الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثال ذلك أنه لم يقم بإجراء حد شرب الخمر على الوليد بن عقبة، كما أنه لم يحاسب مروان بن الحكم، ولم يوقفه عن تهديداته، وطبقًا للروايات التاريخية فإن الخليفة حين سمع الشهادات كاملة عن شرب الخمر في حق الأول لم يتباطأ في إقامة الحد عليه. ويتضح من الروايات أنه قام بالحجر على مروان في حينه. أما ما يتعلق بموضوع عدم إقامة الحد على ابن عمر لقتله الهرمزان وجفنية فقد قام هو نفسه طبقًا للإجازة الشرعية، وطبقًا لإجماع الصحابة الكرام بدفع دية القتلى من جيبه الخاص كخليفة، ولهذا فليس هناك قضية تتعلق باتهامه بتأخير تنفيذ الحكم.
الاتهامات الأخرى:
إن قائمة الاتهامات الموجهة ضد عثمان رضي الله عنه قائمة طويلة، إلا أن عددًا من المؤرخين قاموا بتفنيدها والرد عليها، واعتبروها اتهامات باطلة أساسًا، وهذه الاتهامات من النوع القائل بالصلاة أربع ركعات أثناء الحج في مكة، وأمور كثيرة يمكن أن يطلق عليها أنها اختلافات فقهية، وكان عثمان رجلاً صاحب بصيرة، وعارفًا بالشريعة، ولا يمكن أن يقال هنا غير ذلك.
كما يتضح من استعراض الأحداث التاريخية أن هذه الاتهامات كانت نتيجة لمجرد تعصب أعمى وعداء دون حق، وجهل بالتاريخ.
أهم ملامح السياسة العثمانية:
هناك نقطتان تتعلقان بملامح السياسة العثمانية بالنسبة للعمال الأولى: أن الخليفة أعلن في جميع البلاد أنه ستتم محاسبة العمال علنًا كل سنة وفي موسم الحج، ومن لديه شكوى فعليه أن يقدمها للخليفة مباشرة، وتم تنفيذ هذا الأمر. الثانية هي أنه حين وصلت الشكاوى ضد العمال بكثرة إلى المدينة المنورة قام عثمان بناء على مشورة كبار الصحابة بتشكيل لجنة للتحقيق نيابة عنه فيما نسب إلى عمال الأمصار وبموجب رواية للطبري، تم إرسال محمد بن مسلمة
الأنصاري وأسامة بن زيد الكلبي وعبد الله بن عمر العدوي، وعمار بن ياسر إلى الكوفة والبصرة والشام، ومصر بالترتيب، وذلك للتحقيق في الشكاوى، وأشار جميع هؤلاء الصحابة (ما عدا عمار بن ياسر) بعد أن أجروا التحقيقات المطلوبة " إلى أنهم لم يروا هناك أي أمر غير مرض ". وقد خالف عمار في ذلك. ولم يكتف عثمان بهذا، بل طلب عمال الولايات واستجوبهم واطمأن إلى إجاباتهم، وأصدر حكمه بإعادتهم، ولكن في أثناء ذلك تمت المؤامرة الخبيثة التي هدفت إلى الطعن في عثمان وعماله، وأعلن العصيان ضد الخلافة الإسلامية، واستشهد عثمان رضي الله عنه، وتفتتت الوحدة الإِسلامية.
وتشير المصادر إلى أن أول شخص وضع البذرة الأولى في المؤامرة ضد عثمان هو عبد الله بن سبأ، الذي ارتدى رداء الإسلام بعد ترك يهوديته، حتى يكمل أهدافه الكريهة ولقد أصاب بسهمه عصفورين، إذ عرض تصورًا مبالغًا فيه لحب أهل البيت، وجعل الخلافة حقًّا موروثًا لعلي رضي الله عنه، ومن ناحية أخرى جعل خلافة عثمان غير شرعية. وطبقًا لما ورد بالطبري فقد بدأ نشر مؤامرته من محاور ثلاثة.
المحور الأول أنه أثار الناس ضد عثمان تحت غطاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والمحور الثاني محاولة التشنيع والإِساءة إلى العمال العثمانيين. والثالث نشر الإشاعات عن محاباة الخليفة الثالث لأقاربه.
ويفهم من رواية أخرى للطبري أن المتآمرين قاموا بنشر الكراهية ضد الحكومة بطريقة مخططة محكمة، وكانوا يعرفون تمامًا أن العامة والخاصة لن يتحملوا أبدًا أي اتهام ضد شخصية عثمان وذاته، وأنهم لو اعتمدوا على ذلك فسوف تفشل حركتهم من أولها، ولهذا بدأوا معارضتهم للحكومة بإثارة الفتنة ضد عمال عثمان على أساس توجيهها إلى الخليفة فيما بعد إذا قبلها الناس،
واختار هؤلاء لتنفيذ مخططهم معسكرات الكوفة والبصرة، حيث التربة خصبة تمامًا للمؤامرات، فهي من حيث كونها مدنًا جديدة ليس لها سكان أصليون، وليس لها مثل أو تقاليد، وكان لعبد الله بن سبأ في مراكز الغدر هذه العديد من المؤيدين وقد قام هو بنفسه كما أرسل دعاته ونقباءه فقاموا بالدعاية التي كان من نتيجتها إثارة الفتنة، تلك الفتنة التي خُدع بها الكثيرون من البسطاء، وانطلقت الشرارة الأولى للمؤامرة في الكوفة، أما نيران الفتنة في البصرة فقد أوقدها عبد الله بن سبأ بنفسه، إذ تآمر مع أحد قطاع الطرق المشهورين هناك، ويدعى حكيم بن جبلة، وقاد حركة النقد واللوم والتجريح. إلا أنه أخرج من هناك بسرعة فوصل إلى الكوفة حيث انضم إلى أهل الفتنة التي اشتدت هناك، ثم أخرج من هناك فذهب إلى الشام، لكنه لم يتمكن من التحرك هناك فوصل في النهاية إلى مصر، حيث وجد بها معارضين لعثمان، هما محمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر، ونظرًا لعداوتهم الشخصية، قادا حركة العداء ضد عثمان وحكومته. وتُلقي روايات الطبري وابن الأثير الضوء على نشاطاتهم.
وبوصول عبد الله بن سبأ إلى مصر وجدت حركته لها قائدًا. وبدأ عدد المتآمرين ومثيري الفتنة يزداد تدريجيًا، وبعد ذلك، وطبقًا لخطته تم الهجوم على المدينة المنورة مركز الخلافة، حيث وضعت خطة قتل الخليفة الثالث، وطبقًا لهذه الخطة وصل المتآمرون في وقت واحد من ثلاث جهات مختلفة، الكوفة، والبصرة، والفسطاط. ولقد اختاروا وقتًا كانت فيه المدينة خالية من معظم الصحابة الكرام ومن الجيش، فقد كان ذلك في شهر الحج، ووصول المجموعات الثلاث في وقت واحد إلى المدينة إنما يدل على التآمر الدنىء. وكانت ذريعتهم في ذلك هي الحصول على موافقة الخليفة على مطالبهم، وهكذا وحين وافق الخليفة الثالث على مطالبهم بناء على مشورة