المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 831] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر

- ‌السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌ذكر غزوة قبرس على حدتها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815- 836

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 815- 824

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

إلى الدّيار المصرية لتؤخذ منهم المكوس لا يلزم أنه لا يفعل معروفا آخر، وأما جميع ما أبطله ورسم بمنعه ففيه غاية الصلاح والتعظيم للبيت العتيق، أما منع الباعة بالحرم فكان من أكبر [المصالح و]«1» المعروف، فإنه كان يقوم الشخص فى طوافه وعبادته وأذنه ملأى من صياح الباعة والغوغاء من كثرة ازدحام الشّراة، وأما نصب الخيام فكان من أكبر القبائح، ولعل الله تعالى يغفر للملك الأشرف جميع ذنوبه بإبطال ذلك من الحرم الشريف، فإنه قيل إن بعض الناس كان إذا نصب خيامه بالمسجد الحرام نصب به أيضا بيت الراحة وحفر له حفرة بالحرم، وفى هذا كفاية، وأما تحويل المنبر فإنه قيل للسلطان إن المنبر فى غاية ما يكون من الثقل، وأنه كلما ألصق بالبيت الشريف انزعج منه وتصدّع، فمنع بسبب ذلك، وقد صار الآن يحول إلى القرب من البيت، غير أنه لا يلصق به، فحصلت المصلحة من الجهتين، وأما غلق أبواب المسجد فى غير أيّام الموسم إلا أربعة فيعرف فائدة ذلك من جاوره بمكة، ويطول الشرح فى ذكر ما يتأتى من ذلك من المفاسد، وإن كان فيه بعض مصلحة لسكان مكة- انتهى.

ثم فى رابع عشرين ذى الحجة قبض بالمدينة على أميرها الشريف خشرم بن دوغان ابن جعفر بن هبة الله بن جمّاز بن منصور بن جمّاز، فإنه لم يقم بالمبلغ الذي وعد به، واستقرّ عوضه فى إمرة المدينة الشريفة مانع بن على بن عطية بن منصور بن جمّاز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنّأ بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن على بن أبى طالب [كرم الله وجهه]«2» .

[ما وقع من الحوادث سنة 831]

ثم فى يوم الجمعة ثالث المحرم سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة قدم الحمل من جزيرة قبرس ومبلغه خمسون ألف دينار مشخّصة، فرسم السلطان بضربها دنانير أشرفيّة، فضربت بقلعة الجبل والسلطان ينظر إليها إلى أن تمّت.

ثم فى يوم السبت حادى عشر المحرّم المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل بغير

ص: 311

قماش الخدمة ونزل إلى دار الأمير جانى بك الأشرفى الدّوادار الثانى بحدرة البقر «1» ليعوده فى مرضه.

ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرينه قدم الركب الأوّل من الحاج، وقدم المحمل من الغد ببقية الحاجّ، ومعهم الشريف خشرم فى الحديد، وقدم معهم أيضا الأمير بكتمر السّعدى من المدينة، وكان له بها من العام الماضى.

ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر من سنة إحدى وثلاثين خلع السلطان على قاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله البغدادى الحنبلى، وأعيد إلى قضاء الحنابلة بالديار المصرية بعد عزل قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز الحنبلى «2» ولم يكن عزل عزّ الدين المذكور لسوء سيرته بل إنه سار فى القضاء على طريق غير معتادة، وهو أنه صار يمشى فى الأسواق ويشترى ما يحتاجه بيده من الأسواق، وإذا ركب أردف خلفه على بغلته عبده، ويمر على هذه الهيئة بجميع شوارع القاهرة، وكان كثير التردد إلىّ فى كل وقت، لأنه كان من جمله أصحاب الوالد، فكان يأتى من المدرسة الصالحيّة ماشيا، ويجلس حيت انتهى به المجلس، فلم يحسن ذلك ببال أعيان الدّولة، وحملوه على أنه يفعل ذلك تعمدا ليقال، وقالوا للسلطان- وكان له إليه ميل زائد-: هذا مجنون، ولا زالوا به حتى عزله وأعاد القاضى محب الدين.

ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر المذكور ركب السلطان من القلعة بغير قماش الخدمة- وقد صار ركوب السلطان بغير قماش الخدمة عادة، وكان يقبح ذلك فى سالف الأعصار، وأول من فعل ذلك الملك الناصر فرج، ثم المؤيد، ثم الأشرف [هذا]«3» .

