الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرى عربية، وعدد من الأفاضل من مجموعة الشباب مثل معاذ بن جبل الخزرجي، وعمرو بن حزم الخزرجي، وزياد بن لبيد الخزرجي، وكان بعضهم حديثي العهد بالإِسلام تمامًا، وأبو سفيان الأموي وابنه الشهير معاوية توليا أهم المناصب في العهد النبوي. وفي خلافة الفاروق، وبعد وفاة أخيه الأكبر تم تعيينه على ولاية الشام، وظل هكذا لعدة سنوات، بل ظل على ولاية الشام طوال عهد خلافة الفاروق. ويمكن تقديم العديد من الأمثلة على تعيين الشباب
في عهد خلافة الصديق وخلافة الفاروق
.
والجزء الثاني من الاعتراض الأول، وهو أن عثمان قد عين أقاربه وأصدقاءه بدلاً من كبار الصحابة، وعين الوليد بن عقبة الأموي، وسعيد بن العاص الأموي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري على -بالترتيب- الكوفة والكوفة ومصر، بينما فاز عبد الله بن عامر بولاية البصرة، ومروان بن الحكم بوظيفة كاتب الخليفة، ولم تتم إعادة تعيين معاوية بن أبي سفيان على الشام فقط، بل أُعطي المزيد من المناطق أيضًا.
ومن الناحية التاريخية يمكن اعتبار هذا الاتهام صحيحًا بصورة جزئية، فالبعض قد عينهم عثمان، والبعض كان تعيينهم قد تقرر في خلافة الفاروق، وما جاء بالنسبة لمعاوية فقد فاز بالولاية في خلافة الفاروق ولمدة ثمان سنوات، وأقامه عثمان طوال مدة خلافته على ولايته هذه، نظرًا لما كان له من كفاءة وقدرة على الإِدارة، والجميع يعترف بهذه الحقيقة، أن ولايته من أحسن الولايات من حيث النظام والربط والضبط والإِدارة. فهل يعزل الوالي لما يؤديه من واجب جعل ولايته تمتاز عن غيرها بنظامها وانتظامها وحسن إدارتها؟! ثم إن الخليفة كان يثق كل الثقة فيه، ولم تصدر ضده أية شكوى، دينية كانت أو سياسية أو إدارية. وبعض المؤرخين يقدمون هذا المنطق، بل هم يتمنطقون قائلين بأن معاوية صار ملكًا للشام بسبب طول مدة حكمه عليها، وقد امتدت
جذوره داخل البلاد، وأصبحت قوية متينة بحيث أصبح من الصعب زعزعته، ولهذا السبب حدث ما حدث من خلاف مع الخليفة الرابع، رغم أن الخلاف مع الخليفة الرابع كان من نوعية أخرى سوف نبحثها فيما بعد.
وقد كان الوليد بن عقبة الأموي أكثر من تعرضوا للذم من عمال عثمان رضي الله عنه، فقد وجهت له الاتهامات من كل نوع، من بينها الاهتمام بالسحرة، والخمر، ونقض العهد. وإشاعة الفرقة بين طبقات المسلمين، وفي العهد النبوي عُهد إليه بجمع الصدقات من قبيلة بني المصطلق، لكنه -طبقًا لبعض الروايات- عاد دون أن يجمع الصدقات، وبسبب عناده الجاهلي، وصل إلى رسول الله وأخبره بأن القبيلة رفضت أداء الصدقات، وأنهم يعدون العدة للهجوم على المدينة، وكان رسول الله على وشك الهجوم عليهم، وإذا بوفد من بني المصطلق يصل ويطلع الرسول على أمر الوليد بن عقبة، فنزلت الآية رقم 6 من سورة الحجرات في حقه (1). والتي ورد فيها لفظ " فاسق " صفة لعامل الصدقات.
