المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 836] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر

- ‌السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌ذكر غزوة قبرس على حدتها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815- 836

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 815- 824

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

ثم فى سابعه خلع السلطان على التاج الشّوبكى باستقراره والى القاهرة بعد عزل دولات خجا المقدم ذكره، وقد أقمع دولات خجا المفسدين وأبادهم.

ثم فى يوم الأحد ثامن عشرين ذى القعدة أيضا ورد الخبر على السلطان بموت جينوس بن جاك متملّك قبرس، فعيّن السلطان شخصا من الأعيان ومعه ستّون مملوكا للتوجه إلى قبرس، فخرجوا فى يوم الجمعة خامس عشرين ذى الحجة من سنة خمس وثلاثين وثمانمائة ومعهم خلعة لجوان بن جينوس باستقراره فى مملكة جزيرة قبرس عوضا عن والده جينوس نيابة عن السلطان، ومطالبته بما تأخر على أبيه وهو أربعة وعشرون ألف دينار وبما التزم فى كلّ سنة وهو خمسة آلاف دينار، وساروا على ذلك إلى ما يأتى ذكره.

وانسلخت هذه السنة بيوم الأربعاء الموافق لرابع أيام النسىء، وهى سنة تحويل «1» تحوّل الخراج فيها من أجل أنه لم يقع فيها نوروز، فحوّلت سنة ست إلى سنة سبع وثلاثين.

قال المقريزى رحمه الله: واتّفق فى سنة ست وثلاثين هذه غرائب منها: أن يوم الخميس كان أوّل المحرّم ووافقه أوّل يوم من تشرين وهو رأس سنة اليهود، فاتّفق أوّل سنة اليهود مع أوّل سنة المسلمين، ويوم الجمعة وافقه أوّل توت وهو أوّل سنة النّصارى القبط، فتوالت أوائل سنى الملل الثلاث فى يومين متوالين، واتّفق مع ذلك أن طائفة اليهود الربانيين يعملون رءوس سنيهم وشهورهم بالحساب، وطائفة القرائين يعملون رءوس سنيهم وشهورهم برؤية الأهلّة كما هى عند أهل الإسلام، فيقع بين طائفتى اليهود فى رءوس السنين والشهور اختلاف كبير، فاتّفق فى هذه السنة مطابقة حساب الرّبّانيّين والقرّائين، فعمل الطائفتان جميعا رأس سنتهم يوم الخميس، وهذا من النوادر التى لا تقع إلا فى الأعوام المتطاولة- انتهى.

[ما وقع من الحوادث سنة 836]

ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين المحرم من سنة ست وثلاثين المذكورة عزل

ص: 363

السلطان آقبغا الجمالى عن الأستادارية، وجعل الزّنجير الحديد فى رقبته، وأنزله على حمار من القلعة إلى بيت التاج الوالى بسويقة الصاحب ليعاقبه على استخراج المال.

وأصبح السلطان من الغد خلع على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ بإعادته إلى وظيفة الأستادارية عوضا عن آقبغا المذكور مضافا إلى الوزر، وعزله عن وظيفة كتابة السّر، ورسم السلطان للقاضى شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر أن يباشر الوظيفة إلى أن يستقرّ فيها أحد، وعيّن جماعة كبيرة للوظيفة المذكورة فلم يقع اختيار السلطان على أحد منهم.

ورسم السلطان بطلب القاضى كمال الدين ابن البارزىّ قاضى قضاة دمشق وكاتب سرّها ليستقرّ فى كتابة سرّ مصر، وخرج القاصد بطلبه من القاهرة فى يوم الأحد ثانى صفر من سنة ست وثلاثين وثمانمائة [ليستقر فى كتابة سرّ مصر «1» ] ، وأن يستقرّ عوضه فى «2» القضاء بدمشق بهاء الدين محمد ابن القاضى نجم الدين عمر بن حجّى، وأن يستقرّ عوضه فى كتابة سرّ دمشق قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن الكشك الحنفىّ، ويستقرّ ولد ابن الكشك شمس الدين محمد فى قضاء الحنفيّة بدمشق عوضا عن أبيه، ويستقرّ جمال الدين يوسف بن الصّفّىّ فى نظر جيش دمشق عوضا عن بهاء الدين ابن حجّى.

