المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزوات النبي صلى الله عليه وسلم - الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي

[محمد مظهر صديقي]

الفصل: ‌غزوات النبي صلى الله عليه وسلم

وحللها تحليلاً صحيحًا. وبعدها عرض لأسلوب الرسول، وقدم تحليله مطابقًا للروح الإسلامية ومطابقًا للنظر التاريخي الصحيح وخرج (شبلي) بعد تحليله الصحيح لأحداث غزوة بدر، نتيجة لدعم آرائه بالدلائل القاطعة والبراهين الحتمية، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين خرج مع المسلمين من المدينة المنورة، كانت في ذهنه وأمامه خطة واحدة وهي الالتحام مع جيش مكة، بينما كان لقاء قافلة قريش التجارية أمرًا ممكنًا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم تكن لديه نية أبدًا في نهب القافلة أو الإغارة عليها؛ إذ إن الظروف التاريخية الثابتة تدل على أن المحرك والدافع الأساسي لغزوة بدر كان الجهاد الإِسلامي.

أما أولئك الذين حاولوا أن يجعلوا هدفها اقتصاديًا، فهم يؤيدون دون فهم أو تفكير نظرية المؤرخين المغرضين والمستشرقين أعداء الإسلام في هذا الشأن وهم يحاولون أن يثبتوا أنّ جميع الغزوات الإِسلامية والسرايا الإِسلامية كانت تهدف إلى الغزو والسلب، وأن هدفها كان اقتصاديا بحتًا.

‌غزوات النبي صلى الله عليه وسلم

-

بعد غزوة بدر، لم يتجرأ أي من المؤرخين المغرضين على البحث عما أسموه بالدوافع الاقتصادية لأى غزوة أو سرية من الغزوات التي وقعت مع قريش مكة؛ لأن جميع الغزوات والسرايا التي وقعت بعد ذلك كانت منبثقة عن مجرد تصادم أو تلاحم سياسي، مع أن بعض المؤرخين قد أثبتوا أنها غزوات سياسية فقط. إلا أننا نقرُّ بأنها بأي صورة من الصور كانت مظهرًا من مظاهر الجهاد الإِسلامي. ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضع نصب عينيه أموال الغنائم هدفًا، فقد كان فتح مكة وغزوة حنين والطائف من أطيب الفرص التي واتته، فأثناء فتح مكة كانت جميع ثروات أغنياء قريش أمامه يستطيع أن يستولي عليها، ولو أراد المسلمون لانتقموا مما حاق بهم من ظلم على يد قريش مكة، ولنهبوا ثرواتهم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة كلهم.

ص: 63

وفي غزوة حنين استولى الرسول صلى الله عليه وسلم على الأموال التي أخذت من الأعداء فقط في ميدان القتال، ولم يهجم على قرى الأعداء وأهلها ولم يسلبهم مالهم، وكان من الممكن أن يحصل على الكثير من الأموال إذا ما قبل الأموال التي يفتدي بها أسرى حنين أنفسهم، إلا أنه أطلق سراحهم أيضًا بلا فدية؛ لأنهم كانوا من القبيلة التي أرضع فيها، وما جاء ضمن نظرية التصادم المسلح مع قريش ومن قبلها الإغارة على القوافل، إنما هو أمر عجيب وغريب، إذ ينال المسلمون أقل الغنائم مقابل مواجهة أعداء كثيرين. وإذا حللنا جيدًا بإيمان وبحق في ضوء النظر التاريخي الصحيح جميع الغزوات النبوية فسوف نعرف أن أول هدف من أهداف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إعلاء كلمة الله، والجهاد في سبيل الله، وأنّ نظريات الدوافع الاقتصادية ليست فقط نظرية خاطئة، بل إن ترويجها إنما هو في أساسه راجع إلى سوء نية وخبث القائلين بها.!!

العلاقات مع اليهود: الروابط الفكرية

عرض معظم المستشرقين والكثير من المؤرخين الجدد علاقات الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود الحجاز بطريقة خاطئة تمامًا، وحاولوا بكل الطرق مسخ التاريخ الإسلامي. وكانت نقطة بداية هذه العلاقات بعد الهجرة النبوية حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة إلى قبول الإسلام. وهو طبقًا لتلك الروايات - ما كان ينتظره من مدة طويلة، وما عدا بعض الأشخاص الصالحين من أصحاب النوايا الطيبة، فإن جميع يهود المدينة رفضوا دعوته، نظرًا لما كانوا عليه من غرور وكبر وعصبية دينية، وشعورهم بالتفوق الاقتصادي والاجتماعي. وقد قسم المستشرقون العلاقات النبوية مع يهود المدينة إلى قسمين:

في القسم الأول ذكروا تلك المساعى -التي هي في رأيهم- كانت تهدف من جانب النبي إلى أن يُلبس الإِسلام ثوب اليهودية، وأطلقوا على هذه الفترة

ص: 64

" عصر المصالحة ".

