المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أو سبعة ليكون الواحد عدلا مرجحا للخلاف قاضيا فيه إذ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٥

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ الدخان

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(17)

- ‌(25)

- ‌(34)

- ‌(43)

- ‌(51)

- ‌ الجاثية

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(33)

- ‌ الأحقاف

- ‌1

- ‌(7)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(29)

- ‌ محمد

- ‌1

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(29)

- ‌ الفتح

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(27)

- ‌ 1

- ‌ ق

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(23)

- ‌(31)

- ‌ الذاريات

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(31)

- ‌(52)

- ‌ الطور

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(44)

- ‌(1

- ‌النجم

- ‌(19)

- ‌(33)

- ‌(55)

- ‌ القمر:

- ‌(9)

- ‌(17)

- ‌(23)

- ‌(33)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌الرحمن:

- ‌(14)

- ‌(26)

- ‌(37)

- ‌(46)

- ‌(62)

- ‌(1

- ‌ الواقعة:

- ‌(13)

- ‌(41)

- ‌(57)

- ‌1

- ‌الحديد

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(29)

- ‌ المجادلة

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌4

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌ الجمعة

- ‌1

- ‌(9)

- ‌ المنافقون

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌ التغابن

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌(1)

- ‌ الطلاق

- ‌(3)

- ‌4

- ‌6

- ‌1

- ‌(9)

- ‌ الملك

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(28)

- ‌القلم

- ‌1

- ‌(8)

- ‌(17)

- ‌الحاقة

- ‌1:

- ‌(19)

- ‌(38)

- ‌(1

- ‌ المعارج:

- ‌ نوح

- ‌(1)

- ‌5)

- ‌(25)

- ‌(1)

- ‌الْجِنُّ

- ‌(16)

- ‌ المزمل

- ‌1

- ‌(20)

- ‌ المدثر

- ‌1

- ‌(31)

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌(1

- ‌(16)

- ‌(26)

- ‌ الإنسان

- ‌(1)

- ‌(13)

- ‌(23)

- ‌(1

- ‌المرسلات

- ‌(16)

- ‌(29)

- ‌(41)

- ‌ النبأ

- ‌(1)

- ‌(31)

- ‌ النازعات

- ‌(1)

- ‌ عبس

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(33)

- ‌ التكوير

- ‌(1)

- ‌(1

- ‌(13)

- ‌ المطففين

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌(29)

- ‌ الانشقاق

- ‌(1)

- ‌(16)

- ‌ البروج:

- ‌1}

- ‌(12)

- ‌ الطارق

- ‌ الأعلى

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌الغاشية:

- ‌1

- ‌(17)

- ‌ الفجر

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(21)

- ‌(1

- ‌ البلد:

- ‌(1

- ‌ الشمس

- ‌ الليل

- ‌1

- ‌ الضحى

- ‌ التين

- ‌ العلق

- ‌(1)

- ‌6

- ‌ القدر

- ‌ البينة

- ‌1

- ‌(6)

- ‌ الزلزلة

- ‌ العاديات

- ‌ القارعة

- ‌ التكاثر

- ‌ العصر

- ‌ الهمزة

- ‌ الفيل

- ‌ قريش

- ‌ الماعون

- ‌ الكوثر

- ‌ الكافرون

- ‌ النصر

- ‌ المسد

- ‌ الإخلاص

- ‌ الفلق

- ‌ الناس

- ‌ خاتمة الطبعة الأولى والثانية

- ‌خاتمة الطبعة الثالثة

الفصل: أو سبعة ليكون الواحد عدلا مرجحا للخلاف قاضيا فيه إذ

أو سبعة ليكون الواحد عدلا مرجحا للخلاف قاضيا فيه إذ اختلف اثنان لابد من واحد يرجح جانب الخلاف وإذا اختلف أربعة لابد من خامس يرجح جانب الخلاف.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‌

(8)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)

شرح الكلمات:

ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى: أي المسارة الكلامية والمنهيون هم اليهود والمنافقون.

ثم يعودون لما نهوا: أي من التناجي تعمداً لأذية المؤمنين بالمدينة.

ويتناجون بالإثم والعدوان: أي بما هو إثم في نفسه، وعداوة الرسول والمؤمنين.

ومعصية الرسول: أي يتناجون فيوصي بعضهم بعضاً بمعصية الرسول وعدم طاعته.

وإذا جاءوك حيوك: أي جاءوك أيها النبي حيوك بقولهم السام عليك.

بما لم يحبك به الله: أي حيوك بلفظ السام عليك، وهذا لم يحيي الله به رسوله بل حياه بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

ص: 288

ويقولون في أنفسهم: أي سراً فيما بينهم.

لولا يعذبنا الله بما نقول: أي هلا يعذبنا الله بما نقول له، فلو كان نبياً لعاجلنا الله بالعقوبة.

حسبهم جهنم يصلونها: أي يكفيهم عذاب جهنم يصلونها فبئس المصير لهم.

فلا تتناجوا بالإثم والعدوان: أي فلا يناج بعضكم بما هو إثم ولا بما هو عدوان وظلم ولا بما هو معصية للرسول.

وتناجوا بالبر والتقوى: أي وتناجوا إن أردتم ذلك بالبر أي الخير والتقوى وهي طاعة الله والرسول.

إنما النجوى من الشيطان: أي إنما النجوى بالإثم والعدوان من الشيطان أي بتغريره.

ليحزن الذين آمنوا: أي ليوهمهم إنها بسبب شيء وقع مما يؤذيهم.

وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله: أي وليس التناجي بضار المؤمنين شيئاً إلا بإرادة الله تعالى.

وعلى الله فليتوكل المؤمنون: أي وعلى الله لا على غيره يجب أن يتوكل المؤمنون.

معنى الآيات:

قوله تعالى ألم تر الآية.. هذه نزلت في يهود المدينة والمنافقين فيها. إذ كانوا يتناجون أي يتحدثون سراً على مرأىً من المؤمنين، والوقت وقت حرب فيوهمون المؤمنين إن عدواً قد عزم على غزوهم، أو أن سرية هزمت أو أن مؤامرة تحاك ضدهم فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التناجي، وقال لا يتناج اثنان1 دون ثالث وأبوا أن يتناجوا فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب رسوله منهم ويوعدهم بعد فضحهم وكشف الستار عن كيدهم للمؤمنين ومكرهم بهم فقال تعالى لرسوله ألم تر الذين2 نهوا عن النجوى وهي التناجي المحادثة السرية أمام الناس، ثم يعودون لما نهوا عنه عصياناً وتمرداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتناجون لا بالبر والتقوى، ولكن بالإثم والعدوان ومعصيت3 الرسول أي بما هو إثم في نفسه كالغيبة والبذاء في القول، وبالعدوان وهو الاعتداء على المؤمنين وظلمهم، وبمعصية الرسول فيوصي بعضهم بعضاً بعصيان الرسول وعدم طاعته في أمره ونهيه. هذا وشر منهم أنهم إذا جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيوه بما لم يحيه به الله فلم يقولوا السلام عليكم ولكن

1 الحديث ثابت في الصحيح وفي الموطأ قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد" وفي الحديث دليل على التحريم ونظيره: أن يتكلم اثنان بلغة غير لغة الثالث فإنه كنجوى اثنين دون ثالث.

2 الاستفهام للتعجب والمراد به توبيخ اليهود الذين نزلت الآية فيهم مع إخوانهم المنافقين.

3 كتبت (معصيت) بالتاء المفتوحة دون المربوطة التي يوقف عليها بالهاء في موضعين من هذه السورة، ويوقف عليها بالهاء ويجوز بالتاء أمل في الوصل فلا بد من التاء.