ثم فى سابع صفر قدمت الرسل المتوجّهة إلى قبرس، وكان من خبرهم أنهم لما توجّهوا إلى دمياط ركبوا منها البحر [المالح]«3» فى شينيين «4» وساروا حتى وصلوا إلى الملّاحة فى يوم السبت عاشر المحرّم من سنة ست وثلاثين المذكورة، فلما وصلوا إلى

ص: 364

الملّاحة سار أعيانهم فى البرّ إلى الأفقسيّة وهى مدينة قبرس ودار ملكها، وبلغ متملّك قبرس مجيئهم فخرج إلى لقائهم وزير الملك فى أكابر أهل قبرس، فأنزلوهم هناك وباتوا ليلتهم بالمكان المذكور، وأصبحوا من الغد وهو يوم الاثنين ثانى عشر المحرم عبروا المدينة ودخلوا على الملك جوان بن جينوس بن جاك فى قصره فإذا هو قائم على قدميه فسلمّوا عليه وبلّغوه الرسالة وأوصلوه كتاب السلطان، كل ذلك وهو قائم على قدميه، فأذعن بالسمع والطاعة، وقال: أنا مملوك السلطان ونائبه، وقد كنت على عزم أن أرسل التقدمة، فبلغنى قدومكم فأمسكت عن ذلك، فكلّموه أن يحلف على طاعة السلطان، فأجابهم إلى ذلك، واستدعى القسيسين وحلف على الوفاء وعلى الاستمرار على الطّاعة والقيام بما يجب عليه من ذلك، فعند ذلك أفيض عليه التّشريف السلطانى المجهّز له على يد كبير القوم، فلبسه وقد أظهر السرور والبشر بذلك، ثم خرجت الرسل من عنده فداروا بالمدينة وهم ينادى بين أيديهم باستقرار الملك جوان فى نيابة السّلطنة بمدينة الأفقسيّة وسائر ممالكها، وأن لأهل قبرس الأمان والاطمئنان، وأمروهم بطاعته وطاعة السلطان إلى أن داروا البلد، ثم أنزلوهم فى بيت قد أعدّ لهم، وأجرى عليهم من الرّواتب ما يليق بهم من كل ما عندهم.

ثم حمل إليهم فيما بعد سبعمائة ثوب صوف قيمتها عشرة آلاف دينار، وذلك مما تأخّر على أبيه، ثم أظهر خصم أربعة آلاف دينار أخرى، ووعد بحمل العشرة آلاف دينار الباقية بعد سنة، ثم بعث إليهم أيضا بأربعين ثوبا صوفا برسم الهديّة للسلطان، ثم أرسل لكل من الرّسل شيئا بحسب مقامه وعلى قدره، ثم أخذ فى تجهيزهم وتسفيرهم حتى كان سفرهم من قبرس بعد عشرة أيام من قدومهم إلى اللّمسون، فأقاموا [بها]«1» إلى أن تهيئوا وركبوا البحر وساروا فيه ستّة أيام ووصلوا إلى ثغر دمياط، ثم خرجوا من مراكبهم وركبوا المراكب فى بحر النيل إلى أن قدموا القاهرة، وطلعوا إلى السلطان وعرّفوه ما وقع لهم مفصّلا وما معهم من الصّوف وغيره، فقبل السلطان

ص: 365

ذلك، وقرأ كتابه فإذا هو يتضمّن السمع والطاعة، وأنه نائب السلطان فيما تحت يده من البلاد والمملكة، وأنه فى طيى علمه ومن جملة مماليكه، فسرّ السلطان بذلك غاية السّرور؛ فإنه كان أشيع بمصر أنه لما ملك بعد أبيه خرج عن طاعة السلطان، ومنع الجزية، فوقع خلاف ذلك- انتهى.

ثم فى يوم السبت ثامن صفر خلع السلطان على حسن بك بن سالم الدّوكرىّ أحد أمراء التّركمان وهو ابن أخت قرايلك باستقراره فى نيابة البحيرة عوضا عن أمير على، وأنعم عليه بمائة قرقل «1» ومائة قوس ومائة تركاش «2» وثلاثين فرسا ووجهه إلى محل تحكمه بمدينة دمنهور، فأقام بها سنين عديدة وإلى الآن متوليها هو ولده، وهو يومئذ متولى جعبر.

ثم ورد الخبر على السلطان بامتناع ابن الكشك من ولاية كتابة سرّ دمشق، وأنه استعفى من ذلك، فأعفاه السلطان ورسم باستقرار القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين أحد موقّعى الدّست بدمشق فى كتابة سرّ دمشق، وكتب أيضا باستقرار محيى الدين يحيى بن حسن بن عبد الواسع الحبحابى المغربى المالكى فى قضاء المالكية بدمشق عوضا عن القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد الأموى بعد موته.

ثم فى يوم الاثنين أوّل شهر ربيع الأوّل قدم إلى القاهرة رسول ملك القطلان «3» من الفرنج بكتابه، وقد نزل على جزيرة صقلّية فى ثانى عشرين شهر رمضان بما ينيف على مائة قطعة حربية، وتضمّن كتابه الإنكار على الدّولة ما تعتمده من التجارة فى البضائع، وأن رعيّته الفرنج لا يشترون من السلطان ولا من أهل دولته بضاعة، وأنهم لا يشترون إلا من التّجّار، ثم أعاب على السلطنة صناعة المتجر، فردّ السلطان رسوله ردّا قبيحا، وكتب له جوابا بمثل ذلك.

ص: 366

ثم فى هذا الشهر تكرّر توجّه السلطان إلى الصيّد غير مرّة قبليا وبحريا فأبعد ما وصل قبليا إلى إطفيح «1» وبحريا إلى شيبين القصر بالشرقيّة.

ثم فى تاسع عشر شهر ربيع الأوّل قدم القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ من دمشق بعد أن خرج أكابر الدّولة إلى لقائه، وطلع إلى السلطان وقبّل الأرض، ثم نزل إلى داره، وطلع من الغد إلى القلعة فى يوم السبت العشرين من شهر ربيع الأوّل المذكور، وخلع السلطان عليه باستقراره فى كتابة السّر بالديار المصريّة عوضا عن شهاب الدين أحمد بن السفاح بعد شغور الوظيفة مدّة طويلة، وهذه ولاية كمال الدين المذكور [لكتابة السّر]«2» ثانى مرة، ونزل فى موكب جليل.

قال المقريزى: وسر الناس به سرورا كبيرا؛ لحسن سيرته وكفايته، وجميل طريقته، وكرمه وكثرة حيائه- فالله يؤيده بمنه- انتهى كلام المقريزى.

قلت: هو كما قاله المقريزى وزيادة حتى إننى لا أعلم فى عصرنا هذا من يدانيه فى غزير محاسنه- رحمه الله تعالى.

ثم فى يوم الخميس أول جمادى الأولى قدم الأمير مقبل الحسامى الدوادار- كان- نائب صفد، وكان السلطان قد ركب من القلعة إلى خارج القاهرة فلقيه السلطان وخلع عليه، وعاد مقبل المذكور فى خدمة السلطان إلى القلعة، ثم نزل مقبل فى دار أعدّت له، فأقام بالقاهرة إلى يوم حادى عاشره، وخلع عليه خلعة السفر، وتوجه إلى محل كفالته بصفد.

ثم فى يوم الخميس ثامنه خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطيارى أحد أمراء العشرات، واستقر فى نظر جدّة عوضا عن سعد الدين إبراهيم بن المرة، وأذن لابن المرة المذكور أن يتوجه إلى خدمته، فلما كان يوم حادى عشر [جمادى الأولى المذكورة]«3»

ص: 367

نودى فى الناس بالإذن فى السّفر إلى الحجاز- رجبيّة- صحبة الأمير أسنبغا الطيارى المذكور، فسرّ الناس بذلك سرورا زائدا؛ لأن ابن المرة كان لا يدع أحدا أن يسافر معه خوفا عليهم من قطاع الطريق.

ثم فى سابع عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الوزير كريم الدين بن كاتب المناخ إلى جهة الوجه القبلى- وهو يوم ذاك يباشر الوزارة والأستادارية معا- وكان سفره إلى الوجه القبلى لتحصيل ما يقدر عليه من الجمال والخيل [والبغال]«1» والغنم والمال لأجل سفر السلطان إلى جهة البلاد الشاميّة، كل ذلك والناس يأخذون ويعطون فى سفر السلطان؛ فإنه وقع منه التجهيز للسفر غير مرة ثم تغير عزمه عن ذلك.

