الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 815]
السنة الأولى من سلطنة الملك المؤيد شيخ على مصر وهى سنة خمس عشرة وثمانمائة، على أن السلطان الملك الناصر فرجا حكم منها إلى يوم السبت خامس عشرين المحرّم «1» ، ثم حكم من يومئذ الخليفة المستعين العباس «2» إلى أن خلع من السّلطنة بالملك المؤيّد هذا فى يوم الاثنين مستهلّ شعبان، فحكم المؤيّد من مستهلّ شعبان إلى آخرها، فهى على هذا التقدير أوّل سنة حكمها من سلطنته.
فيها: أعنى سنة خمس عشرة وثمانمائة توفّى قاضى قضاة دمشق شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إسماعيل بن خليفة الدمشقى الشافعى، المعروف بابن الحسبانى «3» ، فى يوم الأربعاء عاشر شهر ربيع الأوّل «4» بها، عن خمس وسبعين سنة وأشهر، وكان معدودا من فقهاء الشّافعيّة، أفتى ودرّس سنين وتولى قضاء دمشق وقدم القاهرة غير مرّة.
وتوفّى قاضى القضاة محبّ الدين محمد بن محمد بن محمد الحلبى الحنفى، المعروف بابن الشّحنة «5» ، فى يوم الجمعة ثانى عشر شهر ربيع الآخر بحلب عن ست وستين سنة، وكان إماما عالما بارعا، أفتى ودرّس بحلب ودمشق والقاهرة، وولى القضاء بحلب ثم بدمشق، ثم ولّاه الملك الناصر [فرج «6» ] قضاء الديار المصرية لمّا حوصر بدمشق، فى يوم الخميس
ثالث عشرين المحرّم من هذه السّنة، عوضا عن ناصر الدّين بن العديم، بحكم توجّهه إلى شيخ ونوروز، فلم تطل مدّته، وعزل من قبل المستعين، وأعيد ابن العديم.
وتوفّى الوالد «1» - وهو على نيابة دمشق بها- فى يوم الخميس سادس عشر المحرم، ونذكر التعريف به:
فهو تغرى بردئ بن عبد الله من خواجا بشبغا، كان رومىّ الجنس، اشتراه الملك الظّاهر برقوق فى أوائل سلطنته، وأعتقه، وجعله فى يوم عتقه خاصّكيّا، ثم جعله ساقيا، وأنعم عليه بحصّة من شيبين القصر «2» ، ثم جعله رأس نوبة الجمداريّة إلى أن نكب الملك الظاهر [برقوق]«3» وخلع وحبس بسجن الكرك «4» ، فحبس الوالد بدمشق؛ فإنه كان قد توجّه مع من توجّه من عسكر السلطان لقتال الناصرىّ «5» ومنطاش «6» ، فقبض عليه هناك، وسجن، ودام فى سجن دمشق إلى أن أخرجه الأمير بزلار العمرى نائب دمشق، وجعله بخدمته هو ودمرداش المحمدى ودقماق المحمدى.
واستمر الوالد بدمشق إلى أن خرج الملك الظّاهر برقوق من سجن الكرك، فبادر الوالد بالتّوجّه إليه قبل أن يستفحل أمره، وحضر معه الوقعة المشهورة التى كانت بينه وبين منطاش، وحمل الوالد فى الوقعة المذكورة على شخص من أمراء منطاش يسمّى آقبغا اليلبغاوىّ، فقنطره عن فرسه، فسأل برقوق عنه، فقيل له تغرى بردى، فتفاءل برقوق باسمه، لأنّ معناه: الله أعطى، وأنعم عليه بإقطاع امرة طبلخاناه. دفعة واحدة، مع أنه كان أنعم عليه قبل خروجه للسفر بإمرة عشرة، غير أنه لم يباشر ذلك.
ثم أرسله الملك الظاهر [برقوق]«1» إلى مصر يبشّر من بها بسلطنته ونصرته على منطاش، ودخل الظّاهر فى أثره إلى مصر، وبعد قليل أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالدّيار المصرية، ثم جعله رأس نوبة النّوب، ثم ولّاه نيابة حلب بعد جلبّان قراسقل «2» ، ثم عزله، وأنعم عليه بتقدمة ألف بمصر على خبز شيخ الصّفوىّ الخاصّكىّ أمير مجلس، وقبل أن يخلع عليه بإمرة مجلس نقله إلى إمرة سلاح عوضا عن بكلمش العلائى بحكم مسكه، واستمر على ذلك إلى أن كانت وقعة الأتابك أيتمش «3» مع الملك الناصر [فرج]«4» فى سنة اثنتين وثمانمائة.
وكان الوالد قد انضم على أيتمش هو وجماعة من الأمراء- حسبما ذكرناه فى ترجمة الملك الناصر فرج- وانهزم الجميع بعد الوقعة، وخرجوا من مصر إلى الأمير تنم «5» نائب الشّام، وعادوا صحبته، فانكسر تنم أيضا، وقبض على الجميع، وقتلوا بقلعة دمشق إلّا الوالد لشفاعة أم الملك الناصر «6» فيه وآقبغا الأطروش «7» ، وقتل من عداهما، ودام الوالد بسجن قلعة دمشق إلى أن أطلق، وتوجّه إلى القدس بطّالا بسفارة أم الملك النّاصر أيضا، فدام بالقدس إلى أن طلبه الملك الناصر بغزّة وخلع عليه بنيابة دمشق،
عوضا عن سودون «1» قريب الملك الظّاهر برقوق، بحكم أسره مع تيمور.
فحكم الوالد دمشق مدّة، ثم انهزم مع الملك الناصر [فرج]«2» إلى الديار المصرية، واستولى تيمور على دمشق، وأنعم [الملك الناصر فرج]«3» على الوالد بتقدمة ألف بالقاهرة، فدام مدّة يسيرة، وخلع عليه [أيضا]«4» بإعادته لنيابة دمشق، بعد خروج تيمور منها، كل ذلك فى سنة ثلاث وثمانمائة، فتوجّه [الوالد]«5» إليها، وأقام بها إلى أن بلغه [خبر]«6» القبض عليه، ففرّ منها وتوجّه إلى دمرداش نائب حلب، وعصيا معا، ووقع لهما أمور وحروب إلى أن انهزما.
وتوجّه الوالد إلى بلاد التّركمان، فأقام بها مدّة إلى أن طلب إلى الدّيار المصريّة، وأنعم عليه بتقدمة ألف، وأجلس رأس الميسرة أتابكا، واستمرّ على ذلك إلى أن اختفى الملك الناصر [فرج]«7» وخلع بأخيه المنصور عبد العزيز «8» ، فخرج الوالد من الديار المصريّة على البريّة بجماعة من مماليكه إلى أن توجّه إلى القدس، فدام فى برّية القدس إلى أن عاد الملك الناصر [فرج]«9» إلى السّلطنة ودخل على الأخت، وكان الناصر عقد عقده عليها قبل خلعه بحضرة الوالد، فلما تسلطن ثانيا دخل بها فى غيبة الوالد. ثم أرسل [الناصر فرج]«10» بطلب الوالد، فخضر الوالد على حاله أوّلا إلى أن خلع عليه الملك الناصر باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن يشبك الشّعبانى فى سنة عشر
وثمانمائة، فدام على ذلك إلى أن نقل إلى نيابة دمشق فى أواخر سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، على كره منه بعد واقعة الكرك.
وقد ذكرنا سبب ولايته فى ترجمة الملك الناصر، لما كان على حصار الكرك، فدام على نيابة دمشق إلى أن مات فى ولايته هذه، وهى الثالثة لنيابة دمشق، ودفن بتربة الأمير تنم «1» معه فى فسقية واحدة، ولا أعلم من أخباره شيئا لصغر سنّى فى حياته؛ فإن كان مشكور السّيرة فالله تعالى ينفعه بفعله، وإن كان غير ذلك فالله [تعالى]«2» يرحمه بفضله.
وخلّف الوالد عشرة أولاد، ستة ذكور وأربع إناث، أسنّ الجميع خوند «3» فاطمة توفّيت سنة ستّ وأربعين، ثم الزّينى قاسم فى قيد الحياة، ومولده قبل القرن، ثم الشّرفىّ حمزة توفّى سنة تسع وأربعين بالطاعون، ثم بيرم ماتت فى سنة ستّ وعشرين، ثم هاجر توفّيت سنة خمس وأربعين، ثم إبراهيم توفّى سنة ست وعشرين، ثم محمد [مات]«4» سنة تسع عشرة وثمانمائة، ثم إسماعيل مات سنة ثلاث وثلاثين بالطاعون، ثم شقراء فى قيد الحياة، ثم كاتبه «5» عفا الله [تعالى]«6» عنه، وأنا أصغر الجميع ومولدى بعد سنة إحدى عشرة وثمانمائة تخمينا.