انتهى- وسار حتى شقّ القاهرة ودخل من باب زويلة وخرج من باب النّصر إلى خليج الزعفران، فرأى البستان الذي أنشأه هناك، وعاد من خارج القاهرة على تربته

ص: 312

التى عمّرها بجوار تربة الملك الظاهر برقوق بالصحراء «1» ثم سار حتى طلع إلى القلعة، ثم فى ليلة الجمعة سابع شهر ربيع الأوّل قرىء المولد النبوىّ بالحوش السلطانى من قلعة الجبل على العادة.

ثم فى يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأوّل المذكور أنعم السلطان بإقطاع الأمير بكتمر السعدى على الأمير قجقار السيفى بكتمر جلّق الزردكاش المعروف بجغتاى،- والإقطاع إمرة طبلخاناه- بعد موت بكتمر السّعدىّ، وكان بكتمر من محاسن الدّهر معدودا من أرباب الكمالات، كان فقيها جنديا شجاعا عالما، هينا قويا عاقلا، مقداما عفيفا لطيفا، لا أعلم فى أبناء جنسه من يدانيه أو يقاربه فى كثرة محاسنه، صحبته سنين، وانتفعت بفضله ومعرفته وأدبه، وقد استوعبنا ترجمته فى [تاريخنا]«2» المنهل الصافى، ويأتى ذكره أيضا فى الحوادث من هذا الكتاب فى محله إن شاء الله تعالى، ولهو أحقّ بقول القائل:[الكامل]

عقم النّساء فما يلدن شبيهه

إنّ النساء بمثله عقم

ثم فى آخر شهر ربيع الأوّل استقر تمرباى «3» التّمربغاوى الدوادار الثالث دوادارا ثانيا بعد موت الأمير جانى بك [الأشرفى]«4» الدّوادار، ولم ينعم عليه بإمرة إلا بعد مدة طويلة أنعم عليه بإمرة عشرة، وأما جانى بك يأتى ذكره فى الوفيات مطوّلا [إن شاء الله تعالى]«5»

ثم فى شهر ربيع الآخر من هذه السنة تشكّى التجار الشاميّون من حملهم البضائع

ص: 313

التى يشترونها من بندر جدّة إلى القاهرة، فوقع الاتفاق على أن يؤخذ منهم بمكّة عن كل حمل- قلّ ثمنه أو كثر- ثلاثة دنانير ونصف، وأن يعفوا عن حمل ما يقبضونه من جدّة إلى مصر، فإذا حملوا ذلك إلى دمشق أخذ منهم مكسها هناك على ما جرت به العادة، وتم ذلك.

قال المقريزى: وفى هذا الشهر- يعنى عن جمادى الأولى من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة- كانت الفتنة الكبيرة بمدينة تعز «1» من اليمن؛ وذلك أن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس ابن المجاهد على ابن المؤيد داود ابن المظفر يوسف ابن المنصور عمر بن على بن رسول [صاحب اليمن]«2» لما مات قام من بعده ابنه [ «3» الملك الناصر أحمد ابن الأشرف إسماعيل، وقام بعد الناصر أحمد ابنه «3» ] الملك المنصور عبد الله فى جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ومات فى جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة، فأقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر فتغيّرت عليه نيّات الجند كافة من أجل وزيره شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوى، فإنه أخّر صرف جوامكهم ومرتّباتهم، فتغيرت منه القلوب، وكثرت حسّاده لاستبداه على السلطان وانفراده بالتصرّف دونهم، وكان يليه فى الرّتبة الأمير شمس الدين على بن الحسام ثم القاضى نور الدين على المحالبى مشدّ الاستيفاء «4» ، فلما اشتدّ الأمر على العسكر وكثرت إهانة الوزير لهم. وإطراحه جانبهم ضاقت عليهم الأحوال حتى كادوا أن يموتوا جزعا، فاتّفق تجهيز خزانة من عدن وبرز الأمر بتوجّه طائفة من العبيد والأتراك إليها لتلقّيها، فسألوا أن ينفق فيهم أربعة دراهم

ص: 314

لكل [واحد]«1» منهم يرتفق بها، فامتنع الوزير ابن العلوىّ من ذلك، وقال:

ليمضوا غصبا إن كان لهم غرض فى الخدمة، وحين وصول الخزانة يكون خيرا وإلا ففسح الله لهم فما للدهر بهم حاجة، والسلطان غنىّ عنهم، فهيّج هذا القول خفاء بواطنهم، وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير، وإثارة فتنة، فبلغ الخبر السلطان فأعلم به الوزير، فقال: ما يسوّوا شيئا، بل نشنق كلّ عشرة فى موضع، وهم أعجز من ذلك.

فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الأولى هذه قبيل المغرب هجم جماعة من العبيد والترك دار العدل بتعزّ، وافترقوا أربع فرق: فرقة دخلت من باب الدار، وفرقة دخلت من باب السر، وفرقة وقفت تحت الدار، وفرقة أخذت بجانب آخر، فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جاندار فهبروه بالسّيوف حتى هلك وقتلوا معه عليا المحالبى مشدّ الدّواوين وعدّة رجال، ثم طلعوا إلى الأشرف وقد اختفى بين نسائه وتزيّا بزيّهن فأخذوه، ومضوا إلى الوزير العلوى فقال لهم: ما لكم فى قتلى فائدة، أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين، فمضوا إلى الأمير شمس الدين على بن الحسام فقبضوا عليه وقد اختفى، وسجنوا الأشرف فى طبقة المماليك ووكلوا به، وسجنوا ابن العلوى الوزير وابن الحسام قريبا من الأشرف ووكلوا بهما، وقد قيدوا الجميع، وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الأتراك، فصعد هو وجماعة ليخرج الملك الظاهر يحيى ابن الأشرف إسماعيل بن عباس من تعبات «2» ، فامتنع أمير البلد من الفتح ليلا، وبعث الظاهر إلى برقوق أن يمهل إلى الصبح، فنزل برقوق ونادى فى البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن السلطان هو الملك الظّاهر يحيى بن الأشرف، هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميع ما فى دار السلطنة، وأفحشوا فى نهبهم؛ فسلبوا الحريم ما عليهن، وانتهكوا منهن ما حرّم الله، ولم يدع فى الدار ما قيمته الدّرهم الفرد «3» .

ص: 315

فلما أصبح يوم الجمعة عاشره اجتمع بدار العدل التّرك والعبيد وطلبوا بنى زياد وبنى السنبلى والخدّام وسائر أمراء الدّولة والأعيان، فلما تكامل جمعهم وقع بينهم الكلام فيمن يقيمونه، فقال بنو زياد: وما ثمّ غير يحيى فاطلعوا له هذه الساعة، فقام الأمير زين الدين جيّاش الكاملى والأمير برقوق وطلعا إلى تعبات فى جماعة من الخدّام والأجناد فإذا الأبواب مغلقة، فصاحوا بصاحب البلد حتى فتح لهم، ودخلوا إلى القصر وسلّموا على الظاهر يحيى بالسلطنة، وسألوه أن ينزل معهم إلى دار العدل، فقال: حتى يصل العسكر أجمع، ففكّوا القيد من رجليه، وطلبوا العسكر بأسرهم، فطلعوا بأجمعهم وأطلعوا معهم بعشرة جنائب، فتقدّم الترك والعبيد وقالوا للظاهر:

لا نبايعك حتى تحلف لنا أنّك لا يحدث علينا منك شىء بسبب هذه الفعلة ولا ما سبق قبلها، فحلف لهم وهم يردّدون عليه الأيمان، وذلك بحضرة قاضى القضاة موفّق الدين على بن الناشرى، ثم حلفوا له على ما يحبّ ويختار، فلما انقضى الحلف وتكامل العسكر ركب ونزل إلى دار العدل بأبهة السلطنة، ودخلها بعد صلاة الجمعة، فكان يوما مشهودا، وعندما استقرّ بالدار أمر بإرسال ابن أخيه الأشرف إسماعيل إلى تعبات فطلعوا به وقيّدوه بالقيد الذي كان الظّاهر يحيى مقيّدا به وسجنوه بالدّار التى كان [الظاهر مسجونا]«1» بها، ثم حمل بعد أيّام إلى الدّملوة «2» ومعه أمّه وجاريته، وأنعم السلطان على أخيه الملك الأفضل عباس بما كان له، وخلع عليه وجعله نائب السلطنة كما كان أوّل دولة الناصر وخمدت الفتنة.

وكان الذي حرّك هذه الفتنة بنو زياد، فقام أحمد بن محمد بن زياد الكاملى بأعباء هذه الفتنة لحنقه من الوزير ابن العلوى، فإنه كان قد مالأ على قتل أخيه جيّاش وخذّل عن الأخذ بثأره، وصار يمتهن «3» بنى زياد، ثم ألزم الوزير ابن العلوى وابن الحسام

ص: 316

بحمل المال، وعصرا على كعابهما وأصداغهما، وربطا من تحت إبطيهما وعلّقا منكّسين، وضربا بالشيب والعصىّ وهمايوردان المال، فأخذ من ابن العلوى- ما بين نقد وعروض- ثمانون ألف دينار، ومن ابن الحسام مبلغ ثلاثين ألف دينار، واستقرّ الأمير برقوق أمير جاندار، واستقر الأمير بدر الدين محمد الشّمسى أتابك العساكر، واستقرّ ابنه العفيف أمير آخور، ثم استقرّ الأمير بدر الدين المذكور أستادارا، وشرع فى النفقة على العسكر، وظهر من السلطان نبل وكرم وشهامة بحيث أطاعته العساكر بأجمعهم، فإن له قوة وشجاعة حتى [قيل]«1» إن قوسه يعجز من عندهم من التّرك عن جرّه، ومدحه الفقيه يحيى بن رويك بقصيدة أولها:[الوافر]

بدولة ملكنا يحيى اليمانى

بلغنا ما نريد من الأمانى

وعدّة القصيدة واحد وأربعون بيتا، وأجيز عليها بألف دينار. وبهذه الكائنة اختلّ ملك بنى رسول من اليمن- انتهى كلام المقريزى.

قلت: وقد خرجنا عن المقصود بطول هذه الحكاية، غير أن فى ذكرها نوعا من الأخبار والتعريف بالممالك، ولنرجع إلى ما نحن فيه «2» من أحوال الملك الأشرف برسباى صاحب الترجمة.

ولما كان يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير جارقطلو «3» أمير مجلس باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير الكبير يشبك السّاقى الأعرج، وكان يشبك الساقى المذكور من أفراد العالم، وهو أحد من أدركناه من الملوك من أهل المعرفة والذّوق والفضل والرأى والتدبير، كما سنبينه فى ترجمة وفاته من هذا الكتاب [إن شاء الله]«4» .

ص: 317

ثم فى يوم السبت عاشر جمادى الآخرة المذكورة كتب [السلطان]«1» بإحضار جرباش الكريمى المعروف بقاشق نائب طرابلس ليستقرّ أمير مجلس على عادته أوّلا عوضا عن الأمير الكبير جارقطلو «2» ، وكتب إلى الأمير الكبير [طرباى]«3» الظاهرى المقيم بالقدس بطّالا باستقراره فى نيابة طرابلس.

ثم فى يوم السبت أوّل شهر رجب عمل السلطان الخدمة بالإيوان بدار العدل «4» من القلعة، وأحضرت رسل مراد بك بن عثمان متملك برصا «5» وأدر نابولى «6» وغيرهما من ممالك الرّوم، فكان موكبا جليلا أركب فيه الأمراء والمماليك السلطانية وأجناد الحلقة وغيرهم على عادة هيئة خدمة الإيوان من تلك الأشياء المهولة، وقد بطل خدم الإيوان من أيّام الملك الظاهر جقمق، وذهب من كان يعرف ترتيبه، حتى لو أراد أحد من الملوك أن يفعله لا يمكنه ذلك.

ثم فى سابع شهر رجب المذكور خلع السلطان على القاضى كمال الدين «7» بن البارزىّ- المعزول قبل تاريخه عن كتابة السّرّ ثم عن نظر الجيش بالديار المصرية- باستقراره فى كتابة سرّ دمشق عوضا عن بدر الدين حسين بحكم وفاته، من غير سعى فى ذلك، بل طلبه السلطان وولّاه، وكان القاضى كمال الدين المذكور من يوم عزل من وظيفة نظر الجيش بعد كتابة السّرّ ملازما لداره على أجمل حالة، وأحسن طريقة من الاشتغال بالعلم والوقار والسكينة، وهو على هيئة عمله من الحشم والخدم، وبسط يديه بالإحسان لكل أحد، وترداد الأكابر والأعيان والفضلاء إلى بابه، وسافر فى ثانى عشرينه.

ص: 318

ثم فى حادى عشره أدير محمل الحاج على العادة «1» فى كل سنة.

ثم فى ثالث عشرينه قدم الأمير جرباش الكريمى معزولا عن نيابة طرابلس فخلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس على عادته أوّلا، كل ذلك والسلطان فى قلق من جهة جانى بك الصّوفىّ.

ثم فى عشرين شعبان خلع السلطان على الأمير قانصوه النّوروزىّ أحد أمراء الطبلخانات باستقراره فى نيابة طرسوس وأضيف إقطاعه إلى الديوان المفرد.

ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوّال أمسك السلطان الأمير قطج من تمراز «2» أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، ثم الأمير جرباش الكريمى قاشق أمير مجلس، فحمل قطج فى الحديد إلى الإسكندرية فسجن بها، وأخرج جرباش الكريمى بغير «3» قيد إلى ثغر دمياط بطالا، كل ذلك بسبب جانى بك الصّوفىّ، ولما تحدّت السلطان نفسه بما يفعله من كثرة قلقه منه، ولهذا السبب أيضا أخرج قانصوه وغيره، ويأتى ذكر آخرين.

ثم خلع السلطان على الأمير إينال العلائى الناصرى رأس نوبة ثانى باستقراره «4» فى نيابة غزّة عوضا عن تمراز القرمشى بحكم قدوم تمراز للدّيار المصرية، وأنعم السلطان بإقطاع إينال المذكور على الأمير تمرباى التّمر بغاوىّ الدّوادار الثانى، ثم كتب بإحضار الأمير بيبغا المظفرى من القدس، وكان نقل إلى القدس من دمياط من نحو شهر واحد، فقدم من القدس إلى القاهرة فى يوم الخميس حادى عشرين ذى القعدة وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس عوضا عن جرباش الكريمى قاشق، ومنزلة أمير مجلس فى الجلوس عند السّلطان يكون ثانى الميمنة تحت الأمير الكبير، فلما ولى بيبغا هذا إمرة مجلس أجلسه السلطان

ص: 319

على الميسرة فوق الأمير إينال الجكمى أمير سلاح لما سبق له من ولايته أتابكيّة العساكر بالديار المصرية قبل تاريخه، فصار فى الحقيقة رتبته أعظم من رتبة الأمير الكبير جار قطلو بجلوسه فوق أمير سلاح؛ لأن الأمير الكبير لا يمكنه الجلوس فوق أمير سلاح إلا لضرورة، وصار بيبغا هذا دائما جلوسه فوقه، غير أن إقطاع الأمير الكبير أكثر متحصلا من إقطاعه، وأيضا لالتفات السلطان إليه، فإنه كان أكثر كلامه فى الموكب السلطانى معه فى كل تعلقات المملكة، وليس ذلك لمحبّته فيه غير أنه كان يداريه بذلك اتّقاء فحشه، وكان سبب القبض عليه أوّلا أن السلطان شكاله بعض الأجناد من ظلم كاشف التّراب، فقال الملك الأشرف: الكاشف ماله منفعة، فبادره بيبعا هذا فى الملأ وقال له: أنت ما عملت كاشف ما تعرف، فعظم ذلك على الأشرف وأسرّها فى نفسه، ثم قبض عليه، وكذا كان وقع لبيبغا المذكور مع الملك المؤيّد، حتى قبض عليه أيضا وحبسه، وكان هذا شأنه المغالظة مع الملوك فى الكلام، غير أنه كان مناصحا للملوك ظاهرا وباطنا، ولهذا كانت الملوك لا تبرح تغضب عليه ثم ترضى؛ لعلمهم بسلامة باطنه، وكان الملك الأشرف يمازحه فى بعض الأحيان، ويسلّط عليه بعض الچراكسة بأن يزدرى جنس التّتار ويعظّم الچراكسة، فإذا سمع بييغا ذلك سبّ القائل وهجر «1» عليه، وأخذ فى تفضيل الأتراك على طائفة الچراكسة فى الشّجاعة والكرم والعظمة، فيشير عليه بعض أمراء الأتراك بالكف عن ذلك، فلا يلتفت ويمعن، والملك الأشرف يضحك [من ذلك]«2» ويساعده على غرضه حتى يسكت، وقيل إنه جلس مرّة فى مجلس أنس مع جماعة من الأمراء فأخذ بيبغا فى تعظيم ملك التّتارچنكز خان، وزاد وأمعن واخترق اختراقات عجيبة، فقال له الأمير طقز الظّاهرىّ الچركسىّ: وأيش هو چنكز خان؟ فلما سمع بيبغا ذلك أخذ الطّبر وأراد قتل طقز حقيقة، وقال له: كفرت، فأعاقه الأمراء عنه حتى قام طقز من المجلس وراح إلى حال سبيله، وقيل إنه لم يجتمع به بعد ذلك، ومع

ص: 320

هذا كلّه كان لجنونه طلاوة ولانحرافه حلاوة، على أنه كان من عظماء الملوك وأحسنها طريقة.