ص: 289

يقولون السام عليكم والسام الموت يلوون بها ألسنتهم، ويأتونا الرسول واحداً واحداً ليحيوه بهذه التحية الخبيثة ليدعوا عليهم بالموت لعنة الله عليه مما أكثر أذاهم وما أشد مكرهم وما أنتن خبثهم ويقولون في أنفسهم أي فيما بينهم لو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً لآخذنا الله بما نقول له من الدعاء عليه بالموت وهذا معنى قوله تعالى عنهم:{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ} أي هلا عذبنا الله بما نقول لمحمد صلى الله عليه وسلم لو كان نبياً.1 قال تعالى حسبهم2 عذاباً جهنم يصلونها يحترقون بحرها ولظاها يوم القيامة فبئس المصير الذي يصيرون إليه في الدار الآخرة جهنم وزقومها وحميمها وضريعها وغسلينها ويحمومها وفوق ذلك غضب الله ولعنته عليهم.

وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} هذه الآية والتي بعدها نزلت في تربية المؤمنين روحياً وتهذيبهم أخلاقياً فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله إذا تناجيتم لأمر استدعى ذلك منكم فلا3 تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول فتكون حالكم كحال اليهود والمنافقين ولكن {تَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} أي بما هو خير في نفسه لا إثم في هو بطاعة الله ورسوله إذ هما التقوى، واتقوا الله الذي إليه تحشرون يوم القيامة لمحاسبتكم ومجازاتكم فاتقوه بطاعته وطاعة رسوله.

وقوله تعالى {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} أي هو الدافع إليها والحامل عليها وذلك لعلة وهي أن يوقع المؤمنين في غم وحزن، وليس التناجي ولا الشيطان بضار المؤمنين شيئاً إلا بإرادة الله تعالى لحكم عالية يعلمها الله، ولذا فلا تحزنوا ولا تغتموا لما ترون من تناجي أعدائكم من اليهود والمنافقين، وتوكلوا على الله في أموركم كلها. وعلى الله تعالى لا على غيره فليتوكل المؤمنون في كل زمان ومكان. فإن الله تعالى كاف من يتوكل عليه كافيه كل ما يهمه والله على ذلك قدير.

1 قال ابن العربي: جهل هؤلاء اليهود أن الله تعالى حليم لا يعاجل بالعقوبة من سبه فقد قال صلى الله عليه وسلم "لا أحد أصبر على الأذى من الله يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم".

2 روى الترمذي وصححه عن أنس "أن يهودياً أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه فقال: السام عليكم. فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتدرون ما قال هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال كذا ردوه علي فردوه فقال: قلت السام عليكم؟ قال: نعم فقال النبي عند ذلك إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليك ما قلت، فأنزل الله تعالى (وإذا جاؤوك) الآية.

3 الجمهور أن حرمة تناجي الاثنين دون الثالث والثلاثة دون الرابع وهكذا هو باق على تحريمه وليس مخصوصاً بحالة الحرب كما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ألفاظ الحديث عامة. منها حديث الصحيح عن ابن عمر: "إذا كان ثلاثة فلا ينتاجى اثنان دون الواحد". وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه".

ص: 290

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1-

بيان مكر اليهود والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان.

2-

إذا حيا الكافر المؤمن ورد عليه المؤمن رد عليه بقوله وعليكم لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس من اليهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقال صلى الله عليه وسلم وعليكم. فقالت عائشة رضي الله عنها عليكم السام ولعنكم1 الله وغضب عليكم. فقال لها عليه الصلاة والسلام يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش فقالت ألا تسمعهم يقولون السام؟ فقال لها أو ما سمعت ما أقول: وعليكم. فأنزل الله هذه الآية رواه الشيخان.

3-

إذا سلم الذمي وكان سلامه بلفظ السلام عليكم لا بأس أن يرد عليه بلفظه.

