الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى
(19)
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)
شرح الكلمات:
أفرأيتم اللات والعزى: أي أخبروني عن أصنامكم التي اشتققتم لها أسماء من أسماء الله وأنثتموها.
ومناة الثالثة الأخرى1: وجعلتموها بناتٍ لله، افتراء على الله وكذباً عليه.
ألكم الذكر وله الأنثى: أي أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه لأنفسكم ولله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم.
تلك إذاً قسمة ضيزى: أي قسمتكم هذه إذاً قسمة ضيزى أي جائزة غير عادلة ناقصة غير تامة.
إن هي إلا أسماء سميتموها: أي ما اللات والعزى ومناة الثالة الأخرى إلا أسماء لا حقيقة لها.
أنتم وآباؤكم: أي سميتموها بها أنتم وآباؤكم.
ما أنزل الله بها من سلطان: أي لم ينزل الله تعالى وحياً يأذن في عبادتها.
إن يتبعون إلا الظن: أي ما يتبع المشركون في عبادة أصنامهم إلا الظن والخرص والكذب.
1 هدمها خالد بن الوليد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما شرع في هدمها قال لها:
يا عز كفرانك لا سبحانك
إني رأيت الله قد أهانك
وما تهوى الأنفس: أي وما يتبعون إلا ما تهواه نفوسهم وما تميل إليه شهواتهم.
أم للإنسان ما تمنى: أي بل أللإنسان ما تمنى والجواب لا ليس له كل ما يتمنى.
فلله الآخرة والأولى: أي إن الآخرة والأولى كلاهما لله يهب منهما ما يشاء لمن يشاء.
وكم من ملك في السماوات: أي وكثير من الملائكة في السماوات.
لا تغني شفاعتهم شيئاً: أي لو أرادوا أن يشفعوا لأحد حتى يكون الله قد أذن لهم ورضي للمسموح له بالشفاعة.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى مظاهر قدرته وعظمته وعلمه وحكمته في الملكوت الأعلى جبريل وسدرة المنتهى وما غشاها من نور الله وما أرى رسوله من الآيات الكبرى، خاطب المشركين بقوله {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ1 وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} أي أعميتم فرأيتم هذه الأصنام أهلاً لأن تسوى بمن له ملكوت السموات والأرض وعبدتموها معه على حقارتها ودناءتها، وأزددتم عمىً فاشتققتم لها من أسماء الله تعالى أسماء فمن العزيز اشتققتم العزى ومن الله اشتققتم اللات، وجعلتموها بنات لله افتراء على الله بزعمكم أنها تشفع لكم عند الله. أخبروني ألكم الذكر2 لأنكم تحبون الذكران وترضون بهم لأنفسكم، وله الأنثى لأنكم تكرهونها ولا ترضون بها لأنفسكم، إذا كان الأمر على ما رأيتم فإنها قسمة ضيزى3 أي جائزة غير عادلة وناقصة غير تامة فكيف ترضونها لمن عبدتم الأصنام من أجل التوسل بها إليه ليقضي حوائجكم؟ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم. إن أصنامكم أيها المشركون لا تعدو كونها أسماء لآلهة لا وجود لها ولا حقيقة في عالم الواقع إذ لا إله إلا الله، أما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فلم تكن آلهة تحيي وتميت وتعطي وتمنع وتضر وتنفع. إن هي أي ما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من
1 انتقل الكلام من تقرير النبوة المحمدية إلى تقرير الإلهية الربانية، واللات أصله: لات فأدخلوا عليه ال فصار اللات، وهي صنم لثقيف كانت قريش والعرب يعبدونه، وقيل: هو وصف لرجل كان يلت السوق للحجاج ثم صنع له صنم تمثالاً وألهته ثقيف وقريش وجمهور العرب والعزى اسم مشتق من العز وهي فعلى ككبرى: صنم عليه بناء كان بوادي نخلة فوق (ذات عرق) ميقات أهل العراق قريباً من الطائف ومناة: صنم كان لخزاعة كان بالمشلل حذو قديد بين مكة والمدينة وكان الأوس والخزرج يهلون منه ويطوفون به كالسعي بين الصفا والمروة.