والفترة الثانية هي التي أطلقوا عليها " عصر المعارضة " أو المواجهة، حين يئس النبي من دخولهم في الإسلام، فلم يعمد فقط إلى نقد نظامهم الاجتماعي والاقتصادي والديني، بل اتخذ ضدهم إجراءات عسكرية، حتى تمكن من قمعهم وطردهم، واضطر المستشرقون في عرضهم لهذين القسمين من حياة الرسول أن يحللوا الأمور بتفصيل جعلهم يثيرون الكثير من العقول ويصيبونها بالاضطراب.

لقد تغنى المستشرقون منذ فترة طويلة وبعيدة بأن رسول الله كان يأمل أن تدخل قبائل اليهود في الإسلام بعد الهجرة، وحتى يقربهم إلى الإِسلام ويلين قلوبهم بدأ في صياغة الإسلام صياغة تتطابق مع الدين اليهودي والشريعة اليهودية، وهكذا تبعهم في الاحتفال بصوم يوم عاشوراء، ثم كان يوم الجمعة، وجَعَل بيت المقدس قبلة المسلمين، وأجاز ذبيحتهم وحلل الزواج من نسائهم، ولكن حين رفض اليهود جميع محاولاته هذه الرامية للصلح، نظرًا لعجرفتهم وغرورهم، وبدأوا في نقده ونقد دينه نقدًا عقليًا ونقليًا، حينئذ ترك الرسول أسلوب المصالحة معهم، وبدأ يُعارضهم وينقدهم نقدًا عقليًا

مقرونًا بمواجهتهم بحزم وبشدة وبصورة عملية.

وفيما يتعلق بالنقد العقلي فقد أوضح ما لدى اليهود من إفراط وتفريط في الدين، وتحريفهم وتبديلهم للتوراة، والتحايل على الأحكام الإِلهية، وانغماسهم في المساوىء الاجتماعية، وتجاوزهم للحدود الإِلهية في المعاملات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من أمور واردة في القرآن الكريم.

وفي بداية فترة المواجهة بدلاً من صوم يوم عاشوراء فرض صوم رمضان، وبدلاً من الاتجاه إلى بيت المقدس أصبحت الكعبة هي قبلة المسلمين.

ولم يصدر عن المؤرخين أي شىء آخر في الأمور الأخرى الخاصة

ص: 65

بالمصالحة، فلم يكتبوا برفضها كما لم يكتبوا بتصديقها.

ويعرف حتى طلاب السنوات الأول من دارسي التاريخ الإسلامي أن تحويل قبلة المسلمين في الصلوات الخمس عن بيت المقدس، قد تم قبل عدة سنوات من الهجرة في وقت لم تكن هناك لقضية إرضاء اليهود أو مهادنتهم مكان، ولم تكن فكرة الهجرة إلى المدينة حتى قد وردت على الخيال. ثم إن صوم عاشوراء كان نفلاً وكان بالنسبة للمسلمين سنة نبوية، وذلك بعد إقرار فرضية صوم رمضان، ولا يزال حتى اليوم سنة يقيمها المسلمون، ثم أي مصلحة تلك التي اقتضت فرض صيام " ثلاثين " يومًا [شهرًا] بدلاً من صيام يوم واحد؟! لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطر لمخالفة الدين اليهودي، وطريقة اليهود وأسلوبهم لحرّم ذبيحتهم ولحرم الزواج من نسائهم وحرم صوم عاشوراء

وهي الأمور التي لا تزال مباحة حتى يومنا هذا. وقد أقر صلاة الجمعة كما هي وكما كانت عليه دون تغيير.

إن محاولة المستشرقين وأعداء الإِسلام من المؤرخين إعطاء بيانات خاطئة لمسخ التاريخ هو في الأصل دليل واضح وبيان فاضح على عداوتهم الشديدة وتعصبهم الديني ضد الإِسلام ورسول الإِسلام، ونظرتهم الخاطئة هذه إنما يرجع سببها إلى اعتبار الإِسلام والمسيحية واليهودية أديانًا منفصلة عن بعضها البعض، ويتعارض بعضها مع البعض، بينما القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وجميع الروايات الإِسلامية توضح أنه ليس فقط الأديان الثلاثة بل جميع الأديان التي جاء بها جملة الأنبياء الكرام كانت تتفق مع الإسلام، وقام علماؤها ورهبانها بتحريف التعليمات الإِلهية الأصلية، فحرفوا الأديان ومسخوها وانحرفوا بها عن جادة الطريق، ومن الواضح أن الإِسلام يعترف بالدين اليهودي والمسيحى قبل تحريفهما؛ لأنهما ينبعان من منبع واحد، وهناك بالضرورة اشتراك في الأصول والعقائد، وهناك ولا شك أيضًا اختلاف ممكن

ص: 66