الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و " فيليب حتّى " الذي سبق ذكره قدم ثلاثة أمثلة فقط يؤيد بها نظرية العامل الاقتصادي، بينما يمكن تقديم آلاف الأمثلة ضده من التاريخ الإسلامي.
والخطاب الذي نقله عن أبي بكر الصديق فيه في البداية حَضٌّ للمسلمين على الجهاد الإسلامي، ثم قرر أن أموال الغنيمة هي جائزة وإنعام، وهو ما تغافل عنه المؤرخ، وهكذا قدم بطريقة ساخرة ما جاء عن رستم القائد الإيرانى، ولم يقدم رد وجواب المبعوث المسلم الذي يتضح منه أن الجهاد هو الهدف المطلوب لا الغنيمة، فقد كان هدف الفتوحات في المقام الأول هو الجهاد الإِسلامي، وهو ما بدأ المستشرقون يعترفون به أيضًا، وعلى رأسهم جبرائيل، وكما قال فإن الدوافع والأهداف الأخرى كانت دوافع وأهدافًا ثانوية، فإذا كان عامل الإِسلام والدين هو منتهى هدف هذه الفتوحات، فإن هذه السرعة التي شهدها الفتح الإسلامي، وهذا التماسك وهذه الصلابة لا يمكن أبدًا أن تكون نتيجة لأسباب أخرى غير نشر الإِسلام لأسباب تتعلق بالفوائد الاقتصادية وما إلى ذلك، ولا أحد ينكر أهمية العوامل الأخرى بالإضافة إلى الإِسلام والجهاد، ولكن طبقًا لقول أحد المستشرقين، إن الجهاد في سبيل الله للحصول على الجنة في الآخرة هو الأساس، وليس الحصول على الأجر الدنيوي كان أصل الدوافع والأهداف التي نتجت عنها الفتوحات الإِسلامية.
نوعية الفتوحات الإِسلامية:
لقد كان الهدف الأساسي للفتوحات الإِسلامية هو إعلاء كلمة الله، وبصورة أساسية فإن الدولة الإِسلامية كانت تهدف إلى تبليغ رسالة الله إلى غير المسلمين عن طريق الدعوة والإِرشاد، كما حدث في العهد النبوي في شبه الجزيرة العربية، ولو أن هناك فرقًا بين العصر المكي والعصر المدني في زمان النبى صلى الله عليه وسلم، فهو أنه في العصر المكي تم نشر الإسلام بأسلوب التبليغ، ولكن في العهد المدني حين سُدَّت الطرق وأغلقت أمامه، تم تحقيق
نفس الهدف في ظل الفتح والنصر، ولو سمحت الظروف لما اضطرت الدولة الإِسلامية لإشهار السيف في وجه أحد، ولكن حين قام الكفر بسل سيوفه ضد الإِسلام اضطر الإسلام أيضًا إلى رفع السيف، وهذه هي أصول الجهاد الإِسلامي التي لا تقبل تعديلاً أو نسخًا.
إن استخدام كل طريقة مشروعة في سبيل الحفاظ على الإسلام وإعلاء كلمة الله، واستخدام التبليغ والإِرشاد في حالات السلم، واستخدام القوة والشوكة والفتح والنصر على الجبهات لا يحتاج بالضرورة إلى تقديم أي اعتذار.
ولنقارن فتوحات فاتحي العالم مثل الإِسكندر وجنكيز وهني بال ونابليون وغيرهم بالفتوحات الإِسلامية. إن أهمية أهدافها ومقاصدها تقل بل تصغر أمام أهمية الفتوحات الإِسلامية، ولا شك أن فاتحي العالم هؤلاء قد سيطروا على العالم في معظمه، إلا أن سيطرتهم كانت مجرد سيطرة وتحكم في شعوب العالم المفتوحة، لا امتلاكًا للعالم، وهناك فرق بين السيطرة والامتلاك، لقد أصابوا قلوب الناس بسيوفهم، ثم لم يضمدوا جراحها، لكن الفاتحين المسلمين حرروا الإِنسانية من عبودية الإِنسان، ورفعوا عن كاهل الناس الثقل الاقتصادي، وأعطوا البشرية الحرية الدينية وأقاموا حكم القانون، وبعد الفتوحات أقاموا الأمن والنظام، وعملوا على بناء ورقي البلاد المفتوحة، كما أصلحوا جميع جوانب الحياة وطوروها، عملوا على رقي التجارة والزراعة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والتمدن، وقد شهدت جميع جوانب الحياة في البلاد المفتوحة ازدهارًا ورخاء وقام المسلمون بإضاءة قناديل العلم والمعرفة، أعطوا ما عندهم لأهل البلاد المفتوحة، كما أخذوا ما عند هؤلاء من علم وفضل.
لقد أرست الفتوحات الإِسلامية أسسًا جديدة للثقافة والحضارة من أهمها:
الحاكمية الإِلهية، المحبة النبوية، العظمة الإِنسانية، وهذا هو السبب الذي جعل أهالي البلاد المفتوحة يرحبون دائمًا بالفاتحين المسلمين، لأنهم رأوا فيهم منقذي