المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 824] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 815]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 816]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 817]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 818]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 819]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 820]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 821]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 822]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 823]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر على مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح محمد بن ططر

- ‌السنة التى حكم فيها أربعة سلاطين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌ذكر غزوة قبرس على حدتها

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌ذكر قتلة الخواجا نور الدين على التبريزى العجمى المتوجه برسالة الحطى ملك الحبشة إلى ملوك الفرنج

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 815- 836

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 815- 824

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 824]

[ما وقع من الحوادث سنة 824]

ذكر سلطنة الملك المظفر أحمد على مصر «1» السلطان الملك المظفّر أبو السعادات أحمد ابن السلطان الملك المؤيد أبى النّصر شيخ المحمودى الظاهرى الچاركسى الجنس، تسلطن يوم مات أبوه الملك المؤيد شيخ، على مضىّ خمس درج من نصف نهار الاثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وعمره يوم بويع بالملك وجلس على سرير السلطنة سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام، وهو السّلطان التّاسع والعشرون من ملوك التّرك وأولادهم، والخامس من الچراكسة، وأمّه خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش، أحد أمراء دمشق، وهى إلى الآن فى قيد الحياة.

ولمّا مات أبوه السلطان الملك المؤيد طلب الملك المظفر [أحمد]«2» هذا من الحريم بالدّور السّلطانيّة، فأخرج إليهم، فبايعوه بالسّلطنة بعهد من أبيه إليه بالملك قبل تاريخه، وألبسوه خلعة السلطنة، وركب فرس النّوبة بأبّهة السلطنة، وشعار الملك من باب السّتارة بقلعة الجبل، ومشت الأمراء بين يديه وهو يبكى من صغر سنّة، مما أذهله من عظم الغوغاء، وقوّة الحركة، وصار من حوله من الأمراء وغيرهم يشغله بالكلام، ويتلطّف به، ويسكّن روعه، ويناوله من التّحف ما يشغله به عن البكاء، حتى وصل إلى القصر السّلطانى من القلعة، فأنزل من على فرسه، وحمل حتى أجلس على سرير الملك وهو يبكى، وقبّل الأمراء الأرض بين يديه بسرعة، ولقبّوه بالملك المظفّر بحضرة الخليفة المعتضد بالله أبى الفتح داود، والقضاة الأربعة، ونودى فى الحال بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته.

ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السّلطان الملك المؤيد، وتغسيله ودفنه، حسبما تقدّم ذكره فى ترجمته.

ص: 167

وقبل أن يدفن الملك المؤيد أبرم الأمير ططر أمير مجلس أمره مع الأمراء، وقبض على الأمير قجقار «1» القردمىّ أمير سلاح، وأمسكه بمعاونة أكابر المماليك المؤيدية، وأيضا بمعاونة خشداشيته من المماليك الظاهريّة برقوق، فارتجّت القاهرة وماجت الناس ساعة وتخوّفوا من وقوع فتنة، فلم يقع شىء؛ وذلك لعدم حاشية قجقار القردمى، فإنه أحد مماليك الأمراء ليس له شوكة ولاخشداشين، وسكن الأمر، ونبل ططر فى أعين الناس من يومئذ، وتفتّحت العيون إليه.

ثم لما كان يوم الثلاثاء عاشر المحرّم- وهو صبيحة يوم وفاة [الملك]«2» المؤيّد- عملت الخدمة بالقصر السّلطانى من القلعة، وأجلس الملك المظفر [أحمد]«3» على مرتبة السّلطنة، وكانت وظيفة ططر أمير مجلس، ومنزلة جلوسه فى الميمنة تحت الأمير الكبير، وكان الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى قد توجّه إلى البلاد الشاميّة قبل ذلك بأشهر، فصار ططر يجلس رأس الميمنة لغيبة الأمير الكبير، ومنزلة جلوس الأمير تنبك العلائى ميق المعزول عن نيابة الشام رأس الميسرة فوق أمير سلاح- كل ذلك فى حياة الملك المؤيد- فلما تسلطن الملك المظفر هذا، وعملت الخدمة بعد مسك قجقار القردمى، وكان الملك المؤيد جعل التّحدّث فى تدبير مملكة ولده الملك المظفر لهؤلاء الثلاثة، أعنى تنبك ميق، وقجقار القردمى أمير سلاح، وططر أمير مجلس، فصار التحدّث الآن إلى تنبك ميق وإلى ططر فقط.

فلما دخل الأمراء الخدمة على العادة، وقبل الجلوس أومأ الأمير ططر إلى الأمير تنبك ميق أن يتوجّه إلى ميمنة السلطان ويجلس بها على أنه يكون مكان الأمير الكبير، ويجلس هو [على]«4» ميسرة السّلطان، فامتنع تنبك من ذلك، فألحّ عليه ططر فى ذلك واحتشم معه، وتأدّب إلى الغاية، فحلف تنبك بالأيمان المغلّظة أنه لا يفعل، وأنه لا يجلس إلا مكانه أوّلا

ص: 168

فى الميسرة، وأن ططر يجلس فى الميمنة، وإن لم يفعل [ططر]«1» ذلك ترك تنبك الإمرة وتوجّه إلى الجامع الأزهر بطالا، فجلس عند ذلك ططر على الميمنة، وعند ما استقر بهم الجلوس، وقرىء الجيش على السلطان [ «2» فلم يتكلم أحد من الأمراء فى أمر الذي قرأه ناظر الجيش «2» ] فسكت ناظر الجيش عن قراءة القصص لعدم من يجيبه، فعند ذلك عرض الأمير ططر أيضا التكلّم على الأمير تنبك ميق، وقال له: أنت أغاتنا، وأكبر منا سنّا وقدرا، والأليق أن تكون أنت مدبّر المملكة ونحن فى طاعتك، نمتثل أوامرك، وما ترسم به، فامتنع الأمير تنبك أيضا من التكلّم وتدبير المملكة أشدّ امتناع، وأشار إلى الأمير ططر بأن يكون هو مدبّر المملكة، والقائم بأمورها، وأنه يكون هو تحت طاعته، فاستصوب من حضر من الأمراء هذا القول، فامتنع ططر من ذلك قليلا حتى ألحّ عليه الأمراء، وكلّمه أكابر الأمراء المؤيدية فى القبول، فعند ذلك قبل وتكلّم فى المملكة، وقرىء الجيش، وحضرت العلامة، ثم مدّ السّماط على العادة، فعند ما نجز السّماط أحضرت خلعة جليلة للأمير ططر، فلبسها باستقراره لالا «3» السلطان الملك المظفر [أحمد]«4» وكافل المملكة ومدبرها، ثم أحضرت خلعة أخرى للأمير تنبك ميق فلبسها، وهى خلعة الرضى والاستمرار على حاله، وانفضّت الخدمة بعد أن أوصل الأمراء السلطان إلى الدّور السّلطانية، وأعيد الملك المظفر إلى أمه بالحريم السلطانى.

هذا وقد استقرّ سكن الأمير ططر بطبقة الأشرفية من قلعة الجبل، فجلس ططر بطبقة الأشرفية، بعد أن فرشت له، ووقف الأمراء ومباشر والدّولة والأعيان بين يديه، فأخذ وأعطى، ونفّذ الأمور على أحسن وجه، وأجمل صورة، فهابته النّاس، وعلموا أنه سيكون من أمره ما يكون من أوّل جلوسه فى هذا اليوم، ثم رسم بكتابة

ص: 169

الخبر بموت الملك المؤيد، وسلطنة ولده الملك المظفر إلى الأقطار، وأوعد المماليك السلطانية بالنّفقة فيهم على العادة، فكثر الدّعاء له، والفرح بتكلّمه فى السلطنة.

ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر المحرم رسم الأمير ططر نظام الملك بالقبض على الأمير جلبّان رأس نوبة سيدى، وعلى الأمير شاهين الفارسى، وهما من مقدمى الألوف بالديار المصرية، فمسكا وقيّدا وحبسا، ثم طلب الأمير ططر القضاة ودخل معهم إلى الخزانة السّلطانية، وختم بحضورهم على خزانة المال بعد أن أخرج منها أربعمائة ألف دينار برسم نققة المماليك السّلطانية، ثم نزل القضاة.

فلما كان الليل اضطرب الناس، ووقعت هجّة بالقاهرة، ولم يدر أحد ما الخبر حتى طلع الفجر، فأسفرت القضيّة على أن الأمير مقبلا الحسامىّ الدّوادار الكبير ركب بمماليكه وعليهم السلاح فى الليل، وخرج من القاهرة ومعه السّيفى يلخجا من مامش «1» السّاقى الناصرى، وسار إلى جهة الشام خوفا من القبض عليه.

فلما كان الغد من يوم الخميس، اجتمع الأمراء عند الأمير ططر بالقلعة وعرّفوه أمر مقبل المذكور، وسألوه أن يرسل أحدا منهم فى أثره فلم يلتفت إلى ذلك، وأخذ فيما هو فيه من أمر نفقة الماليك السّلطانية، ونفق فيهم لكلّ واحد منهم مائة دينار مصرية، فشكر المماليك له ذلك، ثم أمر فنودى بالقاهرة بإبطال المغارم «2» التى أحدثت «3» على الجراريف فى عمل الجسور بأعمال مصر، فوقع ذلك من الناس الموقع الحسن.

وأما أمر مقبل الدّوادار، فإنه لما خرج من بيته بمن معه اجتاز بظاهر خانقاه سرقوياس «4» ، وقصد الطينة بمن معه، ففطن بهم العربان أرباب الأدراك فاجتمعوا وقصدوه وحاربوه، هو ومن معه، فلا زال يقاتلهم وهو سائر إلى أن وصل إلى الطينة،

ص: 170

فوجد بها غرابا «1» مهيئا للسفر فركب فيه بمن معه، ونهبت الأعراب جميع خيولهم وأثقالهم وما كان معهم، وسافر مقبل فى الغراب المذكور إلى الشام، ولحق بالأمير جقمق الأرغون شاوى الدوادار نائب الشام، وانضمّ عليه وصار من حزبه، ودام معه إلى أن انهزم جقمق من القرمشى إلى الصّبيبة وقبض عليه، فأمسك مقبل هذا أيضا، وحبس كما سيأتى ذكره فى محله إن شاء الله تعالى- انتهى.

ثم أمر الأمير ططر فنودى «2» بالقاهرة لأجناد الحلقة بالحضور إليه ليردّ إليهم ما كان أخذه منهم الملك المؤيد فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من المال برسم السفر، وكان الذي تحصّل منهم تحت يد السّيفى أقطوه الموساوى الدوادار، فلما حضروا أمر ططر أقطوه أن يدفع لكلّ واحد منهم ما أخذ منه، فضج الناس له بالدعاء، وصاحت الألسن بالشكر له والثناء عليه، ثم أخذ الأمير ططر وهو جالس فى الموكب بإزاء السلطان بيد السلطان الملك المظفر وفيها قلم العلامة حتى علمّ على المناشير ونحوها، بحضور الأمراء وأرباب الدولة، واستمر ذلك فى بعض المواكب، والغالب لا يعلّم إلا الأمير ططر.

ثم فى يوم الجمعة ثالث عشر المحرم حمل الأمير قجقار القردمى، والأمير جلبّان، والأمير شاهين الفارسى فى القيود إلى سجن الإسكندرية.

ثم فى يوم السّبت رابع عشره خلع الأمير ططر على الصاحب بدر الدين حسن ابن نصر الله وأعيد إلى نظر الخاص، ومنع الطواشى مرجان الخازندار من التكلّم فيها.

وفيه أيضا خلع على القاضى صدر الدين أحمد بن العجمى وأعيد إلى حسبه القاهرة عوضا عن صارم الدين إبراهيم بن الحسام، وأنعم عليه الأمير ططر بثمانين دينارا، ورتّب له على ديوان الجوالى بالقاهرة فى كل يوم دينارا.

ص: 171

وفى هذا اليوم استتمّت نفقة المماليك السلطانية.

ثم فى يوم الاثنين سادس عشر المحرم خلع السلطان على الأمير ططر باستقراره نظام الملك، وخلع على الأمير تنبك ميق باستقراره أمير مجلس عوضا عن الأمير ططر، وخلع على الأمير جانى بك الصوفى باستقراره أمير سلاح عوضا عن قجقار القردمى، وأنعم عليه بخبز آق بلاط الدمرداش أحد الأمراء المجردين صحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى، وخلع على الأمير تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة باستقراره أمير مائة ومقدّم ألف وأمير آخور كبيرا دفعة واحدة عوضا عن الأمير طوغان الأمير آخور بحكم سفره صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشى، وخلع على الأمير «1» إينال الجكمى أحد أمراء الطبلخانات وشادّ الشراب خاناه [واستقر]«2» رأس نوبة النّوب عوضا عن الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير، بحكم سفره أيضا مع القرمشى، وخلع على الأمير على باى المؤيدى «3» أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن مقبل الحسامى المتوجّه إلى البلاد الشاميّة، وأنعم على الأمير آق خجا الأحمدى أحد أمراء الطبلخانات واستقرّ أمير مائة ومقدّم ألف وخلع على الأمير قشتم المؤيدى أحد أمراء العشرات باستقراره أمير مائة ومقدّم ألف ونائب الإسكندرية عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن العطار، وخلع على الأمير يشبك أنالى المؤيدى الأستادار خلعة الاستمرار على وظيفته، وخلع على التاج بن سيفة الشوبكى خلعة الاستمرار بولاية القاهرة، وأن يكون حاجبا «4» ، فاستغرب الناس ذلك؛ من أن الحجوبية تضاف إلى ولاية القاهرة.

ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشره توجّهت القصّاد بتشاريف نوّاب البلاد الشّاميّة،

ص: 172

وتقاليدهم المظفّريّة [أحمد]«1» باستمرارهم على عادتهم فى كفالاتهم، وكتب الأمير ططر نظام الملك العلامة على الأمثلة ونحوها كما يكتب السلطان.

«2» ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشر المحرم ابتدأ الأمير أقطوه بردّ مال أجناد الحلقة إليهم، وتولّى ذلك فى أوّل يوم الأمير ططر بنفسه.

ثم فى يوم الخميس تاسع عشره خلع نظام الملك على القضاة الأربعة وبقيّة أرباب الدّولة من المتعمّمين على عادتهم، وخلع على القاضى شرف الدين محمد ابن تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله موقّع الأمير ططر باستقراره فى نظر أوقاف الأشراف، وكان يليه الأمير ططر من يوم مات القاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ.

وفيه استعفى القاضى علم الدين داود بن الكويز من وظيفة نظر الجيش، فأعفى وخلع عليه كاملية [بسمّور]«3» ، ونزل إلى داره، كل ذلك حيلة لتوصّله لوظيفة كتابة السّر- وهى بيد صهره القاضى كمال الدين بن البارزىّ- حتى وليها حسبما يأتى ذكره.

ثم فى يوم الجمعة نودى بأن الأمير الكبير ططر يجلس للحكم بين الناس، فلما انقضت الصلاة توجّه الأمير الكبير ططر فجلس بالمقعد من الإسطبل السلطانى كما كان الملك المؤيّد يجلس للحكم به، إلا أنه قعد على يسار الكرسىّ ولم يجلس فوقه، وحضر أمراء الدّولة على العادة، وقعد كاتب السّرّ القاضى كمال الدين بن البارزىّ على الدّكة وقرأ عليه القصص، ووقف نقيب الجيش ووالى القاهرة والحجّاب بين يديه، وحكم بين الرّعيّة، وردّ المظالم، وساس النّاس أحسن سياسة؛ فإنه كانت لديه فضيلة وعنده يقظة وفطنة ومشاركة جيدة فى الفقه وغيره، وله محبّة فى طلب العلم لا سيّما [مذهب]«4» السادة الحنفية، فإنهم كانوا عنده فى محلّ عظيم من الإكرام.

ثم انفضّ الموكب، وطلع إلى طبقة الأشرفية، وجميع الأمراء بين يديه فى خدمته إلى أن أكل السّماط، ونفّذ الأمور، ونزل كلّ أحد إلى منزله.

ص: 173

وأصبح يوم السبت حادى عشرين المحرّم غضب على الصاحب تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم، وعزله عن نظر ديوان المفرد.

ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرينه قدم أمير حاج المحمل بالمحمل.

وفيه طلب الأمير ططر تاج الدين عبد الرّزّاق ابن شمس الدين عبد الوهاب، المعروف بابن كاتب المناخ، مستوفى ديوان المفرد، وخلع عليه باستقراره ناظر ديوان المفرد، عوضا عن الصاحب تاج الدين عبد الرّزّاق بن الهيصم، وخرج من بين يدى الأمير الكبير وعليه الخلعة حتى جاوز دهليز القصر، فطلبه الأمير ططر ثانيا، ونزع الخلعة من عليه، وخلع عليه تشريف الوزارة، فلبسها على كره منه، عوضا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله برغبته عنها، وطلب الصاحب تاج الدين عبد الرّزّاق بن الهيصم، وخلع عليه بإعادته إلى نظر الدّيوان المفرد، وخلع على الصاحب بدر الدين بن نصر الله باستمراره فى وظيفته نظر الخاصّ، وخلع على الأمير يشبك أنا لى المؤيّدىّ الأستادار باستقراره كاشف الكشّاف بالوجه القبلى والبحرى.

ثم فى يوم الخميس سادس عشرينه خلع على القاضى كمال الدين محمد بن البارزىّ كاتب السّرّ باستقراره فى وظيفة نظر الجيش عوضا عن علم الدين بن الكويز.

ثم حكم الأمير ططر فى يوم الجمعة أيضا بعد الصلاة بالإسطبل السلطانى كما حكم به أوّلا.

ثم فى يوم الاثنين سلخ المحرّم خلع الأمير الكبير ططر على علم الدين بن الكويز باستقراره فى وظيفة كاتب السّرّ، عوضا عن صهره القاضى كمال الدين ابن البارزىّ.

قال المقريزى: فتسلّم القوس غير باريها، ووسّدت الأمور إلى غير أهليها.

قلت: ومعنى قول المقريزى لهذا الكلام لم يرد الحطّ على ابن الكويز، غير أن وظيفة كتابة السّرّ وظيفة جليلة، يكون متولّيها له اليد الطّولى فى الفقه والنحو،

ص: 174

والنّظم والنّثر والتّرسّل والمكاتبات، والباع الواسع فى التاريخ وأيام الناس وأفعال السلف، كما وقع للملك الظّاهر برقوق لمّا ورد عليه كتاب من بعض ملوك العجم فلم يقدر القاضى بدر الدين بن فضل الله على حلّه- وهو [كاتب سره]«1» - فاحتاج السلطان إلى أن طلب من أثناء طريق دمشق الشيخ بدر الدين محمود الكلستانى، وهو من جملة صوفية خانقاه شيخون «2» ، حتى حلّ له ألفاظه، وصادف ذلك قرب أجل ابن فضل الله فسعى فى وظيفة كتابة السر جماعة [كبيرة]«3» من الأعيان بمال له صورة، فلم يلتفت برقوق إليهم، وأرسل أحضر الكلستانى، ولم يكن عليه ملّوطة يتجمل بها، وخلع عليه باستقراره فى كتابة السر، وقد تقدّم ذكر ذلك كله فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الثانية، فصار الكلستانى على طريق أذهل فيها الملك الظاهر برقوق ونبّهه على أشياء لم يكن سمعها من غيره، ثم لم يل هذه الوظيفة بعد الكلستانى أمثل من القاضى ناصر الدين بن البارزىّ، ثم ولده كمال الدين هذا، فإنهما كانا أهلا لها وزيادة، فعند ما عزل واستقرّ عوضه علم الدين هذا شقّ ذلك على أهل العلم والذّوق، وصادف ذلك بأنه لما جلس علم الدين على الدكّة، وقرأ القصص على الأمير الكبير ططر صحّف اسم ابن جمّاز بابن الحمار، وقال ابن الحمّار، فردّ عليه نقيب الجيش فى الملأ ابن جمّاز ابن جمّاز، وكرّر ذلك حتى ضحك الناس، وطلع الأمير ططر إلى الأشرفية، ووعد فى تلك الليلة الشيخ بدر الدين بن الأقصرائى سرّا بوظيفة كتابة السّر إن تمّ أمره، وأمره أن يكتم ذلك إلى وقته.

ثم قدم الخبر من الشام بأن الأمير «4» جقمق الأرغون شاوى نائب الشام امتنع من الدخول فى طاعة الأمير ططر، وأنه أخذ قلعة دمشق واستولى عليها، وعلى ما فيها

ص: 175

من الأموال والسّلاح وغير ذلك، وكان بها نحو المائة ألف دينار، فاضطرب أهل الدّولة إلا الأمير ططر فإنه لم يتحرّك لذلك وطلع إليه حموه الأمير سودون الفقيه الظاهرى، وكان له عنده مكانة عظيمة، فجاراه سودون فى أمر جقمق، فقال له ططر:

يا أبى الأهم ألطنبغا القرمشى الظاهرى، وأما جقمق فإنه رجل غريب مملوك أمير ليس له من يقوم بنصرته، ولا من يعينه على ما يرومه، غير أنه يلعب فى ذهاب مهجته، فقال له سودون الفقيه: وإن يكن فافعل الأحوط، وأشار عليه بما يفعله.

فلما كان يوم الخميس عاشر صفر «1» جمع الأمير الكبير القضاة عنده بطبقة الأشرفية من القلعة، وسائر أمراء الدّولة ومباشريها وكثيرا من المماليك السّلطانية، وأعلمهم بأن نوّاب الشام والأمير الكبير ألطنبغا القرمشى ومن معه من الأمراء المجردين لم يرضوا بما عمله الأمير ططر بعد موت السّلطان الملك المؤيّد، ثم قال: ولا بد للناس من حاكم يتولى أمر تدبير أمورهم، وأن يعينوا رجلا يرضونه ليقوم بأعباء المملكة، ويستبدّ بالأمور، فقال جميع من حضر بلسان واحد قد رضينا بك، وكان الخليفة حاضرا فيهم، فأشهد الأمير ططر عليه أنه فوّض جميع أمور الرّعيّة إلى الأمير الكبير ططر، وجعل إليه عزل من يريد عزله، وولاية من يريد ولايته من سائر الناس، وأن يعطى من يختار، ويمنع من شاء من العطايا، ما عدا اللّقب السلطانى، والدّعاء على المنابر وضرب الاسم على الدّينار والدّرهم، فإن هذه الثلاثة باقية على ما هى عليه باسم السلطان الملك المظفّر أحمد، وأثبت قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التّفهنى الحنفى هذا الإشهاد، وحكم بصحته ونفّذ حكمه قضاة القضاة الثلاثة، ثم حلف الأمراء جميعهم للأمير الكبير ططر يمينهم المعهود [بالطاعة له]«2» فى كل قليل.

وكان سبب هذا أن بعض أعيان الفقهاء الحنفية ذكر للأمير ططر نقلا «3» أخرجه إليه من فروع المذهب أن السلطان إذا كان صغيرا، وأجمع أهل الشوكة على إقامة رجل

ص: 176

للتحدّث عنه فى أمور الرّعيّة حتى يبلغ رشده، نفذت أحكامه، فوضع هذا القول فى محله، وقوى قلوب حواشى الأمير ططر بذلك، وقالوا: نحن على الحق ومن خالفنا على الباطل.

وبينما الأمير ططر فى ذلك، ورد عليه «1» الخبر بسيف الأمير يشبك اليوسفىّ نائب حلب، وقد قتل فى وقعة كانت بينه وبين الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين المحرم.

قال المقريزى: وكان يشبك من شرار خلق الله تعالى؛ لما هو عليه من الفجور، والجرأة على الفسوق، والتهوّن فى سفك الدّماء، وأخذ الأموال، وكان الملك المؤيّد قد استوحش منه لما يبلغه من أخذه فى أسباب الخروج عليه، وأسرّ للأمير ألطنبغا القرمشىّ فى إعمال الحيلة فى القبض عليه، فأتاه الله من حيث لم يحتسب، وأخذه أخذا وبيلا- ولله الحمد- انتهى كلام المقريزى.

قلت: وكان من خبر يشبك هذا مع الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ، أنه لمّا خرج من الديار المصرية إلى البلاد الشاميه وصحبته الأمراء، وهم: الأمير طوغان أمير آخور، وألطنبغا من عبد الواحد الصغير رأس نوبة النّوب، وأزدمر الناصرى، وآق بلاط الدّمرداش، وسودون اللّكاّش، وجلبّان أمير آخور الذي تولّى نيابة دمشق فى دولة الملك الظاهر جقمق، وقبل خروج القرمشىّ من القاهرة أسرّ إليه الملك المؤيد بالقبض على الأمير الكبير يشبك اليوسفىّ نائب حلب إن أمكنه ذلك، فسار القرمشىّ إلى البلاد الشامية مقدّما للعساكر، ثم توجّه إلى البلاد الحلبية، ثم ساروا من حلب هو ورفقته إلى حيث ندبهم إليه الملك المؤيد، وعادوا إلى حلب فى أوّل سنة أربع وعشرين وأقاموا بها، فاستوحش الأمير يشبك نائب حلب منهم، ولم يجسر القرمشى على مسكه، وبينماهم فى ذلك طرقهم الخبر بموت السلطان الملك المؤيد، فاضطرب الأمراء المجرّدون، وعزم الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ على العود إلى الدّيار

ص: 177

المصرية، ووافقه على ذلك رفقته من الأمراء، وبرز بمن معه إلى ظاهر حلب، وخرجوا من باب المقام، وبلغ ذلك الأمير يشبك نائب حلب وكان لم يخرج لتوديعهم، فعزم على أن يركب ويقاتلهم، وبلغ ذلك القرمشى فى الحال، فأرسل إليه دواداره السّيفى خشكلدى القرمشى.

حدّثنى خشكلدى المذكور من لفظه قال: ندبنى أستاذى الأمير ألطنبغا القرمشى أن أتوجّه إلى الأمير يشبك؛ وأذكر له مقالة القرمشى له، فتوجّهت إليه، فإذا به قد طلع إلى منارة جامع حلب، فطلعت إليه بها، وسلّمت عليه فردّ علىّ السلام، وقال: هات ما معك. فقلت: قد تعبت من طلوع السّلّم، أمهل علىّ ساعة فإنى جئت من ملك إلى ملك، فأمهلنى ساعة فبدأته بأن قلت: الأمير الكبير يسلم عليك، ويقول لك بلغه أنّك تريد قتاله بمن معه من الأمراء، وهو يسألك ما القصد فى قتاله، وقد استولى ططر على الدّيار المصرية، وجقمق على البلاد الشاميّة؟ فاقصدهما فإنهما هما الأهمّ، فإن أجليتهما عمّا ملكاه فنحن فى قبضتك، وإن كانت الأخرى فما بالك بالتشويش علينا لغيرك، ونحن ناس سفّار غرباء البلاد، قال: فلما سمع كلامى سكت ساعة، وقال: يسافروا، من وقف فى طريقهم؟ ومن هو الذي يقاتلهم؟

أو معنى هذا الكلام، قال: فبست يده وعدت بالجواب إلى الأمير الكبير، وقبل أن أبلغه الرّسالة إذا يشبك المذكور نزل من المنارة، ولبس آلة الحرب هو ومماليكه فى الحال، وقصد الأمراء وهم بالسّعدى، فلما رآه الأمراء المصريون ركبوا، ورجعوا إليه وحملوا عليه حملة واحدة انكسر فيها، وتقنطر عن فرسه، وقطعت رأسه فى الوقت، فعاد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى بمن معه من الأمراء إلى حلب، ونزل بدار السعادة، ومن غريب ما اتّفق أن الأمير يشبك المذكور كان قد استوى سماطه، فأخّره إلى أن يقبض على الأمراء، ويعود يأكله، فقتل فى الحال ودخل القرمشى بمن معه ومدّ السّماط بين أيديهم فأكلوه، وكانوا فى حاجة إلى الأكل، واستمرّ القرمشى بحلب مدّة إلى أن ولّى نيابة حلب الأمير ألطنبغا

ص: 178

من عبد الواحد الصّغير رأس نوبة، وعاد إلى دمشق، واتفق مع الأمير جقمق نائب الشام على قتال المصريين لمخالفتهم لما أوصى به الملك المؤيد [شيخ]«1» قبل موته، وكانت وصيّة الملك المؤيد أن يكون ابنه سلطانا، وأن يكون ألطنبغا القرمشى هو المتحدث فى تدبير مملكته، فخالف ذلك الأمير ططر، وصار هو المتحدّث، وأخرج إقطاعات الأمراء المجرّدين صحبته.

وبينما هم فى ذلك بلغهم أن الأمير ططر عزم على الخروج من الدّيار المصرية ومعه السلطان الملك المظفر [أحمد]«2» إلى البلاد الشامية، فتهيّئوا لقتاله، ثمّ بعد مدّة يسيره وقع بينهما وحشة وتقاتلا، فانهزم جقمق إلى الصبيبة، وملك القرمشىّ دمشق حسبما يأتى ذكره.

هذا ما كان من أمر القرمشى مع يشبك، وأما الأمير ططر فإنه لما بلغه قتل يشبك سرّ بذلك سرورا عظيما، وقال فى نفسه: قد كفيت أمر بعض أعدائى، بل كان يشبك أشدّ عليه من جميع من خالفه- انتهى.

ثم فى يوم الخميس سابع عشر صفر قدم الأمير قجق العيساوىّ حاجب الحجّاب- كان- فى الدولة الناصرية، والأمير بيبغا المظفّرىّ أمير مجلس- كان- من سجن الإسكندرية بأمر الأمير ططر، وقبّلا الأرض بين يدى السلطان، ثم يد الأمير ططر، ثم قدم الأمير يشبك الساقى [الظّاهرى]«3» الأعرج، وكان الملك المؤيد قد نفاه من دمشق إلى مكّة، لمّا حضر إليه من قلعة حلب فى حصاره الأمير نوروز الحافظى بدمشق، بحيلة دبّرها الملك المؤيد على يشبك المذكور حتى استنزله من قلعة حلب، فإنه كان نائبها من قبل الأمير نوروز، ولما ظفر به المؤيد [شيخ]«4» أراد قتله فيمن قتله من أصحاب نوروز من الأمراء الظاهرية [برقوق]«5» ، فشفع فيه الأمير ططر، فأخرجه الملك المؤيد [شيخ]«6» إلى مكة فأقام بها سنين، ثم نقله إلى القدس، فلم تطل

ص: 179

مدّته به حتى مات الملك المؤيد، وتحكّم ططر، فكتب بحضوره إلى القاهرة، وكان له منذ خرج من الدّيار المصرية نحو العشرين سنة، فإنّه جرح فى نوبة بركة الحبش من سنة أربع وثمانمائة «1» الجرح الذي كان سببا لعرجه، وخرج من القاهرة، ودام بالبلاد الشاميّة إلى يوم تاريخه.

قلت: ويشبك هذا هو الذي صار أتابكا بالديار المصرية فى دولة الملك الأشرف برسباى، وهو الذي حسّن للملك الأشرف [برسباى]«2» الاستيلاء على بندر جدّة «3» حتى وقع ذلك، وكان يشبك من رجال الدهر عقلا وحزما ورأيا وتدبيرا، لم تر عينى مثله فى أبناء جنسه، ويأتى ذكره فى محلّه إن شاء الله تعالى- انتهى.

ثم قدم أيضا سودون الأعرج الظاهرىّ من قوص «4» ، وكان الملك المؤيّد أيضا قد نفاه إليها من سنين عديدة، وكان سودون أيضا من أعيان المماليك الظاهرية برقوق، وفى ظنّه أنه من مقولة الأمير يشبك الأعرج، والأمر بخلاف ذلك، والفرق بينهما ظاهر.

ثم أفرج الأمير ططر نظام الملك عن الأمير ناصر الدين بك بن على بك بن قرمان، وخلع عليه، ورسم بتجهيزه ليعود إلى مملكته، فتجهّز وسار فى النّيل يوم السبت سادس عشرين صفر إلى ناحية رشيد «5» ليركب منها إلى البحر الملح ويتوجّه إلى جهة بلاده.

ثم فى يوم الأربعاء أوّل شهر ربيع الأول قدم الخبر على الأمير ططر على يد بعض الشاميّين ومعه كتاب الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى من حلب، وهو يتضمّن: أنه لما قتل الأمير يشبك نائب حلب ولّى عوضه الأمير ألطنبغا من عبد الواحد

ص: 180

الصّغير رأس نوبة النوب فإنه عندما ورد عليه الخبر بموت السلطان [الملك]«1» المؤيد [شيخ]«2» بعدما عهد بالسّلطنة من بعده لابنه الملك المظفّر أحمد، وأن يكون القائم بتدبير الدّولة ألطنبغا القرمشىّ، وأنه قد أقيم فى السلطنة الملك المظفّر كما عهد الملك المؤيد، أخذ هو ومن معه من الأمراء فى الرّحيل من حلب إلى جهة الديار المصرية كما رسم له به، وكان من أمر يشبك ما كان فاشتغل بذلك عن المسير، ثم ورد عليه الخبر باستقرار نوّاب الممالك الشاميّة على عوائدهم، وتحليفهم للسلطان الملك المظفر أحمد، وللأمير الكبير ططر، فحمل الأمر فى ذلك على أنه غلط من الكاتب، وسأل أن يفصح له عن ذلك، وأبرق وأرعد. ولم يعلم بأن الأمر انقضى وفاته ما أراد، وقد انتهز الأمير ططر الفرصة، وتمثل لسان حاله بقول القائل:[الوافر]

إذا هبّت رياحك فاغتنمها

فإنّ لكلّ خافقة سكونا

ثم أمر الأمير ططر بكتابة جوابه، فأجيب بكلام متحصّله: أنه لما عهد الملك المؤيد [شيخ]«3» لابنه بالملك، وأقيم فى السلطنة، طلب الأمراء والخاصّكيّة والمماليك السلطانيّة أن يكون المتحدّث فى أمور الدّولة الأمير ططر، ورغبوا إليه فى ذلك، ففوّض إليه الخليفة جميع أمور المملكة بأسرها، فليحضر الأمير بمن معه إلى الديار المصرية ليكونوا على إمريّاتهم وإقطاعاتهم على عادتهم، ثم أنكر عليه استقرار ألطنبغا الصغير فى نيابة حلب من غير استئذانه.

ثم قدم الخبر أيضا على الأمير ططر بأن على بن بشارة قاتل الأمير قطلوبغا التنمىّ نائب صفد وكسره، فانحصر بمدينة صفد إلى أن فرّ منها إلى دمشق، وانضم على نائبها الأمير جقمق، وأن جقمق قد استعدّ بدمشق، واستخدم جماعة كبيرة من المماليك، وسكن قلعة دمشق، فتحقّق الأمير ططر عند ذلك خروج جقمق عن طاعته، وكذلك الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى وأخذ فى إبرام أمره.

