الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوضوء من مس الذكر
أرطأة راويه عن عمرو بن شعيب، وقالوا: إنه يدلس في حديثه عن الضعفاء، ولم يعلّاه بزينب المذكورة، فدلّ على أنها ثقة عندهما. أما الحجّاج فقد احتج به مسلم في "الصحيح" ووثّقه الكثير، وأقل درجات حديثه أنه حسن لو انفرد، فكيف بما تابعه على أصله نحو العشرة، وتدليسه مرفوع برواية الأوزاعي له، عن عمرو بن شعيب أيضًا فقد أخرجه الدارقطني، من طريق هشام بن عمار، عن عبد الحميد بن أبي العشرين ثنا الأوزاعي، ثنا عمرو بن شعيب، عن زينب، أنها سألت عائشة عن الرجل
يقبل امرأته أو يلمسها يجب عليه الوضوء؟ فقالت: "ربما توضأ النيي صلى الله عليه وسلم فقبّلني ثم يمضي فيصلّي ولا يتوضأ". فارتفع ما يخاف من تدليس الحجاج، وصح الحديث بلا خلاف.
وقد رواه أبو حنيفة عن محمد بن عبيد الله العرزمي، فوهم في إسناده في موضعين، فقال عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن زينب بنت أم سلمة عن عائشة، وهذا خطأ من العرزمي، فإنه كان ضعيفًا متروك الحديث لا يدري ما يحدث به. أخرجه عن أبي حنيفة، جماعة من أصحاب مسانيده، طلحة بن محمد وعمر بن الحسن الاشناني، والحسن بن محمد بن خسرو، من طرق عن أبي حنيفة.
• 4 - ومنها طريق عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل ثم يصلّي ولا يتوضأ". رواه البزار، والدارقطني، بعلتين:
إحداهما: أنه رواه من طريق الوليد بن صالح، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، ثم قال: (يقال إن الوليد بن صالح وهم في قوله: عن عبد
الكريم، وإنما هو من حديث غالب) بن عُبَيْدِ الله عن عطاء، وغالب متروك. قلت: وهذا مرفوع برواية البزّار، من طريق محمد بن موسى بن أعين، عن أبيه، عن عبد الكريم، فبطل هذا القول.
ثائيهما: أن الثوري رواه عن عبد الكريم، عن عطاء من قوله: "ليس في القبلة
وضوء"، وهذه أيضًا مرفوعة برواية الثقة عنه مرفوعًا، والحكم له كما هو معروف وبأنه لا مانع من أن يفتي الراوي بمضمون ما رواه، بل هو الواقع فهو أيضًا له حكم الرفع، لأنه ما أفتى إلا اعتمادًا على ما رواه من المرفوع.
• 5 - ومنها طريق الزهريّ، عن أبي سلمة، عن عائشة، وقد سبق في الذي قبله فإِنّ رجاله ثقات أيضًا.
• 6 - ومنها طرق أخرى فيها مقال، ذكرها ابن أبي حاتم في "العلل" والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "الخلافيات"، كلها عن عائشة.
وفي الباب عن غيرها، كأمّ سلمة رضي الله عنها، رواه أبو حنيفة، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل نساءه في رمضان، وما يجدد وضوءًا". خرّجه أبو محمد البخاري في "مسنده" عن أبي سعيد البصري، عن الحارث عن علي بن منصور الجرجاني، عن الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة.
ورواه أبو حنيفة أيضًا عن أبي روق، عن إبراهيم بن يزيد، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أنّه كان يتوضّأ للصلاة ثم يقبّل ولا يحدث وضوءًا". خرّجه الدارقطني في "السنن"، وطلحة بن محمد، ومحمد بن المظفر في "مسنديهما".
تنبيه: ليس المراد من تصحيح الحديث القول بمضمونه، وأن اللمس لا ينقض، بل المراد إظهار الحقيقة وإبطال الباطل، من زعم ضعف الحديث وهو صحيح، ولكنه مع ذلك منسوخ بالآية الكريمة.
* * *
76 -
حديث بُسْرَةَ أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا مسَّ أحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ". خرّجه مالك في "الموطأ"، وصحّحه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل.
قلت: وأخرجه أيضًا الشافعي، وأبو داود الطيالسي وعبد الرزاق، والدارمي وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة،
وابن حبان، وابن الجارود والحاكم، والطحاوي، والدارقطني، وابن حزم، والحازمي، وجماعة، وصحّحه أيضًا الترمذي، ونقل عن البخاري أنه أصحّ شيء في الباب، وكذلك صحّحه ابن حبان، والحاكم والدارقطني، والبيهقي، والحازمي، وابن حزم، وجماعة من الحفّاظ، المتقدّمين، والمتأخّرين. وهو صحيح بدون شبهة، ومن تكلم فيه فلا حجة له إلّا شبهة واهية بل مدفوعة لا يُلتفت إليها، فلا حاجة بنا إلى الإِطالة بإِبطالها، لاسيما مع ورود الحديث من طرق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر كما سيأتي.
77 -
قوله: (وقد روي أيضًا معناه من طريق أمّ حبيبة وكان أحمد ابن حنبل يصحّحه).
قلت: رواه ابن ماجه، والطحاوي، في "معاني الآثار"، والدولابي في "الكنى" والبيهقي في "السنن" والخطيب في "التاريخ"، كلهم من طريق مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من مس فرجه فليتوضأ". وصحّحه أيضًا أبو زُرْعَةُ، والحاكم.
لكن أعلّه البخاري، وجماعة بأن مكحولًا لم يسمع عن عنبسة، وخالفهم دحيم فأثبت سماعه منه. قال الحافظ: وهو أعرف بحديث الشاميين، وقال البيهقي:(بلغني أن أبا عيسى الترمذي قال: سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه، ورأيته كان يعده محفوظًا).
قلت: وفي جامع الترمذي، (قال محمد -يعني البخاري- أصحّ شيء في هذا الباب حديثُ بُسْرَةَ. وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب
(أصحّ) .. وقال محمد: لم يسمع مكحول من عَنْبَسَةَ بنِ أبي سُفْيَانَ. وروى مَكْحُولٌ، عن رَجُل، عن عَنْبَسَةَ غير هذا الحديث، وكأنّه لم يَرَ هذا الحديثَ صَحيحًا).
* * *
78 -
قوله: (وقد رُوِيَ معناه أيضًا من حديث أبي هريرة، وكان ابن السكن يصححه).
قلت: أخرجه الشافعي، وأحمد، والطحاوي في "معاني الآثار"، وابن حبان في "صحيحه"، والدارقطني، والحاكم، والطبراني في "الصغير"، والبيهقي، كلهم من طريق يزيد بن عبد الملك النوفلي، إلّا ابن حبان فمن طريقه
وطريق نافع بن أبي نعيم، وإلا الحاكم فمن طريق الثاني فقط، كلاهما عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل فليتوضأ وضوءه للصلاة".
وقال ابن حبان: (واحتجاجنا فيه بنافع لا بيزيد فإنا تبرّأنا من عهدة يزيد في كتاب "الضعفاء".
وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح، وشاهده الحديث المشهور، عن يزيد بن عبد الملك عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة).
وقال البيهقي: (يزيد بن عبد الملك تكلموا فيه -ثم أسند عن الفضل بن زياد- قال: سألت أحمد بن حنبل، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي فقال: شيخ من أهل المدينة لا بأس به). قلت: ويستغرب من البيهقي عدم إخراجه رواية نافع بن أبي نعيم، عن شيخه الحاكم، مع أن أكثر أحاديثه يرويها عنه، ثم قال البيهقي:(ولأبي هريرة فيه أصل). ثم أخرجه من "تاريخ البخاري"، ثم من رواية جميل بن بشير، عن أبي هريرة موقوفًا. "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" قال:(وقيل عن جميل عن أبي وهب عن أبي هريرة) ثم أخرجه كذلك ولفظه "من مس فرجه فليتوضأ ومن مس وراء الثوب فليس عليه وضوء". ومن هذا الوجه، خرّجه أبو نعيم في
"الحلية" في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي. وهذا طريق ثالث يقوي صحة الحديث، عن ابي هريرة وإن كان موقوفًا عليه. ولأجل هذا قال ابن السكن في حديث أبي هريرة: هو أجود ما روي في الباب.
تنبيه: اقتصار ابن رشد على ذكر الصحابة الثلاثة من رواة النقض بمس الذكر، لا يدلّ على عدم وجود غيرهم في الباب، فقد ورد من حديث جماعة آخرين، عدلًا جلّهم متواترًا. ونقل ابن الرفعة في "الكفاية"، عن القاضي أبي الطيب أنه قال: ورد في مس الذكر خاصة أحاديث رواها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة تسعة عشر نفسًا.
قلت: وهم: الثلاثة الذين ذكرهم ابن رشد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وزيد بن خالد، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعائشة، وابن عباس، وأبو أيوب، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن طلق، وأروى بنت أنيس، وأم سلمة، وأُبَيُّ بن كعب، وأنس بن مالك، وقبيصة، ومعاوية بن حيدة، والنعمان بن بشير، وفي الباب أيضًا عن رجل من الأنصار.
4 -
فحديث عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بن العاصِ، رواه أحمد، وإسحاق بن راهويه في "مسنديهما"، وابن الجارود في "المنتقى"، والطحاوي،
والدارقطني، والبيهقي، والحازمي في "الاعتبار"، كلهم من طريق بقية بن الوليد، حدثني محمد بن الوليد الزُبَيْدي، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيّما رجل مسّ فرجه فليتوضأ، وأيّما امرأة مست فرجها فلتتوضأ" وقال الحازمي: (هذا إسناد صحيح). وذكر الترمذي في كتاب "العلل" عن البخاري أنه قال: (حديث عبد الله بن عمرو في باب مس الذكر هو عندي صحيح).
5 -
حديثُ جَابِرٍ، رواه الشافعي، وابن ماجه، والطحاوي، والبيهقي في "السنن" و"المعرفة" كلهم من طريق ابنِ أبي ذِئْب، عن عُقْبَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عن مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ ثَوْبَانَ، عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أفضَى أَحدُكُمْ بِيدِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ".
وقال الطحاوي: (هذا الحديث كلّ من رواه عن ابن أبي ذئب من الحُفّاظ يذكرونه، عن محمد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا ويخالفون فيه ابن نافع). قلت: وليس كذلك، فقد رواه ابن ماجه، من طريق مَعْنِ بنِ عِيسى أيضًا، عن ابن أبي ذئب مَوْصولًا، وكلٌّ من عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، ومَعْنِ بن عِيسى ثقة من رجال الصحيح، والثاني متفق عليه، فهما ثقتان اجتمعا على وَصْلِهِ، فالحديث صحيحٌ مَوْصولًا، كما قال ابن عبد البر، والضياء، وغيرهما. وبهذا أيضًا يُردّ قول أبي حاتم في "العلل" وقد ذكره من رواية عبد الله بن نافع:(هذا خطأ، الناس يروونه عن ابن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا لا يذكرون جابرًا) ا. هـ. وسلفهما -أعني هو والطحاوي- الإمام الشافعي رضي الله عنه، فإنه بعد أن رواه عن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب مرسلًا، وعن عبد الله بن نافع عنه موصولًا، قال:(سمعت غير واحد من الحفاظ يروونه لا يذكرون فيه جابر) ا. هـ. وقد عرفت ما فيه.
6 -
وحديث زيد بن خالد، رواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والبزار، والطبراني في "الكبير" والطحاوي في "معاني الآثار"، والبيهقي في "المعرفة" كلهم من رواية ابن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم الزهريّ، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضأْ".
وأعلّه الطحاوي وزعم أنه غلط قال: (لأنّ عروة حين سأله مروان على مس الفرج، فأجابه من رأيه: أن لا وضوء فيه، فلما قال له مروان، عن بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال -يعني حديثها السابق- قال له عروة: ما سمعت به. وهذا بعد موت زيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم). قلت: وهذه حجّة في الظاهر قاطعة، ولكنها مبنية على خطأ وتلبيس وتدليس.
• أما أولًا: فإِن عروة لم ينكر على بسرة الحديث، بل أنكره على مروان بن الحكم، ولم ينكر عليه الحديث أيضًا، بل أنكر عليه الحكم لأنه ظنه مخطئًا فيه، فإِنّ عروة قال: دخلت على مروان بن الحكم، فتذاركنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان: ومِن مسَّ الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ"، قال عروة:
فأتيت بسرة فحدّثتني كما حدّثني مروان عنها، فصدّقها عروة ولم ينكر عليها كما دلّس به الطحاوي.
• وأما ثانيًا: فإن ابن إسحاق، وإن كان ثقة فلم ينفرد بالحديث عن الزهري، بل تابعه عليه ثقة آخر وهو ابن جريج؛ كما أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن أبي بكر البرساني عنه، عن الزهريّ كما سيأتي، غاية الأمر أن ابن إسحاق قال: عن الزهري عن عروة، والواقع أن الزهري، رواه عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة.
• وأمّا ثالثًا: فإن زيد بن خالد لم يمت قبل وقت المذاكرة التي حصلت بين عروة ومروان، كما زعمه الطحاوي، بل كان وقت المذاكرة حيًا، وتأخرت وفاته بعد ذلك بزمان كما سيأتي فعروة لمّا سمع الحديث من بسرة بنت صفوان، حدّثه به أيضًا زيد بن خالد الجهني، فصار بعد ذلك يرويه عنهما معًا، كما قال الشافعي في القديم:(وروى ابن جريج عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، وزيد بن خالد الجهني معًا عن النبي صلى الله عليه وسلم به)، وقال إسحاق بن راهويه في "مسنده":(أخبرنا محمد بن بكر البرساني، ثنا أبي جريح، حدثني الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة أنه كان يحدث عن بسرة بنت صفوان، وعن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ") ومن طريق إسحاق، رواه البيهقي في "المعرفة" وقال: (هذا إسناد صحيح لم يشك فيه رواته، وذكر الحديث عنهما جميعًا -قال- وكذلك رواه أحمد بن حنبل عن البَرْساني، ورأى محمد بن يحيى الذهلي روايته عنهما جميعًا من غير شك هي
المحفوظة)، فاندفع كل ما موّه به الطحاوي في الطعن في الحديث. وقد أجاد البيهقي الردّ عليه فقال في "المعرفة" بعد كلام مع الطحاوي:(ثم أخذ -يعني الطحاوي- في الطعن على ابن اسحاق، وأنه ليس بحجة، ثم ذهب الى أنه غلط -ما سبق عنه قال البيهقي- وددنا أن لو كان احتجاجه في مسائله بأمثال محمد بن إسحاق بن يسار، كيف وهو يحتج في كتابه بمن قد أجمع أهل العلم بالحديث على ضعفه في الرواية؟ وهذا الحديث إنما ذكره صاحبنا الشافعي، من جهة ابن جريج، عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، وزيد بن خالد. وقد أخرجه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في "مسنده" كما ذكرنا وهو إسناد صحيح ليس فيه محمد بن إسحاق، ولا أحد ممن يختلف في عدالته .. وأمّا ما قال من تَقدُّم موت زيد بن خالد الجهني، فهذا منه توهّم، فلا ينبغي لأهل العلم أن يطعنوا في الأخبار بالتوهّم، فقد بقي زيد بن خالد الى سنة ثمان وسبعين من الهجرة، ومات مروان بن الحكم سنة خمس وستين. هكذا ذكره أهل العلم بالتواريخ، فيجوز أن يكون عروة لم يسمعه من أحد حين سأله مروان ثم سمعه من بُسْرة، ثم سمعه بعد ذلك من زيد بن خالد الجهني، فرجع الى روايتهما وقلّد حديثهما وبالله التوفيق) ا. هـ.
قلت: ومن الغريب أيضًا ما ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" من أنه سأل أباه عن حديث رواه عبد الرزاق، وأبو قرة موسى بن طارق، عن ابن جريج فذكر الحديث،
فقال أبو حاتم: (أخشى أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا جعفر حدثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريج بكتب مثل هذا -خفض يده اليسرى، ورفع اليمنى مقدار بضعة عشر جزءًا- فقال: أروي هذا عنك؟ فقال: نعم) ا. هـ. فابن جريج ثقة، وقد صرح في الحديث بالسماع من الزهري، فكيف هذه الخشية التي تفضي -لو عُمِلَ بها- على جميع الأحاديث.
7 -
وحديث ابنِ عُمَرَ، ورد عنه من طرق:
• الأول: من رواية العَلاء بن سليمانَ، عن الزّهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". رواه الطبراني في "الكبير"، والطحاوي في "معاني الآثار"، وقال: العلاء هذا ضعيف.
• الثاني: من رواية صَدَقة بن عبد الله، عن هشام بن زيد، عن نافع، عن ابن
عمر، أخرجه البزار، والطحاوي وقال:(صدقة بن عبد الله هذا ضعيف، وهشام بن زيد، ليس من أهل العلم الذين يثبت بروايتهم مثل هذا).
• الثالث: من رواية إسحاق بن محمد الفروي، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، أخرجه الدارقطني، وعزاه الحافظ إلى البيهقي أيضًا، وليس هو في "السنن"، والعمري ضعيف.
• الرابع: من طريق عبد العزيز بن أبان وهو ضعيف متروك، عزاه
الحافظ إلى الحاكم في "المستدرك" وهو ساقط في الأصل المطبوع، وفي محل ذكره بياض.
• الخامس: من طريق أيوب بن عُتْبَةَ، رواه ابن عدي في "الكامل" وأيوب مختلف فيه.
• السادس: قال البيهقي في "المعرفة": أخبرنا أبو سعد الماليني، ثنا أبو أحمد بن علي الحافظ، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الرحمن بن سلَّام، ثنا سليم بن مسلم أبو مسلم، عن ابن جريج، عن عبد الواحد بن قيس، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ مسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ"، هكذا وقع في "المعرفة" عبد الواحد، عن ابن عمر، وعبد الواحد إنما يروي عن نافع، فإن لم يكن وقع في الأصل سقط، فهو منقطع، وعبد الواحد أيضًا ضعيف، قال البيهقي: (ورواه الشافعي
في كتاب "القديم" عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج)، قلت: وعبد الله بن عمر لم يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمعه من بسرة، فقد قال الشافعي في "القديم":(أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب قال: سمع ابن عمر بسرة تحدّث حديثها، عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسّ الذكر فلم يدع الوضوء منه حتى مات). وذكره البيهقي في "المعرفة" إلا أنه منقطع؛ لأنّ عمرو بن شعيب لم يدرك عبد الله بن عُمَر، ومسلم ابن خالد فيه مَقَال، والحديث في "الموطأ"، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، أنّه كان يقول:"إذَا مسَّ أحَدُكمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ".
8 -
وحديثُ عائشة، قال الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" ثنا عبد العزيز بن أبان، ثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مس أحدكم ذكره فليعد الوضوء". ورواه الطحاوي، ثنا أبو بكرة، ثنا أبو داود، ثنا هشام به، فقال عن يحيى بن أبي كثير أنه سمع رجلًا يحدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عروة به وهو سند جيد رجاله ثقات لولا هذا المبهم.
ورواه الطحاوي أيضًا، وأبو نُعَيْم في "تاريخ إصبهان" كلاهما من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن عمر بن سُرَيْج، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال:"من مسّ فرجه فليتوضأ". وإبراهيم وشيخه فيهما مقال، ووالد عمر: سُرَيْج -بالسين المهملة وآخره جيم- وقد ضعّفه الطحاوي بعمر المذكور وقال: (ثم هو منكر أيضًا؛ لأن عروة لما أخبره مروان، عن بسرة بالحديث لم يكن عرفه قبل ذلك، لا عن عائشة رضي الله عنها ولا عن غيرها). وبنحو هذا أعلّه أبو حاتم الرازي، لمّا سأله ابنه عنه فقال كما في "العلل":(إنما يرويه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أن عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحد، وهذا يدل على وهن الحديث). قلت: وليس ذلك بلازم، لأنّ الواقع قد يكون أن عروة لم يكن عنده علم بهذا الأمر مطلقًا حتى سمعه من مروان، وحدثه به عن بُسْرَة بنت صفوان، فلما علم عروة ذلك من جهتهما، سأل عنه خالته عائشة رضي الله عنها فحدثته بمثل ذلك كما حدثه به أيضًا زيد بن خالد الجهني، إما بسؤال منه أو ابتداء، فأي موجب لوهن الحديث بروايته عن عائشة بعد روايته إياه عن بسرة.
ويؤيد هذا ورود الحديث عن عائشة موقوفًا بالسند الصحيح أنها قالت: "إذا مسّت المرأة فرجها بيدها فعليها الوضوء". رواه الحاكم، والبيهقي، من رواية عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عنها.
أما ما رواه الدارقطني، من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ويْلٌ للَّذينَ يَمَسُّونَ فرُوجَهُمْ ثمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضأون، قالت عائشة بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء، قال: إذا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأ لِلصَّلَاةِ" فحديث كذب موضوع لأن عبد الرحمن بن عبد الله كذاب.
9 -
وحديث ابن عباس، قال الحافظ:(رواه البيهقي من جهة ابن عدي في "الكامل" وفي إسناده الضحاك بن حمزة، وهو منكر الحديث).
