المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انتخاب الخليفة الثالث: - الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي

[محمد مظهر صديقي]

الفصل: ‌انتخاب الخليفة الثالث:

البشرية، وبالتدرج وبدون أي جبر أو إكراه دخلوا في دين الله أفواجًا، تعلموا العربية، وقبلوا الثقافة الإِسلامية لدرجة أنه لم يكن هناك فرق بين البلاد المفتوحة في عهد الصحابة ومركز الإِسلام، حيث انتشر نور الإِسلام في جميع البلاد التي تمثل اليوم العالم الإِسلامي كله.

‌انتخاب الخليفة الثالث:

يوجه بعض محبي النقد، نقدًا إلى مجلس انتخاب الخليفة الثالث، وهو المجلس الذي شكله عمر رضي الله عنه، ويثيرون حوله الشبهات من الناحية التاريخية، إلا أن الواقعة المسلم بها في التاريخ الإِسلامي هي أن الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه قد أقام قبيل وفاته ديوانًا للمرشحين للخلافة يتكون من ستة صحابة أجلاء هم عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وأسند إلى عبد الرحمن بن عوف مسئولية أن يتولى رئاسة عملية انتخاب الخليفة الجديد. ومن تحليل الروايات يفهم أن الثلاثة الآخرين قاموا بسحب أسمائهم من الترشيح لصالح الثلاثة الأوائل بناء على رأي عبد الرحمن بن عوف، ثم سحب عبد الرحمن نفسه وأسند إلى نفسه فقط مسئولية المساعدة في انتخاب الخليفة، وكانت الأغلبية العظمى من الأمراء والرؤساء والصحابة الكرام بالمدينة في صف عثمان، ولهذا أصدر عبد الرحمن قراره في صالحه، وهكذا تم اختيار عثمان خليفة رسول الله الثالث.

ويقرر سيد أمير علي، وهو يمثل طبقة من مؤرخي المسلمين، أن قرار عمر تشكيل ديوان مرشحي الحكومة كان قرارًا خاطئًا، وقائمًا على مجرد عصبية دينية، ويقول -وهو حزين- إن عليًّا كان يمكن أن يكون خليفة بسهولة من بعده، إلا أنه لم يفعل ذلك، فأعطى فرصة لتآمر الأمويين على الاستيلاء على الحكم والسلطة، لأنهم كانوا أصحاب أثر وسلطة، ليس فقط

ص: 118

في المدينة، بل كانت بينهم عداوة سابقة مع بني هاشم أيضًا، ولهذا فقد حُرِم عليّ من حقه المشروع، وفتح لقرن من الزمان الباب للظلم والقهر الأموي.

وهو يرى أن خلافة عثمان كانت دمارًا ووباءً على الإِسلام. وهذا التحليل الذى يعرضه المؤرخ المذكور إنما يخفي وراءه تعصبًا فكريًا وعقديًا، وإلا فالتاريخ الإسلامي يرشدنا إلى أن عهد خلافة عثمان رضي الله عنه كان عهد رقي وازدهار.

ثم يأتي من ناحية أخرى خورشيد أحمد فاروق فلا يترك شخصية من الشخصيات دون لوم أو تجريح، وذلك في معرض حديثه عن انتخاب الخليفة الثالث، فهو يتهم الصحابة الستة بأنهم متآمرون، وأنهم يحبون الدنيا ويحبون الرئاسة، وكان من وراء تآمرهم على الحكومة والرئاسة الحصول على فوائد مادية، فقد اتهم عبد الرحمن وسعدًا بالتحيز، واتهم عليًّا بالتآمر ضد الخليفة، كما اتهم أيضًا عليًّا بالتهرب من إعلان بيعته لعثمان وأنه أجبر فيما بعد على أن يبايعه (1)، كما اتهم عمار بن ياسر باتهامات كثيرة، منها مخالفته ومعارضته للخلافة العثمانية وأنه " أمات الإِسلام " وغير ذلك من تعبيرات مشينة. وقد قام فاروق بتوجيه اتهاماته بمهارة فائقة فقدمها كلها في رداء نقله عن الروايات، ومعظم رواياته روايات شيعية، وكذلك عن ابن أبي حديد، أو أنه قام بنفسه بتفسير معنى روايات لم ينقلها وعبر عنها هو كما يحلو له، واختار المؤرخ المذكور الأسلوب المتعصب المنحاز، فقام بنقل مثل هذه الروايات التي تتعلق بمشاجرات الصحابة الكرام، إلا أنه تعمد ألا يذكر جميع تلك الروايات التي تشهد على سمو عملهم ومسلكهم، وتشهد على إخلاصهم وإيمانهم، ويكفي أن نورد مثالاً واحدًا، وهو اتهامه لعلي بأنه لم يبايع عثمان رضي الله عنه، وبعد مدة، وبعد ضغط من الصحابة اضطر علىّ إلى مبايعة عثمان، بينما

(1) انظر ترجمتنا لكتاب الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام الصادر عن دار الصحوة بالقاهرة. المترجم.

ص: 119

الصحيح وما ورد في الروايات المسندة أن عليًّا كان أول من بايع عثمان رضي الله عنه بعد اختياره خليفة، والحقيقة أن خورشيد أحمد فاروق ومن على شاكلته من المؤرخين يريدون أن يجعلوا التاريخ الإسلامي كله تاريخ صراع طبقي، حتى يمكن أن يثبتوا أن أثر الإسلام وأثر الصحبة النبوية لم يكن أبدًا له وجود، أو أنه لم يثبت مطلقًا أن هناك أثرًا.

ص: 120