فلما كان يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأول [المذكور]«4» خلع على الأمير تنبك

ص: 181

ميق العلائى باستقراره أتابك العساكر بالديار المصريّة عوضا عن ألطنبغا القرمشىّ، وأنعم عليه بإقطاعه، وأنعم بإقطاع تنبك ميق على الأمير إينال السّيفى شيخ الصّفوى «1» المعروف بالأرغزىّ، وأنعم بإقطاع إينال الأرغزى المذكور على الأمير قجق العيساوىّ القادم من سجن الإسكندرية قبل تاريخه، وأنعم بإقطاع الأمير طوغان أمير آخور أحد الأمراء المجرّدين على الأمير تغرى بردى من آقبغا المؤيدى المعروف بأخى قصروه المقدم ذكره، وأنعم بإقطاع الأمير ألطنبغا الصغير رأس نوبة النّوب المستقرّ فى نيابة حلب على سودون العلائى، وأنعم بإقطاع سودون العلائى على الأمير قطج من تمراز الظاهرىّ، وأنعم بإقطاع الأمير أزدمر الناصرىّ أحد مقدّمى الألوف المجرّدين على الأمير بيبغا المظفرى الظاهرى الذي قدم قبل تاريخه من سجن الإسكندرية.

وأنعم بإقطاع الأمير جرباش الكريمىّ المعروف بقاشق أحد المقدّمين المجرّدين على الأمير تمرباى من قرمش المؤيّدى شادّ الشراب خاناه، وأنعم بإقطاع الأمير تمرباى المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير أركماس اليوسفىّ، وبإقطاع الأمير أركماس المذكور على سودون النّوروزىّ الحموىّ، وبإقطاع سودون الحموىّ على شاهين الحسنىّ وتغرى بردى المحمدى- قسّم بينهما- وأنعم بإقطاع الأمير جلبّان الأمير آخور- كان- أحد المقدّمين المتجرّدين على الأمير على باى من علم شيخ المؤيّدى الدوادار الكبير، وأنعم بإقطاع على باى المذكور على الدّيوان المفرد «2» .

وأنعم بإقطاع الأمير مقبل الحسامىّ الدّوادار الكبير الذي تسحّب قبل تاريخه من القاهرة إلى الشّام على الأمير جقمق العلائى الخازندار، وهو الملك الظاهر جقمق، وأنعم بإقطاع الأمير ألطنبغا المرقبىّ حاجب الحجّاب أحد المجرّدين على الأمير قصروه من تمراز الظّاهرىّ، وأنعم بإقطاع قصروه على مغلباى البوبكرى المؤيّدى السّاقى،

ص: 182

ثم أنعم على الأمير قانباى الحمزاوىّ ثانى رأس نوبة بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية.

ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل المذكور فرّق الأمير ططر على الأمراء والمماليك- فى دفعة واحدة- أربعمائة فرس برسم السّفر إلى الشّام، وقد عزم على المسير إلى البلاد الشّاميّة صحبة السلطان الملك المظفر أحمد، بعد أن رسم للأمراء والمماليك بالتجهيز إلى السفر.

ثم قدم قصّاد الأمراء المجردين إلى مصر بطلب جمالهم وأموالهم، فمنعوا من ذلك، وكتب للأمير ألطنبغا القرمشىّ بأن الجمال فرّقها السلطان، وقد عزم على السّفر، وأنت مخيّر بين أن تحضر على ما كنت عليه، وبين أن تستقرّ فى نيابة الشّام عوضا عن جقمق الأرغون شاوىّ.

ثم أخذ الأمير ططر فى التهيؤ والاهتمام إلى السفر.

ثم فى يوم الاثنين سابع عشرينه خلع الأمير ططر على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصّاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواصّ «1» باستقراره أستادار العالية «2» عوضا عن الأمير يشبك المؤيّدى المعروف بأنالى بعد عزله، وأنعم على صلاح الدين المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف.

وفى هذا اليوم والذي قبله نودى بالقاهرة وظواهرها بأن لا يسافر أحد إلى البلاد الشّاميّة «3» ، وهدّد من وجد مسافرا إليها بالقتل، وكان القصد بهذه القضيّة تعمية أخبار مصر وأحوالها عن الأمراء بالبلاد الشّامية والمخالفين عليه.

ص: 183

قلت: ولهذه الفعلة وأشباهها كان يعجبنى أفعال الأمير ططر، فإنه كان يسير على طريق ملوك السّلف فى غالب حركاته، لكثرة اطّلاعه لأخبارهم وأمورهم، ومن تعمية الأخبار على العدو، والتّورّى فى الأسفار من أن يقصد مكانا فيورى بآخر، ومن مخادعة أعدائه والترقّق لهم؛ فإنه بلغه- لمّا استفحل أمره- عن الأمير على باى المؤيّدى الدّوادار، أنه يقول لخچداشيته المؤيّديّة: لا تكترثوا بأمره أنا كفاية له، إن استقام فهو على حاله، وإن تعوّج أخذته بيدى وألقيته من أعلى القصر إلى الأرض، وأيش هو ططر؟ فلمّا سمع ذلك أمر القائل له بالكتمان، وأخذ فى الإلمام على على باى [المذكور]«1» وإظهاره على سرّه، وهو مع ذلك فى قلبه منه أمور وحزازات، وأيضا لمّا وصل إلى الشّام حسبما نذكره.

وقدم عليه خچداشيته «2» من عند قرا يوسف على أقبح حال من الفقر: أعنى عن الأمراء الذين هربوا من الملك المؤيّد فى وقعة قانى باى نائب الشّام، وهم سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، وتنبك البجاسىّ نائب حماة، وطرباى نائب غزّة، وجانى بك الحمزاوىّ، ويشبك الجكمىّ الدوادار الثانى الذي كان فر من الحجاز إلى العراق، وغيرهم، فلمّا وصلوا إلى دمشق وتمثلوا بين يدى ططر ورءاهم على باى الدوادار المذكور، وتغرى بردى المؤيّدى أمير آخور كبير قالا للأمير ططر- لمّا أتوا-: هؤلاء يريدون العود إلى ما كانوا عليه، وهم أعداء أستاذنا، فقال لهما ططر: أعوذ بالله، هؤلاء ما بقى فيهم بقيّة لطلب ما ذكرتموه ممّا قاسوه من الغربة والتّشتّت، وإنما قصد كلّ واحد منهم ما يقوم بأوده، مثل إقطاع حلقة «3» ويقيم بالقدس، أو مرتّب ويقيم بدمياط، أو شىء على الجوالى «4» ، وأنتم تعرفون

ص: 184

أنهم خشداشيّتنا لا يمكننا إلّا النّظر فى أحوالهم بنحو ما ذكرناه، فلمّا سمع المؤيدية ذلك قالوا: هذا ما نقول فيه شيئا، وأما غير ذلك فلا، فقال لهم ططر: وما تمّ غير ما قلته، فانخدعوا وسكتوا على ما سنذكره من أمرهم عند قدومهم على الأمير ططر بدمشق- انتهى.

ثم أخذ الأمير ططر- بعد المناداة- فى تجهيز أمره وأمر السلطان إلى السّفر.

فلمّا كان يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر ركب الأمير ططر نظام الملك من قلعة الجبل ومعه الأمراء والخاصّكيّة والمماليك السلطانيّة، وسار إلى جهة قبّة النصر «1» ثم عاد ودخل القاهرة من باب النّصر، وخرج من باب زويلة إلى أن طلع إلى القلعة فى موكب سلطانى لم يفقد فيه إلا الجاويشيّة والعصابة السلطانيّة «2» ، وهذا أوّل موكب ركبه الأمير ططر من يوم تحكّمه فى الديار المصريّة، وهو من يوم موت [الملك]«3» المؤيد شيخ.

ثم فى سادسه نودى فى المماليك السلطانيّة بالطلوع إلى القلعة لأخذ نفقة السّفر فى يوم الخميس، فلما كان يوم الخميس المذكور جلس الأمير ططر نظام الملك بقلعة الجبل، وأنفق فى الماليك السلطانية نفقة السّفر، لكل واحد مائة دينار إفرنتيّة، ثم فى تاسعه أنفق على الأمراء والمماليك أيضا، فحمل للأمير الكبير تنبك ميق خمسة آلاف دينار، ولمن عداه أربعة آلاف دينار وثلاثة آلاف دينار.

