المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوضوء من لمس المرأة - الهداية في تخريج أحاديث البداية - جـ ١

[أحمد بن الصديق الغماري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌تمهيد في علم تخريج الحديث

- ‌ترجمة القاضي أبي الوليد، محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن أحمد بين رشد (الحفيد) (520 - 595 ه

- ‌اسمه ونسبه

- ‌والده

- ‌جدّه

- ‌أولاده:

- ‌سيرته:

- ‌ثقافته ومكانته العلمية:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌محنته ووفاته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌بداية المجتهد ونهاية المقتصد منهجه وأهميته

- ‌مصطلحات ابن رشد في كتابه:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌رحلته في طلب العلم:

- ‌شيوخه:

- ‌وفاة والدته:

- ‌انقطاعه للعلم والتأليف:

- ‌رحلته للشام:

- ‌عودته للمغرب:

- ‌رجوعه للقاهرة:

- ‌وفاة والده وعودته للمغرب:

- ‌جهاده:

- ‌عودته للقاهرة:

- ‌مَرضه ووفاته بالقاهرة:

- ‌رثاؤه:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌مؤلفاته

- ‌منهج كتاب "الهداية في تخريج أحاديث البداية

- ‌وصف النسخة الخطيّة للكتاب

- ‌أولًا- كتاب "بداية المجتهد

- ‌ثانيًا- كتاب "الهداية في تخريج أحاديث البداية

- ‌ثالثًا- أما عملنا في الكتاب فكان كالآتي:

- ‌الخطبة

- ‌1 - كتاب الطهارة من الحدث

- ‌الباب الأول: الدليل على وجوب الوضوء

- ‌الباب الثاني: معرفة أفعال الوضوء

- ‌النية في الوضوء

- ‌غسل اليدين

- ‌المضمضة والاستنشاق

- ‌غسل الوجه

- ‌غسل اليدين

- ‌مسح الرأس

- ‌التثليث في الوضوء

- ‌المسح على العمامة

- ‌مسح الأذنين

- ‌غسل الرجلين

- ‌ترتيب أفعال الوضوء

- ‌الموالاة في الوضوء

- ‌فصل: في المسح على الخفين

- ‌حكم المسح على الخفين

- ‌كيفية المسح على الخفين

- ‌المسح على الجوربين

- ‌صفة الخف

- ‌توقيت المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين

- ‌نواقض المسح على الخفين

- ‌الباب الثالث: في المياه

- ‌وجوب الطهارة بالمياه

- ‌الماء المتنجس

- ‌الماء المتغير بالمخالطة

- ‌الماء المستعمل

- ‌سؤر المشرك والحيوان

- ‌سؤر الرجل والمرأة المسلمين

- ‌الوضوء بنبيذ التمر

- ‌الباب الرابع: من نواقض الوضوء

- ‌الأصل فيه

- ‌الوضوء مما يخرج من الإنسان من النجاسات

- ‌الوضوء من النوم

- ‌الوضوء من لمس المرأة

- ‌الوضوء من مس الذكر

- ‌الوضوء من أكل ما مست النار

- ‌الوضوء من الضحك في الصلاة

- ‌الوضوء من زوال العقل

- ‌الباب الخامس: موجبات الوضوء

- ‌الوضوء للصلاة

- ‌الوضوء لمس المصحف

- ‌في وضوء الجنب

- ‌الوضوء للطواف

- ‌الوضوء للقراءة والذكر

الفصل: ‌الوضوء من لمس المرأة

‌الوضوء من لمس المرأة

قلت هي في الموطأ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، أن عُمَرَ بن الخطاب قال:"إذا نامَ أَحدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأ".

وفي الباب عن ابن عمر أنه كان ينام جالسًا ثم يصلّي ولا يتوضأ. رواه مالك أيضًا عن نافع عنه.

وعن أبي هريرة قال: "ليس على المحتبي النائم، ولا على القائم النائم، ولا

ص: 339

على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع فإِذا اضطجع توضأ". رواه البيهقي بسند جيد.

وعن علي، وابن مسعود، والشعبي قالوا في الرجل ينام وهو جالس: "لَيْسَ عَلَيْهِ

ص: 340

وُضُوء". رواه الطبراني في "الكبير" وفي سنده ضعف وانقطاع.

* * *

73 -

حديث: "كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يلمس عائشة، عند سجوده وربما لمسته".

قلت: هما حديثان.

• إما لمس النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، ففي الصحيحين من حديث أبي سلمة، عن عائشة قالت:"كُنْتُ أَنامُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيها مَصابِيحُ". وفي "سنن النسائي"، بسند صحيح من رواية القاسم عنها قالت:"إن كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي وَإنّي مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِراضَ الجَنَازَةِ، حتَّى إذا أرادَ أن يُوتِرَ مسَّنِي بِرِجْلِهِ".

• وأما لمسها إياه، فعند مسلم، والترمذي، والبيهقي، من حديث أبي

ص: 341

هريرة عنها قالت: "فَقَدْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الفِراشِ، فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَي أعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".

وقال الطبراني في "الصغير"، ثنا سعيد بن عبدويه الصفار، ثنا الربيع بن ثعلب، ثنا فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة قالت:"فَقَدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ لَيْلَةٍ مِنْ فِراشِهِ، فقلت: إنّهُ قامَ إلى جارِيَتِهِ ماريَّةَ، فَقُمْتُ ألْتَمِسُ الجِدَارَ، فَوَجَدْتُهُ قائِمًا يُصَلّي، فَأدْخَلْتُ يَدي فِي شَعْرِهِ لأنْظُرَ أَغتَسَلَ أَم لَا، فلما انْصَرَفَ قالَ: أَخَذَك شَيْطَانُكِ يا عائِشَةُ، قُلْتُ: وَلي شَيْطان؟ فقالَ: نَعَمْ، ولِجَميعِ بَنِي آدَمَ، قلْتُ: ولَكَ شَيْطانٌ؟ قالَ: نَعَمْ، وَلكنَّ اللهَ أَعانَنِي عَلَيْهِ فَأسْلَم". قال الطبراني: (لم يروه عن يحيى بن سعيد، إلّا فرج بن فضالة).

قلت: وليس كذلك بل رواه عنه جماعة، منهم: وهيب بن خالد، ويزيد بن هارون، وجعفر بن عون، لكنهم قالوا عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عائشة ومحمد بن إبراهيم لم يسمع من عائشة، وبهذا أعلّ الحديث مع ضعف فرج بن فضالة، والحكم لهم عليه.

ص: 342

74 -

حديث حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أنَّهُ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأ، فَقُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلَّا أنْتِ؟ فَضَحِكَتْ". قال أبو عمر: (هذا الحديث وهَّنَهُ الحجازيّون، وصحّحه الكوفيون) -قال ابن رشد- وإلى تصحيحه مال أبو عمر بن عبد البر.

قلت: وهو الواقع كان أعلّه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، وابن حزم، وجماعة، وزعموا أنه لا يصحّ في هذا الباب شيء.

• فقال أبو داود عقب الحديث: (قال يحيى بن سعيد القطان لرجل أرو عني: أن هذا الحديث شبه لا شيء -قال أبو داود- وروي عن الثوري أنه

ص: 343

قال: ما حدثنا حبيب إلّا عن عروة المزني، يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء.

• وقال الترمذي: (إنّما تركه أصحابنا لأنّه لم يصحّ عندهم، لحال الإِسناد -قال- وسمعت أبا بكر العطّار البصري، يذكر عن عليّ بن المدينيّ قال: ضعّف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث، وقال هو شبه لا شيء، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- يضعف هذا الحديث وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة. . . قال: وليس يصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء).

• وذكره النسائي معلّقًا، عن الأعمش، عن حبيب، ثم نقل كلام يحيى القطان، أنه لا شيء.

• وهكذا فعل الدارقطني، فأسند عن عبد الرحمن بن بشر قال:(سمعت يحيى بن سعيد يقول: وذكر له حديث الأعمش، عن حبيب، عن عروة، فقال: أما سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيبًا لم يسمع من عروة شيئًا) ثم أسند عن علي بن المديني، عن يحيى القطان، مثل ما سبق عن الترمذي.

ص: 344

• وتبعه في كل ذلك، البيهقي وزاد فأسند ما ليس عن أبي دود، عن الثوري، أنه قال:(ما حدّثنا حبيب إلّا عن عروة المزني -ثمّ قال البيهقي- فعاد الحديث إلى عروة المزني وهو مجهول).

• وبهذا أيضًا أعلّه ابن حزم، وهو جهالة عروة المزني.

وكل هذا لا شيء، والحديث صحيح مقطوع به إن شاء الله تعالى. وإنما يحملهم على التتابع في الطعن والتغليل بدون دليل، عدم إدراكهم المخرج من معارضة النصوص التي هي أقوى وأصح في نظرهم، أو في الواقع كظاهر القرآن، ولو أدركوا المخرج من ذلك، لَمَا احتاجوا إلى مخالفة الأصول، ومناقضة القواعد التي يثبت بمثلها الحديث، فإنها قاضية بصحّة هذا الحديث، لمن التزم الإنصاف.

وذلك أن الحديث رجاله ثقات متفق عليهم، رواه وكيع، عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، وهؤلاء كلهم رجال الصحيحين، فالحديث على شرطهما، ثم أنه رواه عن وكيع قُتَيْبَةُ، وجَنَّادُ، وأبو كُرَيْبِ، وأحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، ومَحْمُودُ بنُ غَيْلَانَ، وأبُو عَمَّارٍ كما عند الترمذي،

ص: 345

وعثمان بن أبي شيبة، كما عند أبي داود. وأبو هاشم الرفاعي، وحاجب بن سليمان، ويوسف بن موسى، كما عند الدارقطني. وإِبراهيم بن عبد الله العبسي، كما عند البيهقي، كلهم قالوا عن وكيع، عن الأعمش، عن حبيب، عن عروة، مطلقًا غير منسوب، وتابعهم على ذلك زايدة، كما ذكره أبو داود، وعبد الحميد الحمَّاني، وعلي بن هاشم، وأبو بكر بن عياش، كما خرجه الدارقطني، أربعتهم عن الأعمش به مثله.

وغير جائز ولا معقول أن يكون شيخ حبيب بن أبي ثابت هو عروة المزني المجهول، ثم يتفق جمهور الحفاظ الأئمة الثقات الأعلام، وهم من سمّينا من أصحاب وكيع ومن أصحاب الأعمش على إطلاقه الموهم الموقع في الخطأ وتصحيح الضعيف، فإنّ عروة عند الإطلاق، لا ينصرف إلّا إلى عروة بن الزبير الثقة المعروف المشهور، لا إلى غيره الذي لا يعرف، فلو كان هذا وحده الدليل على كونه عروة بن الزبير لكان قاطعًا أو كالقاطع على ذلك، فكيف وقد صرح جماعة من كبار الحفّاظ، بأنه عروة بن الزبير، وهم أحمد بن حنبل، كما في "مسنده"، وأَبو بَكْرِ بن أَبي

ص: 346

شَيْبَةَ، وعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ كما في "سنن ابن ماجه"، فإِنهم رَوَوْهُ عن وَكِيع، عن الأَعْمَش، عن حَبِيبِ بنِ أبِي ثَابِتٍ، عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَة.

فلم يبق مع هذا شكّ، على أنه عروة بن الزبير وأن الجماعة السابقة، ما أطلقوه فلم يقيدوه إلا اعتمادًا على كونه الذي تنصرف إليه الأذهان.

أضف إلى هذا، أن الحسن بن دينار، ومحمد بن جابر، وأبا أويس، رووه عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير، أخرج روايتهم الدارقطني، وتابعهم حاجب بن سليمان، فرواه عن وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه، أيضًا أخرجه الدارقطني ثم قال:(تفرد به حاجب، عن وكيع ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإِسناد، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم"، وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه) كذا قال مع أن حاجبًا ثقة، ودعواه ليس عليها دليل.

وقد رواه محمد بن عمرو بن عطاء، عن عروة بن الزبير، أيضًا أخرجه محمد بن الحسن في كتاب "الحجج" كما سيأتي.

ص: 347

ورواه أيضًا الزهري، عن عروة، عن عائشة، أخرجه الدارقطني، من طريق سليمان بن عمر بن يسار، عن أبيه، عن ابن أخي الزهري عنه، ثم قال:(خالفه منصور بن زاذان في إسناده). ثم أخرجه من طريق سعيد بن بشير، عن منصور، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة، وقال:(إن سعيد بن بشير ليس بالقوي) وادّعى مع ذلك أن الحديث ليس بمحفوظ أيضًا، مع رواية جماعة الثقات، إن هذا لتعسف ظاهر.

وقد رواه أبو حنيفة، عن هشام، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أخرجه طلحة بن محمد في "مسند أبي حنيفة".

والمقصود أن الحديث رواه عن عروة بن الزبير ابنه هشام، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والزهري وحبيب بن أبي ثابت، فلم يبق شك في أنه عروة بن الزبير.

أما من قال: عُرْوَة المزني، فروايته لا تعلل رواية الجمهور القائلين، عروة بن الزبير لوجوه:

• أحدها: إن قائل ذلك عن الأعمش، هو عبد الرحمن بن مغراء قال أبو داود:(حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، ثنا عبد الرحمن بن مغراء ثنا الأعمش، ثنا أصحاب لنا، عن عروة المزني، عن عائشة به)، وعبد الرحمن المذكور: (قال عليّ بن المديني: ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث، تركناه لم يكن بذاك، قال ابن عدي: وهو كما قال علي بن المديني، إنما أنكرت عليه

ص: 348

أحاديث، يرويها عن الأعمش لا يتابعه عليها الثقات، وله عن غير الأعمش، وهو من جملة الضعفاء، الذين يكتب حديثهم)، وقال الحاكم أبو أحمد:(حدّث بأحاديث لم يتابع عليها). وقال الساجي: (من أهل الصدق فيه ضعف).

• ثانيها: أنه مع هذا خالف جمهور الثقات الأثْبَات الذين قالوا: عروة بن الزبير، فلو كان في الذروة العليا من الاتقان والضبط، لحكم عليه بالوهم، لمخالفة الجمهور.

• ثالثها: أنه قال عن الأعمش: حدثنا أصحاب لنا، ولم يقل حبيب بن أبي ثابت، فخالف الجمهور في ذلك أيضًا وشذّ به عنهم، فعلى فرض أن قوله محفوظ، فهو سند آخر للأعمش في الحديث ذاك، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، وهذا عن أصحاب له جماعة، عن عروة المزني، فهما طريقان متغايران، فكيف تعلّل إحداهما بالأخرى؟.

فلم يبق إلا دعوى الانقطاع، وعدم سماع حبيب بن أبي ثابت، من عروة بن الزبير، وهي دعوى باطلة؛ فقد صحّح ابن عبد البر سماعه منه، وقال: (لا ينكر

ص: 349

لقاؤه عروة، لروايته عمّن هو أكبر منه وأجلّ وأقدم موتًا). وقال في موضع آخر:(لا شك أنه أدرك عروة). قلت: وذلك أنهم اتفقوا على روايته عن ابن عمر الذي توفي قبل عروة بنحو عشرين سنة، وعن ابن عباس الذي توفي قبل عروة بأزيد من ذلك أيضًا، فإن ابن عباس توفي قبل عروة بن الزبير، بنحو ست وعشرين سنة، فمن روى عنهما، وهما علماء الحجاز ينكر روايته عن عروة الحجاز أيضًا، وقد تأخرت وفاته بالمدّة المذكورة.

ووردت الرواية مؤكدة لذلك ولما نقل أبو داود في "السنن" كلام سفيان الثوري، بأنّ حبيبًا ما حدثهم إلا عن عروة المزني، تعقبه بقوله:(وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير عن عائشة، حديثًا صحيحًا). فهذا ردّ من أبي داود لهذا القول المنقول عن الثوري إما لعدم ثبوته عنه، أو لكونه إذا لم يحدثه هو عن عروة بن الزبير، فلا يلزم أن لا يحدث غيره عنه كما حدّث حمزة بن حبيب الزيات، بحديث خرّجه الترمذي في "الدعوات" وكما حدّث الأعمش بهذا الحديث، فبان من هذا أن الحديث لا علّة له وأنه صحيح، على شرط البخاري، ومسلم، هذا بالنظر إليه على انفراده، فكيف مع المتابعات، والطرق الأخرى البالغة نحو العشرة عن عائشة، كما سأذكره، ثم مع شواهده أيضًا من حديث أم سلمة، وحفصة كما سيأتي.

ص: 350

75 -

قوله: (وقد رُوِيَ هذا الحديثُ أيضًا من طريق معبد بن نباتة. وقال الشافعي: إنْ ثَبَتَ حديثُ مَعْبَد بن نباتة في القُبْلَةِ لم أَرَ فيها ولا في اللمس وضوءًا).

قلت: (قال الشافعي: روى معبد بن نباتة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنّه كان يُقَبِّلُ ولا يَتَوَضَّأُ"، وقال لا أعرف حال معبد، فإن كان ثقة فالحجّة فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم) نقله الحافظ في "التلخيص" ثم قال: (قلت: روي من عشرة أوجه عن عائشة، أوردها البيهقي في "الخلافيات" وضَعَّفها).

قلت: كذا قال الشافعي، محمد بن عمرو بن عطاء، عن عائشة، على ما وقع في نقل الحافظ ولم يخرّجه. وقد أخرج هذا الحديث محمد بن الحسن في كتاب "الحجج" فقال: (أخبرنا إبراهيم بن محمد المديني، أخبرنا معبد بن نباتة الجشمي، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قبّلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوضّئ، ثم صلّى ولم يحدث

ص: 351

وضوء")، ومعبد لم أجد من ذكره لا في الثقات، ولا في الضعفاء.

وقول الحافظ في طرق حديث عائشة: (أوردها البيهقي في "الخلافيات" وضعّفها) غريب، فإِنها لو كانت كلّها ضعيفة، لَارْتَقى الحديث بمجموعها إلى الصحَّة، فكيف وفيها الصحيح على انفراده، وقد قال محمد بن الحسن في "الحجج":(إن الحديث بذلك مشهور، عن عائشة رضي الله عنها). وهو كما قال وأزيد من الشهرة، بل ربّما بلغ إلى حدّ التواتر عنها. بل من وقف على طرق الحديث عنها، وتداولها بين أهل الصدر الأول، جزم بثبوته عنها وقطع بذلك، فمن الطرق الصحيحة عنها بذلك:

ص: 352

• 1 - طريق عروة بن الزبير السابقة، فإنه سند صحيح مروي عن عروة بن الزبير، من طرق رجالها رجال الصحيح.

• 2 - ومنها طريق أبي رَوْقٍ الهمدانِي -وهو الصواب- عن إِبْرَاهِيمَ التَيْمِيِّ، عن عَائِشَةَ، "أنِّ النِّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُقبِّلُ بَعْض نِسَائِهِ ثُم يُصَلّي وَلَا يَتَوَضأُ". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، وأبو نعيم في "الحلية" والبيهقي وغيرهم، ورجاله ثقات، إلا أنهم أعلّوه بالانقطاع؛ لأن إبراهيم التيمي،

ص: 353

قيل: إنه لم يسمع من عائشة، وهو مرفوع برواية إبراهيم التيمي له عن أبيه عن عائشة جوّده بذلك معاوية بن هشام وهو ثقة من رجال الصحيح، عن الثوري عن أبي روق، عن إبراهيم، عن أبيه، خرّجه الدارقطني.

• 3 - ومنها طريق عَمرو بنِ شُعَيْبٍ، عن زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ، عن عَائِشَةَ، خرّجه ابن ماجه والدارقطني وسنده لا بأس به، وقال الدارقطني:(زينب مجهولة، ولا تقوم بها حُجَّة) فإنه قول مرّة، ولأن زينب معروفة، وهي بنت محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، والراوي عنها، عمرو بن شعيب، هو ابن أختها، وقد روى عنها أيضًا أخوها، وذكرها ابن حبّان في الثقات، ونص الذهبي على أنه لا يوجد في النساء متروكة، ولا من اتهمت لاسيما في التابعيات. وقد ذكر ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه وأبي زُرْعَةَ، أنهما ذكرا هذا الحديث فأعلّاه بالحجاج بن

ص: 354