2 تقديم الجار والمجرور في (ألكم الذكر) للاهتمام بالاختصاص.
(ضيزى) اسم كدفلي وشعرى، وهو مشتق من ضاز يضيز ضيزاً: إذا ظلم وتعدى وبخس وانتقص. قال الشاعر:
ضازت بنو أسد بحكمهم
إذ يجعلون الرأس كالذنب
سلطان أي لم ينزل بها وحياً يأذن بعبادتها. وهنا التفت الجبار جل جلاله في الخطاب عنهم وقال {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} أي إن هؤلاء المشركين ما يتبعون في عبادة هذه الأصنام إلا الظن، فلا يقين لهم في صحة عبادتها. كما يتبعون في عبادتها {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} أي هوى أنفسهم {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} فبين لهم الصراط السوي فأعرضوا عنه وهو الحق من ربهم. وتعلقوا بالأماني الكاذبة وأن أصنامهم تشفع لهم، أم للإنسان ما تمنى1 والجواب ليس له تمنى، إذ لله الآخرة والأولى يعطي منها ما يشاء ويمنع ما يشاء وكم من2 ملك في السموات لا يعدون كثرة لا تغني شفاعتهم شيئاً من الإغناء ولو قل إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفع من الملائكة وغيرهم، ويرضى عن المشفوع له، وإلا فلا شافع ولا شفاعة تنفع عند الله الملك الحق المبين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
التنديد بالشرك والمشركين وتسفيه أحلامهم لعبادتهم أسماء لا مسميات لها في الخارج إذ تسمية حجراً إلهاً لن تجعله إلهاً.
2-
بيان أن المشركين في كل زمان ومكان ما يتبعون في عبادة غير الله إلا أهواءهم.
3-
بيان أن الإنسان لا يعطى بأمانيه، ولكن بعمله وصدقه وجده فيه.
4-
بيان أن الدنيا كالآخرة لله فلا ينبغي أن يطلب شيء منها إلا من الله مالكها.
5-
كل شفاعة ترجى فهي لا تحقق شيئاً إلا بتوفر شرطين الأول أن يأذن الله للشافع في الشفاعة والثاني أن يكون الله قد رضي للمشفوع له بالشفاعة والخلاصة هي: الإذن للشافع والرضا عن المشفوع.
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)
1 الاستفهام المقدر بعد أم إنكاري المقصود منه إبطال حصول الإنسان على ما يتمناه.
2 هذه الجملة تأكيد لإبطال حصول الإنسان على ما يتمناه وإبطال لاعتقاد المشركين في أن آلهتهم تشفع لهم عند الله عز وجل.
شرح الكلمات:
إن الذين لا يؤمنون بالآخرة: أي إن الذين لا يؤمنون بالبعث والحياة الآخرة.
ليسمون الملائكة تسمية الأنثى: أي ليطلقون على الملائكة أسماء الإناث إذ قالوا بنات الله.
وما لهم به من علم: أي وليس لهم بذلك علم من كتاب ولا هدى من نبي ولا عقل سوي.
إن يتبعون إلا الظن1: أي في تسميتهم الملائكة إناثاً إلا مجرد الظن، والظن لا تقوم به حجة ولا يعطى به حق.
فأعرض عمن تولى عن ذكرنا: أي القرآن وعبادتنا.
ولم يرد إلا الحياة الدنيا: ولم يرد من قوله ولا عمله إلا ما يحقق رغائبه من الدنيا.
ذلك مبلغهم من العلم: أي ذلك الطلب للدنيا نهاية علمهم إذ آثروا الدنيا على الآخرة.
معنى الآيات:
لما ندد تعالى بالمشركين الذين جعلوا من الأصنام والأوهام والأماني آلهة وجادلوا دونها وجالدوا ذكر ما هو علة ذلك التخبط والضلال فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} دار السعادة الحقة أو الشقاء {لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} فلو آمنوا بالآخرة لما سموا الملائكة بنات الله لأن المؤمن بالآخرة يحاسب نفسه على كل قول وعمل له تبعة يخشى أن يؤخذ بها بخلاف الذي لا يؤمن بالآخرة فإنه يقول ويفعل ما يشاء لعدم شعوره بالمسؤولية والتبعة التي قد يؤخذ بها فيهلك ويخشى كل شيء وهو تعليل سليم حكيم.
وقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ 2عِلْمٍ} أي ليس لهم في ادعائهم أن الملائكة بنات الله أي علم يعتد به إن يتبعون فيه إلا الظن والظن أكذب الحديث، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً وبناء على هذا أمر تعالى رسوله أن يعرض عمن تولى منهم عن الحق بعد معرفته وعن الهدى بعد مشاهدته فقال تعالى {فَأَعْرِضْ3 عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} أي القرآن والإيمان والتوحيد والطاعة، ولم يرد بقوله وعمله واعتقاده إلا الحياة الدنيا إذ هو لا يؤمن بالآخرة فلذا هو قد كيف حياته بحسب
1 حذر النبي صلى الله عليه وسلم من القول بالظن وكذا العمل به ففي الصحيحين قال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"!!
2 نفي العلم عنهم حجة قاطعة على ادعائهم لأن ما لا يثبت بالعلم النقلي أو العقلي لا تقوم به حجة ولا يثبت به شيء وقد وبخهم تعالى في قوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} ؟
3 قيل نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، والوليد بن المغيرة، والآية نزلت قبل الأمر بالجهاد.
الدنيا فكل تفكيره في الدنيا، وكل عمله لها فيصبح بذلك أشبه بالآلة منه بالحيوان. وتصبح الحياة معه عميقة الفائدة فلذا يجب الإعراض عنه وتركه إلى أن يأذن الله فيه بشيء.
وقوله تعالى {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ1 مِنَ الْعِلْمِ} أي هذا الطلب للدنيا هو ما انتهى إليه علمهم فلذا هم آثروها عن الآخرة التي لم يعلموا عنها شيئاً.
وقوله تعالى في خطاب رسوله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ2 عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} أي إن ربك أيها الرسول هو أعلم منك ومن غيرك بمن ضل عن سبيله قدراً وأزلاً فضل في الحياة الدنيا أيضاً، وهو أعلم بمن اهتدى، قضاء وقدراً وواقعاً في الحياة الدنيا وسيجزى كلاً بما عمل من خير أو شر فلا تأس يا رسولنا ولا تحزن وفوض الأمر إلينا فإنا عالمون ومجازون كل عامل بما عمل في دار الجزاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
أكثر الأمراض مردها إلى قلب لا يؤمن بالآخرة.
2-
أكثر الفساد في الأرض هو نتيجة الجهل وعدم العلم اليقيني.
3-
التحذير من الماديين فإنهم شر وخطر وواجب الإعراض عنهم لأنهم شر الخليقة.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
1 قال الفراء: صغرهم وازدرى بهم أي: ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة.
2 هذه الجملة تعليل لجملة: (فأعرض عمن تولى) والجملة متضمنة زيادة على التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم الوعد والوعيد فالوعد للمهتدين من الرسول والمؤمنين والوعيد للمشركين الضالين عن سبيل الهدى فإن جزاءهم الشقاء في دار الشقاء.
شرح الكلمات:
ولله ما في السموات وما في الأرض: أي خلقاً وملكاً وتصرفاً.
ليجزي الذين أساءوا بما عملوا: ليعاقب الذي أساءوا بما عملوا من الشرك والمعاصي.
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى: ويثيب الذين أحسنوا في إيمانهم وعملهم الصالح بالجنة.
الذين يجتنبون كبائر الإثم: أي يتجنبون كبائر الذنوب وهو كل ذنب وضع له حد أو لعن فاعله أو توعد عليه بالعذاب في الآخرة.
والفواحش الا اللمم: أي الذنوب القبيحة كالزنا واللواط وقذف المحصنات والبخل واللمم صغائر الذنوب التي تكفر باجتناب كبائرها.
هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض: أي خلق أباكم آدم من تراب الأرض.
وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم: أي وأنتم في أرحام أمهاتكم لم تولدوا بعد.
فلا تزكوا أنفسكم: أي فلا تمدحوها على سبيل الفخر والإعجاب.
