المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 827] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر

- ‌السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌ذكر غزوة قبرس على حدتها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815- 836

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 815- 824

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

أولاد قطلوبك الأستادار، وعاقب بعض حواشيهم، هذا بعد الهجم على بيوت جماعة كبيرة ممن يغمز عليهم بعض أعدائهم، فيحل على صاحب البيت المذكور من البلاء والرجيف مالا مزيد عليه، وتداول ذلك سنين وهذا أوله حسبما يأتى ذكره.

ثم فى ثامن عشرين ذى الحجة قدم مبشّر الحاج وأخبر بالأمن والرّخاء وكثرة الأمطار، غير أن الشريف حسن بن عجلان لم يقابل أمير الحاج ونزح عن مكّة لما أشيع أن السلطان يريد القبض عليه، فغضب السلطان لذلك ورسم فنودى على المماليك البطّالين ليجهزوا إلى التجريدة لقتال أشراف مكّة.

ثم اشتغل السلطان عن ذلك بأمر جانى بك الصّوفى، وأخذ فيما هو فيه من كبس البيوت وإرداع الناس، وأيضا لما ورد عليه أن متملك الحبشة وهو أبرم ويقال إسحاق ابن داود «1» بن سيف أرعد قد غضب بسبب غلق كنيسة قمامة «2» بالقدس، وقتل عامّة من كان فى بلاده من رجال المسلمين، واسترقّ نساءهم وأولادهم، وعذّبهم عذابا شديدا، وهدم ما فى مملكته من المساجد، وركب إلى بلاد جبرت، فقاتلهم حتى هزمهم، وقتل عامّة من كان بها، وسبى نساءهم، وهدم مساجدهم، فكانت فى المسلمين ملحمة عظيمة فى هذه السّنة لا يحصى فيها من قتل من المسلمين، فاشتاط السلطان غضبا، وأراد قتل بطرك النّصارى وجميع ما فى مملكته من النّصارى ثم رجع عن ذلك.

[ما وقع من الحوادث سنة 827]

ثم فى يوم الاثنين ثانى المحرم من سنة سبع وعشرين وثمانمائة قدم الأمير مقبل الحسامى الدّوادار نائب صفد إلى القاهرة، وقبّل الأرض بين يدى السلطان، فخلع عليه باستقراره على عمله «3» .

وفى ثامن المحرم قدم الأمير قجق، وأركماس الظاهرى وعبد الباسط من الحج،

ص: 260

وتأخّر الأمير قرقماس الشّعبانى بالينبع، وأرسل يطلب عسكرا ليقاتل به الشّريف حسن بن عجلان صاحب مكّة ويستقرّ عوضه فى إمرة مكّة، فنودى على المماليك البطّالة وعيّن منهم جماعة مع حسين الكردى الكاشف ليتوجّه بهم إلى مكة.

هذا وقد اشتغل سر السلطان «1» بما أشيع من عصيان الأمير تنبك البجاسىّ نائب دمشق، وصار خبر الإشاعة عنده هو الأهمّ، وأخذ يدبّر فى القبض عليه قبل أن يستفحل أمره، وكتب عدّة ملطّفات لأمراء دمشق بالقبض عليه، هذا وقد قوى عند الملك الأشرف خروجه عن الطاعة، وبادر وخلع على الأمير «2» سودون من عبد الرحمن الدّوادار فى يوم الاثنين ثالث عشرين المحرّم باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن تنبك البجاسىّ، فلبس سودون من عبد الرحمن الخلعة ونزل من القلعة سائرا إلى دمشق على جرائد الخيل، ولم يدخل إلى داره، وسار سودون من عبد الرحمن إلى جهة دمشق وقد تقدّمته الملطّفات بمسك تنبك المذكور، فلما وقف أمراء دمشق على الملطّفات، اتّفقوا الجميع وركبوا بمن معهم وأتوادار السّعادة فى ليلة الجمعة رابع صفر، واستدعوا الأمير تنبك البجاسى المذكور ليقرأ كتاب السلطان، فعلم بما هو القصد وخرج من باب السّرّ- وعليه السلاح- فى جميع مماليكه وحواشيه، فأقبلوا عليه الأمراء وقاتلوه حتى مضى صدر من نهار الجمعة المذكور، ثم انهزموا منه أقبح هزيمة وتشتت شملهم، فتحصّن منهم طائفة بقلعة دمشق، ومضى منهم آخرون إلى الأمير سودون من عبد الرحمن، فوافوه وهو نازل على صفد، واستولى تنبك المذكور على دمشق وقوى بأسه، وكان انضمّ عليه من أمراء دمشق الأمير قرمش الأعور المقدّم ذكره من أصحاب جانى بك الصّوفىّ، والأمير تمراز المؤيّدى الخازندار وغيرهما من أمراء دمشق، ثم تجهّز تنبك البجاسىّ هو وأصحابه لمّا بلغهم قدوم سودون من عبد الرحمن، وخرج من دمشق بجموعه فى أسرع وقت، وسار حتى وافى الأمير

