج كلّ واحد لمن هو مقابله إلى أن يستتم العرض بين الظّهر والعصر أو قبل الظهر أو بعده بحسب قلّة الصّبيان وكثرتهم، ولمّا تمّ العرض فى نهار السّبت المذكور بالميدان لم يتحرّك السلطان من الميدان وبات به، وأصبح يوم الأحد ركب الحرّاقة وتوجّه فى النيل إلى [رباط]«3» الآثار النبويّة وزاره وتصدق به، ثم عاد إلى المقياس بالرّوضة، وكشف عمارة جامع المقياس بالرّوضة، ثم عاد فى الحرّاقة الى الميدان، فبات به وعرض فى يوم الاثنين أيضا، أراد بذلك انجاز أمرهم

ص: 101

فى العرض، ولما انتهى العرض فى ذلك اليوم ركب الحرّاقة وتوجّه إلى [رباط]«1» الآثار ثانيا وزاره، ثم عاد إلى جزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطانية، ونزل بها فى مخيمه، فأقام بها يومه وعاد إلى الميدان وبات به ليلتين، ثم رجع فى النيل إلى بيت كاتب السّرّ ببولاق فى يوم الخميس فبات به وصلّى الجمعة بجامع كاتب السّرّ، وخطب وصلّى به قاضى القضاة جلال الدين البلقينىّ، ثم ركب الحرّاقة بعد الصّلاة وتوجّه إلى الميدان وبات به وركب إلى القلعة بكرة يوم السبت سابع عشرين شعبان، كل ذلك والسلطان صائم فى شهر رجب وشعبان لم يفطر فيهما إلا نحو عشرة أيّام عندما يتناول الأدوية بسبب ألم رجله، هذا مع شدّة الحرّ فإنّ الوقت كان فى فصل الصّيف وزيادة النّيل.

ولما استهلّ شهر رمضان بيوم الثلاثاء انتقض على السلطان ألم رجله ولزم الفراش وصارت الخدمة السلطانية تعمل بالدّور السلطانية من قلعة الجبل لقلّة حركة السلطان مما به من الألم، وهو مع ذلك صائم لا يفطر إلا يوم يتناول فيه الدّواء.

ثم فى رابع عشر شهر رمضان المذكور خلع السلطان على الصاحب تاج الدين عبد الرّزاق بن الهيصم باستقراره ناظر ديوان المفرد بعد موت صلاح الدين خليل بن الكويز.

ثم فى هذا الشهر أيضا ابتدأ مرض القاضى ناصر الدين بن البارزى «2» كاتب السّر الذي مات به، واستمرّ السلطان ضعيفا شهر رمضان كله، فلما كان يوم الأربعاء أوّل شوال صلى السلطان صلاة العيد بالقصر الكبير من قلعة الجبل عجزا عن المضى إلى الجامع.

ثم فى رابعه ركب السلطان المحفّة من قلعة الجبل ونزل إلى جهة «منظرة الخمس وجوه» التى استجدها بالقرب من التّاج وقد كملت، والعامة تسميها «التاج والسبع وجوه» وليس

ص: 102

هو كذلك، وإنما هى ذات «خمس وجوه» ، وأما التاج فإنه خراب، وقد أنشأ به عظيم الدّولة الصاحب جمال الدين بن يوسف ناظر الجيش والخاص عمائر «1» هائلة وسبيلا ومكتبا وبستانا وغير ذلك- انتهى.

ولمّا توجّه السلطان إلى «الخمس وجوه» أقام به نهاره ثم عاد إلى القلعة، وأقام بها إلى يوم الأربعاء خامس عشر شوال فغضب على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص وضربه بين يديه ضربا مبرّحا، ثم أمر به فنزل إلى داره على وظائفه من غير عزل، كل ذلك والسلطان مريض ملازم للفراش، غير أنه يتنقّل من مكان إلى مكان محمولا على الأكتاف.

فلما كان يوم الاثنين عشرين شوال أشيع بالقاهرة موت السلطان، فاضطرب الناس، ثم أفاق السلطان فسكنوا، فطلع أمير حاج المحمل الأمير تمرباى المشدّ وقبّل الأرض وخرج بالمحمل إلى بركة الحاج من يومه، وسافر الحاج وهو على تخوّف من النّهب بسبب الإشاعات بموت السلطان.

