الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التآمر على الخلافة الإسلامية
لقد تعرض عثمان رضي الله عنه لقدر من الطعن واللعن والذم واللوم بطريقة لم تتعرض لها أية شخصية في التاريخ الإسلامي، وكان الأمر بالنسبة للأعداء والمعارضين بسبب خططهم النجسة، ومؤامراتهم الرامية إلى الطعن في شخصيته الكريمة، وإذا كان لنا من أسف فإنه على قلة فهمهم، فقد سقطوا في شبكة ما يروجه أعداء الإسلام عن شخصية عثمان.
ومن بين المؤرخين المسلمين طبقة مخلصة مؤمنة، إلا أنها بسبب قصورها في التحليل الصحيح للتاريخ قبلت الكثير من الاتهامات الخاطئة الموجهة ضد عثمان واعتبروها وقائع تاريخية صحيحة، فاتهموه بها، وقاموا بمسخ هذا الباب من التاريخ الإسلامي بسبب تلك المزاعم التي ارتسمت ورسخت في عقولهم وأفكارهم وقلوبهم.
وهناك عدد كبير من أولئك الناس الذين قاموا بتحليل خلافة عثمان تحليلاً غير تاريخي وغير علمي، وذلك بسبب عصبية عرقية أو اعوجاج فكري أو قصور ذهني، والحقيقة أن سلسلة الاتهامات الموجهة ضد عثمان إنما نبعت من تلك المؤامرة التي أحيكت حول الصحابة الأمويين عامة والخلفاء الأمويين بصفة خاصة. وسوف نحاول تحليل هذه المؤامرة بشىء من التفصيل لأنها تهم المهتمين بشئون التاريخ الإسلامي.
عزل وتعيين العمال في عهد عثمان:
يقسم هؤلاء المعترضون مساوىء عهد خلافة عثمان (12 سنة) رضي الله عنه بصفة عامة إلى قسمين:
القسم الأول مضى فيه الخليفة الثالث يدير شئون الخلافة على النهج الصحيح، وكان هذا العهد من الخلافة يمضي على نهج النبوة.
القسم الثاني انحرف فيه عن السنة النبوية وسنة الشيخين، وأتى بتصرفات خالف فيها حتى أكابر الصحابة، وفي النهاية وبسبب كل هذا حدث العصيان والتمرد ضده، وهو ما انتهى بمأساة استشهاده. ومع أن بعض المؤرخين لم يثيروا قضية تقسيم زمان خلافته إلى تلك الفترتين إلا أنهم قاموا بترديد خُرافة الأعمال الصحيحة والأعمال الخاطئة، وقد وجهت العديد من التهم إلى عثمان رضي الله عنه، وفيما يلي عرض وتحليل لهذه الاتهامات في ضوء الروايات الإسلامية الصحيحة حتى نضع أمام القارىء الصورة التاريخية الصحيحة واضحة جلية.
أكبر اتهام وجه إلى عثمان رضي الله عنه أنه في البداية ظل على عهوده مع الصحابة الكرام، إلا أنه تدريجيًا بدأ في عزل أكابر الصحابة، ومن بينهم عمرو ابن العاص حاكم مصر، وسعد بن أبي وقاص حاكم الكوفة، وأبو موسى الأشعرى حاكم البصرة، والمغيرة بن شعبة حاكم البصرة، وعبد الله بن الأرقم القائم على بيت المال بالمدينة، وعبد الله بن مسعود القائم على بيت المال بالكوفة، مما نتج عنه -كما يقول المؤرخون- هيجان شديد بين كبار الصحابة والعامة أيضًا.
والاتهام الثاني يتعلق بهذا الاتهام، وهو أن الخليفة الثالث قام بتعيين شباب قريش في مناصب كبار الصحابة، وبخاصة الشباب من أقاربه ممن لم يؤدوا أي عمل يستحقون به تلك المناصب، ولم يكن لهم أي دور إسلامي، ولقد أدت محاباته لأقاربه إلى مزيد من الهيجان. ويرى بعض المؤرخين أن هذا هو السبب في ظهور التمرد والعصيان وحدوث النهاية التي أدت إلى استشهاد الخليفة.