وخلف الوالد من الأموال والسلاح والخيول والجمال شيئا كثيرا إلى الغاية، استولى على ذلك كلّه الملك النّاصر فرج لما عاد إلى دمشق منهزما من الأمير شيخ ونوروز، ثم قتل الملك النّاصر بعد أيّام، وتركنا فقراء من فقراء المسلمين، فلم يضيّعنا الله سبحانه وتعالى، وأنشأنا على أجمل وجه من غير مال ولا عقار، ولله الحمد.
وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر بن عبد الله الظّاهرىّ المعروف بجلّق بالقاهرة فى ثامن جمادى الآخرة من مرض تمادى به نحو الشهرين، وأصل ضعفه أن عقربا لسعته بطريق دمشق فى عوده إلى القاهرة صحبة الخليفة المستعين بالله، وبموته خلا الجو للملك المؤيد [شيخ]«1» حتى تسلطن، فإنه كان أمرّ عليه من نوروز الحافظىّ، وكان بكتمر أميرا جليلا شجاعا مهابا كريما متجمّلا فى مماليكه ومركبه ومأكله، وقد ولى نيابة صفد ثم نيابة طرابلس ثم نيابة دمشق غير مرّة، ووقع له حروب مع الملك المؤيّد شيخ أيّام إمرته حسبما ذكرنا ذلك كله مفصلا فى ترجمة الملك الناصر فرج- رحمه الله.
وقتل فى هذه السّنة جماعة كبيرة فى واقعة الملك الناصر مع الأمراء فى اللّجّون «2» وغيره، وممن قتل فى هذه الوقعة الأمير سيف الدين مقبل بن عبد الله الرّومى الظاهرىّ أحد مقدمى الألوف بالدّيار المصرية، وهو الذي كان زوّجه السلطان الملك الناصر بأخته خوند سارة زوجة «3» الأمير نوروز الحافظىّ، والأمير سيف الدين ألطنبغا بن عبد الله المعروف بشقل «4» ، والأمير سيف الدين بلاط بن عبد الله الناصرى الأعرج شاد الشراب خاناه، وكان ممّن قبض عليه فى وقعة اللّجّون ووسّطه الأمير شيخ المحمودى بعد أيام، وكان بلاط المذكور من مساوئ الدّهر، فاسقا متهتّكا زنديقا يرمى بعظائم فى دينه، قيل إنّه كان يقول للملك الناصر فرج: أنت أستاذى وأبى وربّى ونبيّى، أنا لا أعرف أحدا غيرك، وكان يسخر ممّن يصلّى، ويضحك عليه، وعدّ قتله من حسنات الملك المؤيّد [شيخ]«5» انتهى.
والأمير بلاط الظاهرىّ أمير علم «1» ، وكان أيضا ممن يباشر قتل خشداشيّته المماليك الظاهريّة، فوسّطه أيضا المؤيد، كل ذلك قبل سلطنته والملك الناصر محصور بدمشق.
وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الظاهرىّ المعروف بسودون الجلب «2» ، بعد أن ولى نيابة طرابلس ولم يدخلها، ثم ولى نيابة حلب، فتوجّه إليها وهو مريض من جرح أصابه فى حصار الملك الناصر فرج، فمات منه فى شهر ربيع الآخر.
وكان من الشّجعان، يحكى عنه أعاجيب من خفّته وشجاعته وسرعة حركته، وقد تقدّم ذكره فى عدة مواطن، وهو أستاذ الأمير الكبير يشبك السّودونى المشدّ أتابك العساكر بديار مصرفى دولة الملك الظاهر جقمق.
وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله العثمانى الظاهرى، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية فى يوم الجمعة أول صفر، من جرح أصابه فى أمسه عند حصار دمشق، وكان من أعيان المماليك الظاهرية، وممّن انضمّ مع الملك المؤيد شيخ أيّام تلك الفتن.
وتوفّى السلطان ملك الهند صاحب بنجالة «3» ، غياث الدين أبو المظفر ابن السلطان إسكندر شاه، وكان من أجلّ ملوك الهند، وممالكه متسعة جدا.
وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الخليلى، نائب إسكندرية بها فى هذه السنة.
وتوفّى الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن طيمان «1» ، المعروف بالطّيمانى الشافعى، قتل بدمشق فى الفتنة ليلة الجمعة ثامن صفر، وكان من الفضلاء، انتقل من القاهرة إلى دمشق وسكنها.
وتوفّى الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عماد بن على بن الهائم «2» المصرىّ الشافعىّ بالقدس، وكان فقيها بارعا فى الحساب والفرائض، وله مشاركة فى فنون.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا.