الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن ولصمع «1» الجبرتى ملك المسلمين بالحبشة، فعاجله الله بنقمته وهلك فى ذى القعدة، وأقيم ابنه اندراس بن إسحاق، فهلك أيضا لأربعة أشهر، فأقيم بعده عمّه حزبناى «2» ابن داود بن سيف أرعد، فهلك فى شهر رمضان سنة أربع وثلاثين، فكانت على أمحرة أربعة ملوك فى أقلّ من سنة- انتهى كلام المقريزى برمته.
وقد خرجنا عن المقصود، على أنه فيما ذكرنا فوائد يحتمل التطويل بسببها- انتهى.
[ما وقع من الحوادث سنة 834]
ثم إن السلطان أخذ فى تجهيز عسكر «3» إلى البلاد الحلبيّة إلى أن انتهى أمرهم، فلمّا كان يوم الاثنين سابع عشرين محرم سنة أربع وثلاثين وثمانمائة برز الأمراء المجرّدون من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، وهم الأمير الكبير جارقطلو أتابك العساكر، والأمير إينال الجكمىّ أمير سلاح، والأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس، والأمير تمراز القرمشىّ رأس نوبة النّوب والأمير [قرا]«4» مراد خجا الشّعبانى الظاهرىّ برقوق أمير جاندار، وعدّة من أمراء الطبلخانات والعشرات، وخمسمائة مملوك من المماليك السّلطانية، وكان سبب تجرّدهم ورود الخبر على السلطان بنزول قرايلك فى أوّل هذا الشهر على معاملة ملطية، وأنه نهبها وأحرقها، وحصر ملطية، فخرج إليه الأمير قصروه نائب حلب، وقد أردفه الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام بعساكر الشام، فأردفهم السلطان [أيضا]«5» بالعسكر المذكور، فلمّا أن رحلوا من الرّيدانيّة ورد الخبر ثانيا من قبل نوّاب البلاد الشامية بعود قرايلك إلى بلاده، وأن المصلحة تقتضى عدم خروج العسكر من مصر فى هذه السّنة، فرسم السلطان بعودهم من خانقاه سرياقوس فى يوم الجمعة أوّل صفر، فرجعوا من وقتهم، واستعيدت منهم
النفقة السلطانية التى أنفقت فيهم عند سفرهم، فاحتاجوا إلى ردّ ما اشتروه من الأمتعة بعد ما استعملوها، والأزواد على من ابتاعوها منهم غصبا، ثم احتاجوا إلى استعادة ما أنفقوه على غلمانهم وخدمهم، وقد تصرفت الغلمان فيها، واشتروا منها احتياجهم، ودفعوا منها إلى أهليهم ما ينفقونه فى غيبتهم، فكلّ واحد من هؤلاء استعيد منه ما تصرّف فيه، فنزل من أجل هذا بالناس ضرر عظيم، وكثرت القالة فى السلطان ونفرت القلوب منه، وتحدّث الناس بذلك أياما وسنين، ولعله صار مثلا يضرب به إلى يوم القيامة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشر صفر المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل فى موكب جليل ملوكى احتفل له ولبس قماش الموكب الكلفتاه والفوقانى الصّوف الذي بوجهين أحمر وأخضر، كما كان يلبس الملك الظاهر برقوق وغيره من الملوك، وجرّ الجنائب بين يديه والجاويشيّة تصيح أمامه، وسار وحوله الطبردارية «1» وعلى رأسه السّنجق السلطانى حتى عبر من باب زويلة فشق القاهرة وخرج من باب الشّعريّة يريد الصّيد بالدير «2» والمنزلة «3» فتوجّه إلى الصيد فبات هناك ليلة الثلاثاء وأصبح اصطاد الكراكى، وعاد إلى مخيّمه وأكل السّماط، ثم ركب وعاد فى آخر يوم الثلاثاء إلى القلعة بعد ما شقّ القاهرة فى عوده أيضا على تلك الهيئة، وهذا أوّل ركوبه إلى الصيّد منذ تسلطن.
ثم فى خامس عشرينه ركب للصيد ثانيا وعاد من الغد، وتكرّر ركوبه لذلك غير مرّة، وأنا ملازمه فى جميع ركوبه للصيّد وغيره
وفى هذا الشهر توقّف الناس والتجار فى أخذ الذهب من كثرة الإشاعة بأنه ينادى عليه، فنودى «1» فى يوم السبت سلخ صفر المقدم ذكره أن يكون سعر الدينار الأشرفىّ بمائتين وخمسة وثلاثين، والدينار الإفرنتى بمائتين وثلاثين، وهدّد من زاد على ذلك بأنه يسبك فى يده، فعاد الضرر على الناس فى الخسارة لانحطاط سعر الدينار خمسين درهما؛ فإنه كان يتعامل به الناس بمائتين وخمسة وثمانين.
ثم فى يوم الثلاثاء رابع شهر ربيع الأوّل رسم السلطان بجمع الصيّارف والتجار [فجمعوا]«2» وأشهد عليهم أن لا يتعاملوا بالدراهم القرمانيّة «3» ولا الدراهم اللّنكيّة «4» ولا القبرسيّة، وأن هذه الثلاثة أنواع تباع بسوق الصاغة على حساب وزن كل درهم منها بستة عشر درهما من الفلوس حتى يدخل بها إلى دار الضّرب وتضرب دراهم أشرفيّة خالصة من الغشّ، ونودى بذلك، وأن تكون المعاملة بالدراهم الأشرفيّة والدراهم البندقيّة «5» والمؤيّدية «6» ، فإن هذه الثلاثة فضّة خالصة ليس فيها نحاس بخلاف الدراهم التى منع من معاملتها، فإن عشرتها إذا سبكت تجىء ستة لما فيها من النحاس، ثم نودى بعد ذلك بأن يكون سعر الأشرفى بمائتين وثمانين والإفرنتى بمائتين وسبعين، واستمرّ ذلك جميعه لا يقدر أحد على مخالفة شىء منه.
قلت: وهذا بخلاف ما نحن فيه الآن؛ فإن لنا نحو ستة أشهر والناس فيه بحسب اختيارهم فى المعاملة بعد أن نودى على الذّهب والفضة بعدة أسعار غير مرّة، فلم يلتفت أحد للمناداة، وأخذوا فيما هم فيه من المعاملة بالدراهم التى لا يحل المعاملة بها لما فيها من
الغشّ والنحاس، وقد استوعبنا ذلك كلّه مفصّلا باليوم فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور «1» » إذ هو ضابط لهذا الشأن مشحون بما يقع فى الزمان من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة.
ثم تكرّر ركوب السلطان فى شهر ربيع الأوّل هذا للصيد غير مرّة بعدّة نواح، كل ذلك والخواطر مشغولة بأمر جانى بك الصّوفى والفحص عنه مستمر، والناس بسبب ذلك فى جهد وبلاء، فما هو إلا أن يكون الرجل له عدوّ وأراد هلاكه أشاع بأن جانى بك الصوفى مختف عنده فعند ذلك حلّ به بلاء الله المنزل من كبس داره، ونهب قماشه، وهتك حريمه، وسجنه فى أيدى العواتية، ثم بعد ذلك يصير حاله إلى [أحد] «2» أمرين: إما أن يضرب ويقرّر بالعقوبه، وإما أن تبرّأ ساحته ويطلق بعد أن يقاسى من الأهوال ما سيذكره إلى أن يموت، ولقد رأيت من هذا النوع أعاجيب، منها: إن بعض أصحابنا الخاصّكيّة ضرب بعض السقايين على ظهره ضربة واحدة، فرمى السقّاء المذكور قربته وترك حمله وصاح: هذا الوقت أعرّف السلطان بمن هو مختف عندك، ومشى مسرعا خطوات إلى جهة القلعة، فذهب خلفه حواشى الخاصّكى المذكور ليرجعوه فلم يلتفت، فنزل إليه الخاصّكى بنفسه حافيا وتبعه إلى الشارع الأعظم حتى لحقه وقد أعاقه الناس له، فأخذ الخاصّكى يتلطّف به ويترضّاه ويبوس صدره غير مرّة ويترقّق له وقد علاه اصفرار ورعدة، والناس تسخر من حاله لكونه ما يعرف باللغة العربية إلا كلمات هينة، فصار مع عدم معرفته يريد ملاطفة السّقّاء المذكور فيتكلّم بكلام إذا سمعه الشخص لا يكاد يتمالك نفسه، وسخر الناس وأهل حارته بكلامه أشهرا وسنين، فلما انتهى أمره وبلغنى ما وقع له كلّمته فيما فعله ولمته فى ذلك، فقال: خل عنك هذا الكلام، والله إن إينال السلحدار وأخاه يشبك
الصّوفى ضربا بالمقارع وعصرا أياما ولم يصرّح أحد فى حقهما بما أراد هذا السّقاء أن يقوله عنى، واستمر الخاصّكىّ فى قلبه حزارة من السّقّاء المذكور إلى أن تأمّر عشرة فى أوّل دولة الملك الظاهر جقمق فطلب السّقّاء المذكور فوجده قد مات فى شعبان من السنة الحالية، فهذا ما كان من أمره، ومثل هذا فكثير.
ثم [فى]«1» أواخر شهر ربيع الأوّل «2» المذكور لهج السلطان بسفره إلى البلاد الشّامية لمحاربة قرايلك.
واستهلّ شهر ربيع الآخر- أوّله الأحد- والسلطان والأمراء فى الاهتمام بحركة السفر.
ثم فى يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر، وأعيد إلى قضاء الشافعيّة بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينىّ.
ثم فى جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير جانى بك السّيفى يلبغا الناصرى نائب رأس نوبة النّوب «3» المعروف بجانبك الثّور، باستقراره فى نيابة الإسكندرية بعد موت أحمد بن الأقطع.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين شوّال خرج محمل الحاج إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة صحبة الأمير قراسنقر الظاهرىّ، وحجّت فى هذه السنة زوجة السلطان الملك الأشرف وأمّ ولده الملك العزيز يوسف خوند جلبّان الچاركسية بتجمّل كبير إلى الغاية، وفى خدمتها الزّينى خشقدم الظاهرىّ الزّمّام وهو أمير الرّكب الأوّل، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش.