المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٥

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ الدخان

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(17)

- ‌(25)

- ‌(34)

- ‌(43)

- ‌(51)

- ‌ الجاثية

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(33)

- ‌ الأحقاف

- ‌1

- ‌(7)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(29)

- ‌ محمد

- ‌1

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(29)

- ‌ الفتح

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(27)

- ‌ 1

- ‌ ق

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(23)

- ‌(31)

- ‌ الذاريات

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(31)

- ‌(52)

- ‌ الطور

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(44)

- ‌(1

- ‌النجم

- ‌(19)

- ‌(33)

- ‌(55)

- ‌ القمر:

- ‌(9)

- ‌(17)

- ‌(23)

- ‌(33)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌الرحمن:

- ‌(14)

- ‌(26)

- ‌(37)

- ‌(46)

- ‌(62)

- ‌(1

- ‌ الواقعة:

- ‌(13)

- ‌(41)

- ‌(57)

- ‌1

- ‌الحديد

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(29)

- ‌ المجادلة

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌4

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌ الجمعة

- ‌1

- ‌(9)

- ‌ المنافقون

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌ التغابن

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌(1)

- ‌ الطلاق

- ‌(3)

- ‌4

- ‌6

- ‌1

- ‌(9)

- ‌ الملك

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(28)

- ‌القلم

- ‌1

- ‌(8)

- ‌(17)

- ‌الحاقة

- ‌1:

- ‌(19)

- ‌(38)

- ‌(1

- ‌ المعارج:

- ‌ نوح

- ‌(1)

- ‌5)

- ‌(25)

- ‌(1)

- ‌الْجِنُّ

- ‌(16)

- ‌ المزمل

- ‌1

- ‌(20)

- ‌ المدثر

- ‌1

- ‌(31)

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌(1

- ‌(16)

- ‌(26)

- ‌ الإنسان

- ‌(1)

- ‌(13)

- ‌(23)

- ‌(1

- ‌المرسلات

- ‌(16)

- ‌(29)

- ‌(41)

- ‌ النبأ

- ‌(1)

- ‌(31)

- ‌ النازعات

- ‌(1)

- ‌ عبس

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(33)

- ‌ التكوير

- ‌(1)

- ‌(1

- ‌(13)

- ‌ المطففين

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌(29)

- ‌ الانشقاق

- ‌(1)

- ‌(16)

- ‌ البروج:

- ‌1}

- ‌(12)

- ‌ الطارق

- ‌ الأعلى

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌الغاشية:

- ‌1

- ‌(17)

- ‌ الفجر

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(21)

- ‌(1

- ‌ البلد:

- ‌(1

- ‌ الشمس

- ‌ الليل

- ‌1

- ‌ الضحى

- ‌ التين

- ‌ العلق

- ‌(1)

- ‌6

- ‌ القدر

- ‌ البينة

- ‌1

- ‌(6)

- ‌ الزلزلة

- ‌ العاديات

- ‌ القارعة

- ‌ التكاثر

- ‌ العصر

- ‌ الهمزة

- ‌ الفيل

- ‌ قريش

- ‌ الماعون

- ‌ الكوثر

- ‌ الكافرون

- ‌ النصر

- ‌ المسد

- ‌ الإخلاص

- ‌ الفلق

- ‌ الناس

- ‌ خاتمة الطبعة الأولى والثانية

- ‌خاتمة الطبعة الثالثة

الفصل: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ‌

(7)

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)

شرح الكلمات:

وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات: أي أهل مكة من كفار قريش، والآيات آيات القرآن والبينات الواضحات.

قال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا سحر مبين: أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاهر لما رأوا من تأثيره على النفوس.

أم يقولون افتراه: أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه.

قل إن افتريته: أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي.

فلا تملكون لي من الله شيئا: أي فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا إن أراد أن يعذبني.

هو أعلم بما تفيضون فيه: أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن في وفي القرآن.

كفى به شهيداً بيني وبينكم: أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم.

ما كنت بدعاً من الرسل: أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون.

وما أدري ما يفعل بي ولا بكم: أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي، أو أقتل، وهل

ص: 47

ترجمون بالحجارة أو يخسف بكم.

إن أتبع إلا ما يوحى إلي: أي ما أتبع إلا ما يوحيه إلي ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به.

وما أنا إلا نذير مبين: أي وما أنا إلا نذير لكم بين الانذار.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن دعوة لهم إلى الإيمان والتوحيد قالوا رداً عليه ما أخبر به تعالى في قوله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي على كفار قريش {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي ظاهرات الدلالة واضحات المعاني {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا {لَلْحَقُّ1} وهو القرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله {أَمْ يَقُولُونَ2 افْتَرَاهُ} أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه. وقوله تعالى {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي على فرض أنني افتريته على الله وقلت أوحي إلي ولم يوح إلي وأراد الانتقام مني بتعذيبي، فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني، وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى، فهذا لن يكون مني أبداً. وقوله تعالى {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ3 فِيهِ} أي الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون في وفي القرآن فتقولون في ساحر وفي القرآن سحر مبين وتقولون في مفترٍ وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص. {كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ4} أي كفى بالله شهيدا علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي كلا بما عمل {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّ5حِيمُ} لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب. وقوله تعالى في الآية (9){قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً 6مِنَ الرُّسُلِ} يأمر تعالى رسوله أن

(للحق) اللام تعليلية. وليست للتعدية، أي: قال الكافرون بعضهم لبعض لأجل رد الحق وإبطاله، هذا سحر مبين، والحق: القرآن، يصفونه بالسحر حتى لا يؤمنوا به.

(أم) هي المنقطعة المقدرة ببل، والاستفهام أي: أيقولون افتراه والاستفهام وبل للإضراب الانتقالي من نوع إلى آخر من أنواع ضلالهم، والاستفهام للنفي والإنكار معاً.

(تفيضون فيه) أي: من قول الباطل والخوض في تكذيب الحق، إذ الإفاضة في الشيء: الخوض فيه والاندفاع، ومنه: أفاضوا في الحديث: إذا اندفعوا يقولون، وأفاض الناس من عرفات إلى مزدلفة، أي اندفعوا.

4 إذ هو يعلم صدقي ويعلم أنكم مبطلون.

5 الغفور لمن تاب من عباده الرحيم بالمؤمنين.

6 البدع: الأول: والبديع كالبدع بكسر الباء مثل: نصف ونصيف، وأبدع في كذا أتى بالبدع فيه أي بما لم يأت به غيره، والبديع: صفة مشبهة، وهو من أسماء الله تعالى، ومعناه: خالق الأشياء ومخترعها.

ص: 48

يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم {مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي ما أنا بأول عبد نبئ وأرسل فأكون بدعاً في هذا الشأن فينكر علي أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة. وقوله {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ1 بِي وَلا بِكُمْ} أي وقل لهم أيضاً أني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أقتل أو تقبل دعوتي وأنصر ولا ما يفعل بكم من تعذيبكم بحجر أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم. وقوله {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أتبع إلا الذي أوحى إلي ربي باعتقاده أو قوله أو عمله، فلا أحدث ولا أبتدع شيئا لم يوح الله به أبداً {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أنا بالذي يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا، ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربي إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه.

{قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (14) }

1 هذا رد على المتعنتين من المشركين الذين يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بما لم يكن في وسعه من أمور الغيب، وليس معناه كما قيل: إنه لا يدري هل يكون بعد موته في الجنة أو في النار، ولا يدري هل يكون المشركون في النار أو الجنة، إذ هذا قول باطل. وأما حديث عثمان بن مظعون في البخاري" فإنه لما قالت المرأة رحمة الله عليك يا أبا السائب إن الله أكرمك فقال لها: وما يدريك أن الله أكرمه فإني وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي" فإن المراد منه عدم الجزم بمصير من مات من المسلمين ووجوب تفويض الأمر إلى الله تعالى.

ص: 49

شرح الكلمات:

قل أرأيتم: أي أخبروني ماذا تكون حالكم.

إن كان من عند الله: أي إن كان القرآن من عند الله.

وكفرتم به: أي وكذبتم به أي بالقرآن.

وشهد شاهد من بني إسرائيل: أي وشهد عبد الله بن سلام.

على مثله فآمن: أي عليه إنه من عند الله فآمن.

واستكبرتم: أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين.

لو كان خيرا ما سبقونا إليه: أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والدين خيرا ما سبقنا إليه المؤمنون.

وإذ لم يهتدوا به: أي بالقرآن العظيم.

فسيقولون هذا إفك قديم: أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الأوليين.

وهذا كتاب مصدق: أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته.

لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا: أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين.

وبشرى للمحسنين: وهو أي القرآن بشرى لأهل الإحسان في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم.

ثم استقاموا: أي فلم يرتدوا واستمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات.

فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون: أي في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة.

بما كانوا يعملون: أي جزاهم الله بما جزاهم به ينفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة وتركهمالأعمال الفاسدة.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صلى الله عليه وسلم من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين {أَرَأَيْتُمْ} 1 أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله. وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام على2 مثله أي على التوراة أنها نزلت من

1 الاستفهام تقريري للتوبيخ، ومفعولا (رأيتم) محذوفا ن تقديرهما: أنفسكم ظالمين.