ثم فى تاسع عشرينه قدم إلى القاهرة كتاب القان شاه رخّ بن تيمور لنك صاحب ممالك العجم وجغتاى على يد بعض تجّار العجم يتضمن أنه يريد كسوة الكعبة، وأرعد فيه وأبرق، ولم يخاطب السلطان فيه إلا بالأمير برسباى، وقد تكررت مكاتبته للسلطان بسبب كسوة الكعبة غير مرة، وهو لا يلتفت إليه ولا يسمح له بذلك، بل يكتب له بأجوبة خشنة مشحونة بالتّوبيخ والوعيد والبهدلة، حتى إنه كلّما ورد منه كتاب وأجابه السلطان بتلك الأجوبة الخشنة لا يشك الناس أن شاه رخّ يرد إلى البلاد الشامية عقيب ذلك، فلم يظهر له خبر ولا نظر له أثر، وقد استخف الملك الأشرف بشأنه حتى [إنه]«2» صار إذا أتاه قاصده لا يلتفت إليه ولا إلى ما فى يده من الكتب بالكلية، ويأتى- إن شاء الله تعالى- ذكر ما فعله ببعض قصّاده من الضرب والبهدلة فى محله من هذا الكتاب.

قلت: لا أعرف للملك الأشرف فى سلطنته حركة بعد افتتاحه لقبرس أحسن من ثباته مع شاه رخّ المذكور فى أمر الكسوة، وعدم اكتراثه به؛ فإنه أقام بفعلته هذه حرمة للديار المصرية ولحكّامها إلى يوم القيامة- انتهى.

ص: 368

ثم فى يوم الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة أنفق السلطان فى المماليك المجرّدين إلى مكة- وهم خمسون مملوكا- لكل واحد منهم مبلغ ثلاثين دينارا، وتجهّزوا للسفر إلى مكة صحبة الأمير أسنبغا الطيارى [ «1» فلما كان يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة المذكورة برز فيه الأمير أسنبغا الطيّارىّ]«2» بمن معه من المماليك السلطانية والحجّاج.

وفيه خلع السلطان على سعد الدين إبراهيم بن المرة ليكون رفيقا للأمير أسنبغا الطيّارىّ فى التكلّم على بندر جدّة.

وفى هذه الأيام قوى عزم السلطان على السّفر، وظهر للناس حقيقة ذلك من تجهيز أمور السلطان وتعلقاته للسفر، وأيضا فإنه رسم فى هذه الأيام بصرّ «3» نفقة المماليك السلطانية بسبب السفر.

ثم فى يوم الخميس حادى عشرين جمادى الآخرة [المذكورة]«4» أنفق السلطان فى الأمراء نفقه السّفر، فعند ذلك اضطرب الناس وأخذوا فى تجهيز أمورهم وتيقّنوا صدق القالة، فحمل السلطان إلى الأمير الكبير أتابك العساكر سودون من عبد الرحمن أكياس فضّة حسابا عن ثلاثة آلاف دينار، وإلى كلّ من أمراء الألوف- وهم عشرة أنفس- لكل واحد ألفى دينار، وإلى كل من أمراء الطّبلخانات خمسمائة دينار، وإلى كل من أمراء العشرات مائتى دينار، وكل ذلك فضّة حسابا عن الذّهب من سعر الدينار بمائتين وعشرين درهما، والدينار يومئذ بمائتين وثمانين، فالنفقة على هذا الحكم تنقص مبلغا كبيرا، غير أنه من هو المشاحح لذلك، ولسان الحال يقول:(يد الخلافة لا تطاولها يد) وكان هذا أيضا بخلاف القاعدة؛ فإنّ قاعدة الملوك أن تنفق أولا على المماليك السلطانية، ثم تنفق على الأمراء، فكان ذلك بخلاف ما كان، وكان له سبب

ص: 369

فيما قيل، وهو أن الملك الأشرف كان عنده بخل وعدم محبة للسّفر من مبدأ أمره إلى أيّام سلطنته، وكان أشاع فى السنين الماضية أنه يريد السّفر لقتال قرايلك يوهم قرايلك بذلك ليرسل إليه بالدخول فى طاعته، وكان قرايلك أرسل إلى السلطان فى ذلك لمّا كان ولده هابيل فى حبس الملك الأشرف، فلما مات هابيل بالطّاعون فى سنة ثلاث وثلاثين فى محبسه أمسك قرايلك عن مكاتبات السلطان، وأخذ فى ضرب معاملاته، وصار السلطان فى كل سنة يتجهز للسفر ويشيع ذلك إرداعا لقرايلك، فلم يلتفت قرايلك لذلك، فلمّا طال الأمر على السلطان حقّق ما كان أشاعه من السّفر مخافة العار والقالة فى حقّه.