وفى عاشره أخرج الأمير ططر ولدى الملك الناصر فرج من قلعة الجبل، ووجّههما إلى سجن الإسكندرية كما كانا أوّلا به، وكان سبب قدومهما من الإسكندرية إلى مصر أن عمتهما خوند زينب بنت السلطان الملك الظاهر برقوق وزوجة الملك المؤيّد

ص: 185

شيخ كانت سألت زوجها الملك المؤيّد فى قدومهما بسبب ختانهما، فقدما إلى القلعة وختنا، وهما محمد وخليل، فأقاما عند عمّتهما إلى أن مات الملك المؤيّد، فلما عزم ططر على التوجّه إلى البلاد الشاميّة أمر بعودتهما إلى الإسكندرية وسجنهما بها كما كانا أوّلا.

ثم فى رابع عشر شهر ربيع الآخر خرجت مدوّرة السلطان إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، فقدم الخبر على الأمير ططر بأن عساكر دمشق برزت منها إلى اللّجّون، فركب الأمير ططر فى يوم الثلاثاء تاسع عشره من قلعة الجبل ومعه السلطان الملك المظفر أحمد والأمراء وسائر أرباب الدولة، ونزل من قلعة الجبل إلى الريدانيّة بمخيّمه، وسافرت أمّ السلطان الملك المظفّر أحمد خوند سعادات فى محفّة «1» صحبة ولدها، وأصبح من الغد فى يوم الأربعاء رحل الأمير الكبير تنبك ميق من الرّيدانيّة ومعه عدّة أمراء جاليشا.

ثم استقلّ الأمير ططر بالسّفر ومعه السلطان والخليفة والقضاة الأربعة وبقيّة العساكر فى يوم الجمعة ثانى عشرين شهر ربيع الآخر المذكور، والموكب جميعه لططر بعد أن جعل الأمير قانى باى الحمزاوىّ نائب الغيبة «2» بالديار المصريّة، وهو يومئذ غائب ببلاد الصّعيد، وأن ينوب عنه فى نيابة الغيبة الأمير جقمق العلائى أخو چاركس المصارع إلى أن يحضر قانى باى، وجعل معهما أيضا فى القاهرة من الأمراء المقدّمين الأمير آقبغا التّمرازىّ، والأمير قرامراد خجا الشّعبانى.

وسار الأمير ططر من الرّيدانيّة بالسلطان إلى أن وصل مدينة غزّة فى يوم الاثنين ثانى جمادى الأولى.

ص: 186

وفى مدّة إقامته بغزّة قدم عليه جماعة من الأمراء ممن خرج من عسكر دمشق، منهم الأمير جلبّان أمير آخور وكان أحد الأمراء المجرّدين إلى حلب فى أيام الملك المؤيّد، والأمير إينال النّوروزىّ نائب حماة، وغيرهما، فسرّ الأمير ططر بهما، وفرّ منهم- ممن كان خرج معهم من دمشق- الأمير مقبل الحسامى الدّوادار- كان- فى طائفة يريد دمشق إلى الأمير جقمق.

ثم سار الأمير ططر من غزّة بالسلطان والعساكر يريد دمشق حتى وصل إلى بيسان «1» فى يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى فورد عليه الخبر من دمشق بأن الأمير مقبلا الدوادار لما وصل إلى دمشق، وأخبر الأمراء بدخول الأمير جلبّان والأمير إينال النوروزى فى طاعة الأمير ططر شقّ ذلك على الأمير جقمق الأرغون شاوى نائب الشّام، وعلى الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى ومن معه من الأمراء المصريين، واضطرب أمرهم وتكلّموا فى المصلحة، فلم ينتظم لهم أمر واختلفا: أعنى القرمشى وجقمق نائب الشام، فاقتضى رأى ألطنبغا القرمشى ومن معه الدّخول فى طاعة الأمير ططر، والتسليم له فيما يفعل، وامتنع جقمق نائب الشّام من ذلك وأبى إلا قتال ططر، وافترقا من يومئذ، وصارا فى تباين، إلى أن كان يوم الثلاثاء ثالث جمادى الأولى المذكورة بلغ الأمير ألطنبغا القرمشى عن جقمق أنه يريد القبض عليه، وعلى من معه من الأمراء، فطلب أصحابه وشاورهم فيما يفعل، فاقتضى رأيهم محاربته، فبادر القرمشى إلى محاربة جقمق، وركب بمماليكه وأصحابه بآلة الحرب وعليهم السّلاح، ووقف بهم تجاه قلعة دمشق، وقد رفع الصّنجق السلطانى «2» ، وأعلن بطاعة السلطان، فأتاه جماعة كبيرة من أمراء دمشق وغيرها راغبين فى الطّاعة.

وبلغ جقمق ذلك، فتهيّأ لقتاله، ولبس السلاح، ونزل بمماليكه وأصحابه، وصدم

ص: 187

بهم الأمير ألطنبغا القرمشى ومن معه، وقاتلهم، فكان بينه وبينهم وقعة هائلة طول النهار، إلى أن انكسر الأمير جقمق، وتوجّه هو والأمير طوغان أمير آخور، والأمير مقبل الحسامى الدّوادار فى نحو الخمسين فارسا إلى جهة صرخد «1» ، وأن الأمير ألطنبغا القرمشى استولى على مدينة دمشق، وتقدّم إلى القضاة والأعيان أن يتوجّهوا إلى ملاقاة السلطان والأمير ططر، فسرّ الأمير ططر بذلك غاية السرور، وعلم أن الأمر قدهان، وتحقق كل أحد ثبات أمره، وأنه سيصير أمره إلى ما سنذكره.

وكان الذي قدم عليه بهذا الخبر الأمير أزدمر الناصرى، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ممن كان صحبة القرمشى بالبلاد الحلبية، ثم قدم على الأمير ططر أيضا الأمير قطلوبغا التنمى نائب صفد، وخلع عليه الأمير ططر باستقراره على نيابة صفد.

ثم ركب الأمير ططر ومعه السلطان والعساكر إلى نحو دمشق حتى دخلها من غير ممانع بكرة الأحد خامس عشر جمادى الأولى المذكورة بعد أن تلقاه الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى ومعه الأمير ألطنبغا المرقبى حاجب الحجّاب بالديار المصرية، والأمير جرباش الكريمى المعروف بقاشق أحد مقدّمى الألوف بديار مصر والأمير سودون اللكاشى أحد مقدّمى الألوف أيضا، والأمير آق بلاط الدمرداش أحد مقدّمى الألوف أيضا.

ولما دخل «2» القرمشى على السلطان الملك المظفر [أحمد]«3» نزل وقبّل الأرض له بمن معه، وسلّم عل الأمير ططر، ثم ركب وسار فى خدمة السّلطان فتأدّب معه الأمير ططر نظام الملك بأن يسير فى ميمنة السلطان الملك المظفر، فامتنع من ذلك، وألحّ

ص: 188

عليه فأبى إلا سيره فى ميسرة السلطان، كل ذلك بعد أن خلع السلطان على القرمشى، وسار السلطان إلى أن طلع إلى قلعة دمشق ومعه الأمير ططر.

فأوّل ما بدأ به الأمير ططر أن قبض على الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى، وعلى الأمير جرباش الكريمى، وعلى الأمير ألطنبغا المرقبى، وعلى الأمير أردبغا من أمراء الألوف بدمشق، وعلى الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين الطرابلسى أستادارا المؤيّد [شيخ]«1» وعلى جماعة أخر.

وأصبح يوم الاثنين سادس عشره جلس للخدمة بقلعة دمشق، وخلع على الأمير تنبك ميق العلائى باستقراره فى نيابة دمشق عوضا عن جقمق الأرغون شاوى الدوادار، وخلع على الأمير إينال الجكمى «2» رأس نوبة النوب واستقر به فى نيابة حلب، عوضا عن الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير، وعلى الأمير يونس الرّكنى الأعور أتابك دمشق باستقراره فى نيابة غزة عوضا عن أركماس الجلبّانى.

ثم خلع على الأمير جانى بك الصّوفى أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالدّيار المصرية عوضا عن تنبك ميق «3» .

ثم أخذ الأمير ططر فى العمل على مسك جقمق الدّوادار، فبعث إليه الأمير بيبغا المظفّرى أمير مجلس، والأمير إينال الشّيخى الأرغزى، والأمير يشبك أنالى المعزول عن الأستادارية، والأمير سودون اللّكّاشىّ، ومعهم مائتا مملوك من المماليك السلطانية فساروا إلى صرخد.

وأرسل الأمير ططر المبشّر إلى الديار المصرية بقدوم السلطان إلى دمشق وبالقبض على الأمير ألطنبغا القرمشى، فدقت البشائر بقلعة الجبل لذلك ثلاثة أيام، وزينت القاهرة عشرة أيام.

ص: 189

ثم تزوّج الأمير الكبير ططر بأم السلطان «1» الملك المظفّر أحمد، صاحب التّرجمة وهى خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش، وبنى بها، فصار عمّ السلطان زوج أمّه ونظام ملكه مع ما تمهد له [من الأمر]«2» من مسك الأمير ألطنبغا القرمشى ورفقته، ومن ورود الخبر عليه بمجيء خچداشيّته الأمراء الذين كانوا فرّوا من الملك المؤيّد فى وقعة الأمير قانى باى المحمدى نائب الشام المقدّم ذكرهم.