2 المثل: المماثل أي: المشابه في فعل أو صفة، وضمير مثله: عائد على القرآن، وجائز أن يكون المراد بالمثل: التوراة، والشاهد هو موسى عليه السلام أو عبد الله بن سلام كما في التفسير، وجائز أن يكون لفظ (مثل) مقحماً زائد نحو:(ليس كمثله شيء) أي: ليس مثله شيء، ويكون المعنى. وشهد شاهد- وهو عبد الله بن سلام- على صدق القرآن وكونه وحي الله أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 50

عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سيما والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضاً، بدلالتهما معا ًعلى أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد. {ِفَآمَنَ} هذا الشاهد1 {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن الله لا يهدي القوم2 الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإلهية وقوله تعالى في الآية (11){وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} هذا القول جائز أن يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها، وجائز أن يقوله المشركون في مكة وفي غيرها من العرب إذ المقصود هو الاعتذار عن عدم قبول الإسلام بحجة انه لا فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ولا خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادية لاعتنقوه ودخلوا فيه ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين. وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قول {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ3 آمَنُوا} أي في شأن الذين قالوا لو كان الإسلام خيراً ما4 سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا. وقوله تعالى {وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم فعموا فلم يهتدوا بالقرآن5 فسيقولون {هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} وقد قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد وعثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا القول وما أقبحه وأقبح قائله.

وقوله تعالى {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً} أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وهو ما دل عليه قوله هذا كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا6 عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه.

1 لا حاجة إلى أن نقول الشاهد هو موسى عليه السلام بحجة أن السورة مكية، وعبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة، إذ من الجائز أن تكون السورة مكية والآيات مدنية، وهو الحق في هذا والله أعلم.

2 الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلام وهو: ضللتم ضلالا لا يرجى لكم هداية بعده، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.

3 اللام تعليلية أي: قالوا ما قالوه لأجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ولا يقبلوا الإسلام.

4 ضمير (سبقونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلال وعمار ووالده وشمية وزنيرة على وزن شريرة، وسكيرة: أمة رومية كانت من السابقين إلى الإسلام.

5 المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن: قالوا هذا إفك قديم.

6 كلمة (لساناً) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة لا الأخلاق والعادات العربية والأحكام القبلية لأنها فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قروناً عديدة.

ص: 51

وهو محمد صلى الله عليه وسلم لينذر1 به الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذاب الله المترتب على تدسية النفوس بأوضار الشرك والمعاصي وهو بشرى للمحسنين من المؤمنين الذين احسنوا النية والعمل بالفوز العظيم يوم القيامة وهو النجاة من النار ودخول الجنة وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا2} بعد أن ذكر تعالى المبطلين وباطلهم عقب على ذلك بذكر المحسنين وأعمالهم على نهج الترهب والترغيب فأخبر تعالى أن الذين قالوا ربنا الله أي آمنوا وصرحوا بإيمانهم وجاهروا به ثم استقاموا على منهج لا إله إلا الله فعبدوا الله بما شرع وتركوا عبادة غيره حتى ماتوا على ذلك هؤلاء يخبر تعالى عنهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة فهم آمنون في الحيوات الثلاث، وبشرهم بالجنة فأخبر أنهم أصحابها الخالدون فيها، وأشار إلى أن ذلك الفوز والبشرى كانا نتيجة أعمالهم في الدنيا من الإيمان والعمل الصالح الذين دل عليها قوله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} .

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1-

اعتبار الشهادة وانها أداة يتوصل بها إلى احقاق الحق وابطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي إجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا.

2-

تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه، إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم.

3-

بيان تآخي وتلاقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للآخر أثبتت صحته.

4-

وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر.

5-

فضل الإستقامة3 حتى قيل أنها خير من ألف كرامة، والإستقامة هي التمسك بالإيمان والعبادة كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة.

{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ

1 قرأ نافع (لتنذر) بالتاء الفوقية حطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقرأ حفص (لينذر) بالياء أي القرآن.

2 ثم للتراخي الرتبي، إذ الإيمان يحصل بالنظر والتأمل دفعة واحدة وأما الإستقامة فتحتاج إلى مراقبة النفس وذكر الوعد والوعيد في كل طاعة من فعل أو ترك..

3 روى مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صلى الله عليه وسلم" قل آمنت بالله ثم استقم".

ص: 52