إن سياسة عزل وتعيين العمال (الحكام) كانت اتخذت كسلاح ضد عثمان، ولكن هذه السياسة ذاتها كانت قائمة منذ العهد النبوي وفي عهد الشيخين، فقد كان الخليفة في كل وقت يقوم بمثل هذه التغييرات في أعضاء الحكومة طبقًا للمصالح والسياسة ولما يراه صوابًا. وقد قام عمر رضي الله عنه فعزل عددًا من حكامه وقادته ومنهم خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة وهم من أكابر الصحابة ويفهم من واقعة سعد بن أبي وقاص أن تغييره لم يكن نتيجة لأي خطأ ارتكبه، بل كان بناء على المصلحة السياسية، إذ كانت سياسة الخليفة الثاني في الكوفة والبصرة قائمة على استبدال الحكام إذا ما لزم الأمر، وإذا ما طالب المسلمون.
ويفهم من الروايات أن عمر درءًا للفتن التي حدثت في المدن قام بالترتيب وبناء على شكاوى أهل البصرة والكوفة فعزل سعد بن أبي وقاص، وعمار ابن ياسر، وأبا موسى الأشعري، وعمر بن سراقة، والمغيرة بن شعبة الثقفي. ومن الجدير بالذكر أن شكاوى الناس ضد هؤلاء الحكام شكاوى مسبَّبة فسعد ابن أبي وقاص الزهري لا يؤدى الصلاة بطريقة جيدة، وعمار ضعيف ولم تكن له قدرة على الإِدارة، وأبو موسى أيضًا مثله، أما المغيرة بن شعبة فقد اتهم مرة بارتكاب الزنا، ومرة أخرى بقبول الرشوة.
وطبقًا لإحدى الروايات فقد أوصى عمر خليفته أن يعيد تعيين سعد بن أبي وقاص حاكمًا على الكوفة مرة أخرى، وهكذا قام الخليفة الثالث في بداية خلافته بالعمل بالوصية وعينه واليًا على الكوفة، وكان هذا أول مثال لتعيين صحابي جليل القدر في خلافة عثمان، غير أن مشادة حدثت بين سعد بن أبي وقاص والقائم على بيت المال عبد الله بن مسعود، إذ أخذ الأول قرضًا من بيت المال ولم يعده، وقد ضخّم أهل الكوفة الأمر، ولهذا رأى عثمان أن الواجب يقتضي استدعاءه، وبعدها استدعى أيضًا عبد الله بن مسعود. والذي كان يحز في
نفس عبد الله بن مسعود هو أمر الخليفة بالاستيلاء على مصحفه، وكان عزيزًا عليه، والاستيلاء على المصحف المسعودي لم يكن أبدًا نتيجة ظلم أو قهر ولكن كان من سياسة عثمان رضي الله عنه أن يقوم بجمع المصاحف الخاصة بالقراءات، والعمل على توحيد القراءات من مصحف واحد في جميع أنحاء الدولة الإِسلامية. أما عزل المغيرة فكان بناء على وصية الفاروق. إذ إن الصحابي المذكور قد اتهم خطأ بقبول الرشوة. أما عزل أبي موسى والي البصرة فتم طبقًا لسياسة الدولة، إذ تم بناء على شكاية أهل البصرة ضده، وعزل عبد الله بن الأرقم المخزومي كان بسبب تقدمه الكبير في السن، وعزل عمرو ابن العاص حاكم مصر إنما كان بسبب ما حدث بالنسبة لخراج الإِقليم، وحتى لو لم توجد هذه الأسباب فإن للخليفة الحق في عزل قادته أو خلفائه مثل الحكام، فتعيينهم مشروط بقبول الخليفة وثقته بهم.
وفيما يتعلق بالاتهام القائل بعزل كبار الصحابة، وعدم تعيين كبار الصحابة بدلاً منهم، فهناك ردود عدة على هذا الاتهام، إلا أن هذا الاتهام غير تاريخي بالمرة، فبعد عزل المغيرة بن شعبة عين الخليفة مكانه أبا موسى الأشعري، كما قرر تعيين زيد بن ثابت الأنصاري مكان القائم على بيت المال عبد الله بن الأرقم المخزومي، وعلاوة على ذلك فإن كبار الصحابة كانوا قد كبروا في السن بالمقارنة بأعمارهم في خلافة الفاروق، أو قبلها في خلافة الصديق وفي العهد النبوي. والحقيقة هي أنه كان يتم ترجيح الصف الثاني دائمًا، والصف الثالث من الصحابة أو الشباب في ولاية الأقاليم والأعمال، ففي العهد النبوي كان عتاب بن أسيد الأموي في مكة، وعثمان بن أبي العاص الثقفي في الطائف، والحارث بن نوفل الهاشمي في جدة، ويزيد بن أبي سفيان في تيماء، وخالد بن سعيد الأموي في صنعاء، وعمرو بن سعيد الأموي في وادي القرى، وأبان بن سعيد الأموي في البحرين، وحكم بن سعيد الأموي في