وهذه الرواية بأكملها تضمنت نقاطًا جديرة بالاعتراض والرفض. وقد قرر عدد من المفسرين بوضوح أن المراد بـ ((فاسِقٌ)) ليس الوليد؛ لأنه كان صحابيًا جليلاً، وتأكيد هذا الأمر هو أنه رضي الله عنه قد تولى عهدة عامل الصدقات في أوائل خلافة الصديق، ثم تم تعيينه أيضًا قائدًا للجيش الإسلامي، وفي عهد عمر عين عاملاً للصدقات أولاً، وبعدها حاكمًا للجزيرة، ومن هنا غيّره عثمان وجعله حاكمًا على الكوفة، ويتضح تمامًا من رواية ابن خلدون أن تعيينه في الأصل كان تغييرًا، فقد ظل منذ خلافة الفاروق في وظيفة حاكم، ويعترض بعض المؤلفين بأن الخليفة الثالث قد نقله من وظيفته
(1)((يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أنْ تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ)). الحجرات 6 (المترجم).
كحاكم على جزيرة صغيرة ليعينه على الكوفة، وهي ولاية كبيرة، وهذا الأمر خطأ من الناحية التاريخية، فمقاطعة الجزيرة لم تكن أبدًا قليلة الأهمية، فقد عين عليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
ومن التهم الأخرى الموجهة إليه تهمة شرب الخمر، وهي تهمة كبيرة تستلزم الحد إذا ما ثبتت عليه، وهناك تناقض كامل في جميع الروايات الخاصة بهذه التهمة، رواية تقول لقد كان هذا في صلاة الفجر، أو صلاة أخرى، وصلى أربع ركعات وهو سكران وتضرر المأمومون وغير ذلك من الاتهامات.
هذا
…
وقد ذكر الطبري رواية برَّأته مما نسب إليه من تهم، وربما كانت أقرب إلى التصديق، وقرينة للقياس، وطبقًا لهذه الرواية فقد كانت هناك مؤامرة تحاك للطعن في الوليد بن عقبة، مما نتج عنها اتهامه بالسكر. وكان القائمون على هذه المؤامرة ثلاثة، هم: أبو مورع الأسدي، وجندب بن زهير الأزدي، وأبو مصعب بن جثامة، ومعهم مالك الأشتر النخعي.
والثلاثة الأوائل من مثيري الفتنة، وقد أرادوا الانتقام من الوليد لقتله أبناءهم، وقد حكم على قاتلهم بالموت، أما مالك النخعي فقد كان من مثيري الفتن والعصيان ضد عثمان. ومن الجدير بالذكر أن تهمة الشراب والسكر يمكن إثباتها عن طريق شهادة كاذبة، وكانت التهمة أساسًا نتيجة لمؤامرة حاكها أكابر الكوفة الغاضبون، وطبقًا لرواية الطبري كان للوليد مكانة طيبة ومحبة في قلوب العامة، بينما كان الأكابر غاضبين منه، ولم يكن هذا الغضب بناء على أي سبب ديني أو أي سبب معقول، بل كان بناء على أغراض ذاتية. والحقيقة أن أي حاكم من حكام الكوفة لم ينج أبدًا من الاتهامات؛ لأن أهلها وبخاصة أكابرها اعتادوا إثارة الفتن.
وبعد عزل الوليد بن عقبة الأموي عن حكم الكوفة قام الخليفة الثالث في سنة 29 هـ بتعيين أحد أقاربه وهو سعيد بن العاص الأموي واليًا على
الكوفة، إلا أن أحدًا لم يعترض على هذا التعيين، بل إن أشراف الكوفة الذين تسببوا في عزل الوليد عادوا معه إلى الكوفة، ولم يتهم أحد الخليفة الثالث بأنه عين أحد أقاربه؛ لأنه كان صحابيًا جليلاً، وكان عضوًا من أعضاء مجلس كتابة وتدوين المصحف العثماني، وكان ذا شخصية عالية، وظل واليًا على الكوفة لخمس سنوات، واعترف الجميع بما له من قدرة على الإدارة، وبما له من كفاءة وصلاحية. وفي نهاية خلافة عثمان حين طالب أهل الكوفة بتغيير الحاكم، قام عثمان بناءً على طلبهم بتعيين أبي موسى الأشعرى حاكمًا للكوفة.