وتأييد ما قيل أننى سمعته يقول فى بعض منازله فى سفره إلى آمد، وأظنه فى العودة:

لو سألنى قرايلك فى الصّلح والدخول فى طاعتى بمقدار ما سأله للأمير جكم من عوض نائب حلب لما مشى لفتاله أو أقل من ذلك لرضيت، فهذا الخبر يقوّى القول المقدّم ذكره.

واستمر السلطان فى انتظار قدوم رسل قرايلك بالصّلح فى كل يوم وساعة، وهو يترجّى أنه إذا بلغه صحة سفر السلطان إلى قتاله يرسل قصّاده فى السّؤال بالصّلح، وأرباب دولته تشير عليه بالتربّص والتأنى فى أمر السّفر مخافة من وقوعهم فى الكلف الكثيرة، فأشاروا عليه بأن ينفق فى الأمراء أوّلا ربما يأتى رسول قرايلك فى السؤال ويبرم الصلح، فيكون استعادة المال منهم أهون من استعادته من المماليك السلطانية، فحسن ذلك ببال السلطان، وهو كما قيل فى الأمثال «إن كلمة الشح مطاعة» وأنفق فى الأمراء وعوّق نفقة المماليك إلى أن كان يوم سلخ جمادى الآخرة وقع «1» الإياس من قرايلك وأخذ فى نفقة المماليك السلطانية فى سلخ الشهر المذكور، فأنفق على عدّة كبيرة من المماليك السلطانية لا يحضرنى عدّتهم.

قال المقريزى: وهم ألفان وسبعمائة، وفى ظنى أنهم كانوا أكثر من ذلك غير أنى

ص: 370

لم أحرّر عدّتهم، فجلس السلطان بالمقعد الذي على باب البحرة من الحوش السلطانى بقلعة الجبل، وأعطى لكل مملوك صرّة فيها ألف درهم وخمسون درهما [فضة]«1» أشرفيّة، عنها من الفلوس اثنان وعشرون ألف درهم، وهى مصارفة مائة دينار من حساب صرف كل دينار بمائتين وعشرين درهما فلوسا، وكان صرف الدينار يوم ذاك بمائتين وثمانين درهما، كما حملت النفقة أيضا للأمراء على هذا الحساب، وكانت المماليك السلطانية اتّفقوا على أنّهم لا يأخذون إلا مائة دينار ذهبا، ودخلوا على ذلك، فلما استدعى الديوان أوّل اسم من طبقة الرّفرف خرج صاحبه وأخذ وباس الأرض وعاد إلى حال سبيله، واستدعى الديوان من هو بعده فخرج واحد بعد واحد إلى أن تمت النفقة «2» ولم يتفوّه أحد منهم بكلمة فى معنى ما اتفقوا عليه، ولما نزولوا بعد القبض للنفقة صار بعضهم يوبخ البعض خفية على ترك ما اتّفقوا عليه، إلى أن قال لهم بعض المماليك المؤيدية: احمدوا الله على هذا العطاء، فو الله لو لم ينفق [السلطان]«3» فيكم وأمركم بالسّفر معه من غير نفقة لخرجتم معه صاغرين، وأوّلهم أنا، فضحك القوم من كلامه وانصرفوا.

قلت: تلك أمة قد خلت، هؤلاء القوم يأكلون الأرزاق صدقة عن تلك الأمم السالفة؛ فإننا لا نعلم بقتال وقع فى هذا القرن- أعنى عن قرن التسعمائة- غير وقعة تيمور لنك مع نوّاب البلاد الشاميّة على ظاهر حلب، لا مع العساكر المصريّة. وأما ما وقع بعد ذلك من الوقائع فى الدولة الناصرية [فرج]«4» الدولة المؤيدية [شيخ]«5» والدولة الظاهرية [ططر]«6» والدولة المنصورية [محمد بن ططر]«7» فهو نوع «8» من القتال لا القتال المعهود بعينه، وتصديق ذلك أنه لم تكن وقعة وقعت فى هذ الدّول

ص: 371

أعظم من وقعة شقحب «1» ومع ذلك لم يقتل فى المصاف خمسون رجلا من الطائفتين.

وما وقع بعد ذلك من الوقائع فتنجلى الوقعة ولم يقتل فيها رجل واحد، وقد ثبت عند المؤرخين أنه قتل فى الوقعة التى كانت بين تيمور لنك وبين ملك دلى أحد ملوك الهند فى المصاف زيادة على عشرة آلاف نفس فى أقلّ من يوم، ونحن لا نطالب أحدا بذلك، غير أن الازدراء بالغير على ماذا؟! - انتهى.

ثم فى يوم الثلاثاء ثالث شهر رجب قدم الصاحب كريم الدين عبد الكريم من الوجه البحرى بعد أن أخذ خيول أهله وجمالهم وأغنامهم وأموالهم، هو وأتباعه، فما عفّوا ولا كفّوا.

ثم فى يوم الخميس ثانى عشر شهر رجب المذكور أدير محمل الحاج، ولم يعمل فيه ما جرت به العادة من التجمّل، ولعب الرّمّاحه، بل أوقف المحمل تحت القلعة وأعيد، ولم يتوجّه إلى مصر، وهذا شىء لم يعهد بمثله، وكان سبب ذلك اشتغال الرّمّاحة بالتجهيز للسفر صحبة السلطان.

ثم فى يوم السبب رابع عشر شهر رجب المذكور خرجت مدوّرة السلطان وخيام الأمراء من القاهرة، ونصبت بالرّيدانيّة لأجل سفر السلطان.

ثم فى يوم الاثنين سادس عشره خرج أمراء الجاليش مقدّمة لعسكر السلطان، وهم الأمير سودون من عبد الرحمن أتابك العساكر، والأمير إينال الجكمىّ أمير سلاح، والأمير قرقماس الشّعبانىّ الناصرىّ حاجب الحجاب، والأمير قانى باى الحمزاوى، والأمير سودون ميق، والجميع مقدّمو ألوف، ونزلوا بخيمهم بطرف الرّيدانيّة تجاه مسجد التبن.

ثم رسم السلطان بإخراج البطّالين من الأمراء من الديار المصرية، فرسم للأمير

ص: 372

ألطنبغا المرقبىّ حاجب الحجاب- كان- فى الدولة المؤيدية [شيخ]«1» بالتوجّه إلى القدس، ثم رسم له أن يتوجّه صحبة السلطان إلى السّفر فسافر فى ركاب السلطان، وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات، ثم رسم السلطان بإخراج الأمير أيتمش الخضرى الظاهرى المعزول عن الأستادارية قبل تاريخه إلى القدس، فخرج إليه، ومنع السلطان من بقى من أولاد الملوك من الأسياد من ذرّيّة الملك الناصر محمد بن قلاوون وغيره من سكنى القلعة وطلوعها فى غيبة السلطان، وأخرجوا من دورهم فيها، وكانوا لمّا منعوا من سنين من سكن القلعة، ورسم لهم الملك الأشرف بالنزول منها والركوب حيث شاءوا، سكن أكثرهم بالقاهرة وظواهرها، فذلّوا بعد عزّهم، وتهتّكوا بعد تحجّبهم، وبقى من أعيانهم طائفة مقيمة بالقلعة، وتنزل إلى القاهرة فى حاجاتهم ثم تعود إلى دورهم، فلما كان سفر السلطان فى هذه السنة أخرجوا الجميع منها ومنعوا من سكنى القلعة، فنزلوا وتفرّقوا بالأماكن بالقاهرة.

والعجب أن الملك الناصر محمد بن قلاوون كان فعل ذلك بأولاد الملوك من بنى أيّوب، فجوزى فى ذرّيته، وكان الملك الكامل محمد ابن [الملك]«2» العادل أبى بكر بن أيوب فعل ذلك بأولاد الخلفاء الفاطميين، فكل واحد من هؤلاء جوزى فى أولاده بمثل فعله، ووقع ذلك لابن الملك الأشرف ولغيره، ولا يظلم ربّك أحدا.

ثم فى يوم سابع عشره خلع السلطان على دولات خجا الظاهرىّ بإعادته إلى ولاية القاهرة عوضا عن التّاج بن سيفه الشّوبكىّ بحكم سفره مع السلطان مهمندارا وأستادار الصّحبة، هذا وقد ترشّح الأمير آقبغا التّمرازى أمير مجلس لإقامته بالقاهرة فى غيبة السلطان، وترشّح الأمير حسين بن أحمد المدعو تغرى برمش البهسنىّ للإقامة بباب السّلسلة فى غيبة السلطان حسبما يأتى ذكره.

ص: 373

تم الجزء الرابع عشر من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الخامس عشر وأوله ذكر سفر السلطان الملك الأشرف برسباى إلى آمد

ص: 374