هو أعلم بمن اتقى: أي منكم بمن اتقى منكم وبمن فجر فلا حاجة إلى ذكر ذلك منكم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير ربوبيته تعالى المطلقة لكل شيء إذ تقدم في السياق قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} وهنا قال عز من قائل {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} خلقاً وملكاً وتصرفاً وتدبيراً فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء هداية تابعة لحكمة وإضلال كذلك يدل عليه قوله تعالى {لِيَجْزِيَ1 الَّذِينَ أَسَاءُوا} أي إلى أنفسهم بما عملوا من الشرك والمعاصي يجزيهم بالسوء وهي جهنم {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} إلى أنفسهم فزكوها وطهروها بالإيمان والعمل الصالح يجزيهم بالحسنى2 التي هي الجنة وقوله {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ3 وَالْفَوَاحِشَ} بين فيه وجه إحسان المحسنين إلى أنفسهم حين طهروها بالإيمان وصالح الأعمال ولم يلوثوها بأوضار كبائر الإثم من كل ما توعد فاعله بالنار أو بلعن أو إقامة حدٍ، أو غضب الرب.
1 هذه اللام هي لام التعليل إذ أوجد الله تعالى العوالم العلوية والسفلية من أجل الإنسان، وأوجد الإنسان للذكر والشكر فمن ذكر وشكر وهو المحسن فله الجنة ومن نسي وكفر فله السوأى وهي النار.
2 أي: بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، والحسنى صفة لموصوف محذوف وهي المثوبة.
(الذين يجتنبون) الخ صفة للذين أحسنوا أي: أحسنوا بفعل الواجبات واجتنبوا كبائر الذنوب والسيئات حتى لا تتلوث أرواحهم بعد طهرها بالأعمال الصالحة.
والفواحش من زنا ولواط وبخل وقوله {إِلَّا اللَّمَمَ1 إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} أي لكن اللمم يتجاوز عنه وهو ما ألم به المرء وتاب منه أو فعله في الجاهلية ثم أسلم، وما كان من صغائر الذنوب كالنظرة والكلمة والتمرة. وقد فسر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. فمغفرة الله واسعة تشمل كل ذنب تاب منه فاعله كما تشمل كل ذنب من الصغائر.
وقوله تعالى {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} أعلم بضعفنا وغرائزنا وحاجاتنا وعجزنا منا نحن بأنفسنا ولذا تجاوز لنا عن اللمم الذي نلم به بحكم العجز والضعف، فله الحمد والمنة. وقوله:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ2} ينهى الرب تعالى عباده المؤمنين عن تزكية المرء نفسه بإدعاء الكمال والطهر الأمر الذي يكون فخراً وإعجاباً والإعجاب بالنفس محبط للعمل كالرياء والشرك فقوله {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تشهدوا عليها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي وقوله {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} أي أن الله أعلم بمن اتقى منكم ربه فخاف عقابه فأدى الفرائض واجتنب المحرمات منا ومن المتقى نفسه فلذا لا تمدحوا أنفسكم له فإنه أعلم بكم من أنفسكم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
تقرير ربوبية الله تعالى لكل شيء وهي مستلزمة لإلوهيته.
2-
تقرير حرية إرادة الله يهدي من يشاء ويضل ويعذب من شاء ويرحم إلا أن ذلك تابع لحكم عالية.
3-
تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل.
4-
تقرير قاعدة أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر.
5-
حرمة تزكية النفس وهي مدحها والشهادة عليها بالخير والفضل والكمال والتفوق.
1 عن ابن عباس: هو الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه، واستشهد قائلا:
إن تغفر اللهم تغفر جماً
وأي عبد لك ما ألما
2 في الآية دليل على كراهة تزكية العبد نفسه أو تزكية غيره ففي الحديث الصحيح: "أنه لم يرض لهم تسمية برة وقرأ: {فلا تزكوا أنفسكم} الآية: وقال سموها زينب" وفي الصحيح "أنه سمع رجلاً يمدح آخر فقال له: ويلك قطعت عنق صاحبك –مرارا- إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك" روى مسلم "أن رجلاً أتى عثمان فأثنى عليه في وجهه، فجعل المقداد بن الأسود يحثو التراب في وجهه ويقول: أمرنا رسول الله أن نحثوا التراب في وجوه المداحين".