ص: 261

سودون من عبد الرحمن وهو نازل على جسر يعقوب «1» فى يوم الجمعة حادى عشر صفر وقد قطع سودون من عبد الرحمن الجسر لئلا يصل إليه تنبك المذكور، وكان سودون لما خرج من مصر بمماليكه وسار إلى جهة دمشق حتى نزل على صفد وافاه الأمير مقبل الحسامى نائب صفد بعساكر صفد وسارا معا حتى نزلا جسر يعقوب، فلمّا بلغ سودون مجىء تنبك إليه جبن عن قتاله وقطع الجسر، فقدم تنبك فلم يجد سبيلا لقتال سودون فبات كل منهما من جهة، وكلاهما لا يصل إلى الآخر بسوء، فبانوا يتحارسون إلى الصباح.

فلما أصبح يوم السبت ثانى عشر صفر شرعوا يترامون بالنّشّاب نهارهم كله حتى حجز الليل بينهم، فباتوا ليلة الأحد على تعبئتهم وقد قوى أمر تنبك، وأصبح الأمير تنبك فى يوم الأحد ثالث عشره راحلا إلى جهة الصّبيبة فى انتظار ابن بشارة أن يأتيه بجموعه، وقد أرصد جماعة لسودون من عبد الرحمن بوطاقه، فكتب سودون من عبد الرحمن بذلك إلى السلطان.

ثم ركب بمن معه على جرائد الخيل وقصد مدينة دمشق وترك الأثقال فى مواضعها مع نائب القدس يوهم عسكر تنبك البجاسىّ أنه مقيم بمكانه، وساق حتى دخل دمشق فى يوم الأربعاء سادس عشر صفر المذكور وملك المدينة وتمكّن من قلعة دمشق، وبلغ الأمير تنبك البجاسىّ ذلك فركب من وقته وساق حتى وافى سودون من عبد الرحمن بدمشق من يومه، وبلغ سودون قدومه فخرج إليه وتلقّاه بمن معه من عساكر دمشق بباب الجابية وقاتلوه فثبت لهم تنبك البجاسىّ مع قلّة عسكره وكثرة عساكرهم، وقاتلهم أشد قتال والرّمى ينزل عليه من قلعة دمشق، وهو مع ذلك يظهر التجلّد إلى أن حرّك فرسه فى غرض له فأصابه ضربة على كتفه حلّته فتقنطر عند ذلك عن فرسه، فتكاثروا عليه وأخذوه أسيرا إلى قلعة دمشق ومعه نحو

ص: 262

عشرين من أصحابه، وفرّ من كان معه من الأمراء إلى حال سبيلهم، وكتب الأمير سودون من عبد الرحمن فى الحال بجميع ذلك إلى السلطان.

وأما الملك الأشرف فإنه بعد خروج سودون من عبد الرحمن أخذ ينتظر ما يرد عليه من الأخبار فى أمر تنبك، فقدم عليه كتاب سودون من عبد الرحمن من جسر يعقوب أوّلا فى يوم الأحد عشرين صفر فعظم عليه هذا الخبر، وعزم على سفر الشام، واضطرب الناس ووقع الشّروع فى حركة السّفر، وأحضرت خيول كثيرة من مرابطها من الرّبيع، وبينما الناس فى ذلك قدم كتاب سودون من عبد الرحمن الثانى من دمشق يتضمن النّصر على تنبك البجاسىّ والقبض عليه وحبسه بقلعة دمشق فسرّ السلطان بذلك غاية السرور ودقت البشائر، وكتب بقتل تنبك البجاسى وحمل رأسه إلى مصر وبالحوطة على موجوده، وتتبّع حواشيه ومن كان معه من أمراء دمشق، وهدأ سرّ السلطان من جهة دمشق، وبطلت حركة السّفر، والتفت إلى ما كان عليه أوّلا من الفحص على جانى بك الصّوفىّ.

فلما كان سابع عشرين صفر المذكور نودى بالقاهرة ومصر على جانى بك الصّوفىّ ووعد من أحضره إلى السلطان بألف دينار، وإن كان جنديا بإمرة عشرة، وهدّد من أخفاه وظهر عنده بعد ذلك بإحراق الحارة التى هو ساكن بها، وحلف المنادى على كل واحدة مما ذكرنا يمينا عن السلطان، هذا بعد أن قوى عند السلطان الملك الأشرف أن جانى بك الصوفىّ مختف بالقاهرة، ولو كان بالبلاد الشامية لظهر وانضمّ مع تنبك البجاسى، وهو قياس صحيح.

ثم التفت السلطان أيضا إلى أمر مكة، فلما كان يوم الجمعة ثانى شهر ربيع الأول نودى بالقاهرة بالخروج إلى حرب مكة المشرفة، فاستشنع الناس هذه العبارة، ثم عيّن جماعة من المماليك السلطانية وأنفق على كل واحد منهم أربعين دينارا.

ثم فى حادى عشرين شهر ربيع الأوّل قدم رأس الأمير تنبك البجاسىّ إلى القاهرة فطيف بها على رمح، ثم علّقت على باب النّصر أيّاما.

ص: 263

وفى سابع عشرين شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير أزبك المحمدى الظاهرى رأس نوبة النّوب باستقراره دوادارا كبيرا «1» عوضا عن سودون من عبد الرحمن المنتقل إلى نيابة الشام.

وخلع على الأمير تغرى بردى المحمودى الناصرى باستقراره رأس نوبة النّوب عوضا عن أزبك المذكور.

ثم فى يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر خلع السلطان على القاضى شمس الدين محمد الهروىّ باستقراره كاتب السّرّ الشريف بالديار المصرية عوضا عن جمال الدين يوسف ابن الصّفىّ الكركىّ، ونزل فى موكب جليل وكان الهروىّ علّامة فى فنون كثيرة من العلوم.

ثم فى يوم الجمعة سابع جمادى الأولى أقيمت الخطبة بالمدرسة الأشرفيّة «2» بخط العنبريين من القاهرة ولم يكمل منها سوى الإيوان القبلى.

وفى يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله باستقراره أستادارا بعد عزل ناصر الدين محمد بن بولى والقبض عليه، وهذه ولاية صلاح الدين الثانية للأستادارية.

ثم فى ثانى عشره خلع السلطان على الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ واستقرّ ناظر ديوان المفرد مضافا على الوزر عوضا عن القاضى كريم الدين بن كاتب جكم.

وفى يوم الأحد خامس عشر جمادى المذكور توفّيت زوجة السلطان الملك الأشرف ودفنت بالقبّة بالمدرسة الأشرفيّة.

قال المقريزى: واتّفق فى موتها نادرة، وهى أنها لما ماتت عمل لها ختم «3» عند

ص: 264

قبرها فى الجامع الأشرفى «1» ونزل ابنها الأمير ناصر الدين محمد من القلعة لحضور الختم، وقد ركب فى خدمته الملك الصالح محمد بن ططر، فشقّ القاهرة من باب زويلة وهو فى خدمة ابن السلطان بعد ما كان بالأمس سلطانا، وصار جالسا بجانبه فى ذلك الجمع وقائما بخدمته إذا قام، فكان فى ذلك موعظة لمن اتّعظ- انتهى.

قلت: حضرت أنا هذه الختم المذكورة وشاهدت ما نقله المقريزى بعينى فهو كما قال غير أنه لم يكن فى خدمته وإنما جلسا فى الصّدر معا، بل كان الصالح متميّزا عليه فى الجلوس وكذلك فى مسيره من القلعة إلى الجامع المذكور، وقد ذكرنا طرفا من هذه المقالة فى أواخر ترجمة الملك الصّالح المذكور، غير أنه كما قاله المقريزى إنه من النوادر، ثم فى يوم السبت حادى عشرين جمادى الآخرة خلع السلطان على قاضى القضاة نجم الدين عمر بن حجّى باستقراره كاتب السّرّ الشريف بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة شمس الدين الهروى، ونزل ابن حجّى على فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش فى موكب جليل إلى الغاية.