ثم فى يوم الخميس سادس ذى الحجة من سنة إحدى وثلاثين المذكورة أمسك السلطان الأمير أزبك المحمدى «1» الدّوادار الكبير، وأخرجه من ليلته بطّالا إلى القدس بعد أن قبض [السلطان]«2» على عدّة من خاصّكيّته، ولذلك أسباب أعظمها أمر جانى بك الصّوفىّ وأشياء أخر، منها: أن فى أواخر ذى القعدة بلغ السلطان أن جماعة من مماليكه وخاصّكيّته يريدون الفتك به وقتله ليلا، فقبض على جماعة منهم السّيفى سنطباى الأشرفى وغيره فى أيّام متفرقة، ونفى جماعة منهم إلى الشام وقوص بعد أن عاقب جماعة منهم، فكثرت القالة فى ذلك، قيل إنه سأل بعضهم بأن قال: لو قتلتمونى من الذي تنصّبونه بعدى فى السلطنة؟ فقالوا: الأمير أزبك، وقيل غير ذلك، وأخذ السلطان فى الاستعداد والحذر، وسقط عليه أيضا مرارا سهام نشّاب من أطباق المماليك السلطانية، فهذا كان السبب لقبض أزبك وغيره، وأنا أقول: إن جميع ما وقع من مسك الأمراء، وضرب جماعة من الخاصّكيّة بالمقارع، ونفى بعضهم إنما هو لسبب جانى بك الصّوفى لا غير.

ثم فى يوم السبت ثامنه خلع السّلطان «3» على الأمير أركماس الظاهرى رأس نوبة النّوب باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن أزبك المذكور، وخلع على الأمير تمراز القرمشىّ المعزول عن نيابة غزّة باستقراره رأس نوبة، وأنعم عليه بإقطاع أركماس المذكور، وأنعم بإقطاع تمراز الذي كان السلطان أنعم عليه به بعد مجيئه من غزّة وهو تقدمة ألف أيضا على الأمير يشبك السّودونى شاد الشراب خاناه، وأنعم بطبلخانات يشبك السّودونى على الأمير قراجا الأشرفى الخازندار، وخلع السلطان فى هذه الأيّام على صفىّ الدين جوهر السّيفى قنقباى اللّالا باستقراره خازندارا عوضا عن الأمير خشقدم

ص: 321

الظاهرى الرّومى بحكم انتقاله زمّاما بعد موت «1» الأمير كافور الشّبلى الصّرغتمشىّ الرّومى بعد وفاته فى السنة الماضية، وكانت وظيفة الخازندارية شاغرة من يوم تاريخه، والسلطان ينظر فيمن يولّيه من الخدام من قدماء خدام الملوك فرشّح مرجان خادم الوالد فخافه الخدّام من شدّة بأسه وحوّلوا الأشرف عنه، وكان الطّواشى جوهر الجلبّانىّ الحبشىّ لالا ابن السلطان له حنوّ وصحبة قديمة بجوهر هذا فتكلّم السلطان بسببه ونغته بالدين [والعفّة]«2» والعقل والتّدبير، ولا زال بالسلطان حتى طلبه وولّاه الخازندارية دفعة واحدة؛ فإنه كان من أصاغر الخدّام لم تسبق له رئاسة قبل ذلك، وإنما كان يعرف بين الخدام بأخى اللالا، فنال جوهر هذا من الحرمة والوجاهة والاختصاص بالملك الأشرف ما لم ينله خادم قبله- انتهى.

ثم فى سابع عشرين ذى الحجة من سنة إحدى وثلاثين المذكورة قدم مبشّر الحاج العراقى «3» وأخبر بسلامة الحاج، وأنه قدم محمل العراق فى أربعمائة جمل جهّزه السلطان حسين بن على ابن السلطان أحمد بن أويس من الحلّة «4» ، وكان السلطان حسين هذا قد استولى على ششتر «5» والحلّة، وصاهر العرب فقوى بأسه بهم، وقاتل شاه محمد ابن قرا يوسف صاحب بغداد وتمّ أسره بهذه البلاد المذكورة، وجهّز الحاج وكان له سنين قد انقطع لاستيلاء هذا الزّنديق شاه محمد بن قرا يوسف [على العراق]«6» ، فإنه كان محلول العقيدة لا يتديّن بدين، وقتل العلماء وأباد الناس، وهو أحد أسباب خراب بغداد والعراق هو وأخوته كما سيأتى ذكره، وذكر أقاربه فى

ص: 322