4-

حرمة التناجي بغير البر والتقوى وقوله تعالى إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس الآية من سورة النساء.2

5-

لا يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث لما يوقع ذلك في نفس الثالث من حزن لا سيما إن كان ذلك في سفر أو في حرب وما إلى ذلك.

6-

وجوب التوكل على الله وترك الأوهام والوساوس فإنها من الشيطان.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

ص: 291

(12)

أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)

شرح الكلمات:

تفسحوا في المجالس: أي توسعوا في المجالس التي هي مجالس علم وذكر.

فافسحوا يفسح الله لكم: أي في الجنة وفي الرزق والقبر.

انشزوا فانشزوا: أي قوموا للصلاة أو لغيرها من أعمال البر.

يرفع الله الذين آمنوا منكم: أي بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وفي غرفات الجنان في الآخرة.

والذين أوتوا العلم درجات: أي ويرفع الذين أوتوا العلم درجات عالية لجمعهم بين العلم والعمل.

إذا ناجيتم الرسول: أي أردتم مناجاته.

فقدموا بين يدي نجواكم صدقة: أي قبل المناجاة تصدقوا بصدقة ثم ناجوه صلى الله عليه وسلم.

ذلك خير لكم وأطهر: أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لما فيه من نفع الفقراء وأطهر لذنوبكم.

فإن لم تجدوا: أي فإن لم تجدوا ما تتصدقون به.

فإن الله غفور رحيم: أي غفور لمناجاتكم رحيم بكم فليس عليكم في المناجاة بدون صدقة إثم.

أأشفقتم أن تقدموا بين يدي: أي أخفتم الفقر إن قدمتم بين يدي نجواكم صدقات.

نجواكم صدقات؟

فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم: أي تقديم الصدقات، وتاب الله عليكم بأن رخص لكم في تركها.

فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة: أي على الوجه المطلوب من إقامتها وأخرجوا الزكاة.

وأطيعوا الله ورسوله: أي وداوموا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله.

والله خبير بما تعملون: أي من أعمال البر والإحسان وسيثيبكم على ذلك بالجنة.

ص: 292

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تربية المؤمنين وتهذيبهم ليكملوا ويسعدوا فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي صدقوا الله ورسوله {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} أي إذا قال لكم الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره توسعوا1 في المجلس ليجد غيركم مكاناً بينكم فتوسعوا ولا تضنوا بالقرب من الرسول أو من العالم الذي يعلمكم أو المذكر الذي يذكركم وإن أنتم تفسحتم أي فإن الله تعالى يكافئكم فيوسع عليكم في الدنيا بسعة الرزق وفي البرزخ في القبر وفي الآخرة في غرفات الجنان.

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} 2 أي قوموا من المجلس لعلة أو للصلاة أو للقتال أو لفعل بر وخير فانشزوا أي خفوا وقوموا يئبكم الله فيرفع الله الذين آمنوا منكم درجات3 بالنصر والذكر الحسن في الدنيا وفي غرف الجنة في الآخرة والذين أوتوا العلم درجات أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم أيها المؤمنون درجاتٍ عالية لجمعهم بين الإيمان والعلم والعمل.

وقوله: {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} يذكرهم تعالى بعلمه بهم في جميع أحوالهم ليراقبوه ويكثروا من طاعته ويحافظوا على تقواه.

وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} أمرهم تعالى إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكلمه وحده أن يقدم صدقة أولاً ثم يطلب المناجاة وكان هذا لمصلحة الفقراء أولا ثم للتخفيف4 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كل مؤمن يود أن يخلو برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرب منه ويكلمه والرسول بشرٌ لا يتسع لكل أحد فشرع الله هذه الصدقة فأعلمهم أنه يريد التخفيف عن رسوله. فلما علموا بذلك وتحرجوا من بذل صدقة وأكثرهم فقراء

1 قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض، وروي عن ابن عباس أن هذا في صفوف القتال إذ كانوا يتشاحون على الصف الأول فأمروا بالفسح لبعضهم حتى يتمكنوا من الوقوف في الصف الأول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واللفظ عام يشمل هذا وذاك. قال القرطبي: والصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سواء كان مجلس حرب أو علم أو ذكر أو مجلس صلاة كيوم الجمعة وفي الحديث الصحيح: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر ولكن تفسحوا وتوسعوا".