قلت: ليس هو عند البيهقي في "السنن" وقد خرّجه في الخلافيات، وسهى الحافظ أن ينص على ذلك أو تبع الأصل المخرّج للرافعي، فإن البيهقي في
"السنن" لم يخرج إلا أثرًا موقوفًا من طريق شعبة، عن قتادة قال: كان ابن عمر وابن عباس يقولان في الرجل يمس ذكره يتوضأ، قال شعبة: فقلت لقتادة عمن هذا فقال: عن عطاء.
قلت: والمرفوع أخرجه الخطيب في "التاريخ" من طريق الضحاك المذكور قال: حدثنا هيثم بن جميل، ثنا أبو هلال الراسبي، عن أبي بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "من مسّ ذكره فليتوضأ".
10 -
وحديث أبي أيُّوبَ، رواه ابن ماجه من طريق إسْحَاقَ بنِ أبي فَرْوَةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدٍ القَارِيَّ، عن أبي أيُّوبَ مَرْفُوعًا مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأ"، وإسحاق بن أبي فروة ضعيف.
11 -
وحديث سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاص، ذكره الحاكم، في "المستدرك" في أسماء من روى الحديث مرفوعًا من الصحابة ولم يخرجه، وعزاه الحافظ السيوطي في "الأزهار المتناثرة"، إلى تخريجه فوهم في ذلك، وهو في "الموطأ" عن سعد موقوفًا عليه، ومن طريق مالك خرّجه البيهقي.
12 -
وحديث طلق بن علي، رواه الطبراني في "الكبير" قال: حدثنا الحسن ابن علي الفسوي، ثنا حماد بن محمد الحنفي، ثنا أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأ" ثم قال: (لم يروه عن أيوب بن عتبة، إلّا حمّاد بن محمد وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان ويشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم -يعني الآتي- قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بُسْرَةَ، وأم حَبِيبَةَ، وأَبِي هرَيْرَةَ، وزيدِ بن خالدٍ الجُهَنِيَّ، وغيرهم ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من مس الذكر، فسمع الناسخ والمنسوخ).
13 -
وحديث أرْوَى بنتِ أنَيْس، قال الحافظ:(رواه البيهقي من طريق هشام أبي المقدام، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها قال: وهذا خطأ، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: ما تصنع بهذا؟ لا تشغل به)، قلت: وليس هو أيضًا في "السنن" فلعلّه في "الخلافيات" وسهى عن ذكره. وقد خرّجه أيضًا ابن السكن، والدارقطني في "العلل" من هذا الوجه وقال: أولهما لا يثبت، ولم يحدث به عن هشام بن عروة، غير أبي المقدام، وهو بصري ضعيف.
14 -
وحديث الرجل من الأنصار، خرّجه إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا محمد بن بكر البرساني، أخبرنا ابن جريج قال: وقال يحيى بن أبي كثير عن رجل من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى ثم عاد في مجلسه، فتوضأ، ثم أعاد الصلاة فقال:"إِنّي كُنْتُ مَسَسْتُ ذَكَرِي فَنَسِيتُ"، ورواه عبد الرزاق في "المصنف" عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا، لم يذكر الرجل من الأنصار.
وفي "الموطأ" عن نافِعٍ، عن سَالِمٍ، عن ابنِ عُمَرَ نحو هذا من فعله.
15 -
وحديث أم سلمة، ذكره الحاكم في "المستدرك"، وعزاه الحافظ السيوطي في "الأزهار المتناثرة" إليه تخريجًا فأساء.
وأحاديث الباقين، ذكرها ابن منده فيما نقله الحافظ.
79 -
حديث طَلْقِ بن علي قال: "قَدِمْنَا عَلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وعِنْدَهُ رجُلٌ كَأنَّهُ بَدَوِيُّ، فقالَ: يا رسول الله: ما ترى في مَسَّ الرّجُلِ ذَكَرَهُ بعدَ أنْ يَتَوَضَّأ؟ فقالَ: وَهَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ؟ ". قال ابن رشد: خرَّجه أبو داود، والترمذي، وصحّحه كثير من أهل العلم الكوفيون وغيرهم.
قلت: أخرجه أيضًا أبو داود الطيالسي، وأحمد، والنسائي، وابن
ماجه، وابن حبان، وابن الجارود، والطحاوي، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، والحازمي وجماعة. وصحّحه أيضًا ابن حبان،