المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من الناحية الاقتصادية ونجحوا في ذلك تمامًا.   ‌ ‌المهمات الأولى: طبقًا للنظرية الاقتصادية - الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي

[محمد مظهر صديقي]

الفصل: من الناحية الاقتصادية ونجحوا في ذلك تمامًا.   ‌ ‌المهمات الأولى: طبقًا للنظرية الاقتصادية

من الناحية الاقتصادية ونجحوا في ذلك تمامًا.

‌المهمات الأولى:

طبقًا للنظرية الاقتصادية التي ذكرها المستشرقون والتي أشرنا إليها قبلاً، وفحواها أن حياة المهاجرين الاقتصادية، حين لم تصل إلى كيفية تمكنهم من الحياة بطريقة ما، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلك أسلوب الإغارة والنهب العربي القديم، ولهذا جعل نصب عينيه أن يغير أولاً على القوافل التجارية لقريش، التي كانت تمر بالقرب من المدينة المنورة على طريق التجارة الدولي، متجهة إلى الشام شمالاً وإلى مكة جنوبًا، وهكذا وبعد الهجرة بستة أشهر أرسل أول سرية، وجعل على رأسها عمه حمزة بن عبد المطلب الهاشمي، وأمرها بالاتجاه إلى طريق التجارة الرئيسي، إلا أنه لم ينجح في الإغارة على قوافل قريش، وهكذا أرسل الرسول تباعًا، ولمدة سنتين سبع مهمات سرايا، وقاد بنفسه أربعة منها إلا أنه لم ينل منها غنيمة لكن المهمة الثامنة وقد كانت عند مكان يدعى نخلة، وكانت بقيادة عبد الله بن جحش وقبل غزوة بدر، كانت هناك قافلة ضخمة لقريش متوجهة إلى الشام. وقد أراد الرسول أولاً أن يوقفها بالقرب من هذا الطريق. وانتظر عودتها لكنها فاتته. فاضطر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مواجهة الجيش الذي قدم لإنقاذ قوافل قريش القادمة، وهو ما نتج عنه غزوة بدر.

ولو استخدمنا التحليل والنقد التاريخي، فإنه فيما يتعلق بالمهام الأولى الثمانية قبل غزوة بدر يفهم من المصادر أنه لا توجد أية شهادة عينية أو رواية واضحة فيما يتعلق بأهداف جميع هذه الغزوات والسرايا يمكن أن يفهم - أو يثبت منها بالدليل أن دوافعها ومحركاتها كانت اقتصادية. ولابد أن يقول بعض كتاب السيرة وبعض المؤرخين المسلمين إن بعض هذه السرايا كانت موجهة ضد قوافل قريش إلا أن تحليل هؤلاء ليس له علاقة بالحقيقة، فلم يرو عن رسول

ص: 58

الله صلى الله عليه وسلم وعن أي مجاهد من المجاهدين وعامة الصحابة الذين اشتركوا في هذه المهام أن هدف هذه المهام كان قافلة من القوافل، ولأن رواتنا وكتاب الأخبار من أهلنا قد وضعوا أمام أعينهم وهم يكتبون خلفية مقاومة قريش في مكة للرسول ومعارضتها للإِسلام لهذا ظنوا -وظلوا يظنون- أن كل إجراءات رسول الله هذه كانت بالضرورة موجهة ضد قريش، بينما لم يكن الأمر كذلك. ويفهم من دراسة وفحص هذه الروايات أن هدف معظم هذه المهمات، وخاصة تلك التي أرسلت إلى مناطق القبائل العربية كان هدفًا سياسيًا تبليغيًا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يعقد معاهدة صداقة وتعاون مشترك مع القبائل العربية المجاورة، وتم ذلك على عهده صلى الله عليه سلم، وكما تذكر الروايات فقد عقدت معاهدات تعاون مشترك مع قبائل بني حمزة وأسلم وغفار وغيرها. كل هذا حدث نتيجة لإِرسال تلك المهمات الأول التي هدفت إلى تبليغ الإِسلام أو إقامة علاقة سياسية بالمفهوم الحديث.