2 قال قتادة: المعنى: أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف، والنشر: الارتفاع مأخوذ من نشز الأرض وهو ارتفاعها، ومنه قيل للمرأة التي تترفع على زوجها ناشز.

3 في الآية مدح لأهل العلم: قاله ابن مسعود وفي الحديث: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب". وقيل لعمر رضي الله عنه في مولى استخلفه فقال: إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين" وعن ابن عباس: خير سليمان بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه.

4 قال ابن عباس: نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن رسوله فأنزل هذه الآية فلما نزلت كف الناس.

ص: 293

لا يجدها نسخ تعالى ذلك ولم تدم مدة الوجوب أكثر من ليالي ونسخها الله تعالى بقوله الآتي أأشفقتم. الآية.

وقوله تعالى {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} 1 أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لكم حيث تعود الصدقة على الفقراء إخوانكم وأطهر أي لنفوسكم لأن النفس تطهر بالعمل الصالح وقوله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} أي ما تقدمونه صدقة قبل المناجاة فناجوه صلى الله عليه وسلم ولا حرج عليكم لعدم وجدكم فإن الله غفور لكم رحيم بكم. وقوله تعالى {أَأَشْفَقْتُمْ2} أي أخفتم الفاقة والفقر إن أنتم ألزمتم بالصدقة بين يدي كل مناجاة وعليه فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم برفع هذا الواجب ونسخه فرجع بكم إلى عهد ما قبل وجوب الصدقة فأقيموا الصلاة بأدائها في أوقاتها في جماعة المؤمنين مراعين شرائطها وأركانها وسننها وآدابها وآتوا الزكاة الواجبة في أموالكم. وأطيعوا الله ورسوله في أمرها ونهيهما يكفكم ذلك عوضاً عن الصدقة التي نسخت تخفياً عليكم ورحمة بكم.

وقوله {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ3} أي فراقبوه في طاعته وطاعة رسوله تفلحوا فتنجوا من النار وتدخلوا الجنة دار الأبرار.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1-

الندب إلى فضيلة التوسع في مجالس العلم والتذكير.

2-

الندب والترغيب في القيام بالمعروف وأداء الواجبات إذا دعى المؤمن إلى ذلك.

3-

فضيلة الإيمان وفضل العلم والعمل به.

4-

مشروعية النسخ في الشريعة قبل العمل بالمنسوخ وبعده إذ هذه الصدقة نسخت قبل أن يعمل بها اللهم إلا ما كان من علي4 رضي الله عنه فإنه أخبر أنه تصدق بدينار وناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخت هذه الصدقة فكان يقول في القرآن آية لم يعمل بها أحد غيري وهي فضيلة له رضي الله عنه.

1 قال ابن العربي: في الآية دليل على أن الأحكام لا تترب بحسب المصالح فإن الله تعالى قال {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} ثم نسخ ذلك مع كونه خيراً وأطهر. ولكن قد يقال إن ما قد نسخ من أجله قد يكون أكثر منفعة للمسلمين في دينهم ودنياهم. وإن كان خافياً عن المسلمين لا يعلمونه.

2 الاستفهام المراد به لوم الأصحاب على تأخرهم عن المناجاة لما فرضت عليها الصدقة. قيل كان ما بين الآيتين الناسخة والمنسوخة عشرة أيام.

3 الجملة تذييل لجملة: (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وهي كناية عن التحذير من التفريط في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

4 روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لقد كانت لعلي رضي الله عنه ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى.

ص: 294