الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
بيان غياب الشركاء من الأنداد التي كانت تعبد عن عابديها فضلا عن نصرتها لهم وذلك الخذلان هو جزاء كذبهم وافترائهم في الحياة الدنيا.
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ
(29)
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32)
شرح الكلمات:
وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن: أي واذكر إذ أملنا إليك نفراً من الجن جن نصيبين أو نينوي.
فلما حضروه قالوا أنصتوا: أي حضروا سماع القرآن قالوا أي بعضهم لبعض أصغوا لاستماع القرآن.
فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين: أي فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم مخوفين لهم من العذاب.
مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها.
يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم: أي من العقائد في الشرائع والاسلام.
ويجركم من عذاب أليم: أي ويحفظكم هو عذاب يوم القيامة.
فليس بمعجز في الأرض: أي فليس بمعجز الله هرباً منه فيفوته.
أولئك في ضلال مبين: أي الذين لم يجيبوا داعي الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان.: أي في ضلال عن طريق الإسعاد والكمال ظاهر بين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في طلب هداية قوم النبي صلى الله عليه وسلم إنه بعد أن ذكرهم بعاد وما أصابها من دمار وهلاك نتيجة شركها وكفرها وإصرارها على ذلك فقال تعالى {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} إلى آخر الآيات ذكرهم هنا بما هو تقريع لهم وتوبيخ إذا أراهم أن الجن خير منهم لسرعة استجابتهم للدعوة والقيام بتبليغها فقال تعالى {وَإِذْ1 صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ2} أي اذكر لقومك من كفار مكة وغيرها إذ صرفنا إليك نفراً من الجن وهم عدد ما بين السبعة إلى التسعة من جن نصيبين وكانوا من أشراف الجن وسادتهم صرفناهم إليك أي أملناهم إليك وأنت تقرأ في صلاة الصبح ببطن نخلة بين مكة والطائف صرفناهم إليك يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا3 أي أصغوا واستمعوا ولا تشوشوا، قاله بعضهم لبعض، فلما قضي أي القرآن فرغ منه، ولوا إلى قومهم أي رجعوا إلى قومهم من الجن بنصيبين ونينوي منذرين إياهم أي مخوفينهم من عذاب الله إذا استمروا على الشرك والمعاصي فماذا قالوا لهم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم قالوا يا قومنا4 إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى5 وهو القرآن مصدقا لما بين يديه أي من الكتب الإلهية التي سبق نزولها كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل، ووصفوا القرآن بما يلي يهدي إلى الحق والصواب في كل شيء اختلف فيه الناس من العقائد والديانات والأحكام، ويهدي إلى صراط مستقيم أي طريق قاصد غير جور ألا وهو الإسلام دين الأنبياء عامة.
وقالوا مبلغين منذرين {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ} 6 وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَآمِنُوا بِهِ} أجيبوه إلى ما يدعو إليه من توحيد الله وطاعته وآمنوا بعموم رسالته بكل ما جاء به من الهدى ودين الحق ويكون جزاؤكم على ذلك أن {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي يغفر لكم الذنوب التي بينكم وبين الله تعالى بسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها، وأما الذنوب التي بينكم وبين بعضكم بعضاً فإنها لا تغفر إلا من قبل المظلوم نفسه باستسماحه أو رد الحق إليه، وقوله
1 الجملة معطوفة على قوله (واذكر أخا عاد) وإن طلبت المناسبة بين هذه الآيات وما تقدمها في السور فهي قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} .
2 النفر: العدد دون العشرين.
(أنصتوا) أمر بتوجيه الأسماع إلى الكلام اهتماماً به لئلا يفوت منه شيء وفي الحديث: " (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر جابرا في حجة الوداع فقال له: استنصت الناس" قبل أن يبدأ خطبته صلى الله عليه وسلم.
4 جملة: (قالوا يا قومنا) الخ مبنية لقوله تعالى: (منذرين) .
5 ظاهر الآية أنهم كانوا يهودا مؤمنين بموسى ولم يكونوا على دين عيسى عليه السلام.
6 قال ابن عباس رضي الله عنهما: استجاب لهم سبعون رجلا من قومهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فوافقوه بالبطحاء "مكة" فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم.
ويجركم من1 عذاب أليم ويحفظكم منقذاً لكم من عذاب أليم أي ذي ألمٍ موجع وهو عذاب النار، ثم قالوا:{وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ} أي لم يستجب لنداء محمد فيؤمن به ويوحد الله تعالى فليس بمعجز في الأرض أي لله بل الله غالب على أمره ومهما حاول الهرب فإن الله مدركه لا محالة {وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ} يتولون أمره ولا أنصار ينصرونه. قال تعالى {أُولَئِكَ} أي المذكورون في هذا السياق ممن لم يجيبوا داعي الله محمد صلى الله عليه وسلم {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في عمى وغواية بين أمرهم واضح لا يستره شيء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
إثبات عالم الجن وتقريره في هذا السياق ولذا كان إنكار الجن كإنكار الملائكة كفراً.
2-
وجوب التأدب عند تلاوة القرآن بالإصغاء التام.
3-
وجوب البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث بلغوا عني ولو آية.
4-
الإعراض عن دين الله يوجب الخذلان والحرمان.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
1 اختلف في: هل مؤمنو الجن يدخلون الجنة أو لا؟ فذهب أبو حنيفة والحسن البصري قبله إلى أن ثوابهم أن ينجوا من النار فقط ثم يكونون ترابا كسائر الحيوان، وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنهم يدخلون الجنة، وحجة المانعين من دخولهم الجنة هذه الآية {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ودليل من قال بدخولهم الجنة قوله تعالى في هذه السورة {لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} .
