المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ووساطة كبار الصحابة لم يكن أمامهم من سبيل سوى العودة، - الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي

[محمد مظهر صديقي]

الفصل: ووساطة كبار الصحابة لم يكن أمامهم من سبيل سوى العودة،

ووساطة كبار الصحابة لم يكن أمامهم من سبيل سوى العودة، إلا أنهم لم يكونوا ليعودوا دون أن يحققوا مرامهم وهدفهم الخبيث، وفي الطريق قاموا بالعودة بحجة بعض الخطابات المزورة، ويُعلم من الطبري والمصادر الأخرى أن عليًّا ناقش هؤلاء المتمردين، وحاول أن يثنيهم عن عزمهم، إلا أنهم في هذه المرة جاءوا مصممين على تنفيذ مخططهم. فحاصروا المدينة، ولم يكن أهل المدينة وكبار الصحابة على علم بهذه المؤامرة الخطرة، كما لم يكونوا على استعداد لمواجهة هذه المحاصرة، لهذا كانوا جميعًا بلا حول ولا قوة، ولم ينج أحد من أيدي المتمردين إلا ونال الإيذاء، وهكذا جلس الكثير من الناس في بيوتهم لا يبارحونها، ولا شك أن عددًا من الصحابة الكرام وأولادهم قاموا بحماية الخليفة الثالث حماية كاملة ودافعوا عنه.

قام المتمردون أولاً بالإساءة إلى عثمان في المسجد، وأخذوا يلقون عليه بالطوب، لدرجة أنه سقط مغشيًا عليه وهو يخطب في الناس وبعد ذلك قاموا بمحاصرة منزله، فمنعوا عنه الطعام والماء. وقام عدد من الصحابة وأمهات المؤمنين بالمخاطرة بالروح حتى أوصلوا إليه الطعام، وفي النهاية قرر العصاة المتمردون اغتيال الخليفة لأنه رفض طلبهم بالتنازل عن الخلافة، فقاموا بالهجوم على بيته لكنهم لم يتمكنوا من الدخول من البوابة الرئيسية، حيث وجد عدد من الفدائيين يدافعون عن الخليفة، ولهذا تسلقوا الحائط المؤدي من منزله إلى طريق المسجد، وكان من بين هؤلاء محمد بن أبي بكر ومالك بن الأشتر النخعي وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر التيمي وغيرهم، وهجموا على الخليفة، بينما كان يتلو القرآن الكريم. وتفجر الدم الطاهر على أوراق المصحف، ونجحت مؤامرة المتآمرين، وانفرط عقد الأمة الإسلامية.

‌الفتنة الكبرى:

يطلق المؤرخون المسلمون على الفترة من بداية المؤامرة ضد الخليفة الثالث

ص: 135

عثمان رضي الله عنه اسم " الفتنة الكبرى " وهذا اسم على مُسمى، إذ انفرط عقد الخلافة الإسلامية وتفتتت وحدة الأمة، وتخاصم المسلمون وتناحروا وانقسمت الأمة الإسلامية حينذاك إلى ثلاث مجموعات متحاربة، وإلى جماعة غير منحازة. مجموعة كانت في صف علي تؤيده وتسانده وقامت لانتخابه خليفة رابعًا بعد استشهاد عثمان في المدينة المنورة. ومجموعة أخرى كانت مع عائشة الصديقة رضي الله عنها، وكان من حماتها الزبير وطلحة ومن في صفهم ممن وقفوا يطالبون بالقصاص لمقتل عثمان، وقادوا حركتهم أولاً في مكة وبعد ذلك في البصرة. والمجموعة الثالثة وهي المجموعة القوية، وضمت حماة معاوية ابن أبي سفيان والي الشام والأوفياء له، وقد قاموا يطالبون بالقصاص من مقتل عثمان، وأنكرت هذه المجموعة الاعتراف بخلافة علي. والمجموعة الرابعة ضمت من احتاط من الصحابة الكرام وكبار المسلمين ممن لم يرغبوا في أن يلوثوا أنفسهم بالحرب الداخلية بين المسلمين، ولهذا ظلت هذه المجموعة واقفة وحدها منفصلة عن الجميع.

حدث هذا في حين وصلت الأمور إلى درجة من الغموض والتعقيد يصعب معها التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الحق والباطل، إذ كانت كل جماعة تعتبر نفسها على حق والآخرين على باطل، كان علي يرى أنه الأحق بالخلافة، ولهذا كان من الضروري أن يبايعه جميع المسلمين، ومن ناحية أخرى كان الحق مع مطالبة عائشة ومعاوية بالقصاص من قاتل عثمان. وعلى الخليفة الرابع أن يقتص منهم، فإن لم يفعل فهو متهم بحمايته لهم، هذا بينما كانت دعوى علىّ رضي الله عنه أنه لا حول له ولا قوة، وكان هذا إلى حد كبير صحيحًا في بداية خلافته، نتيجة لما كانت عليه الظروف من تعقيد في هذا العصر الذي سمي بحق عصر الفتنة الكبرى.

وربما حملت وجهة نظر المؤرخين القدامى بعض التعصب وربما كان في

ص: 136