وكانت بعض هذه المهمات تهدف إلى جمع المعلومات والوقوف على الظروف الجغرافية الإِقليمية مثلما يفهم من واقعة " نخلة "، أما مهمة عسفان فقد كانت إجراءً حربيًا خالصًا ضد مهاجمين من مكة قاموا بالهجوم على مراعي المدينة، وأصابوها في المال والأنفس، واضطر المسلمون إلى القيام بهذه المهمة.

ويجب أن نذكر أن المنازل المختلفة حيث وقعت هذه المهمات الأولى كان بينها وبين طريق التجارة مسافة بعيدة، كما كان قيام المسلمين الموكل إليهم هذه المهام يقع في مناطق محددة، ولمدة معينة، ولم يكن هناك تصادم مع القوافل إلا ما يدعو لذلك، بل لم يكن هناك صدام في معظم الأحيان، وما عدا سرية نخلة فإن جميع المهمات بدون جدل أو جدال -وكما يقول المستشرقون- عادت بدون أن تحقق هدفها، فقد كان عدد الجنود المسلمين قليلاً، كما أن بعض الحقائق والقرائن توضح أن دوافع هذه المهمات لم يكن

ص: 59

اقتصاديًا، بل كان غير ذلك، حتى سرية نخلة فقد كانت - طبقًا لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعرفة الظروف، والتعرف على أحوال المنطقة، لا للإغارة والسلب، ونظرًا للظروف التي تغيرت فجأة إذ تم الهجوم على فصيلة من جند المسلمين مما اضطرهم إلى الاستيلاء على القافلة المكية، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهر عدم رضاه عما حدث، ولم يلمس بيده مال الغنيمة هذا حتى غزوة بدر.

أما المستشرقون فإنهم بما يحملون من خبث اتهموا الرسول الأكرم والمسلمين، وخاصة مجاهدي سرية نخلة، بأنهم قاتلوا في الشهر الحرام، وبهذا لم يحترموا قدسيته، إلا أن القرآن الكريم والمصادر الإسلامية قد برأتهم من هذه التهمة التي يرددها المستشرقون.

وإذا كان أنصار المدينة قد فتحوا صدورهم لإخوتهم المهاجرين واستضافوهم في بيوتهم، وأشركوهم معهم في أملاكهم وممتلكاتهم وفي تجارتهم وزراعتهم عن طريق المؤاخاة. فمن أين تظهر قضية الغارة والإغارة؟ ومن الثابت من رواياتنا وهي تلك الروايات التي اعترف بها الأعداء أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى حتى بين المهاجرين والأنصار في أعقاب الهجرة مباشرة ونتيجة لهذه المؤاخاة فإن المسلم لم يصبح أخًا للمسلم فقط بل يحق له أن يرثه في أملاكه في حالة وفاته، وبعدها -حين أثبت القرآن الكريم حق الوراثة برابطة الدم- لأن حالة المهاجرين المادية تحسنت، ظلت هذه المؤاخاة قائمة أيضًا إلا أنه لا وراثة فيها، ومارغوليوث وهو من المستشرقين المعادين للإسلام لم يعترف فقط بالتضحيات العظيمة التي بذلها الأنصار، بل اعترف أيضًا بحقيقة الحالة الاقتصادية الطيبة للمهاجرين وكسب عيشهم عن طريق العمل بالتجارة والزراعة والصناعة وغيرها.

ويثبت من كل هذه الحقائق أن المهمات الأولى كانت تهدف في المقام الأول

ص: 60

والأخير إلى هدف تبليغي دعوي وسياسي، ولم يكن للعامل الاقتصادي أي دور وراءها. أما ما يثيره المستشرقون والمؤرخون الجدد من أن الدافع إليها كان دافعًا اقتصاديًا فهو خطأ جسيم من أوله إلى آخره.