ثم فى يوم الاثنين المذكور طلب السلطان الخليفة والقضاة الأربعة والأمراء والأعيان وعهد إلى ولده الأمير أحمد «2» بالسلطنة من بعده، وعمره سنة واحدة ونحو خمسة أشهر وخمسة أيام؛ فإن مولده فى جمادى الأولى من السنة الخالية، وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى القائم بتدبير ملكه إلى أن يبلغ الحلم، وأن يقوم بتدبير الدّولة مدّة غيبة الأتابك ألطنبغا القرمشى إلى أن يحضر الأمراء الثلاثة وهم: قجقار القردمىّ أمير سلاح، وتنبك العلائى ميق المعزول عن نيابة الشام، والأمير ططر أمير مجلس، وحلّف السلطان الأمراء على العادة، وأخذ عليهم الأيمان والعهود بالقيام فى طاعة ولده وطاعة مدبّر مملكته، ثم حلّف المماليك من الغد، ثم أفاق السلطان وحضرت الأمراء الخدمة على العادة.

ص: 103

وخلع فى يوم السبت خامس عشرينه على القاضى كمال الدين محمد بن البارزى «1» باستقراره كاتب السّر الشريف بالديار المصرية بعد وفاة والده القاضى ناصر الدين محمد ابن البارزى، ونزل إلى بيته فى موكب جليل، وبعد يومين خلع السلطان على القاضى بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد الدّمشقى المعروف بابن مزهر ناظر الإسطبل باستقراره فى نيابة كتابة السر عوضا عن كمال الدين بن البارزى المذكور.

ثم فى تاسع عشرين شوّال المذكور نصل السلطان من مرضه، ونقص ما كان به من الألم، ودخل الحمّام، وتخلّق الناس بالزّعفران وتداولت التهانى بالقلعة وغيرها، ونودى بزينة القاهرة ومصر، وفرّق السلطان مالا كثيرا فى الفقراء والفقهاء والناس، وخلع على الأطبّاء وأصحاب الوظائف.

وكان السلطان لمّا مات القاضى ناصر الدين بن البارزى طلب الذي خلّفه من المال فلم يجد ولده شيئا، فظنّ السلطان أنه أخفى ذلك، فحلّفه ثم خلع عليه، ونزل على أن يقوم للسلطان من ماله بأربعين ألف دينار، فلما كان يوم [الخميس] «2» سلخ شوال حضر إلى [القاضى «3» ] كمال الدين المذكور شخص من الموقعين يعرف بشهاب الدين أبى درّابة وقال له: أنا أعرف لوالدك ذخيرة «4» فى المكان الفلانى، فلما سمع القاضى كمال الدين كلامه أخذه فى الحال وطلع به إلى السلطان وعرّفه مقالة شهاب الدين المذكور، فأرسل السلطان فى الحال الطواشى مرجان الهندى الخازندار وصحبته جماعة، ومعهم شهاب الدين المذكور إلى بيت القاضى كمال الدين المذكور، فدخلوا إلى المكان وفتحوه فوجدوا فيه سبعين ألف دينار فأخذوها وطلعوا إلى السلطان، وقد سألت أنا القاضى كمال الدين المذكور عن هذه الذخيرة، وقلت له: كان لك بها علم؟ فقال: لا والله، ولا أعرف مكانها، فإنى لم أحضرها حين جعلها الوالد بهذا المكان، ولا عند

ص: 104

أخذها أيضا، ولا عرّفنى بها قبل موته، غير أنه أوصى شهاب الدين المذكور وشخصا بحماة «1» أنه إذا مات يعرفانى بها، فلما عرّفنى شهاب الدين بها لم أجد بدّا من إعلام السلطان بها للأيمان التى كان حلّفنى أننى مهما وجدته من مال الوالد أعرّفه به.

قلت: لله درّه من كمال الدين، ما كان أعلى همته وأحشمه وأسمحه.