شرح الكلمات:
ولم يعي بخلقهن: أي لم يتعب ولم ينصب لخلق السموات والأرض.
بقادر على أن يحييى الموتى بلى: أي إنه قادر على إحياء الموتى وإخراجهم أحياء من قبورهم للحشر.
ويوم يعرض الذين كفروا على النار: أي ليعذبوا فيها.
أليس هذا بالحق: أي يقال لهم تقريعاً: أليس هذا أي العذاب بحق؟.
قالوا بلى وربنا: أي إنه لحق وربنا حلفوا بالله تأكيداً لخبرهم.
فاصبر: أي يا رسولنا محمد على أذى قومك.
أولوا العزم: أي أصحاب الحزم والصبر والعزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم وهم أصحاب الشرائع.
ولا تستعجل لهم: أي ولا تستعجل نزول العذاب لأجلهم.
كأنهم يوم يرون العذاب: أي في الآخرة.
لم يلبثوا إلا ساعة: أي لم يقيموا في الدنيا إلا ساعة من النهار وذلك لطول العذاب.
بلاغ: أي هذا القرآن بلاغ للناس أي تبليغهم لهم.
هل يهلك إلا القوم الفاسقون: أي ما يهلك إلا القوم التاركون لأمر الله المعرضون عنه الخارجون عن طاعته.
معنى الآيات:
ما زال السياق في مطلب هداية قريش الكافرة بالتوحيد المكذبة بالبعث والنبوة فقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا} أي أعموا {أَوَلَمْ1 يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إنشاءاً وإبداعا من غير مثال سابق {وَلَمْ يَعْيَ2} أي ينصب ويتعب {بِخَلْقِهِنَّ} أي السموات والأرض بقادر على أن يحييى الموتى لحشرهم إليه ومحاسبتهم ومجازاتهم بحسب أعمالهم في الدنيا الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها {بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى {وَيَوْمَ يُعْرَضُ3 الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} لما أثبت البعث وقرره ذكر بعض ما يكون فيه فقال ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي تعرضهم الزبانية على النار فيقولون لهم
1 الاستفهام إنكاري، وجوابه قوله تعالى:{بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
2 عيي كرضي وويعي كيرضى وهو: العجز في الحيلة والرأي وأما الإعياء بمعنى التعب ففعله: أعيا يعيى إعياء إذا تعب، وجائز أن يكون عيي بمعنى نصب وتعب.
3 أظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى علة الحكم وهي: الكفر تحذيراً منه.
تقريعاً وتوبيخاً {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ؟ 1} أي أليس هذا التعذيب بحق؟ فيقولون مقسمين على ثبوته بما أخبر تعالى عنهم في قوله: {قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} فلما اعترفوا قيل لهم {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي بسبب كفركم أي جحودكم لتوحيد الله ولقائه. ثم أمر تعالى رسوله أن يتدرع بالصبر وأن يتمثل صبر أولي2 العزم ليكون أقوى منهم صبراً كما هو أعلى منهم درجة فقال له فاصبر يا رسولنا على ما تلاقي من أذى قومك من تكذيب وأذى فأثبت لذلك كما ثبت أولوا العزم من قبلك، والظاهر أنهم المذكورون في قوله تعالى من سورة الأحزاب {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} ، ومن الجائز أن يكون عدد أولي العزم أكثر مما ذكر وقوله تعالى {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} لما أمره بالصبر نهاه عن استعجال العذاب لقومه فقال فاصبر ولا تستعجل العذاب لهم. {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} 3 تعليل لعدم استعجال العذاب لأنه قريب جداً حتى إنهم يوم ينزل بهم ويرونه كأنهم لم يلبثوا في الدنيا على طول الحياة فيها إلا ساعة من نهار وقوله تعالى {بَلاغٌ} أي هذا القرآن وما حواه من تعليم وبيان للهدى تبليغ للناس وقوله {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} 4 ينفي تعالى هلاك غير الفاسقين عن أوامره الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2-
الكفر هو الموجب للنار والكفر هو تكذيب بوجود الله تعالى وهو الإلحاد أو تكذيب بلقائه تعالى أو بآياته أو رسله، أو شرائعه بعضاً أو كلاً.
3-
وجوب الصبر على الطاعات فعلا، وعن المعاصي تركا، وعلى البلاء بعدم التضجر والسخط.
4-
إطلاق الفسق على الكفر باعتباره خروجا عن طاعة الله فيما يأمر به من العقائد والعبادات وينهى عنه من الشرك والمعاصي.
1 الاستفهام تقريري وتنديم على ما كانوا يزعمونه من الباطل، وإقسامهم بقولهم:(وربنا) من باب التحنن والتخضع تلمساً العفو وعدم المؤاخذة.
2 العزم: نية محققة على عمل أو قول دون تردد، والمحمود منه ما كان في امتثال أوامر الله ورسوله واجتناب نواهيهما، ودونه ما كان فيما يجلب خيراً ويدفع شراً.
(من نهار) وصف لساعة، وكونها من إشارة إلى قلتها وعدم طولها بخلاف ساعة الليل فإنها ترى طويلة. و (بلاغ) خبر، والمبتدأ محذوف تقديره: هذا بلاغ.
(فهل يهلك) الاستفهام للنفي ولذا صح الاستثناء منه، و (ال) في (القوم) للجنس ليشمل كل من فسق، والفسق: الخروج عن طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم بالإصرار على الشرك والكفر.