المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمناطق المرتبطة بالمدينة المنورة. وكان على كل فرد من أفراد - الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي

[محمد مظهر صديقي]

الفصل: والمناطق المرتبطة بالمدينة المنورة. وكان على كل فرد من أفراد

والمناطق المرتبطة بالمدينة المنورة. وكان على كل فرد من أفراد الدولة الإِسلامية أن يطيع جميع الأحكام التي يصدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فالمسلمون كانوا يعتبرون إطاعة رسول الله فريضة دينية تضم أيضًا الوفاء السياسي وكانت فريضة الطاعة هذه قلادة يتزينون بها دائمًا، بينما سلمت الفئات الأخرى من غير المسلمين واعترفت بسلطة الرسول السياسية عليهم. فأطاعوه وخضعوا لأحكامه، وليس هذا فقط بل قام صلى الله عليه وسلم فعين حاكمًا له في جميع أنحاء البلاد، وعلى جميع قبائل ومناطق شبه الجزيرة العربية، حتى يقوم بتنفيذ قانون الله وتسيير نظام الحكم الإسلامي في البلاد، وكان هؤلاء الحكام النبويون على طريقتين؛ حكام مركزيون وحكام محليون. وكان الرسول يعينهم ويغيرهم ويعزلهم، بصفته الحاكم الأعلى، وكان جميع العمال والحكام المركزيين في الأقاليم وفي القبائل ممثلين للحكومة الإسلامية وعمالاً لها، مع أن نظام الحكم النبوي لم يكن ليضم أصول التقسيمات الخاصة بالمسئوليات طبقًا للعصر الحاضر إلا أننا سنعرضه بنفس الشكل الحديث حتى يمكن فهمه.

‌تنظيم الحكومة:

أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم نظامًا عسكريًا، ونظامًا مدنيًا، ونظامًا ماليًا، وكانت مسئولية أو منصب القائد الأعلى في نظام الجيش من نصيبه عليه الصلاة والسلام، وكان القائد العام المستقل، ولم يكن في وجوده وجود لأي قائد آخر، إلا أنه طبقًا لبعض الظروف، وانطلاقًا من فكرة تربيته للأمة، فقد كان ينقل مسئوليات جيشه إلى نوابه، مثلما حدث في الغزوات حين كان صلى الله عليه وسلم قائدًا عامًا للجيش قرر أن يعين له بعض النواب للقيادة داخل النظام الذي سمي " خميس " إلى تقسيم الجيش إلى خمس مجموعات: المقدمة، الميمنة، الميسرة، القلب، والساقة، عين رسول الله قادة لجميع أقسام الجيش عدا " القلب "، ومن الواضح أنهم جميعًا كانوا يلتزمون بأوامره وإرشاداته،

ص: 89

ويخضعون لحكمه ودستوره، وفي السرايا كان يعين قائدًا للجيش الإسلامي نائبًا عنه، وقد وصل عدد هؤلاء طوال العهد النبوي إلى 74 قائدًا، وكان تعيينهم يتم طبقًا لما لهم من كفاءة ولياقة، وطبقًا للظروف والملابسات المحيطة بالمواقف ذاتها لا طبقًا لعوامل تتعلق بالقبيلة أو النسب أو الحسب أو ما إلى ذلك، بالإِضافة إلى ذلك فيما يتعلق بتعيين ضباط الجيش الآخرين، فقد عين رسول الله أصحاب الألوية، ضباط الطلائع، العيون، الدليل، أصحاب المغانم والأسرى، أصحاب السلاح والفرس، والضباط محافظي المجموعات. وتم تقسيم النظام المدني إلى نظام مركزي ونظام إقليمي، وداخل النظام المركزي احتل خلفاء الرسول المكانة الأهم، فكانوا يتولون الإشراف على أمور الأمة في غيابه، وبعدهم يأتي المستشارون والكتبة وسفراء النبي، وخص بعض " الضباط " لتصفية القضايا، والوقوف على الأمور الخاصة. وكان للشعراء والخطباء مكانة هامة أيضًا، فقد كانوا يدافعون عن الدولة الإسلامية عن طريق الإِعلام والدعاية الصادقة، وكان أهم مسئول في الأقاليم الحكومية هو الوالي أو الحاكم الذي كان يعين ويرسل من المدينة المنورة، وكان في الأصل ممثلاً للسلطة المركزية لدى أهل القبائل وفي الأقاليم، وقد ورد ذكر تعيين 32 حاكمًا (واليًا) في 26 إقليم أو ولاية، وكان يساعد الحاكم أو الوالي مسئولون محليون وكانوا بصفة عامة من شيوخ القبائل، وعلاوة على ذلك كانت هناك بعض المسئوليات والمناصب التي يتولاها بعض المسئولين في الحكومة المركزية وفي الأقاليم أيضًا مثل الحاجب وغير ذلك، وكانت شئون الحكم تدار بالتعاون بين المسئولين المحليين والإِقليميين ومسئول الحكومة المركزية، وكان جميع هؤلاء يقومون بإدارة شئون البلاد تحت إشرافه صلى الله عليه وسلم وطبقًا لإرشادات الأحكام القرآنية.

وفي النظام النبوي كان نظام المالية يضم عدة مناصب ومسئوليات؛ ففى الحكومة المركزية كان هناك عمال الصدقات المركزيين، كما كان هناك في

ص: 90

الأقاليم وفي المحليات كليهما عمال محليون يقومون بتحصيل الزكاة والصدقات من المسلمين وجمع الجزية والخراج من غير المسلمين، ويجمعونها لدى الوالي أو الحاكم، وكان عمال الصدقات المركزيون يقومون بإرسال نصيب الحكومة المركزية -الذي كان يشتمل على الخمس- إلى المدينة المنورة. ومن الواضح أن عمال الصدقات المركزيين كانوا يقومون بإيصال صدقات المناطق المركزية إلى المدينة المنورة وما حولها من مناطق خاضعة لها ومن بين المسئولين كان هناك من يقوم على الإنتاج كأعمال الخرص / الخراص، وأصحاب الحمى [الأول على الزراعة والإنتاج والثاني على المراعي].

ونتساءل

أي علاقة لنظام الحكم المركزي المفصل هذا الذي مضى على نسق ثابت ومحدود من النظام القبلي للعصر الجاهلي؟ لقد كان رسول الله من حيث كونه مبلغًا عن الله هو الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية جميعها، ولهذا كانت مركزية حكومته ودولته أمرًا لازمًا وشيئًا منطقيًا ظهر ووضح في شكل تطور الإدارات السياسية. أما النتيجة التي وصل إليها المستشرقون، والتي تقول إن حكمه صلى الله عليه وسلم كان مبنيًا على أساس النظام القبلي فقد اشتملت على نتائج خاطئة، حقا لقد استفاد صلى الله عليه وسلم إفادة كاملة من بعض هيئات النظام القبلي القديم.

وقد أقرها ما دامت ذات فائدة، إلا أنه أسس دولته وحكومته على أصول المركزية، وأكبر دليل على مركزية النظام هو الوحدة السياسية التي شملت شبه الجزيرة العربية كلها، وهي الوحدة التي تحققت لأول مرة للعرب في ظل الإسلام ومحمد رسول الله، وكانت مركزية الحكم والدولة من ثمار كون الإسلام دينًا وسياسة معًا أي دين ودولة، دنيا وآخرة معًا .. وهكذا وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة سنوات أظلَّ الإسلام جزءًا كبيرًا من العالم، وشملت حدود الدولة الإسلامية منطقة شبه الجزيرة العربية ومناطق أخرى تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

ص: 91