ثم فى يوم الاثنين رابع ذى القعدة ركب السلطان من قلعة الجبل وشقّ القاهرة من باب زويلة وخرج من باب القنطرة، وتوجه إلى «الخمس وجوه» وأقام بها إلى يوم الأربعاء سابع ذى القعدة، فركب منها وشقّ القاهرة من باب القنطرة إلى أن خرج من باب زويلة وطلع إلى القلعة بعد ما انقضى له ب «الخمس وجوه» أوقات طيبة، وعمل بها الخدمة، وتردّدت الناس إليه بها لقضاء حوائجهم وللفرجة أيضا.

ولما طلع السلطان إلى القلعة أقام بها يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ثم نزل إليها ثانيا فى يوم السبت تاسع ذى القعدة بخواصّه وبات بها.

ثم ركب من الغد فى يوم الأحد، وتصيّد ببرّ الجيزة وأقام هناك، وأمر بأخذ خزانة الخاص من عند ناظر الخاص الصّاحب بدر الدين بن نصر الله، فنزل إليه زين الدين عبد الباسط بن خليل الدّمشقى ناظر الخزانة والطواشى مرجان الهندى الخازندار، وأخذا منه خزانة الخاص وهو ملازم للفراش من يوم ضرب، وسلّمت للطواشى مرجان المذكور، فتحدّث مرجان فى وظيفة نظر الخاص عن السلطان من غير أن يخلع عليه، وأنفق كسوة المماليك السلطانية نحو ثمانية آلاف دينار، وأقام السلطان بمنظرة «الخمس وجوه» إلى يوم الثلاثاء ثانى عشر ذى القعدة فعاد إلى القلعة فى محفّة، فأقام بالقلعة إلى يوم الجمعة خامس عشره وركب أيضا وتوجّه إلى منظرة «الخمس وجوه» فأقام بها إلى سابع عشر، وعاد إلى القلعة بعد أن ألزم أعيان الدّولة أن يعمّروا لهم بيوتا بالقرب من «الخمس وجوه» المذكورة لينزلوا فيها إذا توجّهوا فى

ص: 105

ركاب السلطان، فشرع بعضهم فى رمى الأساس، واختط بعضهم أرضا، ثم ركب السلطان من القلعة بثياب جلوسه وشقّ القاهرة، وعبر من باب زويلة، وخرج من باب القنطرة، وتوجّه إلى منظرة «الخمس وجوه» وأقام بها بخواصّه إلى يوم الجمعة ثانى عشرين ذى القعدة فركب منها وعدى النيل إلى الجيزة، يريد سرحة البحيرة على العادة فى كل سنة، وقد تهيأ الناس لذلك وخرجوا على عادتهم.

وقبل أن يعدّى السلطان النيل نزل بدار على شاطىء نيل مصر، ودخل الحمام التى بجوار الجامع الجديد، واغتسل طهر الجمعة، ثم خرج إلى الجامع الجديد وصلى به الجمعة، ثم عدّى النيل وهو فى كل ذلك يحمل على الأكتاف، والذي يتولى حمله من خاصّكيته جماعه منهم: خجا سودون «1» السّيفى بلاط الأعرج، وتنبك من سيدى بك الناصرى البجمقدار المصارع، ثم جانى بك من سيدى بك المؤيّدى.

وأقام السلطان يومه بالجيزة ثم ركب المحفة وسار بأمرائه وعساكره إلى أن وصل إلى الطّرّانة اشتدّ به المرض فتجلّد اليوم الأوّل والثانى، فأفرط به الإسهال حتى أرجف بموته، وكادت تكون فتنة من كثرة كلام الناس واختلاف أقوالهم، إلى أن ركب السلطان من الطّرّانة فى النيل عجزا عن ركوب المحفّة، وعاد إلى جهة القاهرة حتى نزل برّ منبابة، فأقام بها حتى نحر قليلا من ضحاياه، ثم ركب النيل فى الحرّاقة وعدّى إلى بولاق فى آخر نهار العيد، ونزل فى بيت كاتب السرّ ابن البارزىّ على عادته، وبات فى تلك الليلة، وأصبح من الغد ركب فى المحفة وطلع إلى قلعة الجبل فى يوم الثلاثاء حادى عشر ذى الحجة، وهو شديد المرض من الإسهال والزحير «2» والحصاة والحمّى والصداع والمفاصل، وهذه آخر ركبة ركبها الملك المؤيد، ثم لزم الفراش إلى أن مات حسبما نذكره.

ص: 106