قال المقريزى: وقد ظهر نقص الهروى وعجزه «2» ، فقد باشر بتعاظم زائد مع طمع شديد وجهل بما وسّد إليه، بحيث كان لا يحسن قراءة القصص ولا الكتب الواردة، فتولّى قراءة ذلك بدر الدين محمد بن مزهر نائب كاتب السرّ، وصار يحضر الخدمة ويقف على قدميه وابن مزهر هو الذي يتولّى القراءة على السلطان- انتهى كلام المقريزى برمّته.

قلت: لا يسمع قول المقريزى فى الهروى، فأما قوله «باشر بتعاظم [زائد] «3» » فكان أهلا لذلك لغزير علمه ولما تقدّم له من الولايات الجليلة بعمالك العجم، ثم بالديار المصرية.

وقوله «وعجزه بما وسّد إليه» يعنى عن وظيفة كتابة السرّ، نعم كان لا يدرى الاصطلاح

ص: 265

المصرى، ولم يكن فيه طلاقة لسان بالكلام العربىّ كما هى عادة الأعاجم، وأمّا علمه وفضله وتبحّره فى العلوم العقلية فلا يشكّ فيه إلا جاهل، وهو أهل لهذه الرّتبة وزيادة، غير أنه صرف عن الوظيفة بمن هو أهل لها أيضا وهو القاضى نجم الدين بن حجّى قاضى قضاة دمشق ورئيسهم، وكلاهما أعنى المتولّى والمعزول من أعيان العلماء وقدماء الرؤساء، والتعصّب فى غير محلّه مردود من كل أحد على كائن من كان- انتهى.

ثم فى سلخ الشهر المذكور خلع السلطان على القاضى الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف بدمشق باستقراره قاضى قضاة دمشق، عوضا عن القاضى نجم الدين بن حجّى المقدم ذكره.

ثم فى يوم الخميس رابع شهر رجب خلع السلطان على العلّامة علاء الدين على الرّومى الحنفى باستقراره شيخ الصّوفيّة، ومدرّس الحنفية بالمدرسة الأشرفية بخط العنبريّين بالقاهرة، وكان له مدّة يسيرة من يوم قدم من بلاد الرّوم.

وفيه قدم «1» الخبر على السلطان بأخذ الفرنج مركبين من مراكب المسلمين قريبا من ثغر دمياط، فيهما بضائع كثيرة وعدّة أناس يزيدون على مائة رجل، فكتب السلطان بإيقاع الحوطة على أموال تجّار الفرنج التى ببلاد الشام والإسكندرية ودمياط والختم عليها، وتعويقهم عن السّفر إلى بلادهم حتى تردّ الفرنج ما أخذوه من المسلمين، فكلّمه أهل الدّولة فى إطلاقهم فلم يقبل، وأخذ فى تجهيز غزوهم.

وفيه «2» ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى جامعه الذي أنشأه بخط العنبرييّن المقدّم ذكره، وجلس به ساعة، ثم عاد إلى القلعة بغير قماش الموكب «3» .

ص: 266

وفى «1» يوم الأربعاء أوّل شعبان ابتدئ بقراءة صحيح البخارى بين يدى السّلطان.

قال المقريزى: وحضر القضاة ومشايخ العلم، والهروىّ، والشيخ شمس الدين محمد ابن الجزرى بعد قدومه بأيّام، وكاتب السرّ نجم الدين بن حجّى، ونائبه بدر الدين ابن مزهر، وزين الدين عبد الباسط ناظر الجيش، والفقهاء الذين رتّبهم المؤيد، فاستجدّ.

فى هذه السنة حضور المباشرين، وكانت العادة من أيّام الأشرف شعبان بن حسين أن تبدأ قراءة البخارى فى أول يوم من شهر رمضان، ويحضر قاضى القضاة الشافعىّ، والشيخ سراج الدين عمر البلقينىّ وطائفة قليلة العدد لسماع البخارى، ويختم فى سابع عشرينه، ويخلع على قاضى القضاة، ويركب بغلة بزنّارىّ «2» تخرج له من الإسطبل السلطانى، ولم يزل الأمر على هذا حتى تسلطن المؤيد شيخ فابتدأ بالقراءة من أول شعبان إلى سابع عشرين [شهر]«3» رمضان، وطلب قضاة القضاة الأربعة ومشايخ العلم وقرّر عدّة من الطلبة يحضرون أيضا، فكانت تقع بينهم أبحاث يسىء بعضهم على بعض فيها إساءات منكرة، فجرى السلطان [الأشرف]«4» على هذا واستجدّ- كما ذكرنا- حضور المباشرين، وكثر الجمع، وصار المجلس جميعه صياحا- انتهى.