أما طلب عزل أبي موسى الأشعرى عن ولاية البصرة، فقد قدمه أكابر المدينة. كما طالبوا أيضًا بتعيين حاكم شاب قادر على الإدراة، وهكذا قام عثمان بالاستجابة إلى طلبهم. وعين عبد الله بن عامر بن كُريز حاكمًا للبصرة. وكان بقاؤه في وظيفته هذه راجعًا إلى ما له من قدرة إدارية أو ما أدَّاه من خدمات جليلة. بل كان ذلك لأنه يُرضي مثيري الفتن بالبصرة، وهذا هو السبب الذى جعله يبقى في وظيفته هذه حتى آخر خلافة عثمان، ولم يشك أحد منه، وقد جاء مدح أعماله الطيبة على لسان علي رضي الله عنه.
وبعد عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر تم تعيين عبد الله بن سعد ابن أبي سرح العامري، ولم يكن أمويًا، بل كان أخًا لعثمان رضي الله عنه في الرضاعة. وصحيح أن عبد الله ارتد عن الإسلام بعد أن أسلم، إلا أن الحقيقة تشهد أنه تاب وأصلح وعاد إلى الإسلام، وجميع الروايات تشهد بأنه كان مسلمًا صالحًا وصادقًا. وأولئك الذين أساءوا إليه بسبب ارتداده ينسون أن الإِسلام يَجُبُّ ما قبله، كما ينسون أن سخريتهم به ليست من العدل في شىء، ففي زمان ولاية سعد رضي الله عنه على مصر، زاد خراجها زيادة كبيرة، وهذه الزيادة قد رآها البعض نتيجة للظلم والقهر، على حين تثبت الأبحاث أن ذلك كان نتيجة لحسن إدارته. لقد أقام صلة مباشرة بين الحكومة والزراع
وأصحاب المنتوجات، وقام بفصل الوسطاء (1)، الذين كانوا يقومون بتحصيل المبالغ كاملة لكنهم لا يؤدونها للحكومة كاملة، بل يحجزون لأنفسهم بعضها، وإذا كان الأمر كذلك، فمن حق الباحث أن يعترف بما كان له من حسن الإدارة والنظام.
والحقيقة أن الناس غفلوا عن منجزاته هذه، واتهموه بناء على عداوتهم لبني أمية، ولم يفهموا لم يرتكبون من مخالفات في حق التاريخ الإسلامي. لقد قامت جماعة من المؤرخين بنقد مروان بن الحكم الأموي أيضًا، ومن المؤسف أنهم استخدموا لذلك أسلوبًا غير لائق، ووجهوا له اتهامات يصعب على العقل أن يقبلها، ومن تلك الاتهامات أنه قد سمح لأبيه بالتدخل في شئون الحكومة، وأنه قد اختاره كاتبًا [سكرتيرًا] للخليفة، وهذا المنصب من المناصب المهمة، وأنه سلك سلوكًا غير مقبول مع بعض الصحابة الكرام، وغير ذلك.
لقد قبل المؤرخون كثيرًا من الروايات التي سيقت ضد مروان، وسكت بعضهم عن كثير من الروايات التي تتحدث عن الجوانب المضيئة في شخصيته وسيرته. لقد كان عالمًا بالتفسير، ولقد قرر الحافظ الذهبي أنه كان قارئًا وفقيهًا ومتمسكًا بالحدود الإلهية. والمحدثون يرون أنه محدث ثقة، وقد روى عنه الإمام البخاري في كتابه، وقد قرر الحافظ ابن حجر في الإِصابة ومقدمة فتح الباري أنه كان ثقة في الحديث. وهي تدل على علو مقامه.
إن ما جاء ذكره بالنسبة لاتهام عثمان رضي الله عنه بتفضيله ومحاباته للأمويين هو اتهام يتنافي مع حقائق التاريخ.
والدليل الذي يقدمه المتَّهِمُون هو أن عظماءهم لم يعينوا أقاربهم في مناصب الحكومة، والصحيح أن القرابة لم تكن أساسًا للتعيين، كما لم تكن شرطًا
(1) وهم من أُطلق عليهم في فترات متأخرة " أصحاب الالتزام ". المترجم.