فلمّا كان يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة، قدم الأمراء المقدّم ذكرهم من عند قرا يوسف بعد موته، وكانوا عند قرا يوسف من يوم فروا من وقعة الأمير قانى باى، وهم الأمير سودون من عبد الرّحمن نائب طرابلس كان، والأمير تنبك البجاسىّ نائب حماة كان، والأمير طرباى الظّاهرىّ نائب غزّة كان، والأمير يشبك الجكمىّ الدّوادار الثانى كان، وهو الذي فرّ من المدينة الشّريفة لما كان أمير الحاجّ [وتوجّه]«3» إلى العراق فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، والأمير جانى بك الحمزاوىّ، والأمير موسى الكركرى بمن كان معهم، فخلع عليهم الأمير ططر وأنعم عليهم بالمال والخيل والسلاح، غير أنه لم يعط أحدا منهم إقطاعا ولا إمرة خوفا من المماليك المؤيديّة، وكذلك الأمير برسباى الدّقماقى نائب طرابلس «4» كان، أعنى الملك الأشرف لمّا أطلقه من سجن قلعة دمشق لم ينعم عليه بإقطاع، وكان من خبره أنّ الملك المؤيّد جعله بعد إطلاقه من سجن المرقب أمير مائة ومقدّم ألف بدمشق، فقبض عليه الأمير جقمق وحبسه إلى أن أطلقه ططر- انتهى.

ثم أمر الأمير ططر بابن محب الدين الأستادار- كان- فصودر وعوقب أشدّ عقوبة، وأجرى عليه العذاب، وأخذ منه جملا مستكثرة ولا زال فى العقوبة إلى أن مات فى سابع عشرين جمادى الآخرة، كل ذلك بعد قتل الأمير ألطنبغا القرمشىّ.

ص: 190

وخبره أن الأمير ططر لمّا طلع إلى قلعة دمشق وقبض عليه فى الحال ارتجّ العسكر لمسكه، وعظم ذلك على جماعة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهريّة، وطلبوا من الأمير ططر إبقاءه، فرأى ططر أنّه لا يتمّ له أمر مع بقائه، وأرسل القرمشىّ أيضا يترقّق له، فلم يلتفت ططر إلى هذا كله، وتمثل لسان حاله بقول المتنبى:

[الكامل]

لا يخدعنّك من عدوّك دمعه

وارحم شبابك من عدوّ ترحم

لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى

حتّى يراق على جوانبه الدّم

وجسر عليه وقتله بعد أيّام، فلم ينتطح فى ذلك عنزان.

وكان الأمير ألطنبغا القرمشىّ حسنة من حسنات الدهر عقلا وحشمة ورياسة وسؤددا وكرما، مع اللّين والأدب والتواضع، كما سيأتى ذكره فى حوادث سنة أربع وعشرين وثمانمائة إن شاء الله تعالى.

ولما أن مهّد الأمير ططر أمور دمشق، وقوى جانبه بخشداشيته وأصحابه، عزم على التوجّه إلى حلب.

فلما كان يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور ركب الأمير ططر من قلعة دمشق ومعه السلطان الملك المظفّر وجميع عساكره، وتوجّه إلى جهة البلاد الحلبيّه، وسار حتى وصلها فى العشر الأول من شهر رجب، بعد أن فرّ منها الأمير ألطنبغا الصّغير قبل قدومه بمدّة، وملكها الأمير إينال الجكمىّ، وسكن بدار السّعادة على عادة النّوّاب، وأقام الأمير ططر بحلب، وأخذ فى إصلاح أمرها، وخلع على أمراء التّركمان والعربان، وبعث رسله إلى البلاد، وبينما هو فى ذلك قدم عليه الأمير مقبل الحسامىّ الدّوادار- كان- أحد أصحاب جقمق طائعا، وقد فارق الأمير جقمق من صرخد بعد أن حوصر جقمق من الأمير بيبغا المظفّرىّ المقدم ذكره ورفقته أيّاما، فخلع الأمير ططر على الأمير مقبل المذكور وعفا عنه- وفى النفس من ذلك شىء- ثم خلع الأمير ططر على الأمير تغرى بردى من آقبغا المؤيّدىّ

ص: 191

الأمير آخور الكبير المعروف بأخى قصروه، باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن الأمير إينال الجكمىّ، وخلع على الأمير إينال الجكمىّ باستقراره أمير سلاح «1» عوضا عن جانى بك الصّوفى بحكم انتقاله إلى أتابكيّة العساكر بديار مصر، وخلع على الأمير تمرباى اليوسفىّ المؤيّدى المشد باستقراره أمير حاج المحمل، فخرج من حلب وسار إلى الديار المصريّة ليتجهّز إلى سفر الحجاز.

ثم أبطأ على الأمير ططر أمر جقمق بصرخد، فندب له الأمير برسباى الدّقماقى نائب طرابلس- كان- ومعه القاضى بدر الدين محمد بن مزهر ناظر الإسطبل ونائب كاتب السّرّ، وأرسل معه أمانا لجقمق المذكور ولمن معه، وحلف له أنه لا يمسّه بسوء إن سلّم إليه صرخد وقدم إلى طاعته، فركب برسباى وتوجّه إلى صرخد، وما زال بالأمير جقمق ومن عنده حتّى أذعنوا لطاعة الأمير ططر، ونزلوا من قلعة صرخد، وتوجّهوا صحبة الأمير برسباى الدّقماقىّ إلى دمشق، وهم: الأمير جقمق نائب الشّام، والأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيّد وغيرهم، فلمّا قدموا إلى دمشق قبض عليهم الأمير تنبك ميق نائب الشّام، ولم يلتفت إلى كلام الأمير برسباى الدّقماقى، وحبس «2» الأمير جقمق والأمير طوغان أمير آخور بقلعة دمشق، وقال: إذا جاء الأمير الكبير ططر إن شاء يطلقهما وإن شاء يقتلهما، فاحتدّ الأمير برسباى لذلك قليلا ثم سكن ما به لمّا علم المصلحة فى قبضهما، وقيل إن الأمير برسباى لما قدم بهما إلى دمشق قال للأمير تنبك ميق: أنا قد حلفت لهما فاقبض عليهما أنت، ففعل تنبك ذلك، والصّواب عندى هو القول الثانى.

وأما الأمير ططر فإنه أقام بحلب هو والسلطان والعساكر إلى يوم الاثنين حادى عشر شعبان، فبرز فيه من مدينة حلب يريد مدينة دمشق، بعد أن مهّد أمور البلاد الحلبيّة، وخلع على مملوكه- ورأس نوبة- الأمير باك، باستقراره فى نيابة قلعة حلب، وكان الأمير باك من أخصّاء الأمير ططر وأعيان مماليكه.

ص: 192

وسار الأمير ططر إلى أن دخل دمشق هو والسلطان الملك المظفر أحمد فى يوم السبت ثالث عشرين شعبان، فارتجت دمشق لدخوله، وعبر دمشق وجميع الأمراء بين يديه، والسلطان معه كالآلة على عادته، وطلع إلى قلعة دمشق، وشكر الأمير تنبك ميق على قبضه على جقمق، ثم أمر بجقمق فعوقب على المال «1» ، ثم قتل بقلعة دمشق.

ثم أخرج الأمير طوغان الأمير آخور من حبس قلعة دمشق، وأرسله إلى القدس بطّالا، فخفّ الأمر كثيرا على الأمير ططر بقتل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشىّ، ثم بقتل الأمير جقمق نائب الشّام، ولم يبق عليه إلا الأمراء المؤيديّة- وكانت لهم شوكة وسطوة بخشداشيّتهم المماليك المؤيدية- فأخذ الأمير ططر عند ذلك يدبّر على قبضهم وجبن عن ذلك، وتكلم مع خشداشيّته المماليك الظاهريّة [برقوق]«2» فى ذلك، فاختلفت آراؤهم فى القبض عليهم، فمنهم من رأى أن القبض عليهم بالبلاد الشّامية أصلح، ومنهم من قال المصلحة أن الأمير الكبير ططر يعود إلى مصر، ثم يفعل ما بدا له بعد أن يصير بقلعة الجبل، فمال ططر إلى القول الثانى من أنه يعود إلى مصر، ثم يقبض عليهم، ثم يتسلطن، فلم يرض الأمير قصروه من تمراز بذلك، وقام فى القبض عليهم، وبالغ فى ذلك، وهوّن أمر المؤيديّة [شيخ]«3» على الأمير ططر إلى الغاية، حتى قال له: لا تتكلّم أنت فى أمرهم، وأنا والأمير بيبغا المظفّرى نكفيك أمر هؤلاء الأجلاب، كل ذلك لما كان فى نفس قصروه من أستاذهم الملك المؤيد؛ فإنه حدثنى بعض أعيان المماليك الظاهريّة قال: لمّا أخرج الملك المؤيّد قصروه من السّجن وأنعم عليه بإمرة عشرة صادفته فى بعض الأيام عند باب زويلة، فسلمت عليه ورجعت معه، فقال لى: يا أخى فلان، فقلت له: نعم، قال «تنظر ما بيفعل [بنا] «4» هذا الرجل وبخشداشيّتنا؟ قلت:[نعم]«5» نظرت، قال «6» : الله لا يميتنى حتى أفعل