قلت: ليس فى هذا شىء منكر وكما جدّد الأشرف [شعبان]«5» قراءة البخارى فى شهر رمضان جعله غيره من أوّل شعبان، وكل ممّن «6» فعل ذلك سلطان يتصرّف كيف شاء، ولا يشكّ أحد أن التأنى فى القراءة أفضل من الإدراج لا سيما كتب

ص: 267

الحديث ليفهمه كلّ أحد من مبتدئ أو منته، وأيضا كلّما كثر الجمع عظم الأجر والثّواب، وأما الصّياح فلم تبرح مجالس العلم فيها البحوث والمشاحنة، ولو وقع منهم ما عسى أن يقع فهم فى أجر وثواب، وليس للاعتراض هنا محلّ بالجملة- انتهى.

ثم فى يوم الأحد رابع شهر رمضان أخرج السلطان الأمير أرغون شاه النّوروزى، والأمير ناصر الدين محمد بن بولى من القاهرة إلى دمشق بطّالين، وقد تقدّم أن كليهما قد ولى الأستادارية بالديار المصرية.

وفى هذه الأيام ندب السلطان جماعة من المماليك السلطانيّة للغزاة.

ولما كان يوم الجمعة تاسع شهر رمضان سار غرابان من ساحل بولاق ظاهر القاهرة فى بحر النيل بعد أن أشحنا بالمقاتلة والأسلحة، وكان فيهما من المماليك السلطانيّة ثمانون نفرا غير المطّوّعة، ورسم السلطان لهم أن يسيروا فى البحر إلى طرابلس، ويأخذوا أيضا من سواحل الشام عدّة أغربة أخر فيها المقاتلة، ويسيروا فى البحر المالح لعلّهم يجدون من يتجرّم فى البحر من الفرنج، وهذه أوّل غزاة «1» جهزها السلطان الملك الأشرف برسباى رحمه الله «2» .

ثم فى يوم الثلاثاء رابع شوّال أمر السلطان بحفر صهريج «3» بوسط صحن جامع الأزهر، فابتدءوا فيه من هذا اليوم وحفروا بوسط «4» صحن الجامع المذكور فوجدوا فيه آثار فسقيّة قديمة وبها عدّة أموات، ثم شرعوا فى بنائها حتى كملت وعمّر فوقها مقعد لطيف على صفة السبيل، وانتفع أهل الجامع به، ودام سنين إلى أن أمر السلطان الملك الظاهر [جقمق]«5» بهدمه، فهدم وردم.

ثم فى يوم السبت تاسع عشرين شوال المذكور حضر الأمراء الخدمة السلطانية

ص: 268

على العادة، ونزلوا إلى دورهم، فاستدعى السلطان بعد نزولهم الأمير بيبغا المظفّرى أتابك العساكر إلى القلعة، فلمّا صار إليها قبض عليه وقيّد وحمل إلى الإسكندرية من يومه.

ثم فى يوم الخميس رابع ذى القعدة خلع السلطان على الأمير قجق العيساوىّ أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن بيبغا المظفّرى بحكم القبض عليه، وخلع على إينال النّوروزىّ أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضا عن قجق المذكور، وأنعم السلطان بإقطاع بيبغا المذكور على الأمير إينال الجكمىّ أحد الأمراء البطّالين بالقدس وكتب بإحضاره، وعلى الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنىّ التّركمانىّ نائب قلعة الجبل نصفين بالسّوية بعد أن أخرج منه بلدة من القليوبيّة «1» .

ثم فى يوم الاثنين ثامن ذى القعدة خلع السلطان على قاضى القضاة شمس الدين محمد الهروىّ المعزول عن وظيفة كتابة السرّ قبل تاريخه باستقراره قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر بحكم عزله، وهذه ولاية القاضى الهروىّ الثانية للقضاء.

وقدم الأمير إينال الجكمىّ من القدس فى يوم الاثنين خامس عشره، وخلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس عوضا عن إينال النّوروزى.

وفى هذه الأيام أنعم السلطان على الأمير تنبك من بردبك الظّاهرىّ أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بإمرة طبلخاناه عوضا عن تغرى برمش البهسنى، واستقرّ أيضا عوضه فى نيابة قلعة الجبل، وتنبك المذكور هو أتابك العساكر بديار مصر فى زماننا هذا.

ثم فى يوم السبت العشرين من ذى القعدة وصلت الغزاة المقدّم ذكرهم بالغنائم والأسرى.

ص: 269