غزوة بدر

هناك وجهتا نظر فيما يتعلق بغزوة بدر، الأولى تتعلق بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية، والثانية تتعلق بأصحاب السيرة والسوانح. وتحليل جميع روايات المصادر المتعلقة بأصحاب وجهة النظر الثانية يدل على أن المهمة التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مسلمي المدينة على القافلة المكية المتجهة إلى الشام والتي كانت تحمل بعض أموال قريش، بقيادة أبي سفيان بن حرب الأموي. خرج إليها من المدينة المنورة (314) فدائي من بينهم (83) من المهاجرين و (231) من الأنصار، وحين وصلوا إلى بدر عرفوا أن قافلة أبي سفيان التجارية قد نجت، وبعد أن سمعت قريش بخبر خروج المسلمين، أعدت جيشًا ضم حوالي ألف جندي تقريبًا، ووصل بالقرب من بدر، واضطر المسلمون إلى الدخول في الحرب التي انتهت بنصرهم في النهاية.

ولكننا نعرف من الآيات الأولى لسورة الأنفال (آية 5 - 20) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من المدينة المنورة كان قد علم بقيام جيش قرشيي مكة قبلاً، وطبقًا للآيات القرآنية حين خرج رسول الله من المدينة مع المسلمين، كانت هناك إمكانية لأن يلتقى ويصطدم مع القافلة العائدة من الشام ومع الجيش القرشي القادم من مكة، وكانت جماعة من المسلمين تتوق إلى القتال وكانت جماعة أخرى تتمنى أن تلتحم وتصطدم مع القافلة التجارية القادمة من الشام، وتتحاشى الاصطدام بجيش قريش، لأن في هذا خطرًا على أرواحها، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المسلك بقوله:((كأنَّما يُسَاقُون إلى المَوْت)) (1) إلاّ أن الله تعالى أراد أن يفصل بين الحق والباطل في هذه

(1)((يُجَادِلُونَك في الحق بعد ما تبين كأنما يُساقُون إلى الموت وهم ينظرون)) الأنفال آية 6. المترجم.

ص: 61

الموقعة، ولهذا نجت القافلة التجارية، والتحم المسلمون بجيش قريش، وصدق الوعد الإلهي، وقد جاء التأييد الإلهي كما أوضحت كتب الأحاديث المتعددة، البخاري ومسلم ومسند أحمد بن حنبل وغيرها، وأيدته أيضًا بعض الروايات التاريخية.

والمستشرقون والمؤرخون الجدد الذين أسكرتهم نظرية الدوافع الاقتصادية، قد غضوا النظر تمامًا عما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية في هذا الصدد، كما صرفوا النظر عن الروايات التاريخية التي تتعارض مع نظرياتهم، والتي تؤيد النظرية القرآنية. ووجهة نظر المستشرقين والمؤرخين المخالفين للإسلام واضحة تمامًا، إذ يقولون بأن الدافع الأساسي للغزوات والسرايا الإسلامية كان الغزو والإِغارة والحصول على الغنائم، ولهذا فمن المفهوم أنهم سوف ينصرفون تمامًا عن جميع الروايات والشواهد التي تتعارض مع نظريتهم.

وفي الحقيقة فإن المشكلة هنا في أولئك المؤرخين المسلمين الذين يعارضون -من جانب- نظرية الغزو والإِغارة، ومن ناحية أخرى يرون أن خطة إغارة المسلمين على قافلة قريش العائدة من الشام إنما كانت مقدمة لغزوة بدر، فالاستدلالان يعارض كل منهما الآخر، لهذا خرج بعض هؤلاء المستشرقين -بنظرية غريبة- وهي أن جميع المهمات الأولى التي خرجت قبل غزوة بدر كانت مخططة للخروج من أجل التصدي للقوافل التجارية المكية، وأرادوا أن يثبتوا الدافع الفعلي فقالوا إن الهدف لم يكن الإِغارة، بل أراد الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق هذا الأسلوب أن يؤثر على الاقتصاد المكي حتى يضطر أشراف قريش وأكابرها الذين ركبهم الغرور إلى عقد معاهدة أو مصالحة سياسية مع المسلمين.

لقد قام العلامة (شبلي النعماني) بكتابة بحث عظيم عن غزوة بدر، عرض فيه لما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية وجميع الروايات التاريخية،

ص: 62