ص: 193

بمماليكه ما فعل بخشداشيّتنا من الحبس والقتل والتشتت. فقلت له: هل قلت هذا الكلام لأحد غيرى؟ قال: لا. فقلت له عند ذلك: أمسك ما معك، لأن غريمك صعب، ومتى ما سمع بعض هذا الكلام عنك لا يبقيك ساعة واحدة. فقال:

أعرف هذا، فاكتم أنت أيضا ما سمعته منى، وتفارقنا، فلم يكن إلا بعد مدّة يسيرة ومات الملك المؤيّد، ووقع ما وقع من أمر الأمير ططر، إلى أن قام قصروه فى مسك المؤيّديّة، ومسكوا عن آخرهم، فلمّا كان بعد أيّام رآنى وقال: أخى فلان، فقلت: نعم، [قال] «1» : هل وفّيت بما قلت أم لا؟ فقلت: نعم وفّيت وزيادة- انتهى.

وقد خرجنا عن المقصود، ولنعد لما كنّا فيه.

ولما سمع الأمير ططر كلام قصروه، هان عليه أمر المؤيديّة، ووافق قصروه الأمير تغرى بردى المحمودى الناصرىّ، والأمير بيبغا المظفّرى أمير مجلس، والأمير يشبك الجكمىّ، القادم من عند قرا يوسف، والأمير أزدمر شايا، والأمير أيتمش الخضرىّ، ولا زالوا بالأمير ططر حتى وافقهم على القبض عليهم، بعد أن قال لهم: اصبروا حتى نكتب بقتل الأمير قجقار القردمى أمير سلاح، وكتب إلى مصر، ثم إلى نائب إسكندرية الأمير قشتم المؤيدى بقتله، فقتل فى شعبان المذكور.

وصار ططر يتردّد فى القبض على المؤيّديّة، إلى أن كان يوم الخميس ثامن عشرين شعبان من سنة أربع وعشرين المذكورة، وحضر الأمراء الخدمة على العادة، وقرىء الجيش، وفرغت العلامة «2» . وقبل أن يحضر السماط، مدّت الأمراء الظاهرية أيديهم فقبضوا على الأمراء المؤيدية فى الحال، الذين حضروا الخدمة والذين تأخّروا عن

ص: 194

الخدمة، فكان ممن قبض عليه منهم سبعة من مقدّمى الألوف «1» من مشتروات الملك المؤيد، وممن أنشأه، وهم:-

الأمير إينال الجكمى أمير سلاح- أصله من مماليك جكم من عوض نائب حلب إلّا أن المؤيد هو الذي أنشأه ورقّاه.

والأمير إينال الشّيخى الأرغزىّ حاجب الحجّاب، وكان أصله من مماليك الأمير شيخ الصّفوىّ، أمير مجلس فى دولة الملك الظاهر برقوق، غير أنه خدم الملك المؤيد قديما، واختصّ به أيام [تلك]«2» الفتن، فلما تسلطن رقّاه وقرّبه إلى الغاية.

والأمير سودون اللّكّاش [الظاهرى]«3» أحد الأمراء المجرّدين [إلى حلب]«4» صحبة الأمير ألطنبغا القرمشى، وكان أصله من مماليك الأمير آقبغا اللكّاش الظاهرى، وخدم الملك المؤيد قديما، فلما ملك مصر أنعم عليه ورقاه حتى جعله أمير مائة ومقدّم ألف بديار مصر.

والأمير جلبّان أمير آخور كان، وهو أيضا من جملة من كان مجرّدا صحبة القرمشىّ، وفى معتقه أقوال كثيرة، وأصله من مماليك الأمير تنبك أمير آخور اليحياوىّ الظاهرى، ثم أخذه بعده إينال حطب، ثم چاركس المصارع، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد [شيخ]«5» ، وصار أمير آخور قبل سلطنته، فلما تسلطن رقاه حتى صار من جملة أمراء الألوف بالقاهرة.

ثم على الأمير أزدمر الناصرى، وكان من جملة الأمراء المجرّدين مع ألطنبغا القرمشى، وأصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ونسبته بالناصرى إلى تاجره خواجا ناصر الدين، وهو ممّن أنشأه الملك المؤيد من خشداشيّته ورقاه، وكان رأسا فى لعب الرّمح.

ص: 195

وعلى الأمير يشبك أنالى المؤيدى رأس نوبة النّواب، الذي كان ولى الأستادارية فى دولة أستاذه المؤيد، وهو «1» من أكابر المماليك المؤيدية، ونسبته أنالى أى له أم.

وعلى الأمير على باى من علم شيخ المؤيدى الدّوادار، وهو أعظم مماليك المؤيد يوم ذاك، وهؤلاء من أمراء الألوف.

وأما الذين قبض عليهم من أمراء الطبلخانات والعشرات فكثير، منهم: الأمير مغلباى الأبوبكرى السّاقى، وعلى الأمير مبارك شاه الرّماح، وعلى الأمير مامش المؤيدى رأس نوبة، وعلى جماعة أخر، ثم قبض على الطّواشى مرجان المسلمى الهندى الخازندار، ثم أطلقه.

وبعد مسك هؤلاء الأمراء خلا الجوّ للأمير ططر، وعلم أنه لم يبق له منازع فيما يرومه، فإنه كان فى قلق كبير من على باى الدّوادار وخشداشيته، وفى تخوّف عظيم، بحيث إنه كان فى غالب سفره منذ خرج من الديار المصرية لا يفارق لبس الزّردية «2» من تحت ثيابه حتى أورث له ذلك مرضا فى باطنه من شدّة برد الزّردية، وتسلسل فيه ذلك من شىء إلى شىء حتى مات حسبما نذكره.

فلما قبض على هؤلاء عزم على خلع السلطان الملك المظفّر [أحمد]«3» من السّلطنة ووافقه على ذلك جميع الأمراء والخاصّكيّة، هذا وقد صار ططر يأخذ بخاطر من بقى من صغار المماليك المؤيدية ويقرّبهم ويدنيهم، ويسكّن روعهم، على أن كل واحد منهم انتمى لشخص من حواشى ططر، كما هى عادة العساكر المفلولة «4» ممّن زالت دولتهم، وذهبت شوكتهم، وتخلّف منهم جماعة بالبلاد الشاميّة، وانحطّ

ص: 196

قدرهم وخدموا الأمراء سنين إلى أن أعيدوا فى دولة الملك الظاهر جقمق إلى بيت السلطان.

ولمّا كان يوم تاسع عشرين شعبان من سنة أربع وعشرين وثمانمائة خلع السلطان الملك المظفر أحمد بن المؤيد بالسلطان الملك الظاهر ططر، وأدخل المظفر إلى أمّه خوند سعادات، وكان ططر قد تزوّجها حسبما ذكرناه، فمن يوم خلع ابنها المظفر لم يدخل إليها ططر، ثم طلّقها بعد ذلك.

وكانت مدّه سلطنة الملك المظفر من يوم جلوسه على تخت الملك- وهو يوم موت أبيه الملك المؤيد شيخ- إلى أن خلع فى هذا اليوم، سبعة أشهر وعشرين يوما، وعاد صحبة الملك الظاهر ططر إلى الدّيار المصرية، وأقام بقلعة الجبل مدّة، ثم أخرج هو وأخوه إبراهيم ابن الملك المؤيد إلى سجن الإسكندرية، فسجنا بها إلى أن مات الملك المظفر أحمد هذا فى الثّغر المذكور بالطاعون فى ليلة الخميس آخر جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فى سلطنة الملك الأشرف برسباى، ومات أخوه إبراهيم بعده بمدة يسيرة بالطاعون أيضا، ودفنا بالإسكندرية، ثم نقلا إلى القاهرة ودفنا بالقبة من الجامع المؤيدى داخل باب زويلة، ولم يكن للملك المظفر أمر فى السلطنة لتشكر أفعاله أو تذمّ لعدم تحكّمه فى الدّولة، وأيضا لصغر سنه، فإنه مات بعد خلعه بسنين وهو لم يبلغ الحلم، وأما أخوه إبراهيم فإنه كان أصغر منه، وكانت أمه أم ولد چركسيّة تسمّى قطلباى، تزوّجها الأمير إينال الجكمى بعد موت الملك المؤيد وماتت عنده. انتهى